مفهوم القيادة ووعي الانقياد ( آية الله قاسم )

مفهوم القيادة ووعي الانقياد
قراءة في فكر سماحة آية الله الشَّيخ عيسى أحمد قاسم (حفظه الله تعالى)

الشَّيخ غازي السَّمَّاك

* تمهيد
القيادة الشرعية ضرورة من ضرورات الواقع الإنساني في شتَّى ميادينه، وهي الضمانة؛ لتحقيق القِيم الإسلامية، والأهداف الرَّبانيَّة، ورعايتها، والحفاظ عليها.
قد ورد في نهج البلاغة كلام للإمام علي بن أبي طالب (عليه السَّلام) في الخوارج لما سمع قولهم: (لا حكم إلا لله)، قال (عليه السلام): كلمة حق يراد بها باطل.
نعم، إنَّه لا حكم إلا لله، ولكن هؤلاء يقولون لا إمرة إلا لله، وإنَّه لا بدَّ للناس من أمير بر أو فاجر، يعمل في إمرته المؤمن، ويستمتع فيها الكافر، ويبلغ الله فيها الأجل، ويجمع به الفيء، ويقاتل به العدو، وتأمن به السبل، ويؤخذ به للضعيف من القوي، حتى يستريح به بر، ويُستراح من فاجر.(1)
فالإمام أمير المؤمنين (عليه السَّلام) أراد أن يقرر حقيقة بشريَّة تتمثل في الحاجة الفطرية للمجتمع إلى القيادة السياسية – فضلًا عن كونها حقيقة دينيَّة وشرعيَّة، حيث القيادة المعصومة أو المنصوص عليها من قبل المعصوم بالتَّعيين الخاص أو العام، هي قيادة يتكامل من خلالها الفرد والمجتمع، وطريق موصل إلى الله (عزَّ وجلَّ) -، ولم يكن في مقام تشريع إمرة الفاجر.
والقائد في النظام الإسلامي يضطلع بثلاث مهمات أساسيّة هي:
1- المحافظة على نظم المجتمع عبر القيادة السياسية.
2- تطبيق القوانين الإلهية.
3 – صيانة الدين من التحريف.(2)
والشخص الوحيد القادر على القيام بهذه المهام – بنحو دقيق وكامل، ومجرَّد عن كل نقص وخطأ – هو المعصوم (عليه السلام) المصون من الخطأ في معرفة الأحكام والقوانين الإلهية وفي تطبيقها كالنَّبيِّ (صلَّى الله عليه وآله)، أو الإمام المعصوم (عليه السلام).
أما المجتهد، فقد يخطئ في بعض آرائه وقراراته، لافتقاده صفة العصمة والمصونيَّة من الخطأ، إلا أن اتِّباع الفقيه – على الرغم من احتمالية خطئه، وعدم عصمته – مأمور به من قبل الإمام المعصوم (عليه السلام) في عصر الغَيْبَة الكبرى، فحينئذٍ تكون طاعة الفقيه – في حقيقتها – طاعة للإمام المعصوم (عليه السلام).
وفيما يلي أستعرض مفردتين مهمتين ترتبطان بصلاح الأمَّة، وسعادتها، وعزَّتها، ونصرها، وهما مفردة: القيادة، ومفردة الانقياد، مستوحيًا حقيقة المفردتين من فكر عملاق نهل واستضاء من معارف القرآن الكريم، وتتلمذ في مدرسة أهل البيت (عليهم السلام)، وهو سماحة آية الله الشيخ عيسى أحمد قاسم (حفظه الله تعالى) شمس مشرقة تتوزع أشعتها؛ لتستنير منها القلوب، فترنو النفوس والأرواح إلى بارئها.

* فطريَّة القيادة وضرورتها
ضرورة القيادة؛ لممارسة دور الهداية في المجتمع البشري من المسائل الفطرية، فجهل الإنسان وعدم معرفته بكثير من الأمور تلجئه لطلب الدليل والهادي، وإذا نظرنا إلى حاجات الإنسان التي لا تختص بالأمور الدنيويَّة، بل تشمل الأخروية منها، بل هي الأساس في وجوده، نستيقن بهذه الحقيقة.
يقول سماحته في معرض إثباته لضرورة وجود القائد بعد أنْ يذكر حديثًا عن الإمام الباقر (عليه السلام): “يخرج أحدكم فراسخ، فيطلب لنفسه دليلًا، وأنت بطرق السماء أجهل منك بطرق الأرض، فاطلب لنفسك دليلًا”(3):
القضية معاشة في واقع الإنسان، وأنه كلما جهل شيئًا أحتاج إلى المعلم والدليل والهادي، ومن ذلك كما في الحديث أن يطلب قطع بعض فراسخ في أرض يجهل طرقها ودروبها، فيرى نفسه مضطرًا إلى الدليل، وتعرف السياحة اليوم هذه الحاجة، وأن هناك أدلاء سياحيين، وفي كلِّ مرافق الحياة يحتاج الجاهل إلى العالم، ويحتاج مَن لا يدري إلى مَن يدري، والإمام (عليه السلام) يقارن بين الحاجة إلى الدليل، يأخذ بالآخر على الطريق الصحيح من طرق الأرض، ويبيِّن الحاجة؛ للتعرف على طرق السماء، طرق رضوان الله (تبارك وتعالى) وهي طرق معنويَّة، وليست طرقًا ماديَّة، طرق الحلال والحرام، ما يرضي الله (عزَّ وجلَّ)، وما لا يرضيه، مسألة الأحكام الشرعية، مسألة موضوعها الإنسان المعقّد، الإنسان ذو الأبعاد المختلفة، والقوى المتعارضة، والموازنات الخاصة، وذو الهدف المعيَّن، والذي تمتد علاقاته مع بارئه سبحانه وتعالى، ومع الآخرين من الناس، ومع كل شيئ في الطبيعة، مع الماضي والحاضر والمستقبل الذي يمكن أن يطل عليه فهم الإنسان، والذي لا يمكن أن يطل عليه فهم الإنسان، قد يدخل في تحديد الحكم من الأبعاد والحيثيات ما لا يعد ولا يحصى، فعلم كل ذلك عند الله سبحانه وتعالى.

نحن لا نعرف أنفسنا، المرء منا لا يعرف نفسه، فكيف يعرف كل الآخرين؟، ويشرَّع لهم؟
المشرع الحق هو العالم بكل ذرَّة في هذا الكون، وبكل ما يعج به وجود الإنسان من أسرار ومعاني، ومقتضيات، وحاجات، وضرورات.
نحن بطرق السماء أجهل منا – وبيقين – من طرق الأرض، وما دمنا نحتاج إلى الدليل في الأرض، فكيف لا نحتاج إلى الدليل بالنسبة إلى طرق السماء؟
الدليل لا بدَّ أن يكون خبيرًا، والدليل لا بد أن يكون صبورًا، والدليل لا بدَّ أن يكون أمينًا، والدليل لا بدَّ أن يكون مشفقًا، والدليل لا بدَّ أن يكون حكيمًا، مَن هو ذلك الدليل على طرق السماء؟(4)

* مواصفات الدليل إلى الله (عزَّ وجلَّ)
بعد أن طرح سماحته التساؤل الذي يرتبط بتحديد الدليل على طرق السماء، يجيب:
لا يصلح دليلًا على طرق السَّماء، إلا مَن كان له علم صادر عن الله (عزَّ وجلَّ)(5)، لا يقوم على حدس، على ظن، على استقراب، إنما هو العلم اليقين، ولا بدَّ أن يكون ذلك هو المعصوم علمًا وعملًا.
الحياة محتاجة إلى الدليل، الدليل الخبير، والدليل العلمي، وإذا كانت القضية قضية إسلام، فالدليل لا بدَّ أن يكون الخبير بالإسلام.
دليل السياحة لا بدَّ أن يكون ملمًّا بمسألة السياحة، وبمعالم البلد، وما يتحمله السائح، وما لا يتحمله، إلى آخر ما يتصل بهذا الاختصاص.
دليل السماء لا يحمل تقديرًا للسماء؟(6)
دليل على السماء لا يعرف كيف يتوضأ؟
دليل على السماء أن درس هندسة، أن درس جغرافيا، فجاء يتحدث بلسان طويل عن الفقه؟
دليل على السماء مشرَّبة نفسه بالثقافات الغربية الأجنبية، ويقف قزِمًا في نفسه أمامها؟
يزيد دليل على السماء؟
مروان دليل على السماء؟
خلفاء معربدون ممَّن جاءوا متأخرين عن صدر الإسلام يكونون أدلَّاء على السماء؟(7)
* أدلَّاء الأرض أم أدلَّاء السماء؟
يقول سماحته: أهل الأرض إمَّا أن يكون هدفهم الأرض؟ وانشدادهم إلى الأرض؟، وامتدادهم الأرض؟ وعندئذٍ يمكن أنْ يكون لهم دليل لا يعرف إلا الأرض،
وإمَّا أن يكون أهل الأرض مشرئبة أعناقهم إلى السماء، وتطلعهم إلى السماء، وثقتهم في السماء، وحاجة لا تقضى إلا من السماء، ولا يرون هداية لهم إلا من السماء، فهنا تسقط فعالية وصلاحية أدلَّاء الأرض، على أنَّ أدلَّاء السماء هم الأكثر خبرة بالأرض، بحاجات الأرض، بمقتضيات الأرض، بحجم الضرورة الأرضية، بدخالة الأرض في صناعة الإنسان كما هم أعلم بطرق السماء، أعلم بطرق الإصلاح والإعمار بالنسبة للأرض.
إن الرسول (صلَّى الله عليه وآله) هو أخبر خبير بطرق توفير السعادة في الأرض، وبحل مشكلات الأرض، هو الأخبر، هو الأعلم، هو الآمن على كل شيئ ممَّا يدخل في سعادة الإنسان، ويأخذ به في المسار الصحيح، سواء ذلك على مستوى حاجات الأرض أم الإنسان المتصلة بالسماء.
الاقتصاد المتقدم، الاجتماع المتقدم، كل ذلك عند رسول الله (صلَّى الله عليه وآله)، وبأكمل صورة.(8)

* خطورة منصب القيادة، وضرورة التَّدقيق في الشُّروط
يقول سماحته: مسألة الإمامة مسألة مصيرية بالنسبة للإنسان والإسلام، وأقل مواقع القيادة قد تشدد فيه الإسلام.
من أصغر المناصب القيادية إمامة الجماعة، وقد وقف الفقه الشيعي الموقف المتشدِّد في شروط إمام الجماعة، ولم يترك إمامة الجماعة لكل واحد.(9)

* خطأ التشخيص في القيادة
إنَّ الخطأ في تشخيص القيادة الشرعية – وانتخاب القيادة غير الشرعيَّة – مرجعه إلى الخلل في معرفة الله (عزَّ وجلَّ)، أي أنه يمثل خللًا في الجانب الاعتقادي فيما يرتبط بعلم الله (عزَّ وجلَّ)، وحكمته، وعدله، ورأفته، ورحمته، وسائر صفاته الكماليَّة والجلاليَّة.
يقول سماحته بعد أن يذكر الحديث الوارد عن الإمام الحسين (عليه السلام): سُئِل الإمام الحسين (عليه السلام): “ما معرفة الله”؟، قال: “معرفة كل أهل زمان إمامهم الذي يجب عليهم طاعته”.(10)
من أخطأ فحسب أن مروان هو إمام الإسلام لم يعرف الله، لم يعرف من حكمة الله شيئًا، ومعناه سلب الحكمة عن الله، سلب العلم عن الله، سلب العدل عن الله، سلب الرأفة والرحمة عن الله، بخس الله (عزَّ وجلَّ) في كل صفات جلاله وكماله.
مَن عرف أن الإمامَ عليًّا (عليه السلام) هو الإمام، فقد أنصف الله.
علي (عليه السلام)، وقبله رسول الله (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم) يشعان بأكبر طاقة ممكنة لإنسان عن حكمة الله، عن علم الله، عن عدل الله، عن رحمة الله، فمن عرف أن الإمام هو النبي (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم) هو علي (عليه السلام)، هو أحد الأئمة الهداة المعصومين (عليهم السلام* فقد عرف الله.
ومَن أخطأ معرفة الإمام، وقلّد الفاسقَ الإمامة، واعترف بالإمامة للجاهل، ولم تحمل نفسه تقديرًا لله، فقد جهل الله تبارك وتعالى، وقد بخس الله (عزَّ وجلَّ) حقَّه.(11)

