خطبة الجمعة (423) 28 شوال 1431هـ – 8 أكتوبر 2010م

مواضيع الخطبة:
الخطبة الأولى: الإسلام والحياة

الخطبة الثانية: الانتخابات النيابية والبلدية
التصويتُ لمن يهمّه أمر الشعب؛ لقمةُ عيشه، أمنُه على دينه ودنياه، أخلاقه، إنصافه، المساواة بين أبنائه، قضاياه الرئيسة، مطالبه الحقّة، مشاركته السياسية الفاعلة، شكواه، توجّعه، سجناؤه، حرّيته الدينية، المتعطِّلون من شبابه، المتسيِّبون من فلذات كبده.
الخطبة الأولى

الحمد لله الذي يهرُب إليه الخائفون، ويفزع المذنبون، ويقصِدُ المنيبون، ويشكو المظلومون، ويرغبُ المريدون، ويأنسُ العارفون، وينتهي أملُ الآملين، ورجاءُ الراجين. الحمد لله من أوّل الدّنيا إلى فنائها، ومن أوّل الآخرة إلى بقائها. الحمد لله أزلاً وأبداً أمجدَ حمد، وأصدقَ حمد، وأجملَ وأكملَ حمد.
أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أنّ محمداً عبده ورسوله أرسله بالهدى ودين الحقّ ليظهره على الدين كلّه ولو كره المشركون. صلّى الله عليه وآله وسلّم.
أوصيكم عباد الله ونفسي المقصّرة بتقوى الله، وتقديم طاعته على كلّ طاعة، ومحبّته على كلّ محبَّة، وخوفه على كلّ خوف، ورجائه على كلّ رجاء، وأن لا تأخذنا في جنبه لومة لائم؛ فلا إله غيرُه، ولا ربَّ سواه، ولا نافعَ ولا ضارَّ إلا هو، والقُدرةُ كلّها له، وأمرُ كلّ شيء بيده.
اللهم صلّ على محمد وآل محمد، واغفر لنا ولإخواننا المؤمنين والمؤمنات أجمعين، ولوالدينا وأرحامنا وقراباتنا وأزواجنا وجيراننا وأصحابنا ومن أحسن إلينا من مؤمن ومؤمنة، ومسلم ومسلمة، وتب علينا إنك أنت التوّاب الرَّحيم.
اللهم اجعل حياتنا كلّها ربحاً بطاعتك، ونجْحاً بعبادتك، ولا تجعل مصيرنا بواراً، ولا شيئاً من حياتنا خساراً، ولا تُسلِمْنا لمضلاّت الفتن، ولا تخلنا لأنفسنا طرفة عين، ولا تخذلنا أبداً يا كريم يا رحيم.
أما بعد أيها المؤمنون والمؤمنات فهذا حديث بعنوان:
الإسلام والحياة:
من النّاس من هو الضارٌّ، ومنهم من هو النافعٌ، منهم من هو المفسد ومن هو المصلح، من دوره الإعمار، ومن دوره التخريب.
ومنهم من لا يكاد يكون له دور فاعل في هذه الحياة.
والإسلام دين يدفع للإعمار، والنفع، والبناء الصّالح، وإثراء الحياة بكلّ خير.
والإنسان إنّما أوجده الله في الأرض ليكون الخليفة الصّالح فيها؛ يزكو في ذاته، ويتبادل التّأثير الإيجابيّ في هذا المجال، ويعمرُ الأرضَ متعاوناً، ويقيمُ حضارة الهدى والثّراء، ويتقدّم بالأوضاع، ويُبدعُ ما أمكنه الإبداع على طريق الخير والصّلاح.
والإسلام يدفع الإنسان في هذا الاتجاه، ويقود خطواته على هذا الطّريق، ويذوده عن أن يكون مُفسداً، ويبنيَ شرّاً، ويهدم خيراً، أو ينتصرَ لباطل، وعن أن يتعطّل دوره، وتُشلَّ حركته، ويخرجَ من الدّنيا بلا إضافة نافعة له في نفسه، وفي الحياة.
