خطبة الجمعة (397) 18 ربيع الاول – 5 مارس 2010م

مواضيع الخطبة:

*هدايات قرآنية *يوم المولد الشريف *نواب شعب أو حكومة؟

ذكرى يوم المولد الشريف ليس للتصفيق والغناء وحفلات الطرب واللهو والعربدة ولا للاحتفالات الرسمية الكاذبة المغرّرة، ولا للاحتفالات الشعبية الباردة. إنه يوم الإرادة الجادّة والعزم الأكيد الراسخ العنيد على عودة العقل والقلب والإرادة والمنهج والسلوك إلى خط المرسل والرسالة والرسول.

الخطبة الأولى

الحمد لله الذي أنعم كثيراً، وكلَّف يسيراً، وأثاب جزيلاً، وأمهل وأنظر، وعفا وغفر، ودعا إلى التوبة، وقبل الأوبة.
أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أنّ محمداً عبده ورسوله صلّى الله عليه وآله وسلّم تسليماً كثيراً كثيراً.
أوصيكم عباد الله ونفسي الأمّارة بالسوء بتقوى الله شكراً للرّب، وإنقاذاً للنّفس، وطلباً للفوز، وتوصُّلاً للسعادة. وأن لا ندخل في معصية الله فنستحقَّ غضبه، ومن أصابه غضبٌ من الله كان من الهالكين.
وليعلم النّاس أنَّ من كان كسبه للدنيا ذهب كسبه بذهابها، ومن كان كسبه للآخرة بقي كسبه ببقائها. وإن في الدّنيا والتنافس عليها لدناءة، ومن بخل بالدنيا لم يبخل بعزيز. ويُصوِّر هذه الحقيقة ما عن أمير المؤمنين علي عليه السلام وقد مرّ بقذر على مزبلة “هذا ما بخل به الباخلون”(1) وروي في خبر آخر أنه قال “هذا ما كنتم تتنافسون فيه بالأمس”(2).(3)
اللهم صلّ على محمد وآل محمد، واغفر لنا ولإخواننا المؤمنين والمؤمنات أجمعين، وتب علينا إنك أنت التوّاب الرحيم.
اللهم تجاوز بهمِّنا لذّة الدنيا وزينتَها وتجارتَها إلى الآخرة وخيرها وكرامتها، وارزقنا تجارةً معك لا تبور، ومنقلباً حميداً، وموئِلاً آمناً، ومصيراً سعيداً يا أكرم الأكرمين، ويا أرحم الراحمين.
هدايات قرآنية:
أما بعد فيقول سبحانه:{.. الَّذِينَ خَسِرُواْ أَنفُسَهُمْ فَهُمْ لاَ يُؤْمِنُونَ}(4).
{وَمَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ فَأُوْلَـئِكَ الَّذِينَ خَسِرُواْ أَنفُسَهُم بِمَا كَانُواْ بِآيَاتِنَا يِظْلِمُونَ}(5).
{قُلْ إِنَّ الْخَاسِرِينَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنفُسَهُمْ وَأَهْلِيهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَلَا ذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ}(6).
خسارة النفس مفهومٌ قرآنيٌّ يركز عليه عدد من الآيات الذي يثير التحذير الشديد من هذه الخسارة.
وما معنى أن يخسر الإنسان نفسَه؟
الإنسان حسب فطرته استعدادات كريمة كبيرة في بُعد الفكر والرّوح. يملك الإنسان في فطرته من عطاء الله عز وجل استعدادات كريمة كبيرة تضعه على خط الكمال، وبكماله تتم سعادته ويتهيأ إلى حياة أبدية لا يمسها شقاء.(7)
هذا الإنسان مهيأ في تكوينه للهداية للحقّ، وقبوله، وصوغ ذاته في ضوئه، وأن يغنى بالعشق لله تبارك وتعالى وهو الكامل المطلق ويتّجه في حياته إليه.
وهذا رأس مال ضخم وأغلى من كل رأسمالٍ يمكن أن يناله الإنسان؛ فلو خسره بعضاً أو كلاً لخسر نفسه بمقدار ما خسر من ذلك الرصيد.
