خطبة الجمعة (390) 2 ذوالحجة 1430هـ – 20 نوفمبر 2009م

مواضيع الخطبة:
*التربية الروحية *نحن وإسرائيل *نوعان من الحكومات *الاستئناف لماذا؟

 

هناك حكومة ترفع الإصلاح شعاراً، وتجافيه عملاً، وإذا خَطَتْ على طريقه خطوة ظاهرية اضطراراً تراجعت بدلها عشراً. هذه الحكومة وهي تمارس الاستئثار وأكلَ المال بغير حقّ، وتزاحم الفقير في لقمته، وتنتهب الأرض للقليل من الأفراد، وتصادر الثروة، وتَحرِم المستضعف، وتضطهد الناس في دينهم ودنياهم لابد أن تواجه مشاكل فتحاول أن تستعين عليها بأكثر من طريقة فتستعمل القمع والشّدَّة، وتستخدم الدّعاية والتضليل، وتراوغ الناس وتخادعهم.

الخطبة الأولى

الحمد لله الذي لا تنقطع حاجاتُ الخلائق إليه، ولا تضيق قدرتُه بحاجة أحدٍ من خلقه، ولا يَردُّ كرمُه سؤالَ مفتقرٍ من عباده، ولا يجدُ أحدٌ من دونه مؤمَّلاً ولا موئلا، ولا تنتهي الحاجات إلاّ إليه، ولا يكشف الكُرُبات إلا هو، ولا تهتدي العقولُ إلا به.
أحمده قضاءً لحقّه، واستجابةً لأمره، ورجاءً في مغفرته وعفوه، وطمعاً في رضاه حمداً أستمدّ التوفيق منه سبحانه إليه، وأعتمد فيه عليه، وأرجوه أن يجعله مقبولاً لديه، وسبباً للمزيد من إحسانه وإفضاله، وأن يقرّبني به إليه.
الحمد لله ربّ العالمين حقّاً حقّاً، وصدقاً صدقاً بلا منتهى ولا عدّ ولا حدّ.
أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أنّ محمداً عبده ورسوله صلّى الله عليه وآله وسلّم تسليماً كثيراً كثيراً.
أوصيكم عباد الله ونفسي المقصِّرة بتقوى الله المتضعضع لعظمته كلّ شيء، والمذِّل لكل جبار عنيد، وشيطان مريد، وهو الذي لا يُرجى غيره، ولا توكّل على أحد سواه.
ولنعلمْ أنَّ للأبدان موتاً وحياة، وللقلوب موتاً وحياة، والإنسانُ بحياة قلبه لا بدنه، وربما حييت الأبدان أشدَّ حياة، وماتت القلوب، ورُبَّ قلبٍ حيٍّ بحياةٍ عامرةٍ طيبة في بدن ضامرٍ واهنٍ، أو قد فارق البدنَ بعد موت.
ولا حياة لقلبٍ بحياةٍ إنسانية جليلة رائعة ترى الحقَّ وتهتدي به، وتعرف السّعادة وتعيشها، وتجد الطمأنينة وتأنس بها من غير ذكر الله. فكل القلوب ميتة إلاّ ما كان منها مشغولاً بذكر ربّه، منشدّاً بوعي وبصيرة نيّرة، وشعور كريم إليه.

التربية الروحية
وفيما جاء من وصايا أمير المؤمنين لابنه الحسن عليهما السلام:”أوصيك بتقوى الله – أي بني – ولزوم أمره، وعمارة قلبك بذكره”(1).
اللهم صل وسلم على وزد وبارك على حبيبك المصطفى محمد بن عبد الله خاتم النبيين والمرسلين وآله الطيبين الطاهرين، واغفر لنا ولإخواننا المؤمنين والمؤمنات أجمعين، وتب علينا إنك أنت التواب الرحيم.
اللهم ارزقنا عقولاً وعيَّة، وأرواحاً مهديَّة، وقلوباً طاهرة، ونفوساً زكيّة، وهمماً عالية، ونيَّة مرضيَّة، واسلك بنا سبيلك، وخُذ بنا إلى صراطك، وبلِّغنا مرضاتك يا كريم يا رؤوف يا رحيم.
أما بعد أيها المؤمنون والمؤمناتُ الكرام فالكلام في موضوع التربية الرّوحيَّة ويقسَّم إلى عناوين:
1. لا إنسان بلا تربية:
بقاء الإنسان ونموّه بدناً أو غير بدن قائم على التربية، فحيث لا تربية ومنها التغذية فلا إنسان، وإذا كانت التربية منقسمة إلى صالحة وفاسدة فلا شك أن التربية الصالحة دون الفاسدة هي التي يعتمد عليها نموّ الإنسان وصلاحه.
2. الإنسان كيان ذو أبعاد:
ونستعين في توضيح هذه النقطة بمشاهداتنا الوجدانية التي نواجهها في الواقع الذاتي لأشخاصنا ومجتمعاتنا. وألفت النظر للآتي الذي يعرفه كل واحد من نفسه:
‌أ. يعيش أحدنا ثلاث ساعات متنوّعة:
1) ساعة أكل وشرب، وهي تعبّر عن دوافع ماديَّة في ذات الإنسان، وتستجيب لها، وتحقّق هدفها في بناء الجسم والحفاظ عليه، ولها لذتها الخاصة، ومن أجل هذه الساعة يبذل الإنسان جهوداً كبيرة، ويدخل في نشاطات كثيرة تمهد لها، وتفتح الطريق أمامها، وهي ساعة لها آمالها ويأسها وضغطها، ولها خوفها وأمنها(2).
وهذه الساعة لا تدخل حياتنا من خارج الذات، وإنما منبعها منها؛ فلو كانت الذات الإنسانية خالية من البعد المادي والحاجة المادية لما وُجدت هذه الساعة في حياة الإنسان، وفرضت نفسها عليه(3).
2) ساعة تفكير، وقد يكون تفكيراً في المادة وشؤونها، وقد يكون تفكيراً بعيداً عن هذا المجال، متعلِّقاً بمسائل من مسائل العلوم التي لا علاقة لها بالمادّة، والقضايا المنفصلة عن عالم الحسّ، ومما له واقع ماضوي يوغل في ما انطوى من تاريخ هذه الحياة، أو واقع مستقبلي بعد حياة الفرد والأمة، ولا نظر فيه إلى الجانب المادي من حاضره ولا حاضرها.
وهي ساعة لا تغيب عن حياة أي أمة، وأي زمن، وأي مكان(4)، ولها حضورها في حياة كل فرد غير معاق ذهنيّاً من بني الإنسان(5).
وإذا كانت ساعة الأكل والشرب وما شابههما لها دلالتها على المكوِّن المادي في ذات الإنسان، والدوافع الجسدية في كيانه فإن ساعة التفكير ذاتُ دلالة على بعد آخر في الإنسان وهو البعد المتمثّل في طاقة الإدراك وإنتاج الجديد من العلم عند هذا المخلوق بناء على المقدّمات المناسبة التي تتوفّر عليها هذه الطاقة من خلال ما تستطيع التوصّل إليه من خارج الذات وداخلها.
3) ساعة عبادة عرفها الإنسان الأول على الأرض واستمرت عليها حياة الإنسان في كل أجياله وزمانه ومكانه وبمختلف مستوياته، وهي ساعة ذات ألوان مختلفة ومستويات متفاوتة(6)، والمعبود المعظّم فيها قد لا يكون عظيماً حقّاً وإن اتخذه العابد كذلك متوهّماً، وقد يكون أعظم من كل عظيم، ولا يصح فرض عظمةٍ كعظمته.
وهذا التفاوت يأتي حتى في ساعة الأكل والشرب فما أكثر كيفياتها، وما أكثر ما يؤكل ويشرب وما هو عليه من اختلاف ألوان وأشكال، ودرجة لذّة، ومنفعة ومضرّة حتى يكون منه السَّام القاتل الذي يؤدي التشخيص الخاطئ من الآكل والشارب إلى تناوله(7).
والعبادة تعلّق بالجمال والكمال، وطلب القرب من الجميل الكامل استرضاءً له، واستجداءً من جماله، واسترفاداً من كماله، وفراراً من حالة النقص والضعف والانقطاع والوحشة إليه، وتلذُّذاً وتعزُّزاً بالتذلل بين يديه(8).
وهي ممارسة تختلف سنخاً وطبيعة عن حالة الإدراك والتفكير(9)، إذ الإدراك والتفكير نشاط ذهني يستقبل صور الجزئيات، ويركب صوراً، ويحلل صوراً، وينتزع صوراً، ويصل إلى التصديق بقضايا، وتتوالد على يده قضايا منتَجة جديدة.
وهو ظاهرة مردّها إلى قوّة الإدراك والطاقة الفكرية التي تسمح بهذه الممارسة.
أما العبادة فحالة عشق وانجذاب وحركة مشدودة إلى الجمال والكمال، وراءها في الذات الإنسانية روح جمالية عشّاقة للجمال والكمال المطلق لا تكفّ ما حييت وتنبّهت عن التحرك في اتجاهه، ولا تجد في أي من درجات نموّها واستكمالها أنه قد استنفد، أو وصلت إلى الغاية المتطلع إليها من القرب إليه، وإن استنفد داخلُها كلَّ الطاقة في العروج إليه.
هذه ثلاث ساعات في حياة الإنسان شاهدة بجلاء على أن في ذاته وأصل خلقته ثلاثة أبعاد: بُعدٌ مادي له ضروراته ودوافعه ومشتهياته ونشاطه وآثاره، وبُعدُ الإدراك والفكر الذي يبني به الإنسان حضاراته، ويشيد واقعاً كبيراً ويجدده ويطوره على الأرض، وبُعدٌ روحي جمالي يدفع بالإنسان على خطِّ جمال المعنى، ويثير فيه الحركة في اتجاه سموّ ذاته وطهرها وصفائها وتحلِّيها بصفات الجمال والكمال وإن كان بحظٍّ محدود وذلك من مثل العلم والعدل والرحمة والنزاهة والعفّة والتسامح.
‌ب. نأخذ لقطة أخرى من واقع ما نعيشه بوجداننا في هذه الحياة ترينا أننا نغنى بتلك الأبعاد الثلاثة، ولسنا بُعدَ بدن أو بُعدَ فكر فحسب دون بُعد الروح الذي يأتي في الصدارة من وجودنا، ويمثّل السّرّ الأكبر في تميّز الإنسان وتألّقه بالنسبة لكثيرٍ من المخلوقات.
وهو بعد يواجه محاربة شديدة من حضارة المادة، ومحاولة تغييب مستمرة إلى حدّ الطمس من وعي الإنسان وشعوره. ولكن لأنه بعد متأصّل في الذات الإنسانية، وشيء من عجينتها، وله عمقه البعيد فيها، فإن كل محاولة من المحاولات لا يمكن أن تنجح في القضاء عليه.
قد يتلقى الإنسان ضربة موجعة لبدنه من شيء جماد فتحدث له ألماً جسدياً لا يصاحبه شعورٌ بجرح النفس، ومسّ شرف الذات.
وقد يتوجّع نفسيّاً لكلمة قذف جارحة تصيب شرفه لا يجد منها مسَّ ألمٍ بدني، وقد يقع في الخطأ الفكري الذي لم يطّلع عليه الآخر فيأسف، وقد يأتي منه الظُّلم الذي لا يرضاه فيشعر بالحقارة والدُّونية، وعذاب الضمير.
ومصدر ردّ فعله النفسي في كل حالة من هذه الحالات يختلف عن الأخرى.
وقد تُرفعُ حاجةٌ من حاجات بدنه الضرورية كالحاجة الشديدة إلى الطعام، أو يتوصّل إلى فهم مسألة من المسائل العلمية التي كان يعسر عليه فهمها، وقد يُوفَّق إلى عمل صالح ما كان يُوفَّق إليه.
وفي كل حالة من هذه الحالات يجد فرحةً أو ارتياحاً وانتعاشاً. ولكن الانتعاش والارتياح والرضى الذي تعيشه النفس عند سد جوعة البطن مُنطلقهُ روحٌ حيوانية علاقتها بالمادة وحاجاتِها ومشتهياتها، أما الرضى والانتعاش الذي تناله النفس عند فعل الخير، والانتصار على الشُّحّ، وسموّ الموقف فمنطلقه إنما هو الرّوح العليا في الإنسان وهي الروح الجمالية العشّاقة للجمال والكمال والساعيةُ إليه(10).
إننا نألم ونأسى، ونأنس ونفرح، ونشعر بالضعف والقوة ولكن لا يأتي كل ذلك في ذاتنا من روح واحدة وإنما يأتي هذا من روح بمستوى حيواني، وذاك من روح بمستوى ملائكي، وبذلك فنحن على أكثر من روح، أو من روح واحدة لها أبعاد ومراتب متفاوتة أعلاها الرُّوح العشّاقة للجمال والكمال المطلق والتي لا ترضى للإنسان إلا أن يسلك طريق الجمال والكمال ويثبت عليه.
اللهم صل وسلم وزد وبارك على حبيبك المصطفى محمد بن عبد الله خاتم النبيين والمرسلين وآله الطيبين الطاهرين، واغفر لنا ولإخواننا المؤمنين والمؤمنات أجمعين، وتب علينا إنك أنت التواب الرحيم.
اللهم عرّفنا ربوبيتك، وعبوديتنا، وحقّ الربوبية، وواجب العبودية، وانفعنا بالمعرفة، وثبّتنا على طريق المعرفة، ولا تزل لنا قدماً يوم تزّل فيه الأقدام.
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ، اللَّهُ الصَّمَدُ، لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ، وَلَمْ يَكُن لَّهُ كُفُواً أَحَدٌ}

 

الخطبة الثانية

 

الحمد لله الذي بيده كلُّ الأسباب والمسبَّبات، ولا حُكم لشيء منها على إرادته، ولا خروج لها من قدرته، ولا تملك استقلالاً أبداً عن مشيئته، وهي مقهورةٌ إليه، وكامل أمرها في تصرُّفه، يفعل ما يشاء وهو على كلِّ شيء قدير.
أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أنّ محمداً عبده ورسوله صلّى الله عليه وآله وزادهم تحية وبركة وسلاماً.
عباد الله علينا جميعاً بتقوى الله الذي له ملك السماوات والأرض، وأن نجاهد النفسَ على إخلاص العمل، وصدق النية، وتوحيده تبارك وتعالى في الشّعور، والقول، والعمل؛ فما كان لله من كلّ ذلك كان لنا، وما كان لغيره كان علينا. والله لا يخفى عليه شيء، وكتاب ربِّنا لا يضلّ ولا ينسى. ومن وكله الله إلى نفسه أو أحدٍ من الخلق كان من الهالكين.
اللهم صل وسلم وزد وبارك على حبيبك المصطفى محمد بن عبد الله وآله الطيبين الطاهرين. اللهم اجعل عملنا صالحاً، خالصاً لوجهك الكريم، واجعل عمرنا كلّه بذلة في طاعتك، وجنّبنا أن نُشرك بك غيرك طرفةَ عينٍ وما دون ذلك، وأذهب عنّا رجسَ الشيطان الرجيم يا رحمن يا رحيم يا كريم.
اللهم صلّ وسلّم على حبيبك المصطفى خاتم النبيين الصادق الأمين محمد بن عبد الله وآله الطاهرين، وعلى علي بن أبي طالب أمير المؤمنين وإمام المتقين، وعلى فاطمة الزهراء الصديقة الطاهرة المعصومة، وعلى الأئمة المعصومين الهادين المهديّن حججك على عبادك، وأنوارك في بلادك: الحسن بن علي الزكي، والحسين بن علي الشهيد، وعلي بن الحسين زين العابدين، ومحمد بن علي الباقر، وجعفر بن محمد الصادق، وموسى بن جعفر الكاظم، وعلي بن موسى الرضا، ومحمد بن علي الجواد، وعلي بن محمد الهادي، والحسن بن علي العسكري، ومحمد بن الحسن المهدي المنتظر القائم.
اللهم صل على محمد وآل محمد، وعجل فرج ولي أمرك القائم المنتظر، وحفه بملائكتك المقرّبين، وأيده بروح القدس يارب العالمين.
عبدك وابن عبديك، الموالي له، الممهد لدولته، والفقهاء العدول، والعلماء الصلحاء، والمجاهدين الغيارى، والمؤمنين والمؤمنات أجمعين وفقهم لمراضيك، وسدد خطاهم على طريقك، وانصرهم نصرا عزيزا مبينا مقيما ثابتا.
أما بعد أيها الإخوة والأخوات المؤمنين والمؤمنات فإلى ما يأتي:
نحن وإسرائيل:-
إسرائيل تُثبِّتُ قدم الاحتلال في القدس الشرقية وفي كل الأراضي المحتلّة منذ العام 1967م، وتتوسّع في عمليّات الاستيطان على طريق تثبيت الاحتلال، والتحدّي العربيُّ قد يردُّ بالإدانة، والتعويل على الاستنجاد بأمريكا.
وأمريكا تدعو إلى استمرار المفاوضات وعدم اعتبار التوسّع الاستيطانيّ الصّهيوني في الأرض الفلسطينية عائقاً في هذا السبيل.
وتتشجع إسرائيل لبرودة الموقف الأمريكي من عدوانيتها أكثر وأكثر في مشروعها الاستيطاني التوسعي المثبّت للاحتلال على الأرض بإعلان إقامة 900 وحده سكنية في القدس الشرقية باعتبار القدس كل القدس هي العاصمة الأبدية – كما يُعبِّرون – لإسرائيل. وعندئذ تنتفض العدالة الأمريكية بقوّة لِتُعلن تنديدها بالخطوة الإسرائيلية على حدِّ المغلوب على أمره عملاً، والذي لا يملك إلا الشّجب(11) والتنديد اللفظي، بينما تستطيع أمريكا أن تفعل الكثير في الضغط على التوجه الإسرائيلي وقرارات إسرائيل.
والسؤال: أين التبجح العربي، وتنمُّر العرب على بعضهم البعض؟ والتهديد العربي والاستنفار العربيّ في داخل الإطار الإسلامي؟ واستئساد الحكومات العربية على شعوبها؟ والإزباد والإرعاد عند أي حركة مطلبية عادلة داخلية من هذه الشعوب؟ أين كل ذلك ولماذا يغيب في مواجهة الصَّلَف والإصرار الإسرائيلي على إذلال العرب والهُزء بهم والاستعلاء عليهم، والتعامل معهم التعامل مع الصغار الذين لا اكتراث بهم؟!
أينكم يا عرب من {أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ}(12)؟!
أنكون أعزة على من تكون عليه أمريكا، أذلة على من تكون معه؟!
إنّه لشطط بعيدٌ كبيرٌ وأبعد وأكبر شطط عن واقع المروءة والغيرة والاستقلالية والإباء والكرامة، وخطِّ الإسلام.
نوعان من الحكومات:
هناك حكومة تعتمد الإصلاحَ سياسةً جديّة، وتستمرّ عليها، وتعمل دائماً على تطوير الأوضاعِ تطويراً إيجابياً في صالح شعبها، وتُوظِّف جهودَ أبناء الشّعب على هذا الطريق، وتشغلهم في عملية إصلاح مشتركة يبنون مستقبلهم ومستقبل أرضهم من خلالها، وتُفعِّل كل الإمكانات من أجل هذا الهدف، وتجد نفسها محتاجة من أجله أن ترقى بالكفاءات، وأن تزيد منها، ولذلك تبحث عن القابليات وترعاها وتهتمُّ بها.
وهي بهذه السياسة لا تخلق مشاكل للشعب، والشعبُ المتعقّل لا يخلق مشاكل لها. وعندئذ لا تجد نفسها مضطرة لأن تفتعل مشاكل ثانوية، وأن تستورد المشاكل من الخارج لصرف شعبها عن معاناته الحقيقية التي يسببها أصل سياستها القائمة على الإجحاف والاستئثار والنهب والإهمال للشّعب والاستهتار بقيمه، والإضرار بمصالحه.
وهي حكومة مريحة مستريحة لأنها لا تريد كلَّ الدنيا لها، ولشعبها التعب والشقاء والتدهور.
وهناك حكومة ترفع الإصلاح شعاراً، وتجافيه عملاً، وإذا خَطَتْ على طريقه خطوة ظاهرية اضطراراً تراجعت بدلها عشراً. هذه الحكومة وهي تمارس الاستئثار وأكلَ المال بغير حقّ، وتزاحم الفقير في لقمته، وتنتهب الأرض للقليل من الأفراد، وتصادر الثروة، وتَحرِم المستضعف، وتضطهد الناس في دينهم ودنياهم لابد أن تواجه مشاكل فتحاول أن تستعين عليها بأكثر من طريقة فتستعمل القمع والشّدَّة، وتستخدم الدّعاية والتضليل، وتراوغ الناس وتخادعهم، وتثير آمالاً، وتقدِّم وعوداً من نحو السّراب، وتسوّف وتؤجّل ثم تؤجِّل، وتتذرع بالأعذار الواهية الواهمة لنفسها، والاتهامات الكاذبة للطرف الآخر، وتفرِّق شمل الشعب وتشتّته، وتختلق المشاكل الجانبية الجزئية تلو المشاكل لِتُشغل عن الهمّ الذي يثير الاشتغال به النقمة العامة المشتركة عليها، وتعمد إلى محاولات متكررة لتبريد السّاحة بحل لهذه المشكلة أو تلك من مشاكل اختلقتها أساساً بقصد حلِّها بعد حين لهذا الغرض بعينه، أو بحلِّ مشكلة من المشاكل الأساس حلاً مؤقّتاً خُطِّطَ له أن تُفتعل أسباب لرفع اليد عنه بنهاية التوقيت المحدّد سلفاً.
وهذه حكومة تُتْعِب وتَتْعَب، ولا بد أن تنتكس الأوضاع العامة في كل أبعادها على يد سياستها الغاشمة في البلد الذي تحكمه على الأقل.
وعلى الحكومات التي تشتكي من علاقة الشعوب معها أن تُنصف القول في أنها من أيّ الحكومتين ليُحكم لها بأنها مظلومة، أو عليها بأنها ظالمة.
الاستئناف لماذا؟
هل كان عدد من أوراق الادعاء العام مدّخراً لهذا اليوم بعد كل هذه المدَّة التي طالت وطالت وجادل فيها هذا الادعاء كثيراً؟
هل جدّ جديد في أمر المثبتات بحيث جاءت دلالته بعد كل هذا الفاصل الزمني الذي مر على وفاة الشرطي؟
هل جاء الاستئناف لتغيُّر هوىً سياسي أو لعدم موافقة الحكم بالبراءة لهذا الهوى من الأساس؟
هل يأتي الاستئناف بحكم جديد لِيُقال بأنّ العدالة التي جاءت بحكم البراءة هي التي أثبتت الإدانة بعد ذلك وبعيداً عن مشتهيات السياسة، فعليكم كما قبلتم بالحكم الأوّل أن تقبلوا بالحكم الثاني؟
الفرضان الأولان ساقطان قطعاً إما عقلاً وإمّا عقلائياً.
والهوى السياسي لا يَبعُد عليه ولا على تقلباته منكر من المنكرات. ولكن كلُّ ما كان حكم الإدانة مبتلى به من خلل حسب المعطيات الإثباتية بالأمس والمرفوضة ديناً وعقلاً وقانوناً هو مبتلى به اليوم ولم يتغيّر في الواقع شيء، وما يترتّب على تقديم هوى السياسة اليوم في القضية على العدالة مفاسدُه أكبر من الأمس، وآثاره أسوأ على الساحة.
محاكمتان: محاكمة قضية كرزكان، ومحاكمة قضية المعامير تقومان على مُثبِتات ساقطة؛ فلا بد أن تسقطا معاً. ولا يصح أن تنفخ الروح فيهما أو في إحداهما من وحي السياسة ومقتضياتها.
اللهم صل وسلم وزد وبارك على حبيبك المصطفى محمد بن عبد الله خاتم النبيين والمرسلين وعلى آله الطيبين الطاهرين. واغفر لنا ولإخواننا المؤمنين والمؤمنات أجمعين، وتب علينا إنك أنت التواب الرحيم.
اللهم انصر الإسلام وأهله، وأذلّ الكفر وأهله، والنفاق وأهله، واجعلنا من منكري المنكر، والآمرين بالمعروف كما فرضت، ولا تعاقبنا بما كسبت أيدي الظالمين.
{إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاء ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ}(13).

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 – نهج البلاغة ج3 ص39.
2 – من الأمن ما هو أمن غذاء، ومن الخوف ما هو خوف على الغذاء.
3 – فنحن في ساعة الأكل والشرب وما شابه إنما نستجيب لدوافع ذاتية داخلنا.
4 – لا يوجد على ظهر الأرض أمة لا تعيش حالة التفكير، ولا يوجد زمن وجد فيه إنسان، أو مكان يحتلّه إنسان يخلو من عملية التفكير.
5 – وحتى من كان معاقاً ذهنياً بنوع من الأعاقة دون آخر يمكن أن يفكّر وإن كان على غير الطريق.
6 – ساعة العبادة التي نتحدث عنها ليس ساعة صلاة المسلم وصومه وحجه دائماً، إنما تأخذ ألواناً وأشكالاً مختلفة.
7 – فوجود عبادات سخيفة وألوان من العبادة مستغربة لا ينفي أصل الدافع إلى العبادة الحقّة في الذات، كما في حالة الأكل والشرب.
8 – الإنسان في بحث دائم وفي تعلّق دائم بمثل أعلى، والمثل الذي تطلبه روحه وعقله وقلبه فيما فطر عليه، ولا تقف عند غيره هو المثل الأعلى وقد يخطئ في التشخيص، ولا مثل أعلى إلا هو سبحانه وتعالى.
9 – التفكير ممارسة خاصة والعبادة ممارسة أخرى خاصة، التفكير له مصدره في الذات الإنسانية، والعبادة لها مصدرها الآخر في الذات الإنسانية.
10 – وجداناً أنت تفرح لخير بدن، وهذا الخير البدني لا يفرحك روحا، بينما في مورد آخر تفرح فرحا روحيا ولا يشارك هذا الفرح الروحي فرح يتصل بخير البدن.
11 – وكأن أمريكا لا تملك شيئا تواجه به التعنّت الإسرائيلي.
12 – 54/ المائدة.
13 – 90/ النحل.

 

زر الذهاب إلى الأعلى