خطبة الجمعة (460) 13 شعبان 1432هـ – 15 يوليو 2011م

مواضيع الخطبة:

الخطبة الأولى: الكمال والسعادة

الخطبة الثانية: مولد الحجّة المنتظر (عجل الله فرجه) – الضرب على وتر المذهبيّة والطائفيّة

الخطبة الأولى

الحمد لله الواحد الأحد المتنزّه عن التعدُّد والتركّب والتجزّوء، العليم الذي لا يجوز على علمه مخالطة الجهل، القدير الذي يستحيل على قدرته العجز، الكامل المطلق الذي لا يعرض كمالَه نقص، الحكيم الذي لا يشوب حكمتَه ضلال، المريد الذي لا يمسّ إردتَه تخلُّف.
أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أنّ محمداً عبده ورسوله صلّى الله عليه وآله وزادهم تحية وبركة وسلاماً.
أوصيكم أيها المؤمنون ونفسي الأمّارة بالسوء بتقوى الله الذي لا تُنسى نعمه، ولا تُغفل نِقمُه، ولا تُجارى قدرته، ولا يُغالَط علمُه، ولا مهرب من قَدَره، ولا طاقة لأحد على عذابه.
ألا ما عصى الله عاصٍ إلاّ عن سفهٍ وضلال، وإلا فماذا يُغري العبدَ المملوكَ بكلّ ذرّةٍ من ذراته، ولحظةٍ من لحظاتِ وجوده وحياته بمعصية منشئه، ومدبّره، ومالك أمره كلّه، ومن قَدَرُه بيده؟ فماذا يملك أن يفعل إذا حلّ عليه سخطُ الله وعذابه؟! وبمن يستعين لردّ العذاب عن نفسه؟! وإلى أين مأواه ومهربه ومفزعه؟!
اللهم لا فزع إلا إليك، ولا مفرّ إلا إلى عفوك ورحمتك، ولا تعويل إلاّ عليك. اللهم إنا نفزع إليك من إغواء الشيطان، وغرور الدنيا، وهوى النفس، ومن كلّ زيغ وضلالة. ربّنا اهدنا سواء السبيل وإخواننا المؤمنين والمؤمنات أجمعين، واغفر لنا ولهم، وتب علينا إنك أنت التوّاب الرحيم.
أما بعد أيها الإخوة الأعزّاء من المؤمنين والمؤمنات فقوله سبحانه:.
{مَن يَهْدِ اللّهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِي وَمَن يُضْلِلْ فَأُوْلَـئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ}(1).
الإنسان خُلِق لغاية هي كماله الذي يتّسع له وجوده وماهيّته، ومن أجل سعادة أبدية يهيؤها له جهاده على طريق كماله في هذه الحياة.
والوصول إلى الغاية يحتاج من الإنسان الطالب لها التعرُّف عليها، وعلى طريقها، والصبر على ملازمة هذا الطريق.
والكمال والسعادة لا يُنالان إلا عن طريق الأخذ في اتجاه الله الكامل الحقّ في ذاته، وتربية الذات طبقاً لدينه ومنهجه.
والإنسان خَلْقَةً مزوّدٌ بموهبة من الله الجواد الكريم بقِوى الهداية إليه، وإلى دينه بما يؤدّي به إلى التعرّف على كل ما فيه هداه في تفاصيل حياته، ومساحة عمره، وما ينأى به عن كلّ ضلال، وضياع، وتيه وانحدار.
وما على الإنسان في البداية هو أن لا يُهمِل رصيد مواهب الهدى الإلهي في عقله وروحه وقلبه، وأن لا يُضادّ خطّها عن عمد واختيار، وأن يُحسن التعامل معها، والاستفادة منها.
وبهذا يأتيه جزاء إلاهي ثرٌّ كريم من هدايات إضافية متدفّقة لا تتركه لإضلال الشّيطان، ووسوسة الصدور، وإغواء أهل الضلال، ولا تتخلّى عنه في حيرة، ولا تُسلمه لانحراف، ولا تنقطع عن إنقاذه، ولا تغيب عن انتشاله في أيّ نقطة من نقاط الطريق، وتمدّه بالنّور والبصيرة التي يحتاج، وتُوسِّع من أُفُق رؤيته، وتُحِدّ من بصر قلبه وسريرته، وتُعمِّق من نظرته، وتُضيء داخله، وترفع في الخير والصّلاح مستوى إرادته وهمّته.
وكلّما قدّر العبد نعمة الهدى من الله إليه، وجدّ في السير إلى ربّه على ضوء قديمها وجديدها زاد هدى وتوفيقاً منه سبحانه، ولطف به، وقرّبه إليه، وأمَّده بعطاياه ومواهبه.
ولا يُخاف على من تولّى الله هداه أن يضلّ، ولا يدخل على عبد أراد الله هدايته ضلال، ولا تشوب هدى الله شائبة. ولا مصدر للهدى ولا أيّ خير من دون الله، ولا شيء من الهدى بالحقّ في كلِّ ما يُدَّعى له ذلك مما خالف دين الله، وانتحل منهجاً غير منهجه، واتّجه بالعقل والنفس والقلب والرّوح إلى من سواه. فالأمر كما قال سبحانه:{مَن يَهْدِ اللّهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِي…}.
والله الذي يهدي منّاً وكرماً وتفضّلاً ابتداءاً واستمراراً، قد يُضل جزاءاً وفاقاً.
ويكفي في إضلال الله سبحانه لمن استحقَّ ببالغ تفريطه في هدايات الله له، وبيّناته عنده، وحُججه الواضحة عليه، ودلائله السّاطعة الواصلة إليه أن يُخلّيَه لنفسه، ولمن اختار أن يتابعَه في ضلاله، ويستجيب له في غوايته، مُعرِضاً عن هدى ربه، كافراً بنعمته عليه.
وهذا عبدٌ لا يمكن أن يجد الهدى من عند غير الله، ولا أن يخرج من شكِّه، وحيرته وضلاله وعماه، ولا أن يبصر طريق غايته؛ الغاية الكبرى التي خُلِقَ من أجلها كماله وسعادته. وهو صائرٌ حتماً إلى نسيان الغاية، والانقطاع عنها، والانحدار عن الطّريق الآخذ إليها.
ومن خَسر غايةَ وجوده، وهدف حياته فقد خسره وخسرها. وأبلغ خسارة، وأشدّ نقص يعتري وجود إنسان وحياته أن يخسرهما، وأن يؤدّيا به بدل الجنّة إلى النّار، ومكان السّعادة إلى الشّقاء، ومكان الكمال إلى الانحطاط، والرفعة إلى السّقوط، ورضى الله سبحانه إلى غضبه.
وما فعل أحدٌ بأحدٍ من سوءٍ ما فَعَلَه عبدٌ بنفسه من هذه الخسارة، وهل أشدّ ظلماً من ظلم هذا العبد لنفسه؟!
من ظلمك في مالك ونفسك وسُمعتك مثلاً فقد ظلمك ظلماً شديداً، ولكنك أشدّ ظلماً لنفسك من كلّ هذا حين تتخلّى عن الله، وتُعرض عن آياته.
سَاء مَثَلاً الْقَوْمُ الَّذِينَ كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا وَأَنفُسَهُمْ كَانُواْ يَظْلِمُونَ}(2).
اللهم صلّ على محمد وآل محمد، واغفر لنا ولإخواننا المؤمنين والمؤمنات أجمعين، وتب علينا إنك أنت التواب الرحيم. اللهم اغفر لوالدينا وأرحامنا وقراباتنا ومشايخنا وأساتذتنا ومن أحسن إلينا من المؤمنين والمؤمنات والمسلمين والمسلمات يا أرحم الراحمين.
اللهم لا تجعلنا ممن نسيك فأنسيته نفسه، فأذهب في معصيتك عمره، وباع على الدنيا وجوده، وأضاع فيها حياته، وتلهّى بها عن غايته، ففعل بنفسه أكبر ظلم يرتكبه أحد في حقّ غيره.
{… اهدِنَــــا الصِّرَاطَ المُستَقِيمَ، صِرَاطَ الَّذِينَ أَنعَمتَ عَلَيهِمْ غَيرِ المَغضُوبِ عَلَيهِمْ وَلاَ الضَّالِّينَ}(3).
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
{قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ، اللَّهُ الصَّمَدُ، لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ، وَلَمْ يَكُن لَّهُ كُفُواً أَحَدٌ}(4).

الخطبة الثانية

الحمد لله الذي منَّ على عباده بهدايته، وفتح عليهم بما أظهر من بيّنات قدرته، ودلائل عظمته بابَ المزيد من معرفته، وبما شرَّع لهم من شرائع الدّين، وأنواع العبادة، وطرق الطاعة ما يبتغون به الدّرجات الكريمة من القُرب إليه، وسوابغ نعمته، ولطائف رحمته.
أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أنَّ محمداً عبده ورسوله صلَّى الله عليه وآله وزادهم تحية وبركة وسلاماً.
عباد الله أفلا فلنتّق الله الذي أمر بتقواه، وألزم بطاعته رحمةً منه بعباده، لما في ذلك لهم من صلاح الحياة، ورفعة الشأن وكمال الذات، والكرامة لديه، والمزيد من لطفه وإفضاله ونِعمته.
وكيف لا يتّقي العباد ربَّهم والحقُّ ما قاله كتابه الكريم {وَإِن يَمْسَسْكَ اللّهُ بِضُرٍّ فَلاَ كَاشِفَ لَهُ إِلاَّ هُوَ وَإِن يَمْسَسْكَ بِخَيْرٍ فَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدُيرٌ، وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْخَبِيرُ}(5).
اللهم اغفر لنا ولإخواننا المؤمنين والمؤمنات أجمعين، وتب علينا إنك أنت التوّاب الرحيم.
اللهم أصدق إيماننا ومعرفتنا بك، وأخلص طاعتنا وعبادتنا لك، واجعل لنا الاستقامة الدائمة على صراطك، ولا تعدل بنا أبداً عن القصد إليك، وطلب رضوانك، واكتبنا من الشّاكرين يا حنّان يا منّان يا جواد يا كريم، يا أرحم الراحمين.
اللهم صلّ وسلّم وزد وبارك على حبيبك المصطفى محمد بن عبدالله خاتم النبيين والمرسلين الصادق الأمين، وصلّ وسلّم على وليّك الإمام علي بن أبي طالب أمير المؤمنين وإمام المتقين، وعلى فاطمة الزهراء الصديقة الطاهرة المعصومة، وعلى الهداة الميامين أئمة الهدى الذين اصطفيتهم لقيادة عبادك إلى رضوانك وجنّتك: الحسن بن علي الزكي، والحسين بن علي الشهيد، وعلي بن الحسين زين العابدين، ومحمد بن علي الباقر، وجعفر بن محمد الصادق، وموسى بن جعفر الكاظم، وعلي بن موسى الرضا، ومحمد بن علي الجواد، وعلي بن محمد الهادي، والحسن بن علي العسكري، ومحمد بن الحسن المهدي المنتظر القائم.
اللهم صل على محمد وآل محمد، وعجِّل فرج وليّ أمرك القائم المنتظر، وحفّه بملائكتك المقرّبين، وأيّده بروح القدس ياربّ العالمين.
عبدك وابن عبديك، الموالي له، الممهِّد لدولته، والفقهاء العدول، والعلماء الصلحاء، والمجاهدين الغيارى، والمؤمنين والمؤمنات أجمعين، وفِّقهم لمراضيك، وسدِّد خطاهم على طريقك، وانصرهم نصراً عزيزاً ثابتاً مقيماًً.
أما بعد فهنا كلمتان:

مولد الحجّة المنتظر (عجل الله فرجه):

في يوم الخامس عشر من شعبان تأتي ذكرى غالية عزيزة في الإسلام؛ إنّه يوم ذكرى ولادة الإمام الحجّة المنتظر القائم عجّل الله فرجه، ومكّن له، وهزم به الكفر والظُّلم والنفاق، وطهّر به الأرض من الرّجس والطغيان. وبورك للأمّة المؤمنة يومُ هذه الذّكرى، وجَعَلَه يوم انطلاقة ميمونة في تاريخ أمّتنا، وعهدٍ زاهر جديد.
يوم هذه الذكرى يومُ وعيٍ رشيد يمنع من استغفال الأمّة عن قيادتها الإلهية التي أكرمها الله بها ولم يرض لها بديلاً عنها، ويمنع من تمييعها وتدجينها، واستلاب أصالتها، ومن ارتمائها في أحضان الغرب والشرق، والرضى بالقيادات الصغيرة.
يوم يُذكِّر هذه الأمّة بحجمها وكرامتها وعزتها، واختيار الله لها لقيادة العالَم، وتعليم النّاس، والإطاحة بالظُّلم، وإقامة العدل، وتحكيم كلمة الله في الأرض(6).
يوم للقضاء على اليأس الذي عملت الطاغوتية العالمية، وآلتها العميلة في الأمة طويلاً على زرعه وترسيخه في نفوس الأجيال المتلاحقة من أبنائها وبناتها(7)، وعلى هزّ الثِّقة بعنف في داخل إنسانها بحيث لا تُحدِّثه نفسه إلا بالتبعيّة للغير، واسترضائه ليتوفّر على ضروراته في ذُلٍّ ومهانة، من دون أن تأتي في نفسه خاطرة الحرية والعزّة والنّصر والاستقلال والكرامة(8).
يوم لبعث الأمل الناهض القويّ المصحوب بالجدّ والسّعي العملي والإصرار على مواصلة الطريق الشاقّ للنّصر والعزّ والكرامة.
يومٌ لانتفاضة الإرادة الإيمانية المكبوتة واندفاعتها على طريق الهدى والنّور والصّلاح لتغيير ما على الأرض من سوء، ونسف ما فيها من طاغوتية، وما تعاني من فساد وما تشكو منه من ظلم.
يوم للجدّ في العمل في سبيل الله، وإعداد النفس والأمة لتحمّل مسؤولياتها الجسام، وحسم معركتها مع الجور في الأرض لصالح الدِّين والقِيم والإنسان، ولمجاهدة النفس أقوى مجاهدة لاجتثاث كل عوامل الضعف والوهن والخور والانحراف منها حتى تستقيم على طريق البذل والجهاد والتضحية من أجل تصحيح كل الأوضاع لا في بقعة ضيقة وإنما في كل العالم.

يوم يلتحم بالأمّة المؤمنة بطريق الأنبياء وأئمّة الهدى عليهم السلام على مستوى الفكر والشعور والعمل، ويجعل مواصلة هذا الطريق خياراً لا بديل له على الإطلاق.
ونهنئ المجلس الإسلامي العلمائي على ما تبنّاه من موسم ثقافي سنويّ بمناسبة ذكرى مولد الإمام القائم عجل الله فرجه وسهّل مخرجه.
وهو موسم لائق بكل العناية والاهتمام من المجلس ومن كل المؤمنين، ويستوجب منّا جميعاً كلّ الدعم والمناصرة.

عزيز وأعزّ:

لئن كان عزيزاً على شعب مؤمن أن تُسلب منه لقمته، ويُصاب بالأذى في دنياه، وكان هذا يستثيره، ويسترخص لمواجهته دمَه وروحَه، فإنَّ كرامته ودينَه وشعائرَ هذا الدّين، ومساجدَه وحسينياته، وأوقافَه أعزّ عليه من كلّ دنياه، وهو أكثر استعداداً للبَذل في هذا الجانب، وأشدّ غَيرةً وفداء، وأسرع للتضحية(9).
فلا كلام عن مواكب ومجالس حسينية وأحوال شخصية وأوقاف. ولا يتحدّث في هذا ولا يتحدَّى أهلَه فيه إلاّ من أراد بهذا البلد فتنةً حارقة، وناراً متسعِّرة لا تهدأ.
ثمَّ إنّه لا يضرب على وتر المذهبيّة والطائفيّة إلاَّ من ليس له حبٌّ لبلده، ولا رأفةٌ له على أهلها، ولا يُريد لها إلا سوءاً، وأن يسلّمها بيد الفتنة العمياء، والفُوضى العارمة، والحرب الطاحنة.
يعرفُ من يضرب على هذا الوتر أنَّ أشدَّ ما يثير الناس ويلهب مشاعرهم أن تُمسَّ مذاهبهم(10)، وأن يُواجَهوا فيها بالتحدّي والعدوان، وأنَّ أسرع ما يفتت المجتمعات ويحوّلها إلى تخندقات متواجهة هي الإثارات الطائفية، وأشدّ ما يكون إثارة من هذا، محاولات الإلغاء والاجتثاث والتغييب والإزالة ماديّة كانت أو معنوية.
وهو عمل إجرامي يُراد به استثمار دماء المسلمين الأخوة في سبيل أهداف سياسية قذرة رخيصة.
وليتذكَّر من يريد استهداف المواكب والمجالس الحسينية، والأوقاف والأحوال الشخصية ما كان من صدّام العراق من موقف عدواني شرس اعتمد البطش والتنكيل ومختلف أساليب الملاحقة والمطاردة لكلّ ما يمسّ الدين والحسين عليه السلام، والأحكام الشرعية، ومراقد الأئمة الأطهار وزيارتها وصلوات الجمعة والجماعة، وأنَّ صدّام قد انتهى، وبطشه قد فشل، وسعيه قد خاب، وعدوانيّته إنما ارتدت عليه، وأنَّ الدين باق، والحسين مخلّد، والأوقاف عادت ليدها الأمينة، ووظيفتها الدينية المحدَّدة، واشتدَّ الإقبال على الحسين عليه السلام، وضحَّى النّاس بأرواحهم الغالية في زيارته وأعلنوها صريحة:
لو قطّعوا أرجلنا واليدين
نأتيك زحفاً سيدي يا حسين(11)
إنَّ كلَّ ما أعطاه عداء صدام للدّين والحسين عليه السلام هو تنضيج الولاء الدّيني، وتأجيج الشعور المذهبي، والالتفاف الشّديد، وروح الفداء والتضحية للقضايا التي ركَّز على محاربتها، واستهدفها بالاجتثاث.
ويعلم الكل أنَّ المذهب الجعفري عِدْلُ المذهب السنّي في البحرين(12)، وله أصالته هنا من صدر الإسلام.
وإذا كان التاريخ العريق، والواقع الصارخ لا يكفي لحماية هذا المذهب من ألاعيب السياسة وأباطيلها وعدوانيتها(13) فلابدّ من نصٍّ دستوريّ صريح غير قابل للتأويل لإيقاف كلّ المحاولات العابثة المتعدّية على حرمة هذا المذهب وحرّيته(14).
على أن هذه المحاولات لا تملك أن تلغي مذهباً أو تحرقه وتغيّبه أو تقزّمه خاصّة في مثل هذا الزمن الذي اشتدّ فيه وعي الشعوب وعزيمتُها، وقدرتها النفسيّة على الصّمود، وإصرارها على استنقاذ الحق، وصيانة الوجود.
وإذا كان هذا الضرب على وتر المذهبية لصرف النظر عن المسألة السياسية والحاجة الملحّة للإصلاح السياسي فإنّه يجب أن يُعلم أنّ حرمة الدّين من صُلب المسألة السياسية، والإصلاح السياسي، وأنّ الإصلاح السياسي من أكبر هموم الدّين ومطالبه(15)، وأنّ مسّ الدين يؤجّج الشعور بالحاجة إلى الإصلاح السياسي، ويوجب التشديد على المطالبة به لا أنّه يصرف عن همّه، وأن الانحراف السياسي يُخاف منه على الدّين، ويتهدّده، فلا يَسكُت الدين عليه، على أن الانحراف السياسي في نفسه انحراف عن الدين فلا يسع أهل الدين الحقّ إلا مواجهته.
إنّ حرف البوصلة عن المطلب السياسي أصبح أمراً مستحيلاً في وعي الشعوب.
اللهم صلّ وسلّم على محمد وآل محمد، واغفر لنا ولإخواننا المؤمنين والمؤمنات أجمعين، وتب علينا إنك أنت التواب الرحيم.
اللهم لا تجعل لنا بُغضاً لمن آمن بك، ولا حقداً على أهل طاعتك، ولا سعياً بالفساد في أرضك، والفتن الجاهلية في خلقك، والتمزيق للمسلمين من عبادك، وارزقنا الصلاح، والإصلاح، والسعي بالخير في البلاد والعباد يا كريم يا رحيم.
اللهم اجعلنا من أنصح الناصحين لكل مسلم ولكل مخلوق، اللهم ارحم شهداءنا، وجميع شهداء الإسلام، وفكّ الأسرى والمسجونين المظلومين، واشف المرضى والجرحى والمعلولين من المؤمنين والمؤمنات أجمعين برحمتك يا أرحم الراحمين.
{إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاء ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ (16).

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1- 178/ الأعراف.
2- 177/ الأعراف.
3- 6، 7/ الفاتحة.
4- سورة الإخلاص.
5- 17، 18/ الأنعام.
6- علينا أن ندرك أننا الأمّة التي اختارها الله عز وجل لقيادة العالم. فنحاول أن نكبر، أن ننمو بقدر يؤهّلنا لهذه القيادة.
7- الإسلام يريد أن يرفع همّة المسلمين، ويرسّخ في داخلهم الشعور بالعزّة، والكفر يعمل بالإطاحة بنفسية الإنسان المسلم.
8- هكذا يريدون لنا أن نكون.
9- هتاف جموع المصلين بـ(لبيك يا حسين).
10- هتاف جموع المصلين بـ(بالروح والدم نفديك يا إسلام).
11- هتاف الشيخ وجموع المصلين بـ(لبيك يا حسين)، و(لو قطّعوا أرجلنا واليدين، نأتيك زحفاً سيدي يا حسين)..
12- وهما مذهبان محترمان.
13- – لا عدوانية من السنّة، وإنما العدوانية من السياسة، السنة أخوة لنا، وأحباؤنا، ونحن معهم في كل ما يمسّهم من أذى، ولا نشكو أذى من أخوتنا السنة إنما كل شكوانا من السياسة الغاشمة.
14- أصبحت المطالبة بمثل هذا النصّ أمراً ضرورياً في ظل كل المحاولات السافرة، محاولات الاجتثاث والإلغاء وإنكار هذا المذهب من الأساس. (هتاف جموع المصلين بـ معكم معكم يا علماء).
15- بالدّين لا يخفّف من همّنا بالسياسة، ومسّ الدين يثيرنا جدّا ضد السياسة، ويجعلنا ندرك مدى خطرها الكبير، ولأننا نعلم أنّه لا سلامة للدين إلا بسلامة السياسة، ولا سلامة للدنيا إلا بسلامة الدين فنحن لا نفكّك بين الدين والسياسة.
16- 90/ النحل.

 

زر الذهاب إلى الأعلى