خطبة الجمعة (426) 20 ذو القعدة 1431هـ – 29 أكتوبر 2010م

مواضيع الخطبة:

 

الخطبة الأولى: تتمة حديث الصدقة

الخطبة الثانية: أولاً: الجولة الأولى من الانتخابات/ ثانياً: الخطاب الديني وصوتيات الحسينيات والمساجد/ ثالثاً: الوضع العام

 

لقد هزم وعيكم وإيمانكم باطل الصحافة ومكرها وألاعيبها بقوّة كما هزم المال السياسي وإغراءاته بقوة. وهكذا كان الأمل فيكم وقد صدق. ولتبقوا دائما على الوعي اللاهب، والإيمان الصلب الذي يُسقط إغراءات المال، ولا يسمح أبداً باستغفالكم.

 

الخطبة الأولى

الحمد لله الموجود قبل كلّ موجود، الحيّ قبل أيّ حي، القادر فوق كلِّ قادر، الغنيّ عن كلّ من عداه، ولا يستغني شيء عنه، واسع الرحمة، كثير العفو، شديد العقاب.
أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أنّ محمداً عبده ورسوله صلّى الله عليه وآله وسلّم تسليماً كثيراً كثيراً.
أُوصيكم عباد الله الفقراءَ إليه، ونفسي المقصِّرةَ المملوكةَ له بتقواه تأهُّلاً لمزيد رحمته، وأمناً من سخطه، ونيلاً لرضاه، ونجاةً من ناره، وفوزاً بجنّته. وإنَّ طريق الطّاعة ليحتاج إلى صبر، وفي الصبر صعوبة، وحمل النّفس عليه ليس سهلاً، ولكنَّ الكلمة عن المسيح عليه السلام تقول:”إنكم لا تدركون ما تحبون، إلاّ بصبركم على ما تكرهون”(1).
ولا شيءَ أولى بمحبّة النّفس وتطلّعها من ثمرةِ طاعة الله. وما كان من نفسٍ أن تعدل عن هذه المثمرة إلى مطمع آخر، وأمنية أخرى لو أفاقت مما هي فيه من سُبات، وانكشف عن رؤيتها الغطاء.
اللهم صلّ وسلّم وزد وبارك على حبيبك المصطفى وعلى آله الطيبين الطاهرين، واغفر لنا ولإخواننا المؤمنين والمؤمنات أجمعين، وتب علينا إنك أنت التواب الرحيم.
اللهم اجعلنا مصدِّقين بوعدك ووعيدك، راغبين في ثوابك، خائفين من عقابك، مقبلين على طاعتك، فارّين من معصيتك، واجعل تنافسنا في طلب رضاك، وسباقنا في درجات قربك، ولا تحرمنا توفيقك، ولا تُعرض بوجهك الكريم عنّا يا رؤوف يا رحيم، يا عليّ يا عظيم.
أما بعد أيها المصلّون المؤمنون فمع هذه التتمّة للحديث عن موضوع 
الصّدقة:
بين صدقة السرِّ والعلن:
{إِن تُبْدُواْ الصَّدَقَاتِ فَنِعِمَّا هِيَ وَإِن تُخْفُوهَا وَتُؤْتُوهَا الْفُقَرَاء فَهُوَ خَيْرٌ لُّكُمْ وَيُكَفِّرُ عَنكُم مِّن سَيِّئَاتِكُمْ وَاللّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ}(2).
الصّدقة لوجه الله سبحانه تُعطى أهلَها سرّاً وعلناً ومردودها من الله على مُعطيها في الحالين كبير إلاّ أنّ صدقة السرّ أفضل. وصدقةُ السرّ تُخفى عن الفقير الذي تصله فضلاً عن النّاس ممن عداه.
وفي كلٍّ من الصدقتين دفعٌ لغائلة الفقر، ورفعٌ لكرب الفقير، وقضاء لحاجته، وإنقاذ له من الضيق. وفي العلنية حثّ على الخير، وتشجيع للبذل، ونشر للتراحم، وإشاعة للتواصل، وإظهار للمَثَل الطيّب، ودلالة على الطاعة. وكلّ ذلك سبب قوّة، وفيه بناءٌ للمجتمع الصالح المتماسك.
وفي صدقة السرّ فُرصة أكبر للإخلاص، والبُعد عن الرياء وطلب السمعة، وفيها حفظ تامٌّ لكرامة الفقير، وسلامةٌ لشرفه من كلّ مَنٍّ، ومن أيّ لون من الإحراج الذي تُسببه مواجهة الوجه للوجه.