الإسلام في عقيدته، وأخلاقيته، وتشريعاته كلّها لا ينفكّ عن وظيفة الإعمار لذات الإنسان والحياة. ولا طاقة ولا جهد للإنسان، ولا لحظة من لحظات عُمُره إلا ويعمل الإسلام على إنفاقها في هذه الوظيفة، ويضعها في هذا الاتجاه.
إخراج النّاس من الظلمات إلى النّور، وتزكيتهم، ورفعُ الأغلال والأثقال عن حركة النموّ الصالح لعقولهم وقلوبهم، وهدايتهم إلى الصِّراط المستقيم وتوجيههم إلى الله عزّ وجلّ ليصوغوا حياتهم في ضوء عشقهِم لجلاله وجماله وكماله المطلق مَهمَّةٌ مشتركة بين كلّ الرّسالات السماويّة المستهدِفة لصناعة الإنسان وتربيته تربية إلاهية عالية تجعله يغنى بأكبر قدر يطيقه وجوده من نزاهة معنوية، وجمال ذات وكمال.
تقول الآية الكريمة:{هُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ عَلَى عَبْدِهِ آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ لِيُخْرِجَكُم مِّنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَإِنَّ اللَّهَ بِكُمْ لَرَؤُوفٌ رَّحِيمٌ}(1) والفقدُ لأيّ مرتبة من مراتب الكمال العقلي، أو النّفسي، أو الرّوحي يُمثّل ظلمة للعقل، والنفس، والرّوح، والإخراج من هذه الظلمة بتحقيق تلك المرتبة المفقودة التي يُمثّل وجودها نوراً للعقل والنّفس والرّوح، وحياة جديدة إضافية يرقى بها مستوى الإنسان.
وتقول الآية الكريمة:{هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولاً مِّنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ….}(2) والتزكية عملية إنماء صالح، وارتقاءٌ بعقل الإنسان وقلبه وروحه وإرادته ومشاعره، وأخذ به إلى مستوى جديد أرفع وأنقى باستمرار.
وتقول الآية الكريمة:{ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الأُمِّيَّ الَّذِي….. وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالأَغْلاَلَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ….}(3) ووضع الإصر والأغلال وضعٌ لكلّ ما يثقّل حركة الإنسان الكريمة الصّاعدة ويعرقلها ويبطّئُ بها، ويعيق من نموّه الصّالح وتوجّهه إلى الله.
فالإنسان في مدرسة الأنبياء حياته مُستوعَبة لحركة الصلاح والفلاح والنموّ الطيّب لذاته الذي يقرّبه إلى الله سبحانه، وينال به المقامات الرّفيعةَ الكريمة.
وهذه الحركة الصّالحة في ذات الإنسان والتي تُثيرها وترعاها تربية السّماء تُوازيها حركة إصلاحية خارجية تتمُّ على يده بتوجيهٍ من هذه التربية وفي ظلّ منهجها لإحياء الأرض وإعمار الحياة، وخدمة كائناتها.
ونقرأ بعض الأحاديث في هذا المجال:
عن النبيّ صلّى الله عليه وآله:”من غرس غرساً فأثمر أعطاه الله من الأجر قدْر ما يخرج من الثمر”(4).
الحديث يُطمع الإنسان المسلم في غرس الغرس المثمر النّافع خدمةً للحياة والأحياء، وإعماراً للأرض، والخروج بها إلى حالة الحركة الصّالحة والعطاء النّافع، ويطمعه أن يُحسِن غرسه، وأن يرعاه تمام الرّعاية، ويعطيه من اهتمامه وعنايته حتّى يُعطيَ كثيراً طيّباً، فيثابَ هو كثيراً؛ إذ مقدار الأجر من مقدار الثّمر ومن جودته مما يقوم على مقدار الجُهد والرّعاية والعناية.
وعنه صلّى الله عليه وآله:”ما من مسلم يغرس غرسا أو يزرع زرعاً فيأكل منه إنسان أو طير أو بهيمة، إلا كانت له به صدقة”(5).
فدين المسلم يثير فيه روح الإنتاج والعمل على إثراء الحياة، ويعِدُه بالأجر العظيم على منفعة النّاس على اختلافهم وحتى الطّير والبهائم.
