خطبة الجمعة (428) 5 ذو الحجة 1431هـ – 12 نوفمبر 2010م

مواضيع الخطبة:

 

الخطبة الأولى: كلمة في الطمع
الخطبة الثانية: الإسلام المبتلى/ ضبط أو انفلات؟/ أمريكا والأمة الإسلامية

 

 لا يريد الإسلام ولا الأمّة الإسلامية إحساناً من أمريكا ولا شفقة، ويكفيهما جدّاً أن لا تتمادى في عدائهما، وأن تفرض على نفسها احترام الآخر كما تطالب باحترامها، وأن لا تفرض نفسها سيداً، وأنّ على الآخرين الامتثال، وأن لا تحكم على إرادة التحرر من الهيمنة الأمريكية بأنها جريمة لا ُتغتفر، وذنب لابد أن يُعاقَب مرتكبُه عليه.

 

الخطبة الأولى

الحمدلله الذي خَلَقَ العبادَ ورزقهم وأمرهم بما فيه خيرهم، ونهاهم عمَّا فيه شرُّهم، وإليه مرجعهم ونشورهم، وبيده جزاؤهم وهو العليم الخبير. وهو الغنيّ الحميد.
أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أنّ محمداً عبده ورسوله أرسله بالهدى ودين الحقّ ليظهره على الدين كلّه ولو كره المشركون. صلّى الله عليه وآله وسلّم تسليماً كثيراً كثيراً.
عباد الله أوصيكم ونفسي بتقوى الله، والطّمعِ في وعده لمن آمن به وأطاعه، والخوف من وعيده لمن كفر به وعصاه؛ حيث يقول سبحانه في وعده {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُوْلَئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ، جَزَاؤُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَداً رَّضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ ذَلِكَ لِمَنْ خَشِيَ رَبَّهُ}(1).
ويقول عزّ من قائل في وعيده {كَلَّا لَئِن لَّمْ يَنتَهِ لَنَسْفَعاً بِالنَّاصِيَةِ، نَاصِيَةٍ كَاذِبَةٍ خَاطِئَةٍ، فَلْيَدْعُ نَادِيَه، سَنَدْعُ الزَّبَانِيَةَ}(2).
اللهم صلّ على محمد وآل محمد، واغفر لنا ولإخواننا المؤمنين والمؤمنات أجمعين، وتب علينا إنك أنت التواب الرحيم.
اللهم اجعلنا ممن يتّعظ بوعظك، ويُصدِّق بوعدك ووعيدك، ويأتمر بأمرك، وينتهي بنهيك، وينعم بطاعتك، ويطلب رضوانك، ويفوز بجنَّتك ياكريم يارحيم.
أما بعد أيّها الأعزَّاء من المؤمنين والمؤمنات فهذه كلمة في
 الطمع:
والطّمعُ تطلّع دائم في ما تدعو إليه الحاجة وما لا تدعو، بحيث تبقى النفس غير راضية بكلّ ما يحصل لها وإن كَثُر، وتبقى مستاءة مهما اجتمع لها مما تطلب وإن فاض.
وقد يكون الطمع في مال أو كمال، في دُنيا أو آخرة.
والطمع في الدّنيا ينطلق من حبّها، ويُحرّك في اتجاهها، والطمع في الآخرة مبعثه إكبارها، وتحريكه إنما يكون إليها. والأول ينصرف بصاحبه عن طلب الكمال، والثاني يأخذ به على طريقه، وطمع الدّنيا مذلّ، وطمع الآخرة يربأ بالنفس عن موارد الهوان، ويزيد في شعورها بالعزّة في النّاس، وينأى بها عن الذّل إلا ذُلاًّ لله، وهو سرُّ عزّتها، ومهذِّب للنفس، ويعطيها الشعور بالكرامة.