وقد قُدِّم الجانب المعنوي الذي تمتاز به صدقة السر على الآثار الاجتماعية الكبيرة التي توفّرُها صدقة العلن لأهميّة الإخلاص في العمل، وسلامة نفس الفقير من الأذى عند الله تبارك وتعالى.
ويأتي آخر الآية الكريمة وهو قوله سبحانه {… وَاللّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ} ليُطمئنَ المتصدّق سرّاً بحفظ عمله، وعدم ضياع شيء من أجره، وأن ليس من خيرٍ يمكن أن يتوفّر عليه صاحب صدقة العلن بفائتٍ عليه بالتكتُّم بصدقته.
وعن الإمام الصادق عليه السلام:”لا تتصدق على أعين النّاس ليزكوك؛ فإنك إن فعلت ذلك فقد استوفيت أجرك، ولكن إذا أعطيت بيمينك فلا تطلع عليها شمالك، فإن الذي تتصدق له سرّاً يجزيك علانية”(3).
والمتصدّق ليزكيه النّاس لا تدخل صدقته في قوله تعالى {إِن تُبْدُواْ الصَّدَقَاتِ فَنِعِمَّا هِيَ…} وهذه الصدقة كلُّ أجرها كلمة ثناء من النّاس قد تحصل، وقد لا تحصل، وإذا حصلت فإنها لا تسمن ولا تغني من جوع، وربّ مادح لك اليوم ذامٌّ لك عن غير ذنبٍ حسداً غداً.
وعن رسول الله صلّى الله عليه وآله:”صدقة السرّ تطفئ غضب الربّ”(4) وفي ذلك أمنٌ من النار والعذاب، وفوزٌ بالجنة، ووقاية من عقوبات أليمة موجعة مهلكة عاجلة وآجلة. فما أقل الثمن، وأكبر المثمن عند من يعقلون!!
ولقد حرص أهل البيت عليهم السلام على صدقة السرّ لأفضليّتها، هذا إلى ما يُنقل عنهم من كثير صدقة العلن. الإمام الباقر عليه السلام في الإمام زين العابدين عليه السلام(5):”إنه كان يخرج في الليلة الظلماء، فيحمل الجراب على ظهره حتّى يأتي باباً باباً، فيقرعه ثم يناول من كان يخرج إليه، وكان يغطي وجهه إذا ناول فقيراً لئلا يعرفه”(6).
بحار الأنوار “عن محد بن إسحاق: إنه كان ناسٌ من أهل المدينة يعيشون لا يدرون من أين معاشهم(7)، فلما مات علي بن الحسين فقدوا ما كانوا يؤتون به بالليل”(8).
الكافي “عن هشام بن سالم قال: كان أبو عبدالله (عليه السلام) إذا أعْتَمَ(9) وذهب من الليل شطرُه أخذ جراباً فيه خُبْزٌ ولحم والدراهم فحمله على عنقه ثم ذهب به إلى أهل الحاجة من أهل المدينة فقسّمه فيهم ولا يعرفونه فما مضى أبو عبدالله (عليه السلام) فقدوا ذا فعلموا أنه كان أبا عبدالله (عليه السلام)”(10).
كان أهل البيت عليهم السلام على انتباه كبير من أحوال النّاس المعيشية، وتعرُّف والتفات وتنبُّه لحاجة المحتاج، وإحساس شديد بآلام الفقراء، وحرصٍ بالغ على الحفاظ على كرامة الإنسان. وكان بذلهم سخيّاً وتوجههم به إلى الله شكراً له، وطلباً لمرضاته.
والبذل العلنيّ منهم عليهم السلام محمولٌ على أنه في مورد السؤال المستعجَل، ولأغراضٍ تتطلّبها مصلحة المجتمع والإسلام؛ من إشاعة الخير، وإصلاح القلوب، وحتّى لا تكفر الأمّة بهم فتضِلَّ وتخسر، وهي أغراض مقرِّبة من الله عز وجلّ، وتُمثِّل ضرورات لا غنى للدين والمجتمع عنها(11).
وجاء في الصّدقة الواجبة وهي الزكاة بمعناها الخاص الإعلان، وفي الصدقة المستحبة الإسرار.
والحكمة من إعلان الزكاة المفروضة ظاهرة لأن ذلك يُساعد على حفظ الواجب، وجعله ظاهرة اجتماعية عمليّة مشهودة تُسهِم في حمايته من التنكّر والذوبان، وتُعزّز قيمته وفاعليته في النفوس.
الصّدقة لمن؟
عن الباقر عليه السلام:”إنَّ الصدقة لا تحِلُّ لمحترِف(12) ولا لذي مِرّة سويّ قويّ فتنزهوا عنها”(13).
الإسلام يدفع للعمل، ويحارب الكسل، ولا يفتح باباً من أبواب البطالة، فلا يسمح بأن تتسبّب الصدقة في العزوف عن الكسب والكدح والكدّ، وفي الميل إلى الرّاحة، وطلب الاسترخاء، والاعتماد على جهد الآخرين، والأكل من عطاء عرقهم من غير ضرورة.
فصاحب الحِرفَة إذا قامت بنفقته ونفقة عياله لا يُعطى، والقويّ القادر على العمل، المفرّط فيه لا تساعده الصدقة على هذا التفريط.
من بركة الصدقة:
عن الرسول صلّى الله عليه وآله:”من مشى بصدقة إلى محتاج كان له كأجر صاحبها من غير أن ينقص من أجره شيء”(14).
“لو جرى المعروف على ثمانين كفّاً لأجروا كلُّهم فيه من غير أن ينقص صاحبه من أجره شيئاً”(15).
فهنيئاً لأصحاب الصناديق الخيرية إذا التزموا الأحكام الشرعية في عملهم، وأخلصوا النيّة لله لما ينالونه من ثواب.
إبطال الصدقة:
من أشبع بطناً أو كسا ظهراً ولكنّه جرح نفساً، وآلم قلباً فما أعابه أهمُّ مما عالجه، وقد أساء أكثر مما أحسن، وخرج من المدح إلى الذّم، ومن الرّبح إلى الخسارة. والمنُّ من المُعطِي يجرح مشاعر المُعطَى، ويوجعه، وينال من كرامته، ويثير فيه الشعور بالذّل، ويصيبه بالأذى؛ وأي قيمة من بعد ذلك للعطاء، وما وزن بذل يُكلِّف هذا الثمن المعنوي الباهظ المرهق الكبير؟!
وفي هذا نقرأ قوله تعالى:{قَوْلٌ مَّعْرُوفٌ وَمَغْفِرَةٌ خَيْرٌ مِّن صَدَقَةٍ يَتْبَعُهَا أَذًى وَاللّهُ غَنِيٌّ حَلِيمٌ، يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تُبْطِلُواْ صَدَقَاتِكُم بِالْمَنِّ وَالأذَى كَالَّذِي يُنفِقُ مَالَهُ رِئَاء النَّاسِ وَلاَ يُؤْمِنُ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ صَفْوَانٍ عَلَيْهِ تُرَابٌ فَأَصَابَهُ وَابِلٌ فَتَرَكَهُ صَلْداً لاَّ يَقْدِرُونَ عَلَى شَيْءٍ مِّمَّا كَسَبُواْ وَاللّهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ}(16).
إنّ المنّّ والأذى يُحوّل الصدقة إلى لا شيء، ويُذهب حُسْنَها كلّه، ولا يُبقي لها أجراً، وإذا عاد صاحب المنّ والأذى بشيء فإنما يعود بإثم منّه وأذاه.
اللهم صل وسلم وزد وبارك على حبيبك المصطفى محمد بن عبدالله خاتم النبيين والمرسلين وآله الطيبين الطاهرين، وسلم عليهم تسليما كثيرا. أستغفر الله لي ولكم ولوالدي ولوالديكم، وللمؤمنين والمؤمنات أجمعين. اللهم اغفر لنا جميعاً وتب علينا إنك أنت التواب الرحيم.
اللهم أغننا بفضلك عمن سواك، ووسّع علينا من رزقك الحلال الطيّب الهنيء، ولا تجعل لنا إلى لئيم حاجة، واجعلنا من عبادك المحسنين، وتصدَّق علينا بالعفو والمغفرة والرضوان والجنّة يا أجود الأجودين، ويا أكرم الأكرمين.
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
{إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ، فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ، إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الْأَبْتَرُ}

