خطبة الجمعة (443) 12 ربيع الثاني 1432هـ – 18 مارس 2011م

مواضيع الخطبة:

 

الخطبة الأولى: متابعة النبوّة والرسالة – الإعجاز القرآني

الخطبة الثانية: الشأن المحلّي

إنَّ العنف الذي مارسته السُّلطة في هذه الأيام قد أدَّى بصورة بيّنة إلى شَرْخٍ واسع خطير غير مسبوق بين جهتي الحكومة والشعب، ومع استمرار
نهج العُنف الذي وقع عليه اختيار السُّلطة لا يستطيع أحد التكهُّنَ إلى أيّ حدٍّ ستصل من خلاله الأمور.

 

الخطبة الأولى

الحمدلله الذي أنزل على عباده الدِّين القويم، وهداهم إلى الصّراط المستقيم، وحذّرهم من غواية الشياطين، وبعث لهم رسلاً مبشّرين ومنذرين، واختار لهم قادة ميامين هادين مهديين، وجعل لهم فطرة تنفتح بهم على الرّشاد، وعقولاً تدلّهم على طريق السداد. هو الله الرَّحمن الرّحيم المحسن المتفضِّل ذو المنّ الكريم.
أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أنّ محمداً عبده ورسوله صلّى الله عليه وآله وسلّم تسليماً كثيراً كثيراً.
أوصيكم عباد الله الذين أوجدكم برحمته، ورزقكم من فضله، ونفسي المملوكة له، القائمة بأمره بتقوى الله الذي لابد لأحد ممَّن يطلب لنفسه النّجاة والفوز من تقواه، ولا سبيل لذلك إلا بطاعته؛ إذ أمرُ كلِّ نفس، وكلِّ شيء بيده، ومنتهى كلّ شيء إليه، ولا منقذ لمن أراد به سوءاً، ولا مُعطي لمن حرمه خيراً.
أيها المؤمنون اطلبوا معرفةَ الحقِّ، ولا تعدلوا عنه، ومعرفةَ الباطل، ولا تقربوا منه؛ فالحقّ أحقُّ أن يُتّبع، والآخذُ بالحقّ لا يضِلّ ولا يضيع، والآخذ بالباطل لا يهتدي ولا يبلغ المبتغى الكريم.
اللهم صل وسلّم وزد وبارك على محمد وآل محمد، واغفر لنا ولإخواننا المؤمنين والمؤمنات أجمعين، وتب علينا إنك أنت التوّاب الرحيم.
اللهم اصرف قلوبنا إليك، واشغلها بذكرك، وعلّقها بحبّك وخشيتك، واملأها بهيبة جلالك وجمالك، ولا تجعل لها صارفاً عن طاعتك، ولا ميلاً عن عبادتك، ولا تجعل لها غفلة عن معرفتك، وشوِّقها إليك يا أكرم المسؤولين، وأجود المعطين، يا عليُّ يا عظيم.
أما بعد أيها الإخوة والأخوات المؤمنون والمؤمنات فعودة بالحديث إلى 
الإعجاز القرآني:
تقدّم أنَّ القرآن الكريم هو المعجزة الكبرى الخالدة للإسلام ونبيّه الكريم صلَّى الله عليه وآله. والإعجازُ الأوّل للقرآن هو تحدِّيه العامّ الثابت للبشرية كلّها، ومَنْ تستطيع أن تستعينَ به من دون الله هو أن يأتوا بقرآن مثله، أو حتى بعشر سور، بل وحتى سورة واحدة من مثله {وَإِن كُنتُمْ فِي رَيْبٍ مِّمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا فَأْتُواْ بِسُورَةٍ مِّن مِّثْلِهِ وَادْعُواْ شُهَدَاءكُم مِّن دُونِ اللّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ}(1).