وقد دعا القرآن الكريم إلى الطمع في الآخرة وجزاء الله ورضوانه، وأثنى على أصحاب هذا اللون من الطمع، ووعد عليه ثواباً كريماً، وجزاء عظيماً في قوله تعالى {تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفاً وَطَمَعاً وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ، فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَّا أُخْفِيَ لَهُم مِّن قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاء بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ }(3).
وذمّ القرآن من استولى عليه طمع الدُّنيا، ولم تشبع نفسه منها في سورة المدّثر في قوله سبحانه {ذَرْنِي وَمَنْ خَلَقْتُ وَحِيداً، وَجَعَلْتُ لَهُ مَالاً مَّمْدُوداً، وَبَنِينَ شُهُوداً، وَمَهَّدتُّ لَهُ تَمْهِيداً، ثُمَّ يَطْمَعُ أَنْ أَزِيدَ، كَلَّا إِنَّهُ كَانَ لِآيَاتِنَا عَنِيداً، سَأُرْهِقُهُ صَعُوداً}(4).
وللطّمع في الدّنيا آثار ما أخطرها حقَّ للعاقل أن يفِرّ منها. وهذه من آثاره:
1. “أكثر مصارع العقول تحت بروق المطامع”(5) عن الإمام عليٍّ عليه السلام.
الطمع يُفقِدُ العقل ضوابط تفكيره، وينحرف به عن الموضوعيّة لصالحه، وإذا لم يُعطِّل طريقة التفكير الّصحيح عطّل قرار العقل، وأخذ بحركة الإنسان على خلافه، فلم تبقَ للعقل قيمةٌ في فعلٍ أو رد فعل.
والحكمة من العقل، وهي عقل راجح، والقلب الذي يغنى بالحكمة يغنى بالكثير من الخير، وكما يُذهبُ الطمع العقل يذهب الحكمة؛ فعن رسول الله صلّى الله عليه وآله “الطمع يذهب الحكمة من قلوب الحكماء”(6).
2. “كيف يملك الورع من يملكه الطمع؟”(7) عن الإمام علي عليه السلام.
إذا حكم النفسَ الطمع، هدم فيها الورع، ولو قطنها الورع، لذهب عنها الطمع. فهما صفتان متضادّتان لا يجتمعان في نفس. فمن أراد أن يحتفظ بالورع فليحترس من تسلُّل الطمع؛ فإنه كما جاء عن الإمام علي عليه السلام “قليل الطمع يفسد كثير الورع”(8).
3. ومن كلماته عليه السلام “من لم ينزّه نفسه عن دناءة المطامع فقد أذل نفسه، وهو في الآخرة أذلّ وأخزى”(9).
من الصّفات ما يزين النفس، ويرتفع بقدرها، ومنها ما يَشينها، ويهبط بمستواها، والطّمع مما تقبُح به النفس، وتنحطّ، وتزِلّ القدم.
وهو يأخذ بصاحبه إلى الدناءة، وينتهي به إلى الحقارة؛ فمن همَّه شرفُه لم يسمح للطمع أن يغزوَه.
وإلحاح الطمع على النّفس، وتسلّط الرغبات الدنيوية عليها بما يغيّب العقل والدين، ويُخرس الضمير، ويميت الإحساس بالشرف يجعلها تطلب الرغبة وإن كان بالذُّل والهوان والانسحاق، وتساوم بكلّ شيء من أجل الدنيا ولذائذها الصّغيرة، حتّى تهون أمام أدنى رغبة، وأقلّ شهوة، وأزهدَ عَرَض، وأدون فُرصة.
ومن ذلّ كلّ هذا الذُّل الذي يهوي به إلى الحرام، وبيع الدين فهو في الآخرة أذلُّ وأخزى.
4. ومن كلماته عليه السلام “عبد المطامع مستَرَقٌّ لا يجد أبداً العتق”(10).
الطمع يُخرج الإنسان من فضاء الحرية إلى قفص العبودية، ويملك عليه عقله ودينه وشعوره وقراره وعلاقاته وخيارَه وحركتَه. فاستعباده له استعبادٌ مُحكَم قاس، ورقّه له دائم لا عتق معه ما دام في نفسه مقيما.
5. وعنه عليه السلام:”إيّاك أن توجف بك(11) مطايا الطمع فتوردك مناهل الهلكة”(12).
الطمع يُلغي حساب العواقب، ويُنسي المخاطر، ويَدفع للمجازفات، ويشطُّ بصاحبه عن الطريق، ويوردُه المهالك. إذا طغى واستولى قاد أهلَه عُمياناً لا يدرون عن خطر دنيا ولا آخرة، أو مجانين لا يحسبون لها أيَّ حساب. يُقدِمُ الطامع على السّرقة، وإن توقّع أشدّ العوقبات، ويرتكب الجناية التي يسوقه إليها طمعه وغلبة الشّهوة وإن تهدّده الموت في الدنيا، وأشدُّ العذاب في الآخرة.
وفي الحديث عن رسول الله صلّى الله عليه وآله:”استعيذوا بالله من طمع يهدي إلى طَبَع، ومن طمع يهدي إلى غير مطمع، ومن طمع حيث لا مطمع”(13).
كثيراً ما يهدي الطمع في الدّنيا إلى طبع وهو الدّنس وتلوّث الشرف فلا بد أن يكون هذا الطمع محلَّ استعاذة لمن أحسَّ بقيمة شرفه، وعَزَّ عليه عِرضه، وغلت سمعتُه، ومن الطّمع ما يتعلّق بالأمر الدنيء وغير المجدي، وما لا يُعقِبُ إلا الوزرَ والسوء، والعاقل يفرّ من هذا ولا يطمع فيه، ويرى أنَّ مثل هذا الطمع مصيبة يستعاذ منها.
وقد يتعلّق الطمعُ بموهوم، وما لا ينال، ويستحيل الوصول إليه؛ فلا يستتبع إلا جُهداً ضائعاً، ورَهَقاً ونصباً، وبذلاً خاسراً. وما أحرى بالعاقل أن يستعيذ من هذا الطمع المرهِق الفاشل الخاسر.
وكيف يذهب بعاقل طمعُه إلى جمع كلِّ ما في الدنيا بيده؟! وهل لو اجتمعت له كلّ الدُّنيا لزادته يوماً في عمره؟! واضح لا. فهو سعيٌ بلا جدوى، والعاقل لا يفعله. وأكثر من ذلك أنه يزيد في الهمّ، ويعظُم به الوزر، وتثقل المسؤولية، ويطول ويشتد الحساب.
وليس من الطّمع المذموم أن تطلب بالسّعي الحلال الشّريف ما يصلح لك دنياك، وتستعين به على آخرتك، ويقوى به دينك وأمَّتُك، ويكون بَذْلُكَ له في الخير والصلاح، متوكِّلاً على الله في سعيك، غير ناظر لما في أيدي النّاس، مترفِّعاً بنفسك عمّا فيه خزيٌ ومذلّة.
اللهم صل وسلم وزد وبارك على حبيبك المصطفى محمد بن عبدالله خاتم النبيين والمرسلين وعلى آله الطيبين الطاهرين، واغفر لنا ولإخواننا المؤمنين والمؤمنات أجمعين، ولوالدينا وأرحامنا وأزواجنا ومن علّمنا علما نافعا من مؤمن ومؤمنة في دين أو دنيا، وجميعا من أحسن إلينا من المؤمنين والمؤمنات وتب علينا إنك أنت التواب الرحيم.
اللهم اجعل قلوبنا متعلِّقة بك، متطلعة إلى عطائك، غير مأسورة للدنيا، ولا مولعة بها، راضية برزقك، يائسة مما في أيدي الناس، غير معوِّلة على من سواك، مستغنية بجودك وكرمك يا أجود من كلّ جواد، ويا أكرم من كلّ كريم.
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
{إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ، فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ، إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الْأَبْتَرُ}(14).

الخطبة الثانية

الحمدلله المنشئ المحيي، ولا منشئ من عدمٍ غيرُه، ولا محيي لميّت سواه، مالك المُلك، مجري الفُلك، مسخِّر الرياح، فالق الإصباح، ربّ العالمين.
أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أنّ محمداً عبده ورسوله صلّى الله عليه وآله وسلّم تسليماً كثيراً كثيراً.
علينا عباد الله بتقوى الله فهو الذي خَلَقَ ورَزَقَ، وهَدَى وكَفَى ووقى، وإليه مردّ العباد، وبيده الأمر كلُّه. ولنعلم بأن المصيبة بالدّين أشد المصائب لأنه لا يجبرها شيء، ولا عِوَض للدِّين بوزنه، ولا يَمسّ ذات الإنسان مثل خسارته، ولا يُعقِب فقدُ شيء كما يُعقِب فقد الدين من عذاب أليم مقيم، وحسرة دائمة. و”عندما سئل أمير المؤمنين عليه السلام: أي المصائب أشد؟ قال المصيبة بالدين”(15) كما في الخبر عنه.
فليحرص العاقل على دينه، ولا يعدِلْ به شيئاً وإن اشتدّ الامتحان، وكبُرت المصيبة، وشقّ على النّفس الحال، وضاقت الأمور.
اللهم صلّ على محمد وآل محمد، واغفر لنا ولإخواننا المؤمنين والمؤمنات أجمعين، وتب علينا إنك أنت التواب الرحيم.
اللهم ادفع عنّا كلّ سوء، واحمنا من كلّ مكروه، وآمنا من كلّ ضرّ، ونجّنا من الهلكات، ولا تُكرِثنا في ديننا أبداً، واجعلنا لا نُقدِّم عليه شيئاً أبداً برحمتك يا أرحم الراحمين.
اللهم صلّ وسلّم وزد وبارك على محمد بن عبدالله خاتم النبيين والمرسلين الصادق الأمين، وعلى علي أمير المؤمنين وإمام المتقين، وعلى فاطمة الزهراء الصديقة الطاهرة المعصومة، وعلى الأئمة الهداة النجباء: الحسن بن علي الزكي، والحسين بن علي الشهيد، وعلي بن الحسين زين العابدين، ومحمد بن علي الباقر، وجعفر بن محمد الصادق، وموسى بن جعفر الكاظم، وعلي بن موسى الرضا، ومحمد بن علي الجواد، وعلي بن محمد الهادي، والحسن بن علي العسكري، ومحمد بن الحسن المهدي المنتظر القائم.
اللهم صل على محمد وآل محمد، وعجِّل فرج ولي أمرك القائم المنتظر، وحفّه بملائكتك المقرّبين، وأيّده بروح القدس يا ربّ العالمين.
عبدك وابن عبديك، الموالي له، الممهد لدولته، والفقهاء العدول، والعلماء الصلحاء، والمجاهدين الغيارى، والمؤمنين والمؤمنات أجمعين، وفِّقهم لمراضيك، وسدد خطاهم على طريقك، وانصرهم نصرا عزيزا مبينا ثابتا مقيما.
أما بعد الأعزاء من المؤمنين والمؤمنات أجمعين فإلى هذه الكلمات:
الإسلام المبتلى:
جهلٌ بالدّين يسفك الدِّماء باسم الدّين، وحقدٌ شخصيّ وفئويّ يُسرف في القتل باسم الدّين، وحزبيّة معادية للدين توغل في الدماء باسم الدِّين، وأطماع دنيوية تفتك بنفوس الأبرياء باسم الدين، وروح إجرامية متعطِّشة للدَّم تُسيل منه أنهاراً باسم الدِّين، ونفوس خَلَت من التّقوى تهدم الكنائس والمساجد والمقدّسات المحترمة على رؤوس أهل العبادة باسم الدّين، وكم من جرائم، وفظائع، وأمور يندى لها الجبين، وسياسات ظالمة ونهب وغصب وفضائح تُرتكب باسم الدين؟!
نعم كل ذلك يحدث على يد مسلمين وباسم الدين والإسلام، والنتيجة لذلك: أن يتشوّه الإسلام، وأن تسوء سمعته،
وأن تكفر به أجيال الأمة،
وأن تَستسبشع صورته الأمم،
وأن تناصبه العداء،
وأن يتكالب على هذه الأمة كلُّ الأعداء،
وأن تخسر كل الدنيا هُدى هذا الدّين العظيم،
وأن يُحرم العالم فرصةَ الإنقاذ عن قريب.
وكلُّ تبليغ للإسلام، وكلّ دعوة صادقة باسمه، وكلّ علمه، وكلّ أنواره، وكل جُهد لعلمائه ودعاته، وكل تجاربه العادلة الناجحة، وكلّ تاريخه الوضيء، وكل أصالته، وصدقه، وصفائه، وكفاءته مضيَّعة على يد هذا التخريب الذي يمارس باسمه، والفساد الذي يُعْطَى عنوان الجهاد عنه، والاستهتار بالقيم والدماء والمقدّسات الذي يَحْمِلُ شعاره.
فما أشدّ ما ابتلي به هذا الدّين العظيم، وما أفتك هذا الزور به في النّاس!!
آمنون في كنائس، ومساجد، ومشاهد، وزوار أئمة دين، وأبرياء آخرون في الأسواق والمحافل العادية والمستشفيات تحصدهم ألوان من الجهل والحقد، وروح الاستبداد والأثرة، والحزبيّة المستهترة، والفئوية الضيّقة. وكل ذلك يؤتى به عدوانا باسم الإسلام، وإمعاناً في ظلمه، وتشويهاً بالغاً له.
