خطبة الجمعة (407) 29 جمادى الأولى 1431هـ – 14 مايو 2010م

مواضيع الخطبة:

*متابعة حديث المعاد * شعارات محاربة

إن شعار التنوع الثقافي ومفهومه المطروح عندهم يقول لك أيها الملتزم بالإسلام لا تحتجَّ منذ اليوم بإسلامك، ولا ترفع شعاره في وجه ما نريد، ونُخطِّط له، ولم يعد هذا البلد بلداً إسلاميّاً كما تتوهَّم. وإنّه لكثير عليك إذا اعتُرِف لك مؤقتاً بوجود هزيل، وشراكة محدودة ضيقة ضعيفة باهتة لا تكاد تبين.

الخطبة الأولى

الحمد لله الذي تستوي الأشياء في علمه كلُّها ما غبر منها وما دثر، وما هو قائم، وما لم تأت به الفِكَر. فكل شيء معلوم لديه، حاضر عنده، وهو بكل شيء محيط. لا تخفى عليه خافية، ولا تشردُ شاردة، ولا تحجب عن علمه ظلمات، ولا تستر عنه أرضٌ ولا سماوات. ومن علمه بكل مخلوقاته أنه يمدّها بالوجود الذي تقوم به، ويرفِد أحياءها بالحياة التي تحتاجها، ويدبّرُها التدبيرَ الذي يصلحها، ويديم الإفاضةَ عليها، ويُبقيها في مساراتها، وعلى خطِّ غاياتها، ويخرجها من حالٍ إلى حال، ومن طورٍ إلى طور، وهي في ذات المسار المرسوم، وعلى خطّ الغاية المطلوبة، وعلى طريق النّهاية المكتوبة.
أشهد أن لا إله إلا الله وحده لاشريك له، وأشهد أنّ محمداً عبده ورسوله أرسله بالهدى ودين الحقّ ليظهره على الدين كلّه ولو كره المشركون. اللهم صلّ على محمد وآل محمد، ولا تفرّق بيننا وبينهم لحظة عين أبدا برحمتك يا أرحم الراحمين.
أوصيكم عباد الله ونفسي الأمّارة بالسوء بتقوى الله، والإعداد ليوم تُبعث فيه النفوسُ بعد الموت لترى فيه ما قدَّمت يداها من فجورها وتقواها، وتُجزى جزاها، فتصير إلى جنّة يخلد في أمنها المتقون، أو تأوي إلى نار يقيم في بؤسها العاصون.
وإنَّ للجنّة لنعيماً ليس له في الدنيا نظير، وإنَّ للنار لعذاباً ليس له في الدنيا مثيل. ولكلٍّ منهما وصف فوق ما نستطيع في تجربتنا الدنيوية أن نستوعبه.
اللهم صلّ على محمد وآل محمد، واغفر لنا ولإخواننا المؤمنين والمؤمنات أجمعين، ولآبائنا وأمهاتنا، وأرحامنا وقراباتنا وأزواجنا، ولكل من أحسن إلينا من مؤمن ومؤمنة، ومسلم ومسلمة، وتب علينا إنك أنت التواب الرَّحيم.
اللهم ارزقنا الطاعة لك وصبرها، وجنِّبنا معصيتك، وزهّدنا فيها، ولا تجعل لنا رغبةً تشذّ بنا عن رضاك، أو تقودنا إلى سخطك، وتنتهي بنا إلى ما يستوجب عقابك، وطردك لنا من رحمتك.
اللهم ارأف بنا واقبلنا، واستر علينا، وعافنا واعف عنَّا وصلّ على محمد وآل محمد، وارفع درجتهم فوق ما رفعت، وشرّف قدرهم فوق ما شرّفت، وأغدق عليهم من فضلك وسيبك فإنّك الحنّان المنّان الجواد الكريم.
أما بعد أيها المؤمنون والمؤمنات الأعزاء فهذه متابعة للحديث عن المعاد:
تقدّم أنَّ من ينفي عقيدة الآخرة، أو يعيش حالة استبعاد لها لابدَّ لنفيه أو استبعاده من منشأ يجعله مقبولاً. وقد تقدّم الكلام في منشأ التوهّم للقصور في القدرة.
ومن المناشئ احتمال العبثية في الخلق، حيث لا تتمُّ عقيدة الآخرة مع وجاهة هذا المنشأ في حقّ الله سبحانه؛ فمع جواز العبث في خلق الكون والإنسان تجوز قضية الخلق والإعدام المتكرّرين تباعاً، والهدم والبناء المتوالين بلا غاية تكون للخلق إلا إعدامه، ولا هدف للبناء إلا هدمه، ومعنى ذلك أنه بلا غاية ولا هدف، فيكون استمرار الخلق والإعدام والبناء والهدم في الكون كلّه على حدّ لعب الطفل والمتلهي حين يُنشِئ مصنوعاته ليحطِّمها، ويقيم بناءه ليهدمه ولماذا الآخرة مع احتمال العبثية في الخلق، وماذا يضمنها؟!
واحتمال العبثية في الخلق تستعرضه الآيات القرآنية الكريمة وتُحاكمه.
والقرآن الكريم يَعدُّ الحياة الدنيا للإنسان ونشاطه الكبير فيها من دون هدف الآخرة لَعِباً فإذا كان الله تعالى لا يليق بشأنه اللعب فإنّه لا يمكن أن يخلق الدّنيا لنفسها بما هي عليه من قضيّة الفناء؛ لأنه لو خلقها كذلك لكان خلقه لها لَعِباً. وكمالُه وجمالُه وجلالُه يُنزهّه عن العبث واللعب.
نقرأ في ذلك الآية الثانية والثلاثين من الأنعام:{وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلاَّ لَعِبٌ وَلَهْوٌ(1) وَلَلدَّارُ الآخِرَةُ خَيْرٌ لِّلَّذِينَ يَتَّقُونَ أَفَلاَ تَعْقِلُونَ}(2)والآية الرابعة والستين من العنكبوت:{وَمَا هَذِهِ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا لَهْوٌ وَلَعِبٌ وَإِنَّ الدَّارَ الْآخِرَةَ لَهِيَ الْحَيَوَانُ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ}(3)(4) والحكم على الحياة الدنيا وصرف الإنسان لعمره فيها لها إنَّما هو لهو ولعب متكرر في ما يقرِّره عدد من الآيات.
ويصرخ القرآن الكريم في وجه احتمال العبثيّة في خلق الخالق العظيم للحياة التي لا تكون إلا كذلك من غير قضية الرجوع إليه سبحانه ليخلدَ من يخلد في الجنة، ويخلدَ من يخلد في النار فيقول:{أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثاً وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لَا تُرْجَعُونَ، فَتَعَالَى اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْكَرِيمِ}(5).
إنه لظنٌّ سخيف مستنكر ساقط أن يصدر من الملكِ الحقّ بلا باطل(6)، والكمال المطلق بلا نقص، والجمال غير المتناهي بلا قبح، والجلال المطلق غير المحدود بلا عيب شيء من لهو أو عبث أو لهو.
والعجز يمنع منه المُلْك التكويني المطلق لكل شيء، ولكل ما يمكن أن يكون سبباً، ولكل ما يمكن أن يكون مانعاً، ولكلّ ما يمكن أن يكون شرطاً، ولكل صغير وكبير موجود، ولعدم ووجود كل شيء معدوم ممكن. ولا يستحيل الوجود إلا على ما كان واصلاً نقصه إلى حد الامتناع فيرجع ذلك إلى نقصه، وعدم قابليته الذاتية لنعمة الوجود، والخروج من كتم العدم كما في شريك الباري عزّ وجل.(7)
ويقول سبحانه:{وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاء وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا لَاعِبِينَ}(8) وفي آية أخرى:{وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا لَاعِبِينَ، مَا خَلَقْنَاهُمَا إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ، إِنَّ يَوْمَ الْفَصْلِ مِيقَاتُهُمْ أَجْمَعِينَ}(9).
خَلْق السماء والأرض لتزولا، وخلق كلّ شيء ليذهب بلا بقاء لشيء مما يوجد، ولا مقدِّميّة من هذه الأشياء لموجود يكون له الاستمرار لعب منفيٌّ عن الحكيم، ولا يُخرج هذا الخَلقَ عن وصف اللعب أن تبقى الأشياءُ وقتاً محدوداً، وأن تكون لها غاياتٌ قصيرة متقضّية كما في تسخيرها لإنسانٍ يأتي عليه الهلاك بلا إعادة لحياته، ليجد ما قدّم من عمل، وينال ما هيأ نفسه له من جزاء.