وحين لا يُفرِّق الحديث بشأن أصل الثواب في مورده بين مسلم وكافر، وتقيٍّ وفاجر فذلك لأنّ الله عزّ وجلّ أراد لرزق الدّنيا أن يكون عامّاً، ولأن يكون قوتها وشرابها كافياً لتستمر تجربة الحياة بما تحمل من امتحان مصيريّ بمقدار ما قدّر سبحانه واقتضت حكمته بالنسبة للجميع، وإنْ كان لكلٍّ من النّاس شأنه الذي يتبع ما يكون عليه من موقف طاعة أو معصية، وتقوى أو فجور، ولكلٍّ يومَ الجزاء جزاؤه.
وعن الصّادق عليه السّلام في النّفع العام:”ست خصال ينتفع بها المؤمن بعد موته ولد صالح يستغفر له(6)، ومُصحف يُقرأ منه(7)، وقليب(8) يحفره، وغرس يغرسه، وصدقة ماء يُجريه، وسُنّة حسنة يؤخذ بها بعده”(9).
وكل هذا إنتاج وعمل صالح ينتفع به الناس الانتفاع المعنوي أو المادي، ويترك أثراً إيجابيّاً أو شيئاً نافعاً يُشارك في تيسير الوضع، وإصلاح الحياة.
وهذه الخدمة للنّاس، والأثر الطّيب في الحياة مما يُخلّفه المؤمن يكون في ميزان أعماله، ويجد منه المثوبةَ المتجدّدة بعد موته.
وعنه عليه السّلام:”كان أبي(10) يقول: خير الأعمال الحرث يزرعه فيأكل منه البرّ والفاجر، أمّا البرُّ فما أكل من شيء استغفر لك(11)، وأما الفاجر فما أكل من شيء لعنه(12)، ويأكل منه البهائم والطير”(13).
والعبدُ الزارع المطيع لربّه إنما يزرع لرزقه وصلاح الحياة، أمّا الفاجر الذي يأكل من ذلك الزرع فإنّما استحقّ اللعن بما أساء لنفسه وظلمها(14).
وهكذا نجد الدّين يدفع للجِدّ والنّشاط واستثمار الحياة وللدّور النافع الصالح، والبناء الكريم، ولحركة إعمارية مستمرّة تستهدف رُقيّ الإنسان والحياة، وتُقدِّم الخدمة النّافعة لجميع الخلق، وتخرُج بالأرض من موتها وخمولها إلى الحياة والازدهار.
اللهم صل وسلم وزد وبارك على حبيبك المصطفى وعلى آله الأطياب الأطهار وسلّم تسليماً كثيراً، واغفر لنا ولإخواننا المؤمنين والمؤمنات أجمعين، وتب علينا إنك أنت التوّاب الرحيم.
اللهم ارزقنا الجِدّ في طاعتك، والعمل بما يُكسب مرضاتك، ويُجنّب من سخطك، واجعل في حياتنا نفعاً لعبادك، وصلاحاً لدينك، وخِدمة لأوليائك، وأصلِح عملنا، وتقبّل منا يا كريم يا رحيم.
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
{وَالْعَصْرِ، إِنَّ الْإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ، إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ}.

الخطبة الثانية

الحمد لله الذي يقبل التوبةَ عن عباده، ولا تنفع الشّفاعةُ إلا بإذنه، ويبتلي أهلَ طاعته، ويُمْهِل أهل معصيته، وهو القادر الذي لا يُعجزه شيء، ولا يردّ قضاءه شيء، ولا مفرّ لأحدٍ من عدله، ولا مهرب من قهره، ولا ملجأ من أخذه، وهو سريع الحساب، شديد العقاب، فعّال لما يريد.
أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أنّ محمداً عبده ورسوله أرسله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كلّه ولو كره المشركون صلّى الله عليه وآله وسلّم تسليماً كثيراً كثيراً.
عباد الله علينا بتقوى الله والفرار إليه، والعوذ به، والتوسّل إليه بطاعته، وعدم التعرّض لسخطه بمعصيته فإنّ الله كاف من أطاعه، ولا كافيَ من الله لمن عصاه.