فالحديث الصادق عن الإسلام العظيم يقضي عليه هذا الواقع السيء المقيت ويكذّبه، ويحيله وهماً.
فما أعظمه من ظلم للإسلام، وما أشدها من بليَّة!!
ضبط أو انفلات؟
كانت الجهة الرسمية تطرح أن هناك حالة انفلات أمني يرتكبها الشعب، وأنها تحتاج إلى ضبط. هذا ما كانت تقوله الحكومة بالأمس. ولمن يتابع الأوضاع الأمنية في وضعنا الحاضر أن يطلب من هذه الجهة أن تطرح على نفسها السؤال عمّا تمارسه اليوم باسم الحفاظ على الأمن هل هو حالة من حالات الضبط الأمني أو الانفلات الأمني ونشر الرعب في أوساط الناس مما تمارسه الحكومة؟
إذا حاولت الجهة المعنيّة أن تجيب على سؤالها بموضوعية فستأتي الإجابة بالثاني.
وهو الشيء الذي يتنافى مع وظيفة الدولة، وفيه إلغاء لقيمة الوحدة الوطنيَّة، ويمثّل مهارة في فنِّ تكثير الأعداء لا الأصدقاء. وما أضرّ ذلك بالوطن والحكومة والشعب.
ما من حكومة تستغني عن رضا شعبها، والتفريط بهذا الأمر إنما هو تفريط بأكبر ركائز الأمن والاستقرار لأيّ حكومة.
والإعلام حتى لو كان محابياً لا يكسب رضا الشعوب وهي تعيش واقعاً ضاغطاً مغايراً، وتعاني من سياسة باطشة. كيف وإذا صَارَحَ الإعلامُ الشعبَ أحياناً كثيرة بالعداوة، وتعمَّدَ الإثارة بعد الإثارة؟!
أمريكا والأمّة الإسلاميّة:
يُصرّح الرئيس الأمريكي في أوندنوسيا بأن أمريكا لا تعادي الإسلام ولا الأمّة الإسلامية، وهو كلام جميل لو صدَّقه الواقع.
ولكن لو كان ذلك واقعاً فلماذا تصرُّ أمريكا على أن تكون إسرائيل وهي تناصب أمّتنا العداء وتهدّدها بالسحق والمحق سبّاقة غير مسبوقة ولا ملحوقة من ناحية عسكريّة بالنسبة لكل الدول الإسلامية، وبفارق كبير يضمن تفوقها الواضح(16)، وتعمل على قمع أي بادرة قوّة سلميّة أو دفاعية لأي بلد من بلدان الإسلام؟(17)
ولماذا تشدّد أمريكا العداوة لأي بلد أو حزب إسلامي يريد أن يتمتع بالاستقلال، وبنهضة حضارية على خط الإسلام؟
ولماذا وئد الخيار الإسلامي لأي شعب مسلم، والجدّ في القضاء عليه؟
ولماذا محاربة الثّقافة الإسلامية، والتشريع الإسلامي، والأعراف الإسلامية في بلاد المسلمين نفسها؟
لا يريد الإسلام ولا الأمّة الإسلامية إحساناً من أمريكا ولا شفقة، ويكفيهما جدّاً أن لا تتمادى في عدائهما، وأن تفرض على نفسها احترام الآخر كما تطالب باحترامها، وأن لا تفرض نفسها سيداً وأنَّ على الآخرين الامتثال، وأن لا تحكم على إرادة التحرر من الهيمنة الأمريكية بأنها جريمة لا ُتغتفر، وذنب لابد أن يُعاقَب مرتكبُه عليه.
على أن مصير الإسلام والأمة الإسلامية لا تحكمه الإرادة الأمريكية، ولا أي إرادة من إرادات الأرض، وقد ثبت الوعد الصادق بأن إنقاذ العالم على يد هذا الدين والأمّة.
اللهم صلّ وسلم على محمد وآل محمد، واغفر لنا ولإخواننا المؤمنين والمؤمنات أجمعين، وتب علينا إنك أنت التوّاب الرحيم.
اللهم انصر من نصر الدِّين، واخذل من خذل الدين، وأحلل غضبك بالقوم الظّالمين.
اللهم إنّا نرغب إليك في دولة كريمة، تعزّ بها الإسلام وأهله، وتذل بها النفاق وأهله، وتجعلنا فيها من الدعاة إلى طاعتك، والقادة إلى سبيلك برحمتك يا أرحم الراحمين.
{إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاء ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ}(18).

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 – 7،8/ البيّنة.
2- 15-18/ العلق.
3 – 16، 17/ السجدة.
4 – 11-17/ المدثّر.
5 – شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد ج19 ص41.
6 – كنز العمال ج3 ص495.
7 – ميزان الحكمة ج2 ص1742.
8 – ميزان الحكمة ج2 ص1740.
9 – ميزان الحكمة ج2 ص1742.
10 – ميزان الحكمة ج2 ص1741.
11 – توجف بك: تتحرك بك.
12 – ميزان الحكمة ج2 ص1742.
13 – كنز العمال ج3 ص495.
14 – سورة الكوثر.
15 – فهارس رياض السالكين للشيخ محمد حسين المظفر ج1 ص187.
16 – وقدرتها على سحق العالم الإسلامي في وقت قصير.
17 – هذا وأمريكا لا تعادي الإسلام والأمة الإسلامية!!
18- 90/ النحل.

 

زر الذهاب إلى الأعلى