الخطبة الثانية

الحمد لله منتهى كلِّ عِلَّة ومعلول، والذي لا علّة له لأنّه الوجود الحقّ المحض الأغنى الأكمل الذي ليس مثله وجود، وهو المدلول عليه بكلّ وجود لكلِّ ذاتٍ لا تملك في نفسها الوجود، ولولا وجوده الأزليّ بالذّات لما ظهر شيء محدود للوجود.
أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أنّ محمداً عبده ورسوله صلّى الله عليه وآله وسلّم تسليماً كثيراً كثيرا.
عباد الله ألا فلنتق الله، ولتنظر نفس ما قدَّمت لغد عندما تتخلّى كل نفس عن كلّ نفس، وتُشغل كلّ نفس بهول القيام إلاّ من رحم الله، ولطف به وشفَّعه. وغداً لا تنفع إلاّ النيّة الصّادقة، والعمل الصّالح، وما جاء به عبد مما يقرّب إلى الله، ويُكسب رضاه.
وكلّ ما يكبر في العين من أمور الدُّنيا من غير طاعة الله إمّا وبالٌ غداً أو سُدى. وقبيحٌ في الرأي أن يأتي المرء ما فيه هلاكه وعذابه، أو أن يُضيّع أغلى فرصه.
ولنعتبر بقوله تعالى:{وَالْعَصْرِ، إِنَّ الْإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ، إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ}(17).

اللهم ارزقنا وإخواننا المؤمنين والمؤمنات عملَ الصالحات، والتواصي بالحقّ، والتواصي بالصبر، وجنّبنا خسارة الحياة، وسوء المصير، وشقاء العذاب.
اللهم صلّ على محمد وآل محمد، وزدهم قرباً منك، وزُلفة لديك، وضاعف إكرامك لهم، وإنعامك وإفضالك عليهم يا أرحم الراحمين.
اللهم صل وسلّم وزد وبارك على عبدك المصطفى محمد بن عبدالله خاتم النبيين والمرسلين الصادق الأمين، وعلى علي أمير المؤمنين وإمام المتقين، وعلى فاطمة الزهراء الصديقة الطاهرة المعصومة، وعلى الأئمة الهادين المعصومين؛ حججك على عبادك، وأنوارك في بلادك: الحسن بن علي الزكي، والحسين بن علي الشهيد، وعلي بن الحسين زين العابدين، ومحمد بن علي الباقر، وجعفر بن محمد الصادق، وموسى بن جعفر الكاظم، وعلي بن موسى الرضا، ومحمد بن علي الجواد، وعلي بن محمد الهادي، والحسن بن علي العسكري، ومحمد بن الحسن المهدي المنتظر القائم.
اللهم صل على محمد وآل محمد، وعجّل فرج وليّ أمرك القائم المنتظر، وحفه بملائكتك المقربين، وأيّده بروح القدس يارب العالمين.
اللهم عبدك وابن عبديك، الموالي له، الممهد لدولته، والفقهاء العدول، والعلماء الصلحاء، والمجاهدين الغيارى، والمؤمنين والمؤمنات أجمعين، وفّقهم لمراضيك، وسدد خطاهم على طريقك، وانصرهم نصرا عزيزا مبينا ثابتا قائما دائما.
أما بعد أيها الأعزاء من المؤمنين وا لمؤمنات فإن الحديث يتجه إلى عدد من الأمور:
أولاً: الجولة الأولى من الانتخابات:
أثبتت جماهيرنا درجة عالية من الوعي، والنظرة الدقيقة، والصلابة الإيمانية، وحسن الاختيار، والإرادة القوية، والمشاركة الفاعلة في الانتخابات، وأفشلت محاولات الصحافة المعادية، وهي محاولات مكثّفة وخبيثة وماهرة في النيل من وعي الجماهير وإرادتها، وأحبطت الأماني السيئة لمن يقف وراء هذه الصحافة الساقطة في استغفالها، والبعد بها عن خياراتها الرشيدة.
لقد هزم وعيكم وإيمانكم باطل الصحافة ومكرها وألاعيبها بقوّة، كما هزم المال السياسي وإغراءاته بقوة. وهكذا كان الأمل فيكم وقد صدق. ولتبقوا دائما على الوعي اللاهب، والإيمان الصلب الذي يُسقط إغراءات المال، ولا يسمح أبداً باستغفالكم(18).
هناك صحافة تموت اليوم غيظاً لنجاح إرادتكم، ولأنكم لم تنخدعوا بأضاليلها التي استمرت لأعوام وأعوام، وتكثّفت في الآونة الأخيرة للتأثير على خياركم الانتخابي فلم تفلح.
ولتمت هذه الصحافة غيظاً مليون مرة لأنها لم تستطع أن تفصلكم عن وعيكم الكبير، وإيمانكم البالغ، واعتزازكم وتمسككم بالإسلام، ولم تستجيبوا لأمانيها الشيطانية الباغية، ومكرها الخبيث، وأغراضها السيئة.
إن وعي جماهيرنا المتقدم، وإرادتها الصلبة، وإيمانها العميق، وإصرارها الشديد استطاع أن يوصل ثمانية عشر نائبا إلى مقاعد المجلس النيابي، وهو أكبر عدد تسمح به خارطةُ التوزيع الجائر للدوائر الانتخابية أن يصل، ولولا جور هذه الخارطة لزاد العدد على هذا بكثير.
شكراً وامتناناً لجماهيرنا المحترمة، ولشبابنا الغيارى على هذا الوعي الكبير، والإرادة الصلبة، والالتفاف الشديد بالإسلام، والحرص القويّ على المصلحة الدينية والوطنية، وبذل أقصى الجهد لإفشال المخطّطات الخبيثة.
لقد أدّت جماهيرنا المشاركة واجبها كما ينبغي، وبقي الواجب على نواب هذه الجماهير كبيراً ثقيلاً بالنسبة إلى كلِّ الشعب، ولكل همومه، وقضاياه، وضروراته، ومقدّساته.
ونوابنا فيما ينبغي ليسوا لخوض معارك مفتعلة مع الحكومة أو غيرها، ولا فرقة قتال في مواجهة أحد، ولا للدعاية الفارغة، ولا للفُرقة الضّارة، ولا للإثراء والتزيّد من الدّنيا، ولا للبحث عن الفرص الشخصيّة، ولا لتمتين العلاقات التي تخدم المصالح الذاتية، ولا للتسلّق للمناصب.
واجبهم أن يقفوا صفاً واحداً لحماية الحقوق، للمطالبة بكلّ حقّ سليب، لحماية الثروة العامة، وحراسة المال العام، لتحسين الوضع التشريعي، والاستجابة لحاجة الإسكان، وحاجة المعيشة اليومية التي يكبر ثقلها على الناس، ومن أجل تقدُّم الموقع السياسي للشعب، ولمعالجة مسألة الدستور، ولمواجهة التمييز غير العادل، والتجنيس غير القانوني، والفساد الإداري، والمالي، والأخلاقي، وإصلاح الوضع الأمني، ولرعاية مصلحة الوطن وأخوّة أبنائه، للتعاون على الخير مع أيّ قائل لكلمة خير، أو صاحب موقف نبيل.
يخطئ المرشّح الذي وصل إلى مقعد من مقاعد النيابي أو البلدي إذا اعتبر نفسه قد نجح، الصحيح أنه قد دخل الامتحان، أما الحكم بنجاحه أو فشله فمرتبط بجنس عمله، ودرجة صدقه وإخلاصه، ومستوى دوره في المجلس.
إذا انتهت السنوات الأربع للفصل التشريعي ووجد النائب أو البلدي نفسه قد أخلص للشعب في تمثيله له، وقد أرضى الله سبحانه فقد نجح، وإلا فهو من أسقط السّاقطين.
أربع سنوات النيابيّ والبلديّ تجربة يقضيها الممثل للشعب فيهما مع الدنيا والآخرة، ونتيجتها أن يكسب الجنّة أو يُحرمَها(19)، أن ينجو من النار أو يدخلها.
وأريد أن ألفت نظر المؤمنين جميعاً إلى أن من طبيعة الأجواء الانتخابية أن تحمل معها غباراً وأتربة خلاف، وهذه يجب أن لا تبقى معكّرة لجو الإيمان، ومؤثرة سلباً على الأخوّة الإيمانيّة العامّة، ومسبّبة لتحاملٍ مضادٍّ لمقتضى الإيمان لا يرضاه الله.
ثانياً: الخطاب الديني وصوتيات الحسينيات والمساجد:
العقل والحكمة ومصلحة الدّين والوطن في أن تبقى للخطاب الديني استقلاليته، ولصوتيات دور العبادة والخطابة الحسينية وظيفتها التبليغية والإعلانية على ما كانت عليه، وقد تقرّر رسميّاً كذلك. وهذه الحكمة لابد أن تقدّر، ودوركم في حماية الدّين لابد أن يشكر(20).
والصوتيات عندنا كما تقدّم أكثر من مرة ليست للإزعاج، ولا للتغالب والمنافسة الجاهلية، وإبراز العضلات، وإنّما لها وظيفتها الشرعية التبليغية والإعلانية داخل الحسينية وخارجها، داخل المسجد وخارجه.
وتعطيل هذه الوظيفة إضرار بالشريعة، والانحراف بها أو عنها مخالفة لها؛ فلا هذا ولا ذاك، والحكم الشرعي والعرف الديني هو الحاكم والفيصل.
والخطاب الديني عقل وحكمة ونصح، ودعوة للخير، وتحذير من الشرّ، وإنكار لمنكر، وأمر بمعروف، وإبطال لباطل، وإحقاقٌ لحقٍّ، ومناهضة للفتن، وسدٌّ لأبواب السوء، وتأكيد على العدل، ورفض للظلم، وهداية لتوحيد الله، والإخلاص في عبادته.
وليس من الخطاب الديني ما هو شتم وسب وقذف وإثارة نعرات، وإيقاظ جاهليات، واختلاق وافتراء، ونيل من برئ، وتأجيج فتن، وتقويض لأخوّة في الله، وهدم لتعاون على الخير، وعرقلة للتصحيح، والإصلاح، والتقدّم.
ثالثاً: الوضع العام:
الوضع العام باقٍ على إزعاجه، وتلبُّد أجوائه، والوطن في ظلّ هذا الوضع ليس بخير.
البلد كلّه توقيفات، وقضايا أمنية، ومحاكمات، وعقوبات، وأصبح هذا الواقع ظاهرةً شبه يومية ودائمة. ووطن في ظل هذا الواقع لابد أن يُخاف عليه، وهو واقع يسيء للوطن، ويؤثر عليه سلباً بدرجة واضحة ويزلزل كيانه، ويهزّ الثقة فيه من قبل العالم الخارجي، ويضر بمصالحه.
وهذا الواقع لا يفتح طريق الحل، ولا يمهد له، وإنما نتيجته المزيد من التأزّم.
والحلّ أن تُطوى صفحة هذا الواقع المربك المفزع المرّ بإرادة سياسية قادرة قويّة فوريّة وأن يحلّ محلّه التفاهم الذي يؤسس لتوافق مشترك دائم.
اللهم صل وسلم وزد وبارك على حبيبك المصطفى محمد بن عبدالله خاتم النبيين والمرسلين وعلى آله الطيبين الطاهرين، واغفر لنا ولوالدينا وأرحامنا وأقربائنا وأزواجنا وأصدقائنا ومن أحسن إلينا من المؤمنين والمؤمنات، وجميع المؤمنين والمؤمنات، وتب علينا إنك أنت التواب الرحيم.
اللهم أصلح شأننا كلّه، وانقلنا من سوء الحال إلى حسن الحال، ومن الفُرقة إلى الألفة، ومن التشتّت إلى التوحّد، ومن الغواية إلى الهداية، ومن الضلال إلى الرشد، ومن الفشل إلى النجاح، ومن نار سخطك إلى جنة رضوانك يا كريم يا رحيم.
{إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاء ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ}(21).