* الأساس في اختيار القيادة
الرَّسول المرسَل – بالفتح – هو في حقيقته مرآة للمرسِل – بالكسر-، فلا بدَّ أن يكون أساس الاختيار هو التوحيد، والمحتوى المقدس لقِيم السماء.
يقول سماحته: من هنا نحن نتمسك، ونُصر كلّ الإصرار على أن الإمامة للمعصوم (عليه السلام)، وفي ذلك معرفة لله، وإنصاف لحق الله، وتقدير لله (عزَّ جلَّ).
ماذا لو كانت الأمَّة كلها محكومة لرجل واحد، وأرسل لإقليم من أقاليم الأمَّة الذي لم يلتقِ بذلك الإمامة أو الخليفة، ولم يتعرف على أبعاد شخصيته وواقع شخصيته، ذلك الحاكم المجهول لذلك الإقليم، أرسل واليًا، فرأى الناس ذلك الوالي جافيًا، غليظًا، ظالمًا، فاحشًا، ما الصورة التي ستأخذ عن الحاكم؟، عن إمام الأمَّة؟
لا شك أنَّ الصور ساقطة، فكيف بالله (عزَّ وجلَّ)؟، كيف يليق بالله (عزَّ وجلَّ) أن يعتمد إمامًا جاهلًا؟ أن يعتمد إمامًا ظالمًا؟ أن يعتمد إمامًا فاحشًا؟ حاشا لله (عزَّ وجلَّ).
هذا الرسول صورة عن المرسل.
هذا الوعي – وعي أن الإمامة مرتبطة بالتوحيد، وأن شخصية الإمام المنسوب للإسلام تعطي الصورة عن الإسلام، وتعطي الصورة عن رب الإسلام تبارك وتعالى-، هذا الوعي يجعلنا نتوقف جدًّا جدًّا في أصغر مستوىً من مستويات القيادة، وأن نحسب لهذه المسألة ألف حساب، وألف حساب، وألف حساب، وأن يتهب القائد الصغير فضلًا عن القائد الكبير، وأن تحترس الأمَّة، وتحتاط الأمَّة في اختيار كلِّ قياداتها.
كم ندرس مسألة اختيار رئيس مؤسسة؟، جمعية من الجمعيات، ندخل في غربلة للشخصيات، وفي تمحيص، ونتذكر تاريخه، ونبحث عن علاقاته، ونتتبعه – إن كنَّا على علاقة سابقة بمواقفه -، هل برهن على حكمة؟، أو كانت تخونه الحكمة كثيرًا؟، هل نعثر في شخصيته على المواصفات المطلوبة بدرجة عالية أم لا؟
لا نختار إلا بعد درس، وبعد تمحيص، فكيف بمالك الأشتر حيث يراد واليًا على مصر؟، وكيف بأي والٍ يختاره أمير المؤمنين (عليه السلام)، وهو تحت إمرته؟، كم سيدرس أمير المؤمنين (عليه السلام) شخصية مَن يريد إرساله واليًا على منطقه من المناطق؟، وهو يستطيع أن يفصله في اليوم الثاني، إلا أن تعيينه يأخذ جهدًا من أمير المؤمنين (عليه السلام).(12)

* حادثة من واقع النجف الأشرف
يقول سماحته: كانت المرجعيَّة في النجف – وقد شهدها المرحوم آية الله زين الدِّين (قدس سره)- تفكر في إرسال مندوب لها، مبلَّغ، وكيل، إلى اليمن؛ لوجود ربما بعض الشيعة، فصارت المرجعية تدرس شخصية لإرسالها إلى هذه الوظيفة، اليمن لها تركيبتها الخاصة، ولها واقعها الخاص، تلحظ في الوكيل حيثيات قد لا تلحظ فيه لو أريد للعراق، أو للبحرين، أو غيرهما.
بحث السيد المرجع، وأرسل – أيضًا – الطلب إلى الشيخ زين الدين، وزين الدِّين في وقتها شاب، وطلب أن يذكر له المواصفات لهذا الوكيل، فوضع الشيخ زين الدين المواصفات التي في ذهنه بين يدي الفقيه المرجع، فما كادوا يعثرون على شخصية لوكالة في أمر محدود، ولكن بلحاظ خصوصية البيئة، وما يمكن أن يعكسه هذه الوكيل عن المذهب، وعن مؤسسة الحوزة، وعن المرجعية العليا، كان لا بد من توقف، وكان هناك عسر شديد في العثور على الشخصية المناسبة.(13)

* قيادة الفقيه بعد الإمام المعصوم
يقول سماحته: قيادة المنزل قيادة رسالية وإسلامية كم تحتاج؟، وإذا بالأمور الخطيرة، والمهام العليا يصطرع عليها اصطراعًا، ويركض وراءها ركضًا، وتقدم جماهيريًّا لكل من عنَّ له أن يكون في المقدمة، ما أكثر الأحزاب في البلاد الإسلامية والعربية – على المستوى السني، وعلى المستوى الشيعي-، وما أكثر القيادات في البلاد الإسلامية والعربية، بينما تأتينا أحاديث أهل البيت (عليهم السلام)؛ لتطلب للقيادة شخصًا لا يجهل طرق السماء وهو المعصوم (عليه السلام)، وإذا خسرنا المعصوم وغيَّبناه بسوء موقفنا، فمَن يأتي بعده؟ إنصافًا مَن يأتي بعده؟ يؤخَّر الخميني – أعلى الله مقامه -، ويقدَّم بني صدر، بثقافته الغربية وتوجهاته الغربية؛ ليقود المسلمين إلى السماء؟!، ليأخذ به في اتجاه الله (عزَّ وجلَّ)؛ ليمثل الإسلام؟!(14)

* انقياد الأمَّة للقيادة الشَّرعيَّة
الانقياد للقيادة الشَّرعيَّة – بعد معرفتها، والتسليم بها – ضرورة لا تقلّ أهمية عن أصل ضرورة وجود القيادة.
فقائد بلا انقياد كمجتمع بلا قائد، كلاهما ينتجان الفوضى والهرج والمرج.
ولا تتوقف حقيقة الانقياد – للقيادة الشَّرعيَّة بعد معرفتها والتسليم بها- على الاقتناع بموقف القيادة، بحيث لو لم يقتنع المكلف بموقف القيادة – حال كونها قيادة في نظره –، فيكون في سعة من الانقياد، وفسحة منه.
فالانقياد يلازم التسليم بالقيادة الشرعية، وإلا للزم نقض الغرض.
نعم، لكافة الناس إبداء المشورة للقيادة، إلا أن مآل الأمور وحسمها يرجع لقرار القيادة.
يقول سماحته: الإسلام شدد الشرط، وغلظ الشرط في القيادة، وألزم الأمَّة إلا أن لا تكون إمَّعَة في أقل من أمر القيادة – فضلًا عن هذا الأمر المهم جدًّا-.
على الأمَّة أن تمحص الأشخاص، أن تدرسهم دراسة كافية، أن تتريَّث جدًّا، أن تحتاط جدًّا في اختيار قادتها.
أمَّا من بعد ذلك وقد أحرزت علمًا، وقد أحرزت في الإمام الخميني علمًا، وأحرزت فيه عدالة عالية، وخبرة كافيه، وإخلاصًا ووفاء، وشجاعة، فليس لها أن تتعامل معه كمقود، والشارع هو القائد، يقول الإمام الخميني كلمة الحرب، فتوضع كل إمكانات الأمَّة للحرب ومن غير نقاش، أمَّا لو كان الشارع سيحاسب الإمام الخميني، سيطالب الإمام الخميني بالتعرف على فلسفة الحرب، وعلى الخميني أن يقنع كل واحد واحد من أبناء الأمَّة بقيمة هذه الحرب، ويجلس مع كلِّ واحد واحد من أبناء الأمَّة؛ ليتدارس معه هذه الحرب، هو المتهم، هو الجاهل، هو الخائن، وغيرها.
هذا لا يعني أن الإمام الخميني قراره منفرد، عليه أن يستعين برأي أهل الخبرة، وأن يسمع لكل كلمة من كل خبير قادر على أن يقدم رأيًا.
هذا الأمر ليس في المعصوم فقط، كما على ابن عباس أن يشير على علي (عليه السلام)، وأن يطيعه لو خالف أمير المؤمنين (عليه السلام) مشورته، عبد الله بن عباس يشير على الإمام (عليه السلام) في أمر السلم والحرب، في أمور السياسية مطلوب أن يشير، لكن إذا خالف رأي علي (عليه السلام) مشورة ابن عباس، فإن على ابن عباس أن يطيع عليًّا (عليه السلام)، هل هذا خاص بالمعصوم؟
مالك الأشتر لو حكم مصر، وله خبراء يحيطون به، وقدموا له مشورة  – وعليهم أن يقدموا له مشورة -، وهذا من النصح، وعليه أن يسمع المشورة ويتفهمها، ويدرسها، لكن إذا وصل به رأيه وهو القائد هناك، إلى مخالفة المشورة، كان على المشيرين أن يطيعوا، وإلا كان المشير هو الحاكم، والحاكم هو المشير على أكبر تقدير.(15)

* غياب الانقياد، وتعدُّد القيادات
يقول سماحته: إنَّ أيّ مجهود ديني أو سياسي أو اجتماعي بلا مرجعية ولا مركزية لا يمكن أن يمثّل كيانًا معينًا في صورة كائن اجتماعي حي سويّ قادر على مواصلة الطريق، ومقاومة الزمن، ولا بد أن يتمحور حول مرجعية، وينتهي إلى مركزية، أو يواجه الذوبان والتلاشي والموت المحتّم.
ولا مركزية بلا طاعة، ولا مرجعية بلا انقياد، وأرقى ما يرى كثير من أهل الأرض أنهم توصلوا إليه في الحياة السياسية هو انتخابهم للقيادة، ولكنهم بعد انتخابها يسمعون لأوامرها ونواهيها، ويدخلون في الحرب والسلم بتشخيصها، ولو كان تشخيص الكثيرين منهم على خلافها، ولولا ذلك لما انتظمت لهم الحياة، ولكان القائد مقودًا والمقود قائدًا.
وفي حكم العقل والدين لا طاعة بلا موجب، ولم يتشدد طرحٌ بقدر ما تشدد الطرح الديني في أمر الإمامة والقيادة بكلِّ مستوياتها ومواقعها التي من أبسطها إمامة الجماعة، وإمامة الجماعة في مذهبنا لا تجوز لأيِّ واحد، فمن كان مسلمًا مؤمنًا لم يسعه – مختارًا- أن يهمل ما اشترطه الإسلام في هذه المواقع كلها.
والملاحظ أنّ الناس على إسلامهم لِما دخلهم من غبش في الرؤية، واختلاط في الثقافة، واضطراب في المفاهيم، وخلل في الشعور بقيمة الإسلام، صاروا يختلفون في موجب الطاعة – وموجب الطاعة في الإسلام واضح، أما ونحن نبعد عن الإسلام شيئًا فشيئًا، فنختلف وسنختلف أكثر فيما هو موجب الطاعة، ولمَن تكون الطاعة؟، وعلى مَن تكون الطاعة؟، – ويبعدون كثيرًا عن إسلامهم في هذا المجال كغيره من المجالات.
حتى استساغ مسلمون أن تكون الطاعة لشيوعي يحصل على أكثرية الأصوات.
والأدهى من ذلك والأمر أن قاد ضعف الإدراك السياسي والاجتماعي الكثير إلى إنكار الموجب الشرعي والعملي للطاعة إلا ما يضطرهم من موجب القوة والقهر.
وهذا أمر مرعب منذرٌ بأكبر الأخطار التي تتهدد وجود الأمَّة بما هي أمَّة ذات هُويَّة حضارية محددة.
ولقد كان أمير المؤمنين علي (عليه السلام) أزهد الناس في الإمرة، ولم تكن تساوي عنده شسع نعل كاد يذهب بها الاستعمال(16)، إلا أنه كان يتمرّق (عليه السلام) لأمر الدِّين والأمَّة، وكان من رأيه أن لا بد من أمير برّ أو فاجر، لأنّ المقابل لذلك الفوضى الضاربة التي تأتي على الأمَّة بالنهاية القاضية.
وإذا كانت القيادة المعصومة لا تحضر الساحة على مشهد من الناس اليوم؛ لينضوي تحت لوائها المؤمنون، فما الموقف؟
إن أمر الحكومة محسوم من ناحية الخارج، ولا كلام لنا فيه، إنما الكلام على مستوى المرجعية الدينية والاجتماعية، وفي المواقف المتاحة سياسيًّا حسب القانون، وأنا أحصر كلامي الآن في هذه المساحة.
والسؤال هنا: هل يعني غياب القيادة المعصومة أن يعود أمر المؤمنين إلى الفوضى؟، وهل تبقى مسألة المرجعية بلا ضوابط؟، وهل ترتفع الطاعة نهائيًّا؟، وتكون القيادات بعدد الأفراد؟
والصحيح: لا فوضى، ولا مرجعية بلا ضوابط، والطاعة غير مرتفعة.
هناك طاعة، هناك مرجعية، والضابط: الفقه، والعدالة، والكفاءة العملية، ومنها الخبرة- وأنعى على الذين يرون لأنفسهم الخبرة، ويرون أن الخبرة طائر لا يناله فقيه، وسحر يمتنع على الفقيه أن يتوفر عليه، وعلى أي عالم أن يتوفر عليه، وإذا قسموا، واستحوا قالوا الفقيه أوفر على الفقه أما نحن فأكثر توفرًا على الخبرة، وهو ليس بالإنصاف فقد يكون فقيهًا، وأخبر من الآخرين- وإذا لم يمكن الفقيه، فيتنزل الأمر إلى عدول المؤمنين من أهل الفقه والخبرة والكفاءة.
كلما لم يمكن المعصوم كان الفقيه، وكلما لم يمكن الفقيه كان العدل المؤمن الأكثر توفرًا على الفهم الفقهي، وبما له من الخبرة، والطاعة لازمة على المؤمن مع توفر الضوابط حفظًا للدين وتجنبًا للكوارث.
والسفه الذي لا يجوز ارتكابه هو الفوضى الضاربة، وتعدد القيادات بعدد الأفراد، وكون القيادة لا تتحرك ولا تتخذ قرارًا إلا بوصاية من الأتباع، فالجمعية الثقافية أو السياسية تنتخب إدارتها عندنا، ثم لا تعطيها حق القرار إلا بأن تراجعها، والزعيم السياسي، أو الاجتماعي، أو الديني ينتخبه مريدوه وقواعده ثم لا يتخذ قرارًا إلا كما يشتهون، ولا يتقدم ولا يتأخر إلا كما يأمرون وينهون.
أتراها قيادة؟!، أو هي آلة؟!
هذا أمر غير عقلائي أصلًا، ولا تقوم عليه حياة أمَّة ولا جماعة، وهو خارج عن النظم الوضعية بما فيها كل ألوان الديمقراطية، وعن الوضع الذي يقرره الدين.
وفيما ينبغي أن يكون عليه علماء الدين هو أن يكونوا عبيدًا للشرع، لا لما تهواه الدول، أو ما يرغبه الرأي العام، وصحيح أن الإسلام على مثاليته واقعي لمَن تدبّره، ومثاليته لا تُلغي واقعيته، كما أن واقعيته لا تلغي مثاليته، وهو من خلال واقعيته يُدخل في موضوع أحكامه عددًا من مقتضيات الخارج المتغيرة، إلا أنه إذا اقتضى الموضوع بطبيعته التي هو عليها خارجًا الحكم المناسب له في النظر الشرعي لا يرفع الإسلام، ولا عالم الدين- الذي يتعامل مع الأمور من موقع العلم والتقوى – اليدَ عن ذلك الحكم تزلفًا لأحد مهما كان، وطلبًا للدنيا، وزهدًا في الآخرة.
وكثيرًا ما يخلط العديد من الناس بين مراعاة الموضوع الخارجي في إصدار الأحكام، وتغيُّرها وبين متابعة الهوى في الحكم والتلاعب به.
وقد يملأ الناس الساحة آراء، ومنهم مخلص وغير مخلص، فطن وغير فطن، وقد يطول السكوت من آخرين عن فطنة وإخلاص ودراية وبعد نظر وصبر، وقد لا يكون وراء السكوت إلا الخواء، فهو سكوت أبله.
وليس دائمًا أن من تكلم أبلغُ ممن لم يتكلم، وقد لا يُبيح بليغ لنفسه الكلمة حيث لا يرى المقام مقام كلام.
والساكت لا يُحكم عليه برأي حتى ينطق برأيه، وهو في سعة من أمره حتى ينطق.(17)

* الجماهير بين صمت القيادة ونطقها
يقول سماحته مخاطبًا المجتمع في صلاة الجمعة التي يؤمُّها في جامع الإمام الصادق (عليه السلام): أسأل هذا المجتمع الكريم: المجتمعُ بِم يُطالب العلماءَ؟
1- بالنطق، أو الصمت؟
صمتوا فأعبتم، ونطقوا فغضبتم، ماذا تريدون؟
تريدون التدخل في السياسة، أو الاعتزال؟
الحكومات تقول: اعتزلوا، الغرب يقول: عليكم الاعتزال، الخطط الأجنبية والمحلية في كثير من البلدان قائمة على قدم وساق؛ من أجل إقصاء المسجد، وتعطيل دوره في الحياة السياسيَّة بالكامل، هل تشاركون في طرح الاعتزال للعلماء؟، قولوا لنا: اعتزلوا.
أتريدون التدخل، أو الاعتزال؟
التدخل له ضريبته على العالم وعلى المجتمع.
2- أتريدون النطق المشروط أو الحر؟
قد يقول المجتمع للعلماء: انطقوا، قولوا كلمة الحق، تدخّلوا ولكن بشرط أن توافق كلمتكم وموقفكم توجه الرأي العام، أو النخبة المثقّفة.
اعرضوا هذا الشرط على الله، على رسوله، على الكتاب، على السنة، أمير المؤمنين (عليه السلام) لم يوافق على البيعة بشرط التقيّد بمسيرة الشيخين.
يا عالم انطق، وتدخّل، ولكن لا تخالف رأينا، أشرط معقول؟، يرضاه عاقل؟، يرضاه دين؟ لا تخالف شرع الله، هذا شرط صحيح.
اقتراحُ النطق المشروط مرفوض من قبل العلماء، ولسنا مع خيار الحكومات، وعلى العلماء أن ينظروا إلى الحكم الشرعي وما يقتضيه؛ اقتضى السكوت فعليهم أن يسكتوا، اقتضى النطق فعليهم أن ينطقوا.
هكذا إذا استطعنا الانسجام مع ديننا.
الحكم الشرعي هو المنظور، وهو الحاكم، ومع تقديري لصفوف المؤمنين، ولجماهير الأمَّة إلا أنَّنا لا يكون لنا وزن، ولا شأن عند الله حتى نذعن لتشريعه.(18)

* القيادة والتَّصدِّي للشَّأن العام
يقول سماحته: هناك نوعان من القضايا؛ نوع خاص يرتبط بالفرد، ونوع عام يرتبط بالمجتمع.
والناس مسلمون وغير مسلمين، والذين في إطار الإسلام مسلمون وإسلاميون – إذا صحّ التفريق -؛ مسلمون عقيدةً ولكن لا يتقيدون بالإسلام، وإسلاميون مسلمون على كل الأصعدة، ويرون أن حياتهم لا بدّ أن تتقيّد في صغيرها وكبيرها بالإسلام.
والإسلاميُّ لا يُفتي نفسه في شؤونه وقضاياه الخاصة ما لم يكن مجتهدًا فضلًا عن أن يفتي غيره وفي مسائل الشأن العام، أليس كذلك؟
ولكني أقرأ وأسمع وتصلني بعضُ الرسائل التي لا تشرح الموضوع الخارجي فحسب، ولا تكتفي بإعطاء وجهة نظر في الموضوع الخارجي وإنما تُثبت الحكم مع ذلك، وتفتي لي ولغيري من شاب كريم أحترم فيه إيمانه ووعيه وغيرته لكن لا أُعطيه الحق في أن يفتي في حقي، وفي حق غيري، وهو بإسلامه لا يعطي لنفسه الحق في ذلك.
الإسلاميون الأعزاء المخلصون والغيارى قد يقعون في خطأ وهم يُفتون فتاوى جماهرية وإن لم تكن باسم الفتوى.
أنت حين تُشخِّص الموضوع المرتبط بالشأن العام، وتُصدر الرأيَ المتناسب مع تشخيصك، وتُوجّه الجماهير إلى هذا الرأي، وتدفع بهم دفعًا للأخذ به، فماذا تفعل؟
أنت هنا تفتي، وتعمل على تنفيذ فتواك، سمّيتها فتوى، أم لم تسمها.
للكل أن يُنظّر، أن يُعطي وجهة نظره في الموضوعات الخارجية، ولكن بحيث لا يرقى بالأمر إلى حدّ أن يدفع بالناس دفعًا حثيثًا في اتِّجاه ما يراه.
هناك مسائل يكفي فيها أن تعرف الحكم الكُلّي، وفتوى الفقيه، وأن يتشخّص عندك الموضوع فتعمل بالفتوى، وهناك أمورٌ لا تكفي فيها الفتوى بل تحتاج إلى حكم ولائي والممارسات القائمة تتجاوز حدّ الفتوى إلى ما يرقى إلى حدّ الحكم الولائي.(19)

* الجماهير سيف بيد القيادة
يقول سماحته: أمّا الجماهير، فلا نصرَ بدونها، ولا استمرارَ لنتائج النّصر بلا حراستها، ومن دون أن تبقى سيفًا مسلولة دائمًا بيد قيادتها تخسرُ الأمّة النّصرَ وكلّ النّتائج التي انبَنَت عليه. لكنّ الجماهير دائمًا تحتاجُ إلى ما ينتظم أمرها، إلى ما يضمّ خرزها المتناثرة في نظام – خيط السّبحة يُسمّى نظامًا – يُعطي ذلك الخرز تناسقه، وانتظامه، وجماله.
الجماهيرُ تحتاج إلى منبع وعي، وإلى قدوة مبدئيّة، دائمًا تحتاج إلى نبيٍّ، دائمًا تحتاج إلى وصيٍّ، دائمًا تحتاج إلى فقيه، دائمًا تحتاج إلى قيادة.
الجماهيرُ يمكن من غير مَن يصون حصن الإسلام أن يُسرَق منها الوعي، أن يُسرَق منها إسلامها في أجواء مخمليّة حريريّة هادئة.
الجماهيرُ يمكن أن ينصرف كلُّ فردٍ منها لشأنه الخاص، حين لا يكون رسول، أو لا يكون إمام، أو لا يكون فقيه، أو لا تكون قيادة، سواءً كانت قيادةً مؤمنة أم قيادة غير مؤمنة في بلدٍ غير مؤمن.
والقيادة – طبعًا، والإمامة – ليست على مستوى المجتمع الإنساني فقط، كلُّ أنواع الحيوان التي تعيش حالةً اجتماعيّة، و لو فطريّة، يكون لها قائد، ولها إمام، ولها مُرشد.
الذين يُريدون أن يفصلوا جماهير الأمّة عن خطّ الرّسل، عن خطّ الأئمّة، عن خطّ الفقهاء، معنى ذلك أنّهم ينوون قتل هويتها.(20)

* الجمعيَّات الإسلاميَّة والقيادة
يقول سماحته: لا شكَّ أن جمعياتنا لا تعتبر نفسها مرجعية مستقلة ونهائية، ولا يدخل في ذهنها هذا أبدًا، فيتحتم أن تكون مؤسسات تعمل على طريق المرجعية الأخيرة النهائية.
ومرجعية المسلم أولًا وبالذات هو ربُّه الكريم تبارك وتعالى، يأتي من بعد ذلك بالإذن رسول الله (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم)، يلحقه أئمة أهل البيت (عليهم السلام)، يليهم من بعد ذلك الفقهاء العدول.( (21
فمرجعية جمعياتنا الإسلامية لا بد أن تكون منتهية إلى خط الفقهاء؛ لتنتهي إلى مرجعية الأئمَّة (عليهم السلام)، إلى مرجعية رسول الله (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم)، إلى المرجعية الحق التي لا يأتيها الباطل من بين يديها ولا من خلفها، مرجعية الإله العظيم؛ الله سبحانه وتعالى.
المرجعية هنا مرجعية مدرسة، وليست مرجعية شخص، كل المسلمين – الملتزمين بالإسلام – مرجعيتهم الإسلام، ومَن رأى أن له مرجعية تنتهي لغير الإسلام، فهو – على إسلامه – ليس بالمسلم الحـقّ الملتزم.
وفي الإسلام مدارس، والجمعيات التي تنتمي إلى مدرسة أهل البيت (عليهم السلام) لا تكون من هذا الخط حتى تكون مرجعيتها مدرسة أهل البيت (عليهم السلام)، ولا نعرف في الأرض، ولا في الدين تمثيلًا لخط مدرسة أهل البيت (عليهم السلام) يُتيقن بأنه تمثيل مرضي عند الله غير تمثيل الفقهاء العدول الذين أوصى بهم وبمرجعيتهم أهلُ البيت (عليهم السلام).
فيتحتم على جمعياتنا الإسلامية من هذه المدرسة؛ لتكون كذلك أن تبرهن دائمًا على أن لها مرجعية، وأن مرجعيتها تتمثل في مدرسة أهل البيت (عليهم السلام)، وفقهاء هذه المدرسة العدول.(22)

* أصالة الفهم الإسلامي السياسي ونقاؤه
يقول سماحته: أكبر تمهيد، وأكبر إعداد، ومن أبرز المقدمات لنصرة الإمام (عجَّل الله تعالى فَرَجَهُ الشريف) في غَيْبَته، أن نحافظ على الوعي الإسلامي في كل بعد، وفي البعد السياسي بالخصوص.
إذا انحرف وعينا السياسي عن الإسلام، وتنازلنا عن شرط العلم بالفقه، وتنازلنا عن بعد التقوى والعدالة، أو تنازلنا عن الخبرة، وعن ملاحظة حياة المرء ودراستها وخلفيتها، هل كان حزبيًّا؟
من نوع آخر؟
هل كان منضمًّا إلى حزب غير إسلامي؟
كيف كانت طفولته؟
كيف كان شبابه؟
ما هي التجارب التي مر بها ممَّا يمتحن إيمانه، ونزاهته؟، وغيرها.
إذا تنازلنا عن كل ذلك، سنقبل أن نكون ضد الإمام مع قيادات مناهضة للإمام (عليه السلام)، ولن نعتبر للإمام (عليه السلام) ميزة، وسنتعب الإمام (عليه السلام) كثيرًا إذا انحرف منَّا الوعي السياسي عن الإسلام، وسنوقف الإمام (عليه السلام) لو أخذنا بقيادته في كل منعطف منعطف، وفي كل موقف موقف، وفي كل قضية قضية؛ لنتهمه، لنشكك فيه، لنحاسبه، لنوقفه أمام محكمة الديمقراطية.(23)
ويقول سماحته في مورد آخر: أكبر تحضير جدِّي ليوم الظهور، وخلق جماهير يسهل عليها أن تلتف براية الإمام (عجَّل الله فَرَجَه)، أن نحافظ على المفاهيم الإسلامية وأصالتها ونقاوتها، في كل مساحة الحياة، وفي المرفق السياسي بالخصوص.
نحن نطالب بالديمقراطية التي يؤمن بها الآخر، ويغلق الباب على الإسلام، ويدعي أنه يرضى بالديمقراطية، نحن نرضى بالديمقراطية لحل مشكلات حياتية قائمة، لكن يجب أن يحافظ على الفهم الإسلامي السياسي في عقول أبناء الأمَّة، وفي تعاملهم وواقعهم؛ لأن أي فهم غريب على الإسلام في البعد السياسي، سيفصل أمَّة الإسلام عن الإمامة، سيكونون غرباء على الإمام، والإمام غريبًا عليهم، هو في اتِّجاه ونحن في اتجاه، هو على فهم ونحن على فهم، نحن نرى أمر القيادة أمرًا سهلًا، وأنه يصح لنا أن نسند هذا الموقع إلى كل من هب ودب، بينما الإمام (عليه السلام) يرى أنه هو الأعرف بطرق السماء والذي لا يخطئ خارطة طرق السماء، ويرى غيره جاهل.(24)
ويقول سماحته: أصحاب الفكر النقي الأصيل، الذين يمثلون محاور الوجود الإسلامي في الأمَّة قلَّة، الذي يحتفظون برؤية إسلامية، بقناعتهم الإسلامية في مسألة القيادة، وأن الإمام (عجَّل الله فَرَجَه) ضرورة، وأن لا بديل مكانه عند الاضطرار إلا من هو أقرب إليه من فقيه خبير عادل، كفقهائنا الكبار، هذا الوعي يشح في الأمَّة، ويصعب الثبات عليه للزلزال الثقافي العنيف.(25)
ويقول سماحته في معرض حديثه عن حقيقة الانتظار للإمام المنتظر (عجَّل الله تعالى فَرَجَهُ الشريف): تنتظره بوعي من وعيه، وبرؤية من رؤيته، وبشعور من شعوره، وبفهم من فهمه، وبفقه من فقه، وبهدف من هدفه، فحيث أكون شيئًا وهو شيئ آخر في الفهم – في خط الفهم، في سنخ الفهم، وليس في درجة الفهم – حيث يكون شيئًا وأكون شيئًا في سنخ الفهم، وطبيعة الرؤية، ومحتوى الذات، والنظرة السياسية، وشروط ومواصفات القيادة، لا أكون منتظرًا له، أنا على خط آخر تمامًا، إذا كان تكويني العقلي، وتكويني النفسي، وموقفي العملي كله على مضادة مع ما عليه موقف الإمام (عليه السلام)، فكيف أكون منتظرًا له.
أنصر الإمام بإبقاء فكره في الأمَّة، بإشاعة فكره في الأمَّة، بالمحافظة على نظافة النفوس، على نظافة القلوب، أصنع ما استطعت من نفسك، من ولدك، من ابنتك، شخصية إسلامية، بذلك تكون ذابًا عن الإمام، بماذا؟
ولدي إمَّا أن يكون على خط الإمام ونصيرًا له، وإمَّا أن يكون محاربًا له، حيث أهمله هو محارب للإمام من اليوم، كل الذين يعملون على إفساد الأمَّة، وعلى إشاعة الشر، وكل الذي يؤثرون سلبًا على الإسلام، والوعي الإسلامي هم محاربون للإمام (عجَّل الله فَرَجَه)، في قبالهم من يذب عن الإمام (عليه السلام) وهم الذين يبنون أنفسهم بناء إسلاميًّا،  يبنون أولادهم بناء إسلاميًّا، يبنون بناتهم بناء إسلاميًّا.(26)

الهوامش:

1 – نهج البلاغة – خطب الإمام علي (ع) – ج 1 – ص 91.
2 – راجع كتاب القيادة في الإسلام، الشيح محمد محمدي الريشهري.
3 – الكافي، الكليني، ج1،ص184.
4 – مرقع جمعية التوعية الإسلامية – خاص- التوعية الإخباري – 13/08/2009م فعالية دعاء الندبة المركزي الذي نظمته جمعية التوعية، وجمعية سيد الشهداء، وأقيم بجامع الإمام الصادق (ع) بالدراز.
5 – إشارة إلى علم الغيب.
6 – هنا يتساءل سماحته مستنكرًا.
7 – مرقع جمعية التوعية الإسلامية – خاص- التوعية الإخباري – 13/08/2009م فعالية دعاء الندبة المركزي الذي نظمته جمعية التوعية، وجمعية سيد الشهداء، وأقيم بجامع الإمام الصادق (ع) بالدراز.
8 – المصدر السابق.
9 – المصدر السابق.
10 – بحار الأنوار، المجلسي، ج23،ص93.
11- مرقع جمعية التوعية الإسلامية – خاص- التوعية الإخباري – 13/08/2009م فعالية دعاء الندبة المركزي الذي نظمته جمعية التوعية، وجمعية سيد الشهداء، وأقيم بجامع الإمام الصادق (ع) بالدراز.
12 – المصدر السابق.
13 – المصدر السابق.
14 – المصدر السابق.
15 – مرقع جمعية التوعية الإسلامية – خاص- التوعية الإخباري – 13/08/2009م فعالية دعاء الندبة المركزي الذي نظمته جمعية التوعية، وجمعية سيد الشهداء، وأقيم بجامع الإمام الصادق (ع) بالدراز.
16 – كناية عن كونها بالية.
17 – آية الله الشيخ عيسى أحمد قاسم ،خطبة الجمعة (68) بتاريخ 8 جمادي الأولى1423 هـ الموافق 19 يوليو 2002م.

18 – آية الله الشيخ عيسى أحمد قاسم، خطبة الجمعة (212) 11 شعبان 1426هـ 16/9/2005م

19 – آية الله الشيخ عيسى أحمد قاسم، خطبة الجمعة (211) 4 شعبان 1426هـ – 9/9/2005 م.

20 – التأبين الذي أقيم بمناسبة الذكرى العشرين لرحيل الإمام الخميني (رضوان الله عليه) في مسجد مؤمن بالعاصمة المنامة بتاريخ 4/6/2009 م.

21 – والكلام عن خط الفقهاء وليس عن فقيه معين. (منه حفظه الله).
22 – خطبة الجمعة (136) 17 ذي القعدة 1424هـ – 9 يناير 2004 م.
23 – مرقع جمعية التوعية الإسلامية – خاص- التوعية الإخباري – 13/08/2009م فعالية دعاء الندبة المركزي الذي نظمته جمعية التوعية وجمعية سيد الشهداء وأقيم بجامع الإمام الصادق (ع) بالدراز.
24 – المصدر السابق.
25 – المصدر السابق.
26 – المصدر السابق.

 

زر الذهاب إلى الأعلى