ويقابل الخلق اللعبَ الخلقُ الحقُّ اللائقُ بالحقِّ والحكيمِ المطلق، وخلقُ السماوات والأرض بالحقِّ مرتبطٌ بيوم الفصل، وموعدِ القيام، وتيبُّن الحقِّ من الباطل، والتمييز بين الأخيار والأشرار، وإقامةِ القضاء العدل بين النّاس ليلقى كل امرء ما عمل، ويُجزى الظالم والمظلوم ما يوافق ظلم الظالم من الاقتصاص، ومظلومية المظلوم من الإنصاف.
إنه الظن السيء، البعيد عن الحق، القائم على الغفلة، المنفصل عن النظر العلمي، والتدبُّر في الخلق أن يرى الإنسان أنه يُترك سدى، ويُهملُ أمره، ويعيش حياته الدّنيا يجدُّ فيها أو يلعب، ويُحسِن أو يُسيء، ويؤمن أو يكفر ثمّ ينتهي وكأنه لم يكن شيئاً، ويذهب بلا حساب، ولا جزاء، وكأنّ الخلقَ بلا حكمة، والإيجادَ بلا غاية، وكأنّ الخالق يخلق ويُهمِل، ويوجد لعباً وعبثاً.
ولو أعطى الإنسان النظرَ العلميّ حقّه، وأمعن في مراحل وجوده وحياته لوجد غير ذلك، وأنّ لكل مرحلة من مراحل وجوده وتطوره غاية توصل إليها، وتقع مقدِّمة في طريقها، وأنْ لم يأت شيء من هذه المراحل عبثاً، ولم يقعْ لعباً.
وإنَّ هذا الخلق المتدرّج الدّقيق كما هو ناطق بالتخطيط المتقن والحكمة، ناطقٌ كذلك بالقدرة. يقول سبحانه:{أَيَحْسَبُ الْإِنسَانُ أَن يُتْرَكَ سُدًى، أَلَمْ يَكُ نُطْفَةً مِّن مَّنِيٍّ يُمْنَى، ثُمَّ كَانَ عَلَقَةً فَخَلَقَ فَسَوَّى، فَجَعَلَ مِنْهُ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَالْأُنثَى، أَلَيْسَ ذَلِكَ بِقَادِرٍ عَلَى أَن يُحْيِيَ الْمَوْتَى}(10).
فتركُ الإنسان سدى، وإهمالُ شأنه إهمالاً، وعدم وضعه على مسار الغاية التي تُصحِّح خلقه، وتخرج به عن اللعب والعبث إنّما يكون لفقد الحكمة أو القدرة وذلك مما ينافي كمال الله المطلق، ويكفي الإنسان بأن لا يحمل صنع الله عز وجل على اللعب والعبث والإهمال أن يطالع خلق نفسه المليء بالدلالات على الحكمة والقدرة.
اللهم صل على محمد وآل محمد، واغفر لنا ولإخواننا المؤمنين والؤمنات أجمعين، وتب علينا إنك أنت التّواب الرَّحيم.
اللهم أتممْ وأدِمْ علينا علينا أكبر نعمك نعمة الإيمان بدينك الحقّ، ولا تسلبنا شيئاً من دينك، واجعلنا نُقدّمه على كل شيء، ولا نُقدّم عليه أي شيء، ونسخو بكل شيء في سبيله ولا نسخو به في سبيل شيء، واقطع طمعَ الطّامعين فينا بالتنازل عن شيء من دينك أو الرضى بما دونه، اللهم لا تجعلنا نرضى بمال ولا بجاه ولا بسلطان ثمنه دينك، وأكذب ظنَّ الظانّين بنا سوءاً يا رؤوف يا رحيم، يا عليّ يا قدير.
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
{قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ، لَا أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ، وَلَا أَنتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ، وَلَا أَنَا عَابِدٌ مَّا عَبَدتُّمْ، وَلَا أَنتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ، لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ}.

الخطبة الثانية

الحمد لله الذي لا تخلُّفَ في عدله، ولا عجز في قدرته، ولا ضيقَ في رحمته، ولا محدودية لإحسانه، ولا نهاية لسلطانه، ولا نقص لأمانه، ولا كدر في امتنانه. ما يريده ماضٍ، وما يقدّره جار، ولا مؤخِّر لمشيئته، ولا معطّل لإرادته، ولا رادّ لقضائه. جلّ عن أن يستشير أو يستوزر أو يستعين.
أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلّى الله عليه وآله وسلّم تسليماً كثيراً كثيراً.
عباد الله علينا بتقوى الله فما لزم الصراط غير المتقين، ومن التقوى أن لا نقول إلا بعلم، ولا نفعل إلا بعلم. وما زلّت قدم مَنْ عَلِمَ واتقى، والجاهل تنحرف به القدم، وفاقد التقوى يمعن في الضلال. ومن انحرف عن الجادّة، وانحدر عن الصراط ضيّع الغاية. ومضيّع غاية الحياة خسر حياته، ولم يربح منها شيئاً، وأي ربح لمن فُرِّغت حياته من غايتها؟!
أمّا الأكل والشّرب وما من جنسهما فهي ضرورات حياة، ولذائذ عابرة، وتنتهي بانتهاء الحياة، وليست غاية لها تُعقبها كما يُعقب كل ذي مقدِّمة تمام مقدمته، ويكون نتيجة لها، وموقعه في طولها.
اللهم ارزقنا وإخواننا المؤمنين والمؤمنات التقوى، ولا تجعل حياتنا جهلاً ولا زيغاً، ولا تنفصل بنا عن الغاية والغايةُ رضاك، ولا تمل بنا عن الهدف والهدف معرفتك، وإذا طمعنا في شيء بعد رضاك فاجعل طمعنا في جنتك، وأشمِلنا بعفوك ومغفرتك، وأنلنا عظيم ثوابك وجميل كرامتك.
ربّنا اغفر لنا ولإخواننا المؤمنين والمؤمنات أجمعين، وتب علينا يا خير التوّابين، ويا أرحم الراحمين.
اللهم صل محمد وآل محمد خاتم النبيين والمرسلين الصادق الأمين، وعلى علي أمير المؤمنين وإمام المتقين، وعلى فاطمة الزهراء الصديقة الطاهرة المعصومة، وعلى أئمة الهدى حججك على عبادك، وأنوارك في بلادك: الحسن بن علي الزكي، والحسين بن علي الشهيد، وعلي بن الحسين زين العابدين، ومحمد بن علي الباقر، وجعفر بن محمد الصادق، وموسى بن جعفر الكاظم، وعلي بن موسى الرضا، ومحمد بن علي الجواد، وعلي بن محمد الهادي، والحسن بن علي العسكري، ومحمد بن الحسن المهدي المنتظر القائم.
اللهم صل على محمد وآل محمد، وعجل فرج ولي أمرك القائم المنتظر، وحُفّه بملائكتك المقرّبين، وأيده بروح القدس يارب العالمين.
عبدك وابن عبديك، الموالي له، الممهد لدولته، والفقهاء العدول، والعلماء الصلحاء، والمجاهدين الغيارى، والمؤمنين والمؤمنات أجمعين وفِّقهم لمراضيك، وسدِّد خطاهم على طريقك برحمتك يا أرحم الراحمين.
أما بعد يا أخوة وأخوات الإيمان فإلى هذا الموضوع:
شعاراتٌ محارِبة:
يُطلق البعض عدداً من الشعارات الرنَّانة المزيَّفة المحاربة في مواجهة أي صوت ينادي باحترام الدّين، وتصحيح الوضع الخُلُقي، والتخلص من المنكرات، وتطهير هذه الأرض الإسلامية من مظاهر الرذيلة والفحشاء والمجون.
ويتناول هذا الحديث بعض هذه الشعارات لفحصها وتعريتها، وإيضاح مداليلها الخطيرة المستهدفة لمن يحرّكها.
1. التنوُّع الثقافي:
يُطلق هذا الشعار للرد عل المطالبة بمنع الخمر، والتوقُّف عن حفلات الرقص، وإلغاء الإباحة الجنسية التي تتوسّع يوماً بعد يوم.
ما يريده هذا الشعار أن ليس للإسلام أي امتياز في هذا البلد على غيره من الأديان وحتى الطروحات الأرضية، والأهواء الشيطانية لا في فكر، ولا تشريع، ولا سلوك، ولا سياسة ولا أخلاق، ولا أي حقل من حقول الحياة، وأي بُعدٍ من أبعاد حركة هذا المجتمع.
وهذه الجرأة على الإسلام وهذا البلد، وهذا الشعب، وهذه المجاهرة، والمضادة المكشوفة لدين الله، والطّرح الوقح، والتناسي الغبي أو المتعمد لواقع هذا الشعب المرتبط شديداً بالإسلام، والمفاخر به إنما هو مقدِّمة لما هو أكثر جرأة وبشاعة ووقاحة، وحرباً على الإسلام، وهو المناداة بطرد هذا الدين المنقذ الذي لا غنى للإنسانية عنه من تمام الساحة، وأن يتفرّد بها صوتُ الشيطان، والمنتج المحلي من إعداده، أو المستورد تحت نظره من أيّ بُقعة سافلة في الأرض، ومن أيِّ فكر هابط، وسلوك سخيف، وأخلاق متردية.(11)
المطلوب أخيراً لمثل هذا الشعار أن يكون كل شيء في البحرين محكوماً للفكر الآخر، والسلوك الآخر، والقانون الآخر، وأن يختفي أثر الإسلام.
وقد بدأوا اليوم قبل الغد يرمون الإسلام بالرجعيّة والتّقادم، وعدم القدرة على مواكبة التطور ونحن نعرف أنّ التطوّر الذي لا يواكبه الإسلام ولا يوافق عليه هو التطور الآخذ في الانحدار، وإلا فإنّ الإسلام قد صار يثبت السبق اليوم فضلا عن الأمس البعيد قدرته على سبق كل الأطروحات في التقدّم الإيجابي بكلّ أبعاد الحياة، وإثراء الحركة الصالحة في أي وطن يكون له فيها موطأ قدم.(12)
ومن المفارقة التي يقع فيها أصحاب هذا الشعار شعار التعدّدية الثقافية أنهم يصرون على علمنة الأحوال الشخصية وتحكيم اتفاقية سيداو المناهضة تماماً للإسلام، وهذا بعد طرد الإسلام وإقصائه من كل المساحة التشريعية الأخرى لتنفرد بها القوانين الوضعيّة. فأين هذه التعددية الثقافية، وأين الانفتاح على كل الأفكار كما تدّعون؟!(13)
إن شعار التنوع الثقافي ومفهومه المطروح عندهم يقول لك أيها الملتزم بالإسلام لا تحتجَّ منذ اليوم بإسلامك، ولا ترفع شعاره في وجه ما نريد، ونُخطِّط له، ولم يعد هذا البلد بلداً إسلاميّاً كما تتوهَّم. وإنّه لكثير عليك إذا اعتُرِف لك مؤقتاً بوجود هزيل، وشراكة محدودة ضيقة ضعيفة باهتة لا تكاد تبين.
وعلى هذا الشعب المسلم أن يردَّ على هذا الشعار وأمثاله بإصرار أكبر، وتمسّك أشدّ، وعودة أصدق للإسلام في كل مجالات حياته ليبطل كيد الشيطان وأهله فيما يريدونه بهذا الشعب وبهذا الوطن.(14)
أنت تحتج عليهم بالإسلام وهم يحتجون عليك بأوضاع أهل الكفر، وأنت تلزمهم بالقرآن وهم يلزمونك باتفاقية سيداو، وكأنَّهم ليسوا من أهل هذه الأرض، وهذا الدين، ولا صلة لهم بهما، أو كأننا نحن هذا الشعب قد طلّقنا الإسلام طلاقاً بائناً، وكأنْ بيننا وبينه الفراق الذي ليس بعده تلاق.
مسلمون، مسلمون، مسلمون وسنبقى دائما إن شاء الله مسلمين.(15)
وإنَّ علينا أن نعرف أنَّ سياسية التجنيس من مختلف الملل والأصناف(16) لتدخل في التمكين لشعار التعددية الثقافية بمضمونه المراد لهم، ولفرض واقع جديد غريب على هذا البلد ليُلجِئ هذا الشعب في يوم من الأيام القريبة بأن يعترف بأن البلد بلد كفر كثير، وإسلام قليل، وفجورٍ سائد والتزام نادر، وواقع وضعي وصورة باهتة من سطحٍ ديني باهت.(17)(18).
اغلقوا طريق هذه المؤامرة، قفوا في وجهها صامدين، عضوا بالنواجذ على إسلامكم، قفوا في وجه كل منكر يريد أن يسرح ويمرح في طول وعرض هذه الساحة.(19)
2. شعار الانفتاح والتسامح:
هذا الشعار يقول لهذا الشعب بلدك بلد الانفتاح والتسامح؛ الانفتاح المفتوح على كلِّ شيء وربّما على الخسيس من الفكر، والجايف من السلوك بالخصوص، ودينك كذلك، وإذا لم يكن الدين منفتحا بهذا النوع من الانفتاح فدعه يعيش في الزاوية المغلقة الحرجة، وانفتح أنت انفتاح بلدك على كل شيء مُغلِقاً عقلك عن النظر في عاقبة الأمور، مُقسِراً قلبك على احتضان السيء.
هذا الشعار دعوة للانبطاح الثقافي، والتخلّي عن الدين والذات والشرف والعفّة والكرامة على حدّ الانبطاح السياسي والتبعية السياسية، والذوبان السياسي، والميوعة السياسية أمام سياسة الغرب وإسرائيل. إنّه دعوةٌ للتخلّي عن الإسلام، وعن الهويّة، وأخلاقيّة الإيمان، والّلحاق بالفكر الآخر، والأخلاقية الأخرى، والضّياع في الآخر.(20)
هذا الشعار من أجل التسامح والانفتاح إلاّ مع الإسلام، والالتزام الإسلامي، والأصالة الإسلامية، وحقِّ الإسلام في بلاده، والأخلاقيّة الإسلامية في موطنها، وحقِّ الإنسان المسلم في حريته الدينيّة. هذا الشعار من أجل التّسامح مع السياحة الهابطة، مع الرّقص والراقصات، والزنى والزانيات، ومن أجل مصافحة ومعانقة المثليين والمثليات، والترحيب بالخمر استيراداً وصنعاً وتجارة وتعاطياً وآثاراً كارثيّة وسلبيات متعاظمة. من أجل التسامح مع العري، والبشاشة في وجهه، والتمكين له وتعميق ظاهرته.
3. شعار المصلحة الاقتصادية:
هذا الشعار شعار إرهابي يطلقه أصحاب البذخ المادي وناهبو الفقراء، ومصاصو دماء المحرومين في وجه أي مطالبة دينية بمراعاة حرمة هذا البلد وكرامة دينه، ونظافة السياحة، وعدم الاعتماد فيها على سوق الخمرة والفاحشة والمتاجرة بالعنصر البشري، واستيراد سلعة الجنس الحرام من أين انفضح سوقُها وكانت مغرية لطلابها الساقطين من المتوافدين على سياحتنا الشريفة في طلبها.(21)
إنّه شعار يخوّف الناس بالفقر والمجاعة حين يقل الترويج للسّياحة بالحرام مما توعّد عليه الله عزّ وجل بالعذاب من خمرةٍ وفحشاء ولواط وسحاق. والحقيق بهذا الخوف ليس الفقراء وإنما هم أهل الجيوب المترفة(22) والتي يغذّيها الدخل الهائل من هذه السياحة الهابطة وما فيها من مهنة الفحشاء، ومن متاجرة بالأعراض، وعرض لمتعة الجسد الحرام، وتحايل واختطاف واصطياد للفاتنات من كل مكان.
ومؤدَّى هذا الشعار أنّه إذا ذُكر الاقتصاد؛ اقتصاد كبار السُّرّاق والنفعيين فلا تذكروا دينا ولا قيما ولا خلقا ولا شرفا ولا كرامة (23) فكلُّ ذلك رخيص أمام مصلحة المترفين. وكل شيء يجب به التضحية لهذه المصلحة، ولا يمكن أن يُضحَّى بها من أجل شيء أي شيء.
ونحن الكبار السراق لا نجد باباً أسهل من هذا الباب المخزي، ولا مجالا أيسر من هذا المجال القذر لضمان الربح السريع الهائل والمفسد لهذا الشعب في الوقت نفسه.
4. شعار للفتوى مجالها وللقانون مجاله:
يقول الشعار هناك مساحتان منفصلتان عن بعضهما البعض؛ مساحة الفتوى بما تعتمد عليه من قرآن كريم، وسنة مطهرة، أو غيرهما من مصادر شرعية أخرى عند هذا المذهب أو ذاك، وهي المساحة التي يمكن أن يُتاح للقرآن الكريم نفسه، وللسنة المطهّرة نفسها أن تكون حركتهما في إطارها. وهي مساحة الحياة الشخصيّة للفرد لو شاء في الأمور التي لاتؤدِّي إلى تدخُّلٍ في صوغ الوضع العام وتوجيهه، والتأثير على مصالح الكبار المفسدين.(24)
أما المساحة الأخرى الواسعة التي تستوعبها الحياة العامة ويدخل فيها الوضع السياسي والاجتماعي والاقتصادي والوضع الحقوقي العام، والتحكُّم في القوى والمؤسسات الاجتماعية والثروة فهي مساحة مملوكة بالكامل للسياسة الوضعية، وللقانون الوضعي والخاضع للوصاية السياسية القائمة وليس لرأي الشعب، ولا علاقة للفتوى ومصادرها بشأن هذه المساحة على الإطلاق.
وهو طرح علماني واضح فاضح صارخ وكأن شعب البحرين صوّت بالأغلبية على هذا الفصل بصورة نهائية لا رجعة له فيها، أو تُبرِّر هذا الفصل ولو إلى أن يتم استفتاء آخر يمكن أن يُعدِّل من قضية هذا الفصل، وكأن شعب البحرين قد خاصم إسلامه، أو جدّ له رأي في الإسلام يجعل دين الله وشريعته معلَّقين على رفوف النسيان، وكأن دستور البحرين لا ينصُّ على أن الشريعة الإسلامية مصدر رئيس من مصادر التشريع، وإن كان الدستور لا ينصف الإسلام ولا الشعب المسلم، ولايقدّرهما بقدرهما في هذا التعطيل والإقصاء للشريعة الحقة عن موقعها الطبيعي في توجيه وحكم حياة المجتمع المسلم بكاملها.(25)
إنهم يقولون إن للفتوى مساحتها وأهلها وحركة الفتوى والفقهاء والمجتهدين إنما هي في مسائل مثل الوضوء والصلاة والطهارة عن النجاسات لمن تهمّه هذه الأمور، ويرى أنها تستحق أن يُصغى لها. وللسياسة أهلها وأبطالها وهم أصحاب الفكر الوضعي النّقي من شوب الإسلام، والمنفصل في تفكيره عن الفهم الديني، وفي نفسيته عن أي تقدير للحكم الشرعي، ويستوحش من ذكر هذا الحكم فضلاً عن الرجوع إليه.(26)
وكلمة أخيرة بأن نجاح الشعارات الأربعة على الأرض، وتحقيقها لمبتغاها من تصفية الوجود الإسلامي على هذه الأرض تصفية كاملة، والإعداد لأجيال تتنكّر للإسلام، وتعاديه، وتُنازله في هذا البلد المتدين اليوم إنما يعتمد على موقف الشعب نظريّاً وعملياً من هذه الشعارات.(27)
موقف السكوت، وعدم المبالاة، والغفلة والتشاغل لا شك أنه يُحقق لهذه الشعارات والمسوّقين لها ما يريدون. والموقف الوحيد الذي يُفشل هذه المحاولات الخبيثة إنما يتمثّل في وعيكم للإسلام والتعرف على عظمته، وإعطائه الحضورَ الواسع كلّما أمكن في حياة هذا الشعب على كل المستويات في البُعد الفكري والشعوري والعملي، وفي إطار حياة الفرد، والأسرة، والمجتمع، وعلى الصعيد الشعبي والصعيد الرسمي معاً وفي كل الأوضاع بكلّ الطرق الدينية والعقلائية المتاحة، واستمرار المجاهدة والمطالبة والمقاومة والإصرار على تنظيف هذا البلد من المنكرات الشائعة.
وأؤكد أن أيَّ مفارقة من شاب أو شابة ومن أيّ فرد من أفراد هذا المجتمع المسلم المؤمن عن أيّ سلوك إسلامي، وأنّ أخذهما في أي قضية من قضايا اللباس وقصّة الشعر، وعادات الزواج، وأنواع الاحتفالات، وإقامة العلاقات وغير ذلك مما يُبعّد عن الإسلام، ويُقرّب من حياة المجتمعات والفئات المعادية معناه خطوة مؤثّرة في اتجاه تحقيق أُمنية أصحاب هذه الشعارات(28) في امتلاك السَّاحة وطرد الإسلام منها كليّاً، والتسريع بتحقيق هذه الأمنية. والكل مسؤول واُّلله هو الغني الحميد.
اللهم صلّ على محمد وآل محمد، واغفر لنا ولإخواننا المؤمنين والمؤمنات أجمعين، وتب علينا إنك أنت التواب الرحيم. اللهم باعد بيننا وبين السوء، وانصرنا على كل شر، وعلى كيد، وعلى كل محاولة من محاولات النيل من الإسلام وكرامته، وأصلح شأننا كلّه، الحمد لله رب العالمين، وصلى الله على محمد وآله الطيبين الطاهرين.
{إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاء ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ}.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1- هكذا يحكم الله عز وجل على حياة الدنيا حين تنفصل عن هدف الآخرة.
2 – 32/ الأنعام.
3 – 64/ العنكبوت.
4 – الحياة الآخرة بما لها من امتداد لا ينقطع هي الحيوان، أما الحياة الدنيا بما هي عليه من الانقطاع والفناء فلو كانت مفصولة عن الآخرة لكانت لعبا وعبثا.
5 – 115، 116/ المؤمنون.