ولنتّخذ الدّين جدّاً لا هزوا، ولنستفته في كلّ أمور الدّنيا، ولا نستفت الدّنيا في أمرٍ من أموره. ولا يكون المؤمن مؤمناً مستكمل الإيمان حتّى يكون الدّين الحقُّ أعزّ عليه من نفسه وولده وأهله وماله. وهذا لا يكون إلا عن بصيرة وتربية وترويض للنفس على الطاعة، وعن مجاهدة طويلة مستمرة.
اللهم صلّ وسلّم وزد وبارك على حبيبك المصطفى وآله الطيبين الطاهرين، وصيّرنا إلى محبوبك من التقوى، ووفّقنا لما تقِرُّ به عيوننا من الزُّلفى، وانتهِ بنا إلى خير عاقبة، وأكرم مأوى يا أكرم من سُئل وأجود من أعطى.
اللهم صلّ وسلّم وزد وبارك على عبدك ورسولك خاتم النبيين والمرسلين محمد بن عبدالله الصادق الأمين، وعلى علي أمير المؤمنين وإمام المتقين، وعلى فاطمة الزهراء الصديقة الطاهرة المعصومة، وعلى الأئمة الهادين المعصومين؛ حججك على عبادك، وأنوارك في بلادك: الحسن بن علي الزكي، والحسين بن علي الشهيد، وعلي بن الحسين زين العابدين، ومحمد بن علي الباقر، وجعفر بن محمد الصادق، وموسى بن جعفر الكاظم، وعلي بن موسى الرضا، ومحمد بن علي الجواد، وعلي بن محمد الهادي، والحسن بن علي العسكري، ومحمد بن الحسن المهدي المنتظر القائم.
اللهم صل على محمد وآل محمد، وعجل فرج ولي أمرك القائم المنتظر، وحفه بملائكتك المقربين، وأيده بروح القدس يارب العالمين.
عبدك وابن عبديك، الموالي له، الممهد لدولته، والفقهاء العدول، والعلماء الصلحاء، والمجاهدين الغيارى، والمؤمنين والمؤمنات أجمعين، وفقهم لمراضيك، وسدد خطاهم على طريقك، وانصرهم نصرا عزيزا مبينا ثابتا قائما.
أما بعد أيها الإخوة والأخوات المؤمنون والمؤمنات فمع هذا العنوان:
الانتخابات النيابيَّة والبلدية:
لقد اختُير لأجواء الانتخابات أن تكون مؤلمة ومزعجة ومحبطة لتتعطّل الإرادة الانتخابية عند كثير من المخلصين، وتنصرف شريحة كبيرة غيرُ مرغوب فيها من قِبل متنفّذين عن التصويت حتى تأتي طبخة المجلسين كما خُطِّط لها، وكما يشتهون.
وينبغي أن يكون ردُّ الفعل على هذا الاختيار واعياً، وبمزيد من المشاركة في التصويت والإقبال الكبير من الفئة المستهدفة للتخطيط.
المطلوب للتخطيط أن تكون النتيجة مجلساً لا مدافع فيه بصدقٍ وإخلاصٍ عن مصلحة الشعب في دنيا أو دين. وعلى الناس إذا أرادوا أن يُحبطوا هذه الأمنية السّقيمة أن يُشاركوا بقوّة في التصويت للأصلح الأصدق الكفؤ المأمون في الدفاع عنهم في شأن دينهم ودنياهم، والمطالبةِ بحقّهم في كلّ من الأمرين.
لا تعطوا للطبخة المضادَّة لمصلحتكم فرصة لأن تنجح فتكونوا قد أعنتم على أنفسكم، وأسأتم إليها.
قابلوا من يُراهن على استغفالكم ليكون المجلس على هواه بوعيٍ كافٍ يوصل إليه عناصر واعية مخلصة تدفع ضارّاً، وتحقّق نافعاً، عناصرَ تنطق بصوت عالٍ بما فيه مصلحة الشعب في دينه ودنياه، ولا تتستر على الفساد، ولا تخونها النّفس، ولا يعوِزها الدين والضمير.
إنَّ مجلساً نيابيّاً خالياً من أصوات واعية كفوءة مخلصة وفيّة للشعب مدافعة عن حقوقه، مبرِّراً للأخطاء والمظالم ليضيف إلى الكارثة بدل أن يخفّفها، ويزيدُ الجُراح عُمقاً وألماً، ويُكرّس المصيبة، ويضاعف من مظلومية المظلومين، وعذاب المعذّبين.
للنائب موقع في التشريع، وفي القرار، وكشف المعلومة، والرَّقابة والمحاسبة وأن يكون النائب للشّعب غيرُ أن يكون عليه(15)، وأن يناصره غيرُ أن يضادّه؛ فأحسنوا لأنفسكم بحسن الاختيار.
واللسان الأخرس(16) أو القاصر في المجلس خسارة(17)، والضّعيف المرتجف لا يعتمد عليه(18)، ومن ترشَّح للمال سهل شراؤه، ومن لا يحمل وعياً كافياً استُغفل، ومن انفرد كان الطمع في إغرائه وإخافته أكبر.
والنواب ثلاثة لا يستوون: نائب للشعب، ونائب عليه، ونائب لا يدري أين يذهب، أو هو داخل في سوق المساومات. والصّالح من الثلاثة الأول فاحرصوا عليه.
ولا يستوي نائب يهمُّه أمر الدين والخلق والمقدّسات، ونائب يستحفّ بكلِّ ذلك أو يعاديه(19). فمن أهمّه أمر الدين من الناخبين لم يعْدُ في اختياره الانتخابي النائب الأول. والناخب شريك النائب في صوته، ودوره المناصر للشعب في المجلس أو المضاد له، والمدافع عن الدّين أو المحارب له(20)؛ فاحذر أن تأثم بمضاّدة الشعب وبمحاربة الدّين باختيار من لا دين له، أو لا توجعه آلام الشعب.
التصويت لمن يكون؟
التصويتُ لمن يهمّه أمر الشعب؛ لقمةُ عيشه، أمنُه على دينه ودنياه، أخلاقه، إنصافه، المساواة بين أبنائه، قضاياه الرئيسة، مطالبه الحقّة، مشاركته السياسية الفاعلة، شكواه، توجّعه، سجناؤه، حرّيته الدينية، المتعطِّلون من شبابه، المتسيِّبون من فلذات كبده.
والتصويت لمن يُخلص لكل هذه القضايا، ويستطيع أن يُعبّر عنها، ويملك القدرة أن يواجه من أجلها، وله الخبرة التي تُعينه على ذلك، والمناعة عن الذوبان والتهالك على الدّنيا، والشجاعةُ الكافية للإصحار بالحقّ، والإدراك لحجم الأمانة، وعِظَم المسؤولية، والخوف الرّادع من الله عزّ وجلّ عن الاستسلام للترغيب والترهيب.
وأيُّ عدد من النواب يكون مع الشّعب في المجلس إما أن يأتيَ أصواتاً متفرّقة، وآراء متباينة، واجتهادات مختلفة، أو يأتيَ حزمة واحدة يجمعها رأي موحِّد، وصوت واحد، رأي تنتهي إليه دراسة مشتركة من عقول متعددة وتجارب متكثرة ليتّسم بالعمق والإحاطة والشمولية والمتانة والقوَّة، وصوتٌ مدوٍّ مواجهٌ غيرُ متردد ولا مطموعٍ في إسكاته، على خلاف رأي الفرد الذي قد يأتي مرتجلا، أو نتيجة لدراسة قاصرة، وظروف نفسيّة مرتبكة، وتجربة مجزوءة، والذي يمكن أن تهزمه الأصوات المضادّة حين تحتوشه بعنادها وشراستها وتكالبها.
والواحد ضمن الكيان الموحّد لعدد من النوّاب خاضع لرقابتهم ومحاسبتهم، وخاضع لحساب المؤسسة التي ينتمون إليها بكلّ الدوائر والجهات الرسمية في هذه المؤسسة، وخاضع لمحاسبة الجمهور العريض الذي يقف وراء هذه المؤسّسة، وهو أمر مفقود في النائب خارج هذا الكيان والذي لا يجد مرجِعاً له في مواقفه اليومية والتفصيلية إلا نفسه، وإن كان يشعر بشيء من الرّقابة العامة الاجتماعية غير الثّابتة والمنظّمة.