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1- مسكن الفؤاد للشهيد الثاني ص48.
2- 271/ البقرة.
3- بحار الأنوار ج75 ص284.
4- مكارم الأخلاق للشيخ الطبرسي ص137.
5- يعني في أمر الإمام زين العابدين عليه السلام وفي شأنه.
6- بحار الأنوار ج46 ص89.
7- أصل معاشهم يدرون به من أين، وأنه من عند الله، لكن على يد من يأتي هذا المعاش؟ لا يدرون.
8- بحار الأنوار ج46 ص88.
9- أي دخل في عتمة الليل، وعتمة الليل هي الثلث الأول منه كما في البيان اللغوي.
10- الكافي ج4 ص8، دار صعب – دار التعارف للمطبوعات. وفي ميزان الحكمة ج5 ص2120 عن الكافي (ذلك) بدل (ذا).
11- فإذا اختار الإمام صدقة السرّ إنما يختار ذلك لله، وإذا اختار صدقة العلن فكذلك إنما يختارها لله.
12- أي صاحب حرفة.
13- الكافي للشيخ الكليني ج3 ص560.
14- بحار الأنوار ج93 ص175.
15- الكافي للكليني ج4 ص18. الحديث عن الإمام الصادق عليه السلام.
16- 263، 264/ البقرة.
17- سورة العصر.
فالحياة تذهب خسارا ممن لم يؤمن بالله ويعمل صالحاً ويتواصى بالحق والصبر.
18- هتاف جموع المصلين بـ(معكم معكم يا علماء).
19- قد يدخل النيابي ويكسب الجنة، وقد يدخل النيابي وهو مستحق للجنة فيخرج منه محروما منها. فأين النجاح؟!
20- هتاف جموع المصلين بـ(الله أكبر).
21- 90/ النحل.

 

زر الذهاب إلى الأعلى