6 – إنه الملك الحق بلا باطل، وملكه ليس اعتبارياً، ملك الله للأشياء ليس الملك الاعتباري، إنما هو الملك الحقيقي التكويني الذي لا يقوم شيء بموجبه إلا بإذنه، ولا تستمر الأشياء إلا بفيضه سبحانه وتعالى.
7 – ويمتنع أن يصدر عن الحق بلا باطل، والحكمة بغير معكِّر، والعلم المبرّء من الجهل، والكمال المنزَّه من النقص، والجمال والجلال المطلق شيء من لعب أو لهو، وأن يتخلف فعل الحكيم الكامل عن الحكمة، ويخلو عن الغاية.
8 – 16/ الأنبياء.
9 – 38 – 40/ الدخان.
10 – 36 -40/ القيامة.
11 – يراد للساحة أن تكون مملوكة لهذا المستورد والمنتج الشيطاني.
12 – والإسلام هو الذي يقف اليوم شامخا في كل الساحة الإسلامية والعربية ليقارع الاستكبار العالمي، وليثبت جدارة هذا الدين على التقدم بوعي الأمة وحركتها الإيجابية.
13 – ولماذا لا يكون الانفتاح على المطالبة بالحقوق؟! ولماذا عدم الانفتاح على حرية الدين عند أهل الدين؟! ولماذا هذه الانغلاقية السياسية؟! ولماذا هذه المطاردة المذهبية؟! ولماذا الكثير من التمييز، ولماذا الكثير من خنق الحريات؟!
14 – هتاف جموع المصلين بـ (لبيك يا إسلام).
15 – هتاف سماحة الشيخ وجموع المصلين بـ (بالروح والدم نفديك يا إسلام).
16 – من مثل المغنين والمغنيات، والراقصين والراقصات.
17 – يريدون أن يلجئوننا بأن نعترف بهذا الواقع، هل تسمحون؟!
18 – هتاف جموع المصلين بـ (هيهات منا الذلة).
19 – هتاف جموع المصلين بـ (لن نركع إلا لله).
20 – يريدون لنا أن نضيع ذاتا في ذات الآخر.
21 – هتاف جموع المصلين بـ مسلمون مسلمون لنهجنا سائرون.
22 – تأثير السياحة الهابطة على من اقتصاديا؟ على الفقراء؟! لا.
23 – هذا مراد الشعار.
24 – هذه المساحة نتركها وقتيا للفتوى، ولقرآن الفتوى، وللسنة التي تمد الفتوى، ولا نكتفي بهذا بل نضايقه، الإسلام صار يُضايق في المسجد، صار يضايق في الحسينية، صار يضايق في الموكب، صار يضايق في الأحوال الشخصية، الإسلام يطارد في كل زاوية من زوايا الحياة حتى الفرديّة.
25 – نحن لا نفخر بنص الدستور على أن الإسلام مصدر من مصادر الدستور، لا نفخر به أصلا، إنه ظلم للإسلام، أيُجعل الإسلام في صف الدستور الفرنسي في المرجعية؟! في صف الأعراف الجاهلية المتسوردة؟!
26 – السياسة، الساحة العامة، الأمور المهمة متروكة لنفسية تستوحش من الحكم الشرعي، لعقلية لا صلة لها إطلاقا بالدين وفهمه وتقديره.
27 – أنتم اليوم شعاراتكم مع الإسلام، أولادكم غدا مع الإعمال ستكون شعاراتهم مع الكفر، ستضج حتى المساجد لو بقيت صلاة لشعارات العلمانية. ثقوا أنه أكيد.
28 – خلعكِ للعباءة انتصار لهذه الشعارات، أخذك بالبالطو الضيق هذا خطوة جريئة ومضادة لدين الله عز وجل وانتصار صارخ لمثل هذه الشعارات، هو قضاء على الدين، قضاء على الشعب، قضاء على الهوية. أنتِ تستسهلين هذا التصرف وتعتبرينه أمراً شخصيّاً، تصرفك ليس فرديا، ليس من حقّكِ أن تتصرفي هذا التصرف، أنتِ هنا تعادين الشعب، تعادين الدين. انتقالك أنت الشاب كذلك من لبس الثوب إلى السروال القصير بانتقالك من الثوب إلى السروال القصير وفي الطرقات، فيه تقريب لحالة غير إسلامية، تعجيل لحالة غير إسلامية، نستطيع نحن بسلوكنا الشخصي أن نهدم الإسلام وأن ننتصر للإسلام.

زر الذهاب إلى الأعلى