وإنَّ النائب القوي في الكتلة الموحَّدة ليزداد شعوراً بالقوة والدّعم والثّقة، وإذا كان على ضعف وُجد ما يجبُر ضعفه بمقدار من الكُتلة مما ينهض به. والنائب المنفرد محروم من كل ذلك.
إنَّ تجربة الكتلة الموحَّدة قد أثبتت جدارتها بما لا يدع شكاً في ذلك، وكان الاعتماد على توحُّدها في محلِّه.
وأخيراً أُعلن أنّي أرى وبرغم كُلِّ النواقص والملاحظات والسّلبيات، والمنغّصات والمعوّقات أن أدلي بصوتي في عملية الانتخاب القادمة انطلاقاً من مصلحة الشعب والوطن، وطلباً لمرضاة الله عز وجلّ، وحمايةً لدينه(21).
وأُعلن عن نُصحي القويّ الأكيد لأبناء هذا الشّعب الكريم بالإدلاء بأصواتهم في هذه الانتخابات، وأن لا يتخلّف متخلّف عن هذه الوظيفة مع التّشديد على رعاية رضى الله سبحانه، والنّظر إلى مصلحة الشّعب والوطن في قضيّة الاختيار بعيداً عن كلّ المؤثّرات الأخرى.
اللهم صل وسلم وزد وبارك على حبيبك المصطفى وعلى آله الأطيار الأطهار، واغفر لنا ولإخواننا المؤمنين والمؤمنات أجمعين، وتب علينا إنك أنت التواب الرحيم.
اللهم أخلص نيّاتنا لوجهك الكريم، وأحسن منّا النصيحة والقول والعمل، ووفِّقنا للتي هي أقوم، وادرأ عنّا يا قويّ يا عزيز، يا رؤوف يا رحيم.
{إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاء ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ}(22).

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 – 9/ الحديد.
2- 2/ الجمعة.
3- 157/ الأعراف.
4- ميزان الحكمة ج2 ص1142.
5- مستدرك الوسائل ج13 ص460.
6- وهو من الإنتاج.
7- مصحف كتبه أو اشتراه.
8- أي البئر.
9- الخصال للصدوق ص323.
في كل ذلك إبداع، في كل ذلك إحياء، في كل ذلك تجديد صالح.
10- أي الإمام الباقر عليه السلام.
11- المستغفر إما المؤمن الآكل، أو الشيء المأكول.
12- الشيء يلعنه، وهذا يقرّب أن يكون المستغفر هو المأكول، والمؤمن قد يغفل حينما يأكل من زرع أخيه أن يستغفر له، لكن ذاك الشيء وبتسديد وبإلهام من الله لا يغفل أن يستغفر للمؤمن.
13- وسائل الشيعة للحر العاملي ج19 ص34.
14- ولأنه قد وضع نعمة الله في غير موضعها.
15- النائب الذي يختاره الشعب مرة يكون له ومرة يكون عليه، ولا يمكن أن نساوي بين مجلس كلّ نوّابه على الشعب، وبين مجلس يكون عدد من نوّابه مع الشعب.
16- هذا نوع ثالث من النوّاب.
17- كأنّك لم توصل نائبا عنك.
18- عنده لسان، وعنده طاقة وقوّة لكنّه ضعيف في عزمه وإرادته.
19- قد يكون نائب يستخفّ بكلّ مقدّساتك، بالأخلاقية التي تهمّك، بالدين الذي تعتزّ به. ونائب آخر يقابله يحمل الهم الذي تحمله بالنسبة لقضايا الدين والمقدسات وربما أكبر مما تحمل. فهل يستويان؟
20- صوت النائب المحارب لدين الله والذي اخترته مثّل صوتك، وأنت شريك له في ذلك الإثم، النائب الذي سيدافع عن الدين، وعن المقدّسات في كل كلمة يقولها في هذا المجال شرف لك وثواب.
21- هتاف جموع المصلين بـ(معكم معكم يا علماء) و(لبيك يا فقيه).
22 – 90/ النحل.

 

زر الذهاب إلى الأعلى