وتستقبل الكُمّلَ من بني الإنسان ومن لحق بهم من إخوانهم حياة دائمة لا انقطاع لها حافلة بالسعادة والكرامة بلا شوب من شقاء ولا هوان.
ولو أفقد الإنسان نفسه ذلك النوع الرّاقي من حياة النفس واختار لها الخلود في النَّار والبؤس والشقاء الأبدي، وذهب إلى الآخرة بنفس هابطة، ضئيلة القيمة أو لا قيمة لها ولا وزن، خاسرة للفعليّة العظيمة المعدّة لها لصدق عليه جليّاً أنه خسر نفسه، وما خسارة الموقع في الآخرة إلا لتبع خسارة النفس، فالنفس التي لم تخسر نفسها لا تخسر موقعها الكريم المعدَّ لها في الآخرة.
ولا يخسر الإنسان قابلية الهدى والانشداد إليه، والأخذ به، والتحلّي بكمالاته إلا بتفريط منه، وسوء الاختيار في التعامل مع الرصيد الفعليّ من الهدايات التي تكتنزها فطرته.
أمّا من استجاب لنداء الفطرة، واهتدى بنورها الموصل إلى الله سبحانه فإنه لا يضل طريق كماله، ولا يخسر نفسه، بل يزداد هداية، وينمو كمالاً، ويبلغ الغاية السّامية التي أُعدّت ذاته لها، وزُوّدت بعُدّتها.
وتُعلِّمنا الآية الأولى:{.. الَّذِينَ خَسِرُواْ أَنفُسَهُمْ فَهُمْ لاَ يُؤْمِنُونَ} أنّ النفس المستقيمة على فطرتها، المحتفظ بها صاحبها على ما هي عليه من هدايات خلقيّة تكوينية لا تفارق الإيمان، ولا تنحدر عن خطّه، ولا تغيم رؤيتها، ولا تضلُّ الطريق، وأن خسارة الإيمان إنما تكون بخسارة النّفس(8)، واغتيال نور الفطرة ولو بفعل البيئة الجاهلية المنحرفة.
ففقد حالة الإيمان ليس شيئاً أصيلاً في النفس البشرية، وإنما هو حالة عارضة وراءها حالة مرضيّة طارئة على النفس، وإطفاء بالانحراف والسيئات والظلم والمعاندة والمكابرة لنور فطرتها؛ وإلاّ فإن الطبيعي في حالة الإنسان بحسب فطرته أنَّ نفسه تستقبل نور الإيمان وتحتضنه.(9)
ومن انفصل مسيئاً لنفسه عن نور الفطرة، وضادَّ هدايتها خفَّ فكره، ومشاعره وأعماله بالقياس إلى الحق بمعنى أنها تكون فاقدة للحقّانية لأنها من منشأ نفسٍ خلت من الحق أو ضعف فيها، وما خِفّة محتوى النفس وما يصدر عنها إلا من خفتها، والنفس الخفيفة من الهدى الخالية من الحقّ ومؤهلات السعادة، والمستحقّة بدونيتها ورخصها وتفاهتها للنّار والشّقاء خاسرةٌ وأي خاسرة؟!
والآية الكريمة الثانية تقول:{وَمَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ فَأُوْلَـئِكَ الَّذِينَ خَسِرُواْ أَنفُسَهُم بِمَا كَانُواْ بِآيَاتِنَا يِظْلِمُونَ}.(10)
وكثيراً ما يظلم الناس آيات الله من الآيات الكونية الطبيعية بالتنكّر لدلالتها الواضحة، وآيات الأحكام بمخالفتها، والآيات المتمثلة بالنماذج الإنسانية العليا من صنع التربية الإلهية بمكابرتها ومحاربتها والإعراض والاستخفاف بحجيتها وإشعاعاتها.(11) وهو ظلم للنفس كذلك لأنه يعمل على تقليل شأن القيم الأصيلة، وانفصالها عنها، وطمر صوت الفطرة وإطفاء نورها.
وكلُّ خسارة في حياة الإنسان موجعة له، مكدِّرة صفو جوّه. وكثيرٌ هم الذين يهلعون ويفزعون، ويغلبُ الألمُ على أنفسهم إلى الحد الذين يختارون له الموت لخسارة مال كبير، أو منصب خطير، أو جاه عزيز، أو صحة وفيرة، أو نعم أخرى غامرة إلا أن خسارة النفس والأهل يوم القيامة لا تقاس بها خسارة أخرى، لأنها خسارة أكبر رصيد في وجود الإنسان وهو إنسانيته التي بها كرامته وما به عُدّة كماله، ووسيلته إلى سعادته. وحتى خسارة بدنه التي يفزع لها أشد الفزع في حياته لا تعدل شيئاً من خسارة نفسه بخسارة إنسانيته.(12)
خسارة الإنسان لإنسانيته المهيئة إلى مقام الكرامة والسَّعة والحبور الأبدي عند ربه بيّنة لا ينبغي أن يشتبه فيها مشتبه، ولا يُخطئها نظر، وقد عبرت عنها الآية الثالثة بالخسران المبين، والخسران أبلغ من الخسارة كما يقول صاحب الميزان. وقد جاء التعبير القرآني الكريم مشدَّداً ومؤكَّداً إذ أشار إلى تلك الخسارة بلفظ (ذلك) إلفاتاً إلى بعدها عن التصور الذهني للبشر لعمقها وهولها وضخامتها، واستعمل لها كلمة الخسران بمالها من تميّز عن كلمة الخسارة، واختار أسلوب الجملة الأسمية في التعبير، وعرّف الخسران واصفا له بالمبين.
ولماذا كل هذا التأكيد؟ لأن خسارة النفس بالمعنى المذكور لا تعدلها خسارة كما سبق فما أصابته من رصيد لا يرقى له في وجود الإنسان وحياته رصيد. ولأنّه لا فرصة للتعويض عن تلك الخسارة. ولأنها خسارة قد يكون عمرها الأبد. ولأنها مُفضية لعذاب شديد أليم شامل مقيم.
وبالإضافة إلى خسارة النفس قد يتسبّب الكثير من الناس في خسارة الأهل بالابتعاد بهم عن خطّ الفطرة والهدى والنور وهو الطريق إلى الله سبحانه وتعالى فيحرمهم الكمال، وينحدر بهم عن الغاية، ويأتون يوم القيامة بنفوس خواء من الحق لا تستحقّ إلا النار.(13) هكذا فهم بعضهم خسران الأهل، وفَهْمٌ آخر يذهب إلى أن الإنسان الذي خسر نفسه يوم القيامة قد خسر مع ذلك أهلاً كراماً من أهل الجنّة والسّعادة كانوا في انتظاره لولا ظلمه لنفسه(14) من حور عين وولدان وصحب أخيار أطهار، وإخوان أجلَّة منعّمين مقرّبين.
اللهم صل على محمد وآل محمد، واغفر لنا ولإخواننا المؤمنين والمؤمنات أجمعين، وتب علينا إنك أنت التواب الرحيم.
اللهم زكِّ نفوسنا بطاعتك، ونوّر قلوبنا بهدايتك، وخذ بأيدينا إلى سبيلك، وارفع مقامنا عندك، وأكرم مثوانا لديك، وباعد بيننا وبين مكروهك، ولا تجعلنا مطمعاً للشيطان الرجيم وجنده الغاوين يا سميع يا عليم يا جواد يا كريم.
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
{وَالْعَصْرِ، إِنَّ الْإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ، إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ}.

الخطبة الثانية

الحمد لله الذي عمَّ عدلُه، وظهرت حكمته، وعظم امتنانه، وفشى إحسانه، وسطعت آياته، وأنارت بيناته، وتواترت حججه، ووضح صراطه، ولا تناهي لرحمته، ولا حدّ لجوده وكرمه.
أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلّى الله عليه وآله وزادهم تحية وبركة وسلاما.
عباد الله علينا بتقوى الله، وما خاب من اتقى، وقد هلك من تجبر وطغى؛ فما للعبد المملوك كملا وجودا وحياة، ونعمة وأثرا، ابتداء واستمراراً أن يتكبر على مالكه، وأن يعصي له أمرا، أو يعاند نهياً، ومن يحمي هذا المسكين من جبار السماوات والأرض، ومالك الأمر كلّه؟! إنه الغرور القتّال الذي يوقعنا في معصية الجبّار القهّار. فحذار يا نفس من الاغترار، ومن متابعة الأشرار والفجّار، ومن السعي بقدم المختار إلى النّار.
اللهم اغفر لنا ولإخواننا المؤمنين والمؤمنات أجمعين، ولوالدينا وأرحامنا وجيراننا وأصحابنا وأزواجنا ومن أحسن إلينا من مؤمن ومؤمنة، ومسلم ومسلمة. اللهم افعل بنا ما أنت أهله، ولا تفعل بنا ما نحن أهله، وأنقذنا من سوئنا كلّه، واملأ قلوبنا إيماناً بك، وهدى من عندك، وخذ بها على طريقك القويم، وصراطك المستقيم يا أرحم الراحمين، وأكرم المعطين.
اللهم صل وسلم وزد وبارك على حبيبك المصطفى محمد بن عبد الله الصادق الأمين خاتم النبيين والمرسلين، وعلى أمير المؤمنين وإمام المتقين علي بن أبي طالب، وعلى فاطمة الزهراء الصديقة الطاهرة المعصومة، وعلى الهادين المعصومين الأئمة النجباء الميامين: الحسن بن علي الزكي، والحسين بن علي الشهيد، وعلي بن الحسين زين العابدين، ومحمد بن علي الباقر، وجعفر بن محمد الصادق، وموسى بن جعفر الكاظم، وعلي بن موسى الرضا، ومحمد بن علي الجواد، وعلي بن محمد الهادي، والحسن بن علي العسكري، ومحمد بن الحسن المهدي المنتظر القائم.
اللهم صل على محمد وآل محمد، وعجل فرج ولي أمرك القائم المنتظر، وحُفّه بملائكتك المقرّبين، وأيده بروح القدس يارب العالمين.
عبدك وابن عبديك، الموالي له، الممهد لدولته، والفقهاء العدول، والعلماء الصلحاء، والمجاهدين الغيارى، والمؤمنين والمؤمنات أجمعين وفِّقهم لمراضيك، وسدِّد خطاهم على طريقك، وانصرهم نصرا عزيزا مبينا ثابتا مقيما.
أما بعد أيها الإخوة والأخوات المؤمنين فمع:
يوم المولد الشريف:
يوم ذكرى المولد النبويّ الشريف يوم يثير الحسّ بالألم والمرارة للجريمة الكبرى التي ارتكبها طغاة هذه الأمة ولا زالوا يرتكبونها في الابتعاد بها عن خطّ نبيّها الكريم صلّى الله عليه وآله، ومنقذها الأعظم آخذين بها من جاهليّة إلى أخرى، ومن مستنقع حضاري إلى آخر، ومن ذلّ إلى ذل، ومن خزيٍ إلى خزي وهوان.
وهو يوم يثير الحسّ بالمسؤولية الكبرى بعودة الأمة إلى أحضان خطّ الرسالة والرسول الذي أخرجها من الظلمات إلى النور، وأثراها وبعث إنسانها حيّاً بعد موت، وأعطاها العزّة والكرامة والمجد، وولَّد فيها روح الحركة، وعزم النهوض، وشوق الرقي، ووضع بيدها وسائل النهضة، ووفّر لها عوامل الصعود، ودفع بها في معراج الكمال إلى مسافات ومسافات شاسعة بعيدة، وأيقظ ضمير الإنسانية في أوسع الدوائر وأبعد المديات، ووجّه العقل والقلب في كل الأمم إلى الله، وأطلق الطاقات الإنسانية على طريق الإنتاج المثمر، ونادى صادقاً بأخوّة الإنسان للإنسان، وبالتعاون على البر والتقوى، وركز قاعدة التعامل بالعدل والإحسان في إطار الإنسانية كلّها، ووصل من نور حركته إلى كل أبعاد الأرض.
إن يوم الذكرى ينبغي أن يُتّخذ من الأمة يوم توبة وأوبة للإسلام ونبيّ الإسلام ولربّ الإسلام أوّلاً وبالذّات.
إنّه يوم لتصحيح الواقع وللخروج من المأساة، ومن المستنقعات الجاهلية القذرة والمنزلقات الخطيرة التي وقعت فيها الأمة كمنزلق التبعية الذليلة التي اختارها كثير من الأنظمة الرسمية في الأمة لأعدائها من الجهلة المستكبرين، ومنزلق الميوعة والتحلّل الظاهرة التي فشت في أوساط الأمة ذكوراً وإناثاً بما لم يعرفه تاريخها من قبل ومنزلق الفكر التكفيري، واستباحة دماء الأبرياء من المسلمين وغيرهم باسم الإسلام والتقوى والجهاد والعمل الصالح، ومنزلق التغريب الفكري والثقافي الشامل.
إنه يوم لثورة الأمة على ذاتها انتصاراً لدينها وعزّتها وكرامتها وخيرها وأصالتها وشموخها وموقفها الريادي الهادي الذي أهّلها الإسلام لتحمّل أمانته، وتكلّف أعبائه.
ذكرى يوم المولد الشريف ليس للتصفيق والغناء وحفلات الطرب واللهو والعربدة، ولا للاحتفالات الرسمية الكاذبة المغرّرة، ولا للاحتفالات الشعبية الباردة. إنه يوم الإرادة الجادّة والعزم الأكيد الراسخ العنيد على عودة العقل والقلب والإرادة والمنهج والسلوك إلى خط المرسل والرسالة والرسول.
كفى بُعداً عن الإسلام، وهجراً لخطّ الرسالة، وانفصالاً عن قيادة الرسول صلّى الله عليه وآله. فمن أين كانت لدولة من خمسة ملايين صهيوني ويهودي زادت أو نقصت عن ذلك أن تتصرّف بحرية في واقع ومصير أمة المليار ونصف المليار مسلم وتستذلّها، وتهين كرامتها، وتمتد يدها الطويلة إلى رجالاتها في البلاد المسلمة نفسها، وتطلق تهديداتها الواسعة الجريئة كل يوم بشنّ الحرب عليها بعد أن كانت أمّتنا تصوغ تاريخ الإنسان على الأرض، مجيداً كريما صاعدا، وتأخذ به حثيثا على خط الاستقامة. كل هذا ما كان يحصل منه شيء وما كانت الأمة لتفقد موقعها الريادي من بين الأمم وتخسر شيئاً من هيبتها وقوتها وعزتها وهداها واستقامتها وشموخها لو بقيت على خطّ الله سبحانه وفي أحضان فكر النبوة وقيادة الرسول صلّى الله عليه وآله وسلم.
يوم ذكرى المولد الشريف وهو يوم للرسالة والرسول لابد أن يجعل الحجّةَ الإلهية القاطعة على هذه الأمة التي تبحث عن كرامتها المضيّعة، وعزتها المنهوبة، ومجدها التالف، وقوّتها المهدورة ماثلة أمام ناظريها، وهي الحجة المتمثلة في القرآن المبين، والرسول الهادي، والأئمة الميامين مما تعني العودة إليه العودة لكل ما ضيعته الأمة من العزّ والكرامة والمجد والسؤدد والقوة والهدى والنور والتقدم والريادة بتضييعها للإسلام والقرآن ولرسول الإسلام وأئمة المسلمين.
نواب شعب أو حكومة؟
في الدولة الديمقراطية تكون الحكومة من اختيار الشعب، والمجلس النيابي ممثلا للشعب ومن اختياره حقيقة لا أن تُتخذ العملية الانتخابية غطاء ظاهريا وراءه تدبير للأمر بليل أو حتى على المكشوف.
أما بعد أن تكون الحكومة معيّنة، ونصف السلطة التشريعية معيّناً، ورئيس المجلس الوطني شبه معيّن، وما يزيد على نصف المجلس النيابي صوته خالصاً لمصلحة الحكومة فماذا يبقى من الديمقراطية غير الاسم المستعمل للدعاية والتغرير؟! لا شيء من مقومات الصيغة الديمقراطية في هذا الحال.
الذين ترتفع أصواتهم في كل مسألة يُختلف عليها بين المعارضة والحكومة في الأمور التي تحرص عليها الأخيرة بصورة جديّة، وترتفع أصواتهم مع كل مطلب من مطالبها، ودعاية من دعاياتها ضد المعارضة، وما تريد أن توجّه الرأي العام إليه بصورة لا مسؤولة في متابعة عصبية عمياء يُسأل أهم نوّاب حكومة أو شعب؟ والجواب واضح.
اللهم صلّ على محمد وآل محمد، واغفر لنا ولإخواننا المؤمنين والمؤمنات أجمعين، وتب علينا إنك أنت التواب الرحيم.
اللهم اجعلنا من أتباع الرسل، والسالكين مسلكهم، والآخذين بهداهم، والمناصرين لهم، والمدافعين عن دينك، والمجاهدين في سبيلك الذين لا يرضون إلا برضاك، ولا يغضبون إلا لغضبك، ويأتمرون بأمرك، وينتهون لنهيك، ويصيرون إلى رحمتك وعظيم ثوابك، والمقام الكريم في جنّتك.
{إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاء ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ }(15).

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 – بحار الأنوار ج70 ص144. وورد في مصادر أخرى كنهج البلاغة.
2 – المصدر السابق.
3 – حروب طاحنة، وتمزّقات، وكل ذلك من أجل ما هذا مآله.
4 – 12/ الأنعام.
5 – 9/ الأعراف.
6 -15/ الزمر.
7 – الحياة الآخرة تحتاج إلى كمال، والجنَّة ليست لأهل النقص والتشوّهات والتلوّث الروحيّ والدناءة، وقد تطهر الروح بعذاب البرزخ حتى تصفو وتتأهّل للجنَّة.
8 – {.. الَّذِينَ خَسِرُواْ أَنفُسَهُمْ فَهُمْ لاَ يُؤْمِنُونَ} أما الذي لم يخسر نفسه فهو على خط الإيمان.
9 – يولد المرء على الفطرة، وإنما يهودانه وينصرانه أبواه. وهنا تضيع من يديه القضية الأولى.
10 – يظلم الإنسان الآيات فيخسر نفسه فتخفّ موازينه. يظلم آيات الله فيخسر نفسه بهذا الظلم، في ظلم الآيات ظلم للنفس، وبظلمه لنفسه تخفّ موازينه.
11 – والرموز الكبيرة الإنسانية النموذجية متمثلة في أنبياء الله ورسله وأئمة الهدى من بعدهم صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين. ثلاث آيات: آيات تكوينية، وآيات تشريعية، وآيات إنسانية. نماذج إنسانية من صناعة التربية الإلهية تكون منارات وتكون حجّة.
12 – نحن نعاني أكبر فجيعة بخسارة البدن، بينما هناك خسارة كبرى هي خسارة الذات الإنسانية، وإنسانية الإنسان.
13 – أصنع ولدي نفسا خاوية من الهدى والحق، لئلا يكون له موقع إلا النار، فخسرته.
14 – هناك أهل ينتظروننا في الجنة من الطراز الرفيع، من النماذج الكبيرة، حور ليس جمالهن في أجسادهن فقط، جمالهن الأكبر في أرواحهن وعقولهن وذوقهن، هناك غلمان خصّ به أهل الجنّة، وهناك ملأ كريم يلقاه الإنسان المؤمن لا يلقى منه إلا ما تطيب له نفسه، كل ذلك يخسره هذا الإنسان حين يخسر نفسه.
15 – 90/ النحل.

زر الذهاب إلى الأعلى