ثمَّ إنَّ للقرآن وُجُوهاً إعجازيّةً متعدِّدةً منها:
أولاً: الإخبارات الغيبيّة:
وهي إخباراتٌ غيبية جازمة حاسمة، وليست استقراباتٍ أو أموراً ظنّية، وتوقّعاتٍ تسوق إليها بعض المقدِّمات العلميّة، وتسمحُ بها المطالعة الموضوعية المتميّزة بالخِبرة، والمتَّصِفة بالدّقة(2).
وما يُميّز هذه الإخبارات أنها تُطرح للتحدّي بصورة يرتبط بصِدقها صِدق القرآن والنبي والإسلام(3)، وبحيث يقوم على تخلُّف هذا الصدق انهيار بناء الدعوة، وكلِّ صدقيّةٍ للرسول والإسلام، وتذهب كلُّ الجهود التي كلَّفها الجهاد الطويل والكفاح المرير في بناء هذا الدِّين هدراً لحظة تبيُّن كذبِ واحدٍ من هذه الإخبارات(4).
والنّتيجة الخارجيّة أنّ مرور الزمن لم يكشف إلاّ عن صدق الغيبيات المستورة عن العقول مما أخبر به الكتاب الكريم، وتحققها على مرأى ومسمع من إنسان الأرض.
وهذه بعض الغيبيّات التي أخبر بها الكتابُ الكريم وشهد الواقع تحقّقها:
1. ما ذكرته الآية الكريمة {غُلِبَتِ الرُّومُ، فِي أَدْنَى الْأَرْضِ وَهُم مِّن بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ، فِي بِضْعِ سِنِينَ لِلَّهِ الْأَمْرُ مِن قَبْلُ وَمِن بَعْدُ وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ}(5).
ولقد تحقّق النصر المُخبر به على نحو الجزم وفي المدة المعيَّنة للروم المسيحيين كما تحقّق نصر المؤمنين بالإسلام في هذه المدة نفسها وتمَّت فرحة المؤمنين كما أنبأت الآية بها عندما كانت من الغيب المستور.
2. ما أخبر به الكتاب العزيز من مصير أبي لهب وامرأته وموتهما على الشِّرك الذي تُستَحقّ به النّار؛ وذلك في قوله عزّ من قائل {سَيَصْلَى نَاراً ذَاتَ لَهَبٍ، وَامْرَأَتُهُ حَمَّالَةَ الْحَطَبِ}(6).
وقد مات أبو لهب وزوجه على الشِّرك فعلاً ليكون مصيرهما النار.
3. ما دلَّ عليه قوله سبحانه {فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ، إِنَّا كَفَيْنَاكَ الْمُسْتَهْزِئِينَ}(7). بصورة جازمة حاسمة لا تردّد فيها.
ولقد كفى الله رسوله صلّى الله عليه وآله المستهزئين، وحماه من شرّهم، ونصره على المشركين، ومكّن لدعوته ودينه في الأرض رَغماً على أنوفهم، وردّهم خائبين.
وتتناول كتب التفسير المزيد من الإخبارات الغيبية في الكتاب الكريم مما تمّ في الخارج تحقّقه بيقين.
ثانياً: الحقائق العلمية:
هناك حقائق علميَّة دقيقة إذا قِيست بمستوى بيئةٍ ثقافيّةٍ معيَّنة، وبمستوى دراسيٍّ خاص، والتخلُّف في رصيد الاكتشافات المعاش كان إدراكها حسب تلك المعطيات لا يمكن أن يتمّ عادة، وحتّى في الشّاذ النادر، وكانت بذلك دليلاً على إمداد غيبي فوق كلِّ الحسابات، وكانت تأييداً واضحاً لدعم مثل دعوى النبوّة حين يكون النّطق والتصريح بهذه الحقائق جازماً لا قصور في كشفه عن اليقين التامّ عند المصرِّح بها في موقع الجِدِّ، وفي مورد ترتيب الآثار الوخيمة، والنتائج الأليمة للمدَّعِي على تقدير عدم الصِّدق(8).
وهناك عدد من الحقائق العلمية الدقيقة الخفيَّة على الفهم البشري أيّامَ تَنزَّلَ بذكرها القرآن الكريم، ولا يسمح مستواها لإنسان أُمِّي قال عنه القرآن الكريم {وَمَا كُنتَ تَتْلُو مِن قَبْلِهِ مِن كِتَابٍ وَلَا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ إِذاً لَّارْتَابَ الْمُبْطِلُونَ}(9).
وعَلِم القوم الذين كان يعيش فيهم أنّ واقعه كذلك(10)، وإلاّ اعترض معاندوهم على الأقلّ على ما ذكرته الآية من هذا الأمر.
وما كان يتأتّى ذلك لدارسٍ عادٍ، ولا للبيئة العلميّة والثقافيّة العربيّة التي كانت أيام دعوى الوحي والرسالة أن تكون في المتناول.
إنَّ ذكر هذه الحقائق من الكتاب الكريم على لسان محمد بن عبدالله صلَّى الله عليه وآله الذي يشهد تاريخُه بأمِّيته، وعدم انتسابه للدراسة العلميّة الخفيفة فضلاً عن المكثّفة، في بيئة عالميّة بعيدة عن طرح هذه الحقائق، وبيئة عربيّة علميّة متخلِّفة، ومن غير غرضٍ حياتي عمليٍّ(11) إلاّ ما كان يستهدفه هذا الذِّكْر المصحوب بالتحدي العام للقرآن من إثبات الصّلة الغيبية الخاصة للرسول صلّى الله عليه وآله بكلمة الوحي الإلهي دالٌّ بصورة قاطعة على هذه الصِّلة والتلقّي لوحي الله وسماويّة الكتاب الكريم.
ولم يأتِ ذِكْر هذه الحقائق في مناظرة علميّة، ولا في سياق إبراز الشّخصية، والعبقرية المتميّزة، ولا لتقديم حقائق علمية لخدمة البيئة وتطويرها، ولا في معرض الظنّ والتّخمين، ولا بصورة أنها قابلة للبحث، وإنما بصورة أنها حقائق قاطعة شأنها شأن وجود الشّمس المعلومة، والقمر المكشوف.
ويأتي إن شاء الله ذكر بعض هذه الحقائق للتمثيل.
اللهم صلّ وسلّم على محمد وآل محمد، واغفر لنا ولإخواننا المؤمنين والمؤمنات أجمعين، وتب علينا إنّك أنت التوّاب الرحيم.
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
{قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ، اللَّهُ الصَّمَدُ، لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ، وَلَمْ يَكُن لَّهُ كُفُواً أَحَدٌ}(12).

الخطبة الثانية

الحمدلله مالكُ الملك، مجري الفُلك، فالق الإصباح، منزل الدّين، ربِّ العالمين. هو الله العليُّ العظيم، العزيز الحكيم، لا يُقارَب في علوّه، ولا يُدانى في عظمته، ولا مثيلَ لحكمته، ولا يُجارى عزّه، ولا يُمتنع من قدرته.
أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أنّ محمّداً عبده ورسوله صلّى الله عليه وآله وسلّم تسليماً كثيراً كثيراً.
عبادَ الله علينا بتقوى الله القهَّار الجبَّار الذي لا يقوم لقهره قاهر، ولا يثبت لجبروته كلُّ مدَّعٍ للجبروت؛ وهو الأحقُّ بالتقوى، وأن يخشاه كلّ قويّ وضعيف إذ لا نفعَ ولا ضرَّ إلاّ بيده، ولا تَصرُّف لغيره من دون إذنه. ولنذكر نِعَم الله السابغة ظاهرة وباطنة، فنكون له من الشّاكرين، ولا يُنسِنا حَدَثٌ ذكره، ولا شيءٌ شكره.
اللهم صلّ على محمد وآل محمد، واغفر لنا ولإخواننا المؤمنين والمؤمنات أجمعين، وتب علينا إنّك أنت التوّاب الرحيم.
اللهم كما هديتنا للإيمان فثّبتنا عليه، وكما أَرَيتنا الحقّ فلا تُضِلّنا عنه، وكما رزقتنا ولاية أوليائك فلا تُفرِّق بيننا وبينها، وما ابتليتنا من بلاءٍ فصبِّرنا عليه، وما كلّفتنا من واجب فأعنّا عليه، وعافنا، وادفع عنا، وانصرنا، ولا تردّ دعاءنا، ولا تُخيّب أَمَلَنا إنك أنت الرؤوف الرّحيم، وأنت على كلّ شيء قدير.
اللهم صلّ وسلّم على عبدك المصطفى محمد بن عبدالله خاتم الأنبياء والمرسلين الصادق الأمين، وعلى علي أمير المؤمنين وإمام المتقين، وعلى فاطمة الزهراء الصديقة الطاهرة المعصومة، وعلى الأئمة الهادين المعصومين حججك على عبادك، وأنوارك في بلادك: الحسن بن علي الزكي، والحسين بن علي الشهيد، وعلي بن الحسين زين العابدين، ومحمد بن علي الباقر، وجعفر بن محمد الصادق، وموسى بن جعفر الكاظم، وعلي بن موسى الرضا، ومحمد بن علي الجواد، وعلي بن محمد الهادي، والحسن بن علي العسكري، ومحمد بن الحسن المهدي المنتظر القائم.
اللهم صل على محمد وآل محمد، وعجِّل فرج وليّ أمرك القائم المنتظر، وحفّه بملائكتك المقرّبين، وأيّده بروح القدس ياربّ العالمين.
عبدك وابن عبديك، الموالي له، الممهِّد لدولته، والفقهاء العدول، والعلماء الصلحاء، والمجاهدين الغيارى، والمؤمنين والمؤمنات أجمعين، وفِّقهم لمراضيك، وسدِّد خطاهم على طريقك، وعجّل لهم بالنصر الدائم الثابت المقيم.
الشأن المحلّي:
أما بعد أيها الإخوة الأعزاء من المؤمنين والمؤمنات فإن الأيّام الأخيرة في البحرين قد أثقلها عنف السلطة، واكتئبت بمحنة الشعب، ولكن زانها صبره وتحمُّله وغيرته وإباؤه كما تعلمون. وسيبقى هذا الشّعب هو الصابر القويّ الأبيّ المصرّ على المطالبة بالحقوق(13). هذه دماؤنا، هذه رقابنا، هذه رؤوسنا فداءٌ لديننا وعزّتنا(14).
ويأتي هنا حديث في بعض نقاط:
1. المأساة دامية ومؤلمة عرضت القنوات بعض لقطات لها، أمَّا الواقع على الأرض فهو أكثر دموية وإيلاماً وبشاعة، وأعان الله هذا الشّعب الصابر الأبيّ.
والتّضحيات والدّماء والجراح والآلام ثمنٌ يدفعه المظلوم دائماً حين تصطدم صرخته بروح الأنانيّة والتحكُّم والاستئثار. ولو أنصف النّاس بعضُهم بعضاً كما أَمَرَ الله سبحانه لما سالت دماء، وما تراكمت آلام، ولما شقيت أمم ومجتمعات.
وإنَّ ابتلاء العباد في الأرض سنّةٌ لله سبحانه وهي من مقتضى حكمته وعلمه بما يُصلحهم أو يفسدهم. ومن ذلك الابتلاء بالغِنى والفقر، والأمن والخوف، والشّدّة والرّخاء، والبأساء والضرّاء، وهو يعلم أنّ الضّربات إنّما تُهشِّم الزجاج، أمّا الحديد فتصقُله وتزيده صلابة، وبذلك تكون الابتلاءات في خاتمتها رحمةً بالمؤمنين، وشقاءً على غيرهم، لأنَّ إيمان المؤمن يرتفع به عن مستوى الهشاشة، ويقيه من الذّوبان، وقلبُه متّصلٌ بمعدن العِزّة والقوّة التي لو كان للقِدَم الحقّ بداية لكانت قبله، وقبل أيّ بداية، ولو كان للأبد نهاية لكانت بعده، وبعد كُلّ نهاية.
فَمَن أراد قوّة النفس، وقوة الصّبر والتحمّل، والابتسامة في أشدّ الشّدائد، والاطمئنان في أحلك الظروف فليطلُبْ كلّ ذلك من قوّة الإيمان، ونسأل الله الكريم أن يهب لنا ذلك.
المؤمنُ كالجبل الأشَمّ يبقى على طريق الله واثقاً، راضياً، ثابتاً، مؤمِناً بقيمته، شاعِراً بالرِّبح في كلّ الظّروف، لا تفعل فيه العواصف والكوارث والهزّات العنيفة إلاّ مزيداً من الثّبات والثِّقة والتجذُّر، لأنّه لا يستمدّ معنويّاته من الظّروف المقيمة أو العابرة، وإنّما من إيمانه بقدرة الله، وثقته بها، ولجئه إليها، وهي القدرة التي لا تَهِن، ولا تتخلّى عن متعلِّق بها، ولا تغيب. {الَّذِينَ آمَنُواْ وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُم بِذِكْرِ اللّهِ أَلاَ بِذِكْرِ اللّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ}(15).
صحيح أنَّ لأهل الأرض قوّة حديد ونار ولكنها محكومة لقدرة الله وقَدَره، ثم لا سلطان لها إلا على الأجسام، والإنسان روح وعقل وقلب وإرادة قبل أن يكون جسماً، والقابل للتهشُّم إنّما هو الجسم، أما المؤمن في داخله الإيماني فغير قابل للتهشّم والانصهار.
2. إنَّ العنف الذي مارسته السُّلطة في هذه الأيام قد أدَّى بصورة بيّنة إلى شَرْخٍ واسع خطير غير مسبوق بين جهتي الحكومة والشعب، ومع استمرار نهج العُنف الذي وقع عليه اختيار السُّلطة لا يستطيع أحد التكهُّنَ إلى أيّ حدٍّ ستصل من خلاله الأمور.
3. المطالبة بالحقوق والإصلاح السياسي قائمة لن تسقط في ظلِّ أي ظرف من الظروف لأن منشأها الضّرورة الملحّة، والضّغط الشديد. وها هو الشّعب باقٍ على كلمته هيهات منّا الذّلة(16).
والحكومة التي تحكم هذا الشّعب وهو يصرُّ على هذه الكلمة وما وراءها من شعور أكيدٍ شديد بين خيارين: بين أن تسحقه سحقاً بدبّاباتها، وتقصفه بطائراتها في تصفية جسدية عامّة، وبين أن تعترف له بالعزّة(17).
والإصلاحُ لا يصحُّ أن يكون شكليّاً ولا باهتاً ولا سطحيّاً لأنّ إصلاحاً بهذا اللون وبهذا المستوى غير قادر على حلِّ المشكل، وأنْ يُوقِفَ تداعي الأمور، ولا يوجد على هذه الأرض من يسمع لهذا الإصلاح.
والصّوت المطالب بالإصلاح والحقوق لا عدول له اليوم أو غداً عن الخطِّ السلمي في الممارسة، وليس له إيمانٌ بأسلوب العنف الذي تجرّه إليه السُّلطة، وتدفعه إليه دفعاً لا هوادة فيه. والخيار السلمي كان خيارنا من أوّل يوم(18).
4. لقد أصبح الوضع الأمني في البحرين محكوماً بكامله لقبضة جهة رسمية معيَّنة محدَّدة. وعليه فإنّ أيّ اختراق غامض لأمن أحد من أبناء الشعب، وتعدٍّ خفيٍّ على نفس أو مال أو عرض لمواطن أو مقيم ليس إلاّ من مسؤولية هذه الجهة، وهي المحاسبة على ذلك.
أقول هذا في الوقت الذي توجد فيه مؤشّرات مكشوفة جدّية، مصحوبة بحملات إعلاميّة تحريضيّة، ونَقْلٌ خبريٌّ فيه قوَّة، ورسائل نصّية تتهدّد أكثر من واحد بالتصفية الجسدية. فليس الكلام هنا من فَراغ. فلتتحمّل الجهة التي أُوكل إليها أمر الأمن كلّ المسؤولية.
5. يُقدِّم الشعب الشكر جزيلاً لكلّ من انسحب من موقعه الرسمي من نيابيّين وشورويين، وقضاة شرعيين، وأعضاء المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية، والوزراء وغيرهم استنكاراً لمآسي الشعب التي جرت على يد النّظام، وتأكيداً للمطالبة بالحقوق. وهنا لابُدّ أن يُنوَّه باسم شيخنا العزيز سماحة الشيخ أحمد العصفور(19).
ويُقدِّم الشُّكر كثيراً لكلّ منتصر لحقّه، ومنكر لظلمه من الخارج في سبيل إيقاف نزيف الدِّماء من أبنائه العُزَّل المسالمين، وطلباً لمصلحة هذا الوطن الإنسانيّ، وأمنه، واستقراره.
وشعبنا ليس في مواجهةٍ مع أيّ طرف خارجيّ، ولا يريد المواجهة مع أحد، ولكنّه يُسجِّل ملاحظة على الموقف الأمريكي والبريطاني المؤثِّر بدرجة كبيرة لو أراد على حالة العُنف الرسمي المرتكَب ضدّ الشعب، والتصلُّب في عدم الاستجابة للحقوق لعدم انسجام هذا الموقف مع حمل راية الديموقراطية، والحريَّة، والانتصار لحقوق الإنسان، وإرادة التّطوير الإيجابيّ عند الشّعوب.
وبالنسبة لخروج بعض المقيمين من هذا البلد فإنّ يقيني أنّ هذا الشعب لا ينبغي أن يخاف منه أحد على نفس أو عرض أو مال؛ فهو شعب قد ملك رشده.
6. كان لنا أن نفخرَ كثيراً، ويفخر كلُّ العرب، وكلُّ المسلمين لو كان توجُّه القوَّة الخليجية المشتركة لإنقاذ غزّة من حرب الإبادة التي شنّتها عليها إسرائيل قبل، أو لحمايتها اليومَ من التهديد بالعدوان بدل توجُّهها لضرب شعب خليجي أعزل ذنبه أنّه طالب بالإصلاح، وبدل تصويب أسلحتها لتجمّعات من شباب بصدورٍ عارية، ونساءٍ، وشيوخ، وأطفال في حين أنّ جيش البحرين المدجَّج بالسّلاح كافٍ وحده لسحق الشّعب وإحداث المجازر في أبنائه، وإسالة أنهارٍ من دماء الأبرياء.
لهو أمرٌ يا رجال، يا عرب، يا مسلمون لا يُمكن أن يسجَّل في تاريخ البطولات، والمجد، والفخر، والانتصار، والكرامة.
النصر هنا هزيمة، والزّحف خطأ وخطيئة بيقين.
7. ماذا أعطى عنف السلطة، وماذا ترتّب عليه؟
جرح، قتل، زلزال أمنيٌّ، فزع، رعب لأطفال ونساء، محاصرة للمستشفيات، جرحى يُمنعون العلاج، أطباء وممرضات يُسجنون في المستشفى، اعتقالات. كلُّ ذلك ليفاقم من الأزمة، ويطيل من أمدها، ويدخلها في فصول مجهولة منذِرة عبر نَفَقٍ مظلم كئيب لا يُدرى ماذا يفعل بالجميع، وليس بطرف واحد.
إن كان هذا الخيار هو العقل والحكمة فعلى العقل والحكمة السّلام، والجهلُ خير من هذا العقل والحكمة ألف مرّة، وألف مرّة، وألف مرّة. ألا فلتيأس كلّ سياسات القمع والعنف والتنكيل من إخماد صوت الشعوب، ومصادرة حقوقها.
اللهم صلّ على محمّد وآل محمد، واغفر لنا ولإخواننا المؤمنين والمؤمنات أجمعين، وتب علينا إنك أنت التوّاب الرحيم.
اللهم ارحم شهداءنا، واشف جرحانا، وداو مرضانا، وفكّ أسرانا، واكفنا ما أهمّنا من أمر الدُّنيا والآخرة إنك الولي الحميد.
ربّنا هب لنا التسليم لأمرك، والرّضا بقضائك، وأصدق لجأنا إليك، وانتصارنا بك، وتوكّلنا عليك، وأرنا من لطفك ما تقرُّ به عيون عبادك المؤمنين. وارحم هذا الوطن وكلّ أوطان المسلمين برحمتك يا أرحم الرّاحمين، ويا أكرم الأكرمين.
{إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاء ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ}(20).

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1- 23/ البقرة.
2- المعجزات فوق كلّ ذلك.
3- بحيث لو سقطت سقط كلّ ذلك.
4- إخبارات غيبية في القرآن الكريم لو كذب واحد منها لذهب الإسلام كلّه هباءاً. أرأيت الخطورة؟ أرأيت كم علّق القرآن الكريم من جهود الإسلام والمسلمين ومن صدقيّته على قيمة المعجزة؟ وهذا يعني أن طرح أي أمر بدعوى أنه إعجاز وفيه تحدٍّ يعني أنه أمر بالغ الخطورة لا يطرحه كذلك إلا صاحب يقين تامّ بقيمته وصدقيّته، أو مجازف خفيف العقل، لا احترام لنفسه عنده، ولا أحد يمكن أن يصف الرّسول صلّى الله عليه وآله بأنّه الأول؛ هذا وقد صدقت الأيام صدق الإعجاز القرآني، وحقّانيته.
5- 2، 3، 4/ الروم.
6- 3، 4/ المسد.
7- 94 – 96/ الحجر.
8- كان القرآن يطرح الحقائق العلميّة وهو في معرض التحدّي للآخرين، ويطرحه بصورة جازمة حاسمة، وكان يترتب على عدم صدق هذه الحقائق العلمية سقوط قيمة القرآن بصورة نهائية.
9- 48/ العنكبوت.
10- كان يعلم القوم أن واقع الرسول كذلك، وإلا لقالوا للقرآن الكريم أنت تقول بأنه لم يكن يخطّ بيمينه كتابا، ونحن نعلم بأنه كان على فهم شيء من الكتابة.
11- ما كان القرآن الكريم في معرض أن يبني في ذلك اليوم حضارة مادية ليطرح الحقائق العلمية تمهيداً لبناء تلك الحضارة، وما كان طرح تلك الآيات الكريمة للاستفادة من إقامة بناء مادي.
12- سورة الإخلاص.
13- هتاف سماحة الشيخ وجموع المصلين بـ(لن نركع إلا لله).
14- هتاف جموع المصلين بـ(هيهات منّا الذلّة).
15 28/ الرعد.
16- هتاف جموع المصلين بـ(هيهات منّا الذلّة).
17- هتاف جموع المصلين بـ(لن نركع إلا لله).
18- هتاف سماحة الشيخ وجموع المصلين بـ(سلميّة سلميّة).
19- هتاف جموع المصلين بـ(شكراً لكم).
20- 90/ النحل.

 

زر الذهاب إلى الأعلى