خطبة الجمعة (375) 10 رجب 1430هـ – 3 يوليو 2009م

مواضيع الخطبة:

*العِشرة الزوجية – متابعة *عودة إلى الخطاب الديني

على المجتمع أن يختار بين أن يقبل تحول الخطاب الديني إلى وسيلة من وسائل السياسة الوضعية وأغراضها المادية النفعية فيفارق الدين، وبين أن يحتفظ بدينه فيرفض تسييس الخطاب الديني، وإخضاعه لهوى السياسات الدنيوية التي تتصادم مع مصلحة الدين.

الخطبة الأولى

الحمد لله الذي تقوم السماوات والأرض بقدرته، وتغنى بعطائه، وتنتظم علاقاتها، وعلاقات كل شيء فيها بإرادته، وتعجّ كل أركانها وأجزائها وذراتها بحكمته، وتزخر بآياته ودلائل عظمته، وتنقاد وكل ما فيها لمشيئته، ولا حكم في شيء منها لغيره.
أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلّى الله عليه وآله وسلّم تسليماً كثيراً كثيراً.
أوصيكم عباد الله ونفسي المقصِّرة بتقوى الله تقوى دافعة لطاعته، رادعة عن معصيته، آخذة إلى قربه، موصلة إلى رضوانه، رافعة قدر صاحبها عنده، منجية من عقابه، منيلة عظيمَ ثوابه، وجميل جزائه، وجليل كرامته.
وفّقنا الله واخواننا المؤمنين والمؤمنات أجمعين للتقوى، وسدّد منا الخطى، ورضى المسعى، وأنالنا كريم المبتغى، وسعادة الآخرة والأولى، وغفر لنا ولهم ولوالدينا وأرحامنا وأزواجنا وأصحابنا، وكل من كان له حقّ خاصّ علينا من مؤمن ومؤمنه،ومسلم ومسلمة، وتاب علينا إنه هو الرحمن الرحيم التوّاب الكريم.
اللهم صلّ وسلم وزد وبارك على حبيبك المصطفى وآله الأخيار الأطهار برحمتك يا أرحم الراحمين.
أما بعد فموضوع الحديث هو العِشرة الزوجية استكمالاً لما مضى من حديث في هذا الموضوع:
تقدم أن العشرة الزوجية محل اهتمام كبير في الإسلام، وقد تناولتها نصوص عامة وخاصة من كلٍّ من الكتاب الكريم، والسنة الشريفة. ومضى ذكر طوائف من هذه النصوص، وهذه طائفة من خصوص الحديث في هذه العلاقة.
عن الرسول صلى الله عليه وآله وسلّم:”إن الرجل ليدرك بالحلم درجة الصائم القائم، وإنه ليُكتب جبّاراً، ولا يملك إلاّ أهل بيته”(1).
الرجل يُكتب كفرعون في جبروته كأشدّ جبابرة الأرض، أو كأدناهم، وهو أمر خطير، وهو لا يملك إلا أهل بيته، وذلك حيث يستكبر، ويسيء المعاملة لأهله، ويظلم، و لا يخاف الله. وكيف لا؟! فإن من قسى قلبه على أهل بيته وظلم فهو أقسى على غيرهم وأظلم، ولو ملك لأهلك.
وعن علي عليه السلام في وصيته لابن الحسن عليه السلام:”لايكن أهلك أشقى الخلق بك”(2).
ابتسامات عريضة في الخارج، مجاملات، مداراة، إيناس للآخرين، أمَّا داخل البيت فوجه متجهّم، مقطِّب، عبوس، وكلمات جافّة، ومعاملة قاسية، وبذلك يكون أهل الرجل أشقى الخلق به. وهل ما لا يجوز للرجل يجوز للمرأة؟! وهل للمرأة أن تُضاحك أخواتها في الخارج وتنشر في مجالسها معهن الأنس لتأتي بالخلق السيء تواجه به زوجها؟! لا وألف لا.
وعنه عليه السلام:”يا كميل مر أهلك أن يروحوا في كسب المكارم، ويدلجوا في حاجة من هو نائم”(3).
التربية على الخير، الدفع إلى الصالحات، إنماء روح الإحسان في الطرف الآخر، مسؤولية زوج ومسؤولية زوجة، والرجل هنا هو المأمور الأول بذلك لما له من موقع مؤثّر في بيته.
أن يدلجوا في حاجة من هو نائمً وهكذا هو الخلق المسلم. أخوك نائم، وأنت ساهر من أجل مصلحته، ومن أجل إنقاذه، وإغاثته.
والحقوق في العلاقة الزوجية منها ما هو قسمة بين الطرفين، ومنها ما هو مسؤولية كلٍّ منهما، والمطلوب هو التنافس في أداء الواجب، والتساهل في تقاضي الحق. و السابق في هذا وذاك من الزوجين هو الأكرم والأربح عند الله تبارك وتعالى.
وهذه صور من تقابل الواجبات، وتقابل الحقوق في العلاقة ما بين الزوجين:
أولاً:
علاقة موثّقة وحقّ عظيم، تقول الآية الكريمة:{وَكَيْفَ تَأْخُذُونَهُ وَقَدْ أَفْضَى بَعْضُكُمْ إِلَى بَعْضٍ وَأَخَذْنَ مِنكُم مِّيثَاقاً غَلِيظاً}(4).
الميثاق الزواج وهو عقد يجري على ما في كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وآله من شروط وحقوق وواجبات وآداب وخلق كريم وهدف نبيل، هذا العقد والميثاق يصفه ربنا العظيم سبحانه وتعالى بأنه غليظ، موثّق، مشدّد، مؤكّد، وكيف نعمل إلى هلهلة ميثاق عقدته حكمة الباري تبارك وتعالى ووثّقته وأكّدته؟!
وعن رسول الله صلّى الله عليه وآله:”أعظم النّاس حقّاً على المرأة زوجها، وأعظم النّاس حقّاً على الرجل أمّه”(5).
ولننتبه أن ليس من معنى هذا أن حقّ المرأة على الرجل قليل، بل هو عظيم أيضا كما تصفه النصوص. ولكن التركيز هنا على حقّ الرجل على المرأة ويقابل هذا الحق وهو حقّ الطاعة في حدود الحق، وفي ما لا يغضب الله تبارك وتعالى، وفي ما لا يعني جورا على المرأة،من حقوق المرأة على الرجل ما قد يثقل على كاهل الرجال ،عنه صلى الله عليه وآله:”ما زال جبريل يوصيني بالمرأة حتى ظننت أنه لا ينبغي طلاقها إلاَّ من فاحشة مبيِّنة”(6).
فكم يمكن أن يكون من أذى، ومن تجاوز، ومن تقصير، ومع ذلك ينبغي للرجل أن يتمسك بالعلاقة الزوجية احتراماً لميثاق الله عز وجل ولهذا الإنسان الذي رضي الارتباط به، وربما غلبه الغضب والعاطفة بعض الأحيان فلابد من الصبر عليه كلّ ما أمكن.
ثانياً: تبادل عاطفي:
الإمام الصادق عليه السلام:”لا غنى بالزوجة فيما بينها وبين زوجها الموافق لها عن ثلاث خصال وهن: صيانة نفسها عن كلّ دنس(7) حتى يطمئن قلبه إلى الثقة بها في حال المحبوب والمكروه، وحياطته(8) ليكون ذلك عاطفاً عليها عند زلة تكون منها، وإظهار العِشق له بالخِلابة(9)، والهيئة الحسنة لها في عينه”(10).
ينبغي للزوجة أن تكون كلماتها معسولة مع زوجها من غير أن تكون كاذبة، وأن تتخذ من هيئتها ما يقرّبها ويحبّبها إلى قلب هذا القرين.
عن رسول الله صلى الله عليه وآله:”قول الرجل للمرأة (إنّي أحِبُّكِ) لا يذهب من قلبها أبداً”(11).
قول جميل من المرأة يحبّبها للرجل، وقول جميل وملذّ ومطمئن للمرأة، والمرأة تطلب أن يكون الرجل معجباً بها، فلابد من كلمات تطمئنها من هذا الجانب، وتجعل نظرها كلّه مشدوداً إلى قلب الزوج.
لا تهنأ الزوجة ولا ترتاح ما لم تشعر بأنها تملأ قلب زوجها، فإنها دائما تبحث عمن تملأ قلبه، ومن دين الرجل وعقله وخلقه أن يُشبع هذا الشعور في نفس الزوجة.
ثالثاً: جاذبية المظهر:
“عن الحسن بن جهم قال: رأيت أبا الحسن (عليه السلام) اختضب فقلت: جعلت فداك اختصبتَ؟! فقال نعم إن التهيئة مما يزيد في عفة النساء، ….
ثم قال – أي الإمام عليه السلام -: أيسرك أن تراها على ما تراك عليه إذا كنت على غير تهيئة؟ قلت: لا، قال: فهو ذاك”(12).
أتحب أن تراها غير متهيئة لك، وعلى مظهر غير لائق، على هيئة منفّرة، حتى تسمح لنفسك أن تريها منك هذا الشيء؟ وكما تحب أن لا تراها إلا جميلة، جذّابة، كذلك عليك أن تظهر بالمظهر الذي يرضيها.
“قلت لا. قال: فهو ذاك” يعني كما تطالب الزوجة فطالب نفسك.
عن الإمام الصادق عليه السلام:”لا غنى بالزوج عن ثلاثة أشياء فيما بينه وبين زوجته وهي الموافقة ليجتلب بها موافقتها ومحبّتها وهواها(13)، وحسن خلقه معها، واستعماله استمالة قلبها بالهيئة الحسنة في عينها، وتوسعته عليها”(14).
شحّ الرجل على أهله مما تبغضه المرأة ويكون فاصلاً بين لقاء قلبها مع قلب الزوج.
هذا الشحّ كأنه لا يبقى عند حدّه المعروف، وإنما يُشعر بعدم التقدير، وعدم المودّة، وعدم الاعتزاز.
رابعاً: التعاون الودّي:
عن الإمام الصادق عليه السلام:”من حسُن بِرّه بأهله زاد الله في عمره”(15). والحديث واضح.
عن الإمام الصادق عليه السلام:”سألت أم سلمة رسول الله صلّى الله عليه وآله عن فضل النساء في خدمة أزواجهن فقال: أيُّما امرأة رفعت من بيت زوجها شيئاً من موضع إلى موضع تريد به صلاحاً إلاّ نظر الله إليها، ومن نظر الله إليه لم يعذِّبه”(16).
منقذ بسيط سهل من النار وهو أن تعتني المرأة ببيت زوجها إخلاصاً وتوجّها بهذا العمل الزهيد إلى الله عزّ وجلّ الذي يقبل اليسير ويجازي بالكثير.
عن رسول الله صلّى الله عليه وآله:”أيُّما امرأة خدمت زوجها سبعة أيام غلّق الله عنها سبعة أبواب النّار(17)، وفتح لها ثمانية أبواب الجنّة تدخل من أينما شاءت”(18).
وعنه صلى الله عليه وآله وسلم:”لا يخدم العيال إلاّ صدّيق، أو شهيد، أو رجل يريد الله به خير الدّنيا والآخرة”(19).

حقوق وواجبات متبادلة، وإحسان متبادل فكما تخلص المرأة للرجل الزوج وتخدمه، كذلك الرجل يقف نفس الموقف من زوجته، ولا يأبى أن يقدم لها الخدمة المناسبة.
دفع وحث كبير على أن يتعاون الرجل مع زوجه حتى في البيت.
خامساً: المطايبة والملاطفة:
“جهاد المرأة حسن التبعّل”(20) وهو عنوان واسع، وله تطبيقاته في الفراش، وله تطبيقاته في عموم الوقت، وفي الغيبة والحضور، وعلى مستوى الوجه واللسان، وعلى كل مستوى من المستويات مما تستطيعه المرأة.
تحاول المرأة أن تبقي على العلاقة الزوجية طاهرة مؤنسة بنّاءة تعين على طاعة الله تبارك وتعالى، تعمل على خلق جوّ بيتيّ هادئ لطيف خالٍ من المشكلات والمعكرات، وهي مسؤوليةتعمُّ الرجل ولا يُستشنى منها.
“ما من امرأة تسقي زوجها شربة ماء إلاّ كان خيراً لها من سنةٍ صيام نهارها، وقيام ليلها”(21).
صيام وقيام مستحبان إما أن تقوم بهما، وإما أن تعمل على إراحة زوجها وهي لا تستطيع الجمع بين هذا وذاك فتقدم التالي على الأول. تسقي زوجها شربة ماء حسب الظاهر ليس أن تعطي زوجها شربة ماء، وإنما هي حسب الظاهر مسألة ملاطفة، ومسألة إيناس، بمعنى أنها تسقيه بيدها.
وعنه صلّى الله عليه وآله:”إذا سقى الرجل امرأته أُجر”(22).
أي سقي هو؟ كذلك قد يكون من باب الملاطفة والمطايبة وتمتين العلاقة العاطفية، والإشعار بالعناية والحب بأن يحمل الكأس بيده ويسقيها. هذا جوٌّ لا تعرفه القوانين الوضعية، ولاتخلقه.
وعنه صلّى الله عليه وآله:”إن الرجل ليؤجرُ في رفع اللقمة إلى في امرأته”(23).
وعنه صلّى الله عليه وآله:”جلوس المرء عند عياله أحب إلى الله من اعتكاف في مسجدي هذا”(24).
جلوس عند الزوجة يصلح أمراً قد أفسد ما بينهما مثلاً. الزوجة محتاجة إلى إيناس، مستوحشة من ظرف، أيعتكف أم يبقى مع الزوجة ليرفع عنها ما بها من ضيق نفس، الثاني أفضل كما في الحديث.
اللهم صل على محمد وآل محمد، وارحمنا بمحمد وآل محمد، اللهم اغفر لنا ولإخواننا المؤمنين والمؤمنات أجمعين، وتب علينا إنك أت التواب الرحيم.
اللهم اجعلنا ممن لا يفارق دينك أبدا، ولا يرى له عِدلا، ولا يرضى عنه بدلا، واجعلنا من أهل رايته، والمنتصرين له، والداعين لكلمته، والممهدين لحكومته، والمهتدين بنوره، والآخذين بفروضه وسننه، وسهّل لنا اتباعه، ويسّر لنا ملازمته، وارزقنا القبض عليه والتمسك به، ولو كان ذلك كقابض الجمر في يده.
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
{قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ، اللَّهُ الصَّمَدُ، لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ، وَلَمْ يَكُن لَّهُ كُفُواً أَحَدٌ}

الخطبة الثانية

الحمد لله الذي لا عظمة لوعد كوعده، ولا شدّة لوعيد كوعيده، ووعده لا مخلف له من قدرته وكرمه(25)، ووعيده لا راد له من دونه. بيده خزائن الخير، ومقاليد الأمور، وهو الخلاّق ذو القوة المتين.
أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلّى الله عليه وآله وزادهم تحية وبركة وسلاماً.
عباد الله أفلا فلنتق الله فإن التقوى محلُّ حاجة النّاس أجمعين لصلاح دنياهم، وربح آخرتهم {وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ}(26).
وما يكفي من تقوى حال تكون الأمور طبيعية، والرياح هادئة، والمعيشة ميسَّرة معتدلة قد لا يقي صاحبه حين يعلو موج الفتن، أو يشحّ ما في اليد، أو تتسع النعم، وتتيسر الشهوات، وتنفتح الفرص المغرية، ونكونُ خارج دائرة اللوم البشري، والمراقبة الأرضية، وملاحقة العيون.
إن هذه الحالات ومثيلاتها تواجه النفوس بامتحانات شديدة هائلة ضاغطة فوق ما اعتادته وتحمّلته في سابق تجربتها، وهي تحتاج إلى بالغ من التقوى يقف بها أمام هذه العواصف والأعاصير على قدم راسخة بلا انهيار، وإلا سقطت في الفتنة.
والواجب أخذ النفس دائماً على طريق الخير، ومقاومةِ الشر، وترويضُها على تحمّل التكليف، وتبصيرها وتذكيرها بحقائق الأمور، وما تنتهي إليه الحياة، وتأديبها بأدب الدين حتى يكون لها من زاد التقوى ما ينهض بها في مواجهة التحديات، وتنجو به من الغرق في لجج الفتن، والسقوط في المهاوي والمنزلقات.
اللهم اغفر لنا ولإخواننا المؤمنين والمؤمنات أجمعين، وتب علينا إنك أنت التواب الرحيم، وصل على محمد وآله الطاهرين.
اللهم إنا نسألك خير ما سألك عبادك الصالحون، ونعوذ بك مما استعاذ منه عبادك المخلصون، اللهم لقّنا منك مغفرة ورضوانا، وارزقنا المسارعة إلى طاعتك والفرار من معصيتك، واجعلنا على هدى دائم، ونور قائم لا نعشو معه عن الحقّ، ولا نتخلف عنه أبداً.
اللهم صل وسلم وزد وبارك على حبيبك المصطفى محمد بن عبدالله خاتم النبيين والمرسلين، الصادق الأمين، وعلى علي أمير المؤمنين وإمام المتقين، وعلى فاطمة الزهراء الصديقة الطاهرة المعصومة، وعلى الأئمة الهادين المعصومين؛ حججك على عبادك، وأنوارك في بلادك: الحسن بن علي الزكي، والحسين بن علي الشهيد، وعلي بن الحسين زين العابدين، ومحمد بن علي الباقر، وجعفر بن محمد الصادق، وموسى بن جعفر الكاظم، وعلي بن موسى الرضا، ومحمد بن علي الجواد، وعلي بن محمد الهادي، والحسن بن علي العسكري، ومحمد بن الحسن المهدي المنتظر القائم.
اللهم صل على محمد وآل محمد، وعجل فرج ولي أمرك القائم المنتظر، وحفه بملائكتك المقربين، وأيده بروح القدس يارب العالمين.
عبدك وابن عبديك، الموالي له، الممهد لدولته، والفقهاء العدول، والعلماء الصلحاء، والمجاهدين الغيارى، والمؤمنين والمؤمنات أجمعين وفقهم
لمراضيك، وسدد خطاهم على طريقك، يا أكرم الأكرمين. اللهم انصرهم نصرا عزيزا مبينا ثابتا مبينا يا قوي يا عزيز.
أما بعد فهذه:
عودة إلى الخطاب الديني:
لا دين بلا خطاب ديني، فيوم لا خطاب للدين لا وجود له، والقضاء على هذا الخطاب قضاء على الدّين نفسه. وما استمر الدين إلا بالخطاب الديني.
وتزوير الخطاب الديني هو تزوير للدين بلا ريب. ومن ملك الخطاب الديني، وتصرّف فيه فقد ملك الدين وتصرّف فيه.
وضوابط لهذا الخطاب من خارج الدين تزوير ومسخ وإسقاط له. وهو بالتالي تزوير ومسخ وإسقاط للدين.
وخطاب غير الدين إذا أُخضع للضوابط الدينية صار دينياً، والسياسة التي تضع للخطاب الديني ضوابط تجعله خطابها لا خطابه رؤية ومستوى وهدفاً وتوجّهاً واهتماماً.
وعلى المجتمع أن يختار بين أن يقبل تحوُّل الخطاب الديني إلى وسيلة من وسائل السياسة الوضعية وأغراضها الماديّة النفعيّة فيفارق الدين، وبين أن يحتفظ بدينه فيرفض تسييس الخطاب الديني، وإخضاعه لهوى السياسات الدنيوية التي تتصادم مع مصلحة الدين.
وعلى المسجد أن يختار بين أن يبقى مسجداً لله فلا يأخذ إلا برأي الدِّين، ولا يقول إلا ما يرضي الله، أو يتحول إلى دائرة من دوائر الحكومات يعبّر عن رأيها، ويخضع لأمرها ونهيها، ويكون الخادم الأمين لمصلحتها، ويشاركها في خطئها وظلمها واستبداداها.
الصحفيون المستأجرون للجهات المعادية للدّين، والصحافة الفاجرة والفاسقة(27) المعربدة في أجواء الأمة، والتي تملأ مساحاتها الطاهرة تحرّف الدين، وتهزأ به، وتتعرّض لتجريحات ظالمة له، وتنال من قدسية مقدّسات الأمة، ومن كرامة علمائها الكبار وفقهائها العظام، وحتّى من تذعن لهم الأمة بالعصمة. وكل هذا التجرؤ والبذاءة والغثيان، والطفولة والجنون والعداء والإجرام يتوسع يومياً بحماية من القوانين السفهية الجائرة، وفتح باب الحرية أمام صحافة الهراء والهذيان بدفع من قوى الاستكبار العالمي ورغبة واحتضان حارٍّ من أنظمة كثيرة تحكم هذه الأمة بالحديد والنار، وتلاحق كلمة الحرية السياسية ومن يقولها في كلِّ زاوية بالموت والدمار.
الحكومات التي تملأ بلاد المسلمين بالخمر ولحم الخنزير وكل الموبقات ومراكز الدّعارة والمراقص المشتركة، وبرك المجون والفواحش المنكرة هي التي تُؤمِّنُ على الخطاب الديني، وتضع ضوابطه، وتحدد مساراته، وتتحكم فيه؟! ويل لدينٍ يقوم على حراسته هذا النوع من الحكومات، ثم ويل، ثم ويل.
وأقول لكل المشغولين بهمّ اللقمة والكسوة والمأوى ومن حقّهم ذلك، ولكنّهم يغفلون عن خطورة مسألة المسجد والخطاب الديني: بأن اللقمة المسلوبة، وما يصادر من المادة وحقوقها يعيده المسجد الحر، أما المسجد المصادَر فلا تعيده اللقمة الموفورة، وترف المادة.
المسجد وبخطابه الإسلامي الصادق غير المكبَّل، ولا مدفوع الثمن من الحكومات يعيد المسلوب من حقوق الناس كما أعادها في صدر الإسلام بما يوقظه من عقل، ويبثّه من وعي، ويدلّ عليه من هدى، ويدعو إليه من صلاح، ويثيره من إرادة، ويبنيه من عزم، وينكره من منكر، ويأمر به من معروف، ويعرِّفه لرواده من حقوق.
اللهم صل على محمد وآل محمد، واغفر لنا ولإخواننا المؤمنين والمؤمنات أجمعين، وتب علينا إنك أنت التواب الرحيم.
اللهم احملنا على عفوك ولا تحملنا على عدلك، ولا تعاقبنا بحبس نصرك، ولا تؤخّر علينا فرجك، ولا تحرمنا تأييدك، ولا تسلبنا شرف الانتصار لمنهجك، ولا تستبدل عنا من تنتصر به لدينك، وثبّت قلوبنا على ولايتك وولاية أوليائك يا أكرم الأكرمين، ويا أرحم الراحمين.
{إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاء ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ}

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 – كنز العمال ج3 ص 129.
2 – بحار الأنوار ج 71 ص 168.
3 – بحار الأنوار ج1 ص 223.
4 – 21/ النساء.
5 – كنز العمال ج 16 ص331.
6- بحار الأنوار ج100 ص253.
7 – دنس مادّي ودنس معنوي، والمنظور إليه هنا في الأكثر هو الدنس المعنوي.
8 – حياطته تعني المحافظة على عرضه، على ماله.
9 – حلاوة اللسان والقول الطيّب.
10 – بحار الأنوار ج 75 ص 237.
11 – الكافي ج5 ص 569.
12 – الكافي ج 5 ص567.
13 – هو إظهار الانسجام، إظهار الرضا، يفعل هذا حتى يجتلب موافقتها ومحبتها وهواها. يظهر لها أن هواه معها، ويظهر لها من محبتا ما يريحها، فتفعل معه نفس الموقف.
14 – بحار الأنوار ج 75 ص 237.
15 – ميزان الحكمة ج2 ص 1186.
16 – بحار الأنوار ج100 ص 251.
17 – وليس للنار باب ثامن.
18 – ميزان الحكمة ج2 ص1186.
19 – بحار الأنوار ج 101 ص132.
20 – الخصال ص620.
21 – وسائل الشيعة ج14 ص 123.
22 – ميزان الحكمة ج2 ص 1186.
23 – ميزان الحكمة ج2 ص1186.
24 – المصدر السابق.
25 – أي بسبب قدرته وكرمه.
26 – 6/ الروم.
27 – أتحدث عن نوع من الصحافة وليس كل الصحافة.

زر الذهاب إلى الأعلى