كلمة آية الله قاسم الى كشافة باربار – 15-5-2009م

كلمة لكشافة باربار

15-5-2009

 

أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الغوي الرجيم، بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، الصلاة والسلام على سيدنا محمد وآله الطيبين والطاهرين واللعن على أعدائهم إلى قيام يوم الدين.

 

يسرني أن ألتقي بكم في هذا المكان الشريف، وأن ألتقي بوجود هذا الجيل الجديد والنشء الطيب، أبناء هذه القرية الإيمانية المؤمنة، وأن أمامي لوجها تطفح بالأمل، وتثير كذلك الأمل، هذه وجوه عليها بشريات، ويؤمل فيها ومنها مستقبل واعد بخير كثير أن شاء الله، ولكم من بعد فضل الله تبارك وتعالى إسهام وجهد تشكرون عليه، أن تعدوا للأمة جيل صالحا. بعض كلمات قصيرة:

 

أولها:

أن الإسلام دين القوة، ولا يرضى لهذه الأمة إلا خلق القوة، ومسلك القوة،  جاء الإسلام أصلا ليخرج الناس من الظلمات إلى النور، وكل ضعف ظلمة، وكل قوة صالحة نور، والقوة في حد ذاتها شيء صالح، ولا تخسر صالحها إلا في ظل الأخلاقية المهترئة، والمستهدف للإسلام -ما يريده الإسلام- قوة عقل، وقوة روح، وقوة إرادة، وقوة بدن، وقوة استعداد لمواجهة الخارج، بمشكلاته وتحدياته وتقلباته، ولا يخرج المجتمع المسلم من عهدة التكليف الإلهي بأن يصلي ويصوم ويحج ويزكي فقط، المطلوب أن تكون هذه الأمة أقوى الأمم، وأقدر الأمم من أجل قوة الإيمان، حركة الإيمان، حاكمية الرأي الإيماني.

 

لا ترتفع راية عدل ولا راية حق، ولا راية إيمان في ظل خلق الضعف، فليكن المبدأ أقوى مبدأ في كل بنائه، الأرضي والفوقي، إلا أنه إذا كانت اليد التي ترفع شعاره، الأمة التي تحتضنه، الواقع الذي يعيشه ضعيفا ومنهكا، فإن هذا المبدأ لا يسود، ولقد وراء سيادة الإسلام نبي عظيم صلى الله عليه وآله وسلم، وناصر مضح مقدام وهو علي بن أبي طالب عليه السلام، ومال كان لخديجة قد وظفته توظيفا رساليا تحت رعاية رسول الله صلى الله عليه وآله، وكان أن ربي نفر رسالي على يد النبي الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم ليكن الساعد الضارب في صالح الرسالة.

 

كان وراء الإسلام، وانتصاراته الهائلة، وامتداده، وسعة أفق الرقعة التي حكمها، وقدرته على المقاومة طوال قرون، برغم كل التحديات، رسول عظيم صلى الله عليه وآله وسلم لا تهزم إرادته، ولا تلين شوكته، وكان وزير على رأي حصيف، وقوة فولاذية، وعزيمة شديدة، يرافق الرسول صلى الله عليه وآله على الطريق مهما اشتدت التكاليف وارتفعت الكلفة، وكان مال أخذ دوره الرسالي على يد الرسول صلى الله عليه وآله وسلم، وشارك في بناء أمة، تحول المال إلى عقل مفكر، في هذا المسلم وذاك المسلم، وإلى قلب نابض بالإيمان، وإلى روح شفافة، وعزيمة ثاقبة، ورسالية واعية عنيدة، وإصرار على الطريق، وقدرة على صنع الحدث الناجح.

 

المال حين يوظف رساليا يعطي كل هذا، والمال حين يهدر للشهوات يفسد، وتأسن به الحياة، وتخبث الأرواح، وتسد منافذ العقول على الأفق إلا محدود.

 

وكان رجال من صنع الرسالة والرسول صلى الله عليه وآله، صفتهم أنه أشداء على الكفار رحماء بينهم، فالخليفة وراء انتشار الإسلام وصموده، سموه في نفسه، وأصالته، وانتماءه إلى العزيز الحكيم، ومن بعد ذلك أسباب مجتمعة من أسباب القوة على الأرض، وهكذا تقوم المبادئ وتقاوم وتنتصر، الإسلام خلقه خلق القوة، وكما سبق قوة عقل، قوة روح، قوة بدن، قوة مواجهة لتحديات الخارج.

 

وإذا كانت الكشافة منطلق قوة، وبناء قوة في هذه الأبعاد أو بعضها، فإنها مطلب ضروري من المطالب الرسالية، “وأعدوا لهم من استطعتم من قوة” وهناك كلام قرآني عن البسطة في العلم والجسم، هناك كلام قرآني عن ذوي الأيدي والأبصار من رسول الله صلى الله عليه وآله، من أنبياء الله. الأبصار، العقول، الأفئدة، مرة تكون قوية، ومرة تكون ضعيفة، بينما هي دائما تحمل استعداد القوة، الأبدان بسطة في الجسم، بسطة في العالم، الأبدان بصورة إجمالية وفي الأغلب، وبحسب الأمور تحمل استعداد القوة، والتربية هي التي تضعفها حينا، وهي التي تدفع بها على طريق القوة حينا آخر. الإرادات، وجدت الإرادة، ووجدت معها استعداد الاشتداد، واشتداد الإرادة يحتاج إلى نوع خاص من التربية، وهناك تربية تئد الإرادة وتقتلها.

 

وبناء القوة في الخارج مطلوب دافعا عن الكيان المادي في الأمة والكيان المعنوي، وفي العلم قوة، وفي الرياضة قوة،  وفي التدريبات العسكرية التي تسأل عنها الدول اليوم قوة، وفي المال قوة، أسباب القوة كثيرة، ولكن القوة الخارجية دائما تحتاج إلى قوة من نوع خاص تضعها على الطريق، وإلا لم تكن ضعفا فقط، إنما هي وبال عظيم على أي أمة.

 

إذا لم تكن القوة الروحية قوة خلق، قوة تقوى، قوة ارتباط بالله، فإن القوة تكون بطاشة، وتكون للباطل، وتكون سيفا ومدفعا، وقنبلة فتاكة، وسلاحا بيولوجيا ضد إنسانية الإنسان، وضد مصلحة الإنسان، وضد سعادة الإنسان.

 

الكشافة لابد أن يكونوا أقوياء، ولكن لضمان أن تكون قوتهم لصالحهم، ولضمان أن تكون قوتهم لصالح هذه القرية والمجتمع والأمة والإسلام، لابد من تأسيس أخلاقي قويم متين، ولا يمكن لك أن تؤسس أساسا قويا أخلاقيا متينا مفصولا عن التقوى، مفصول عن حب الله، عن خوف الله، عن رجاء الله، عن الاستغناء بالله. فما دام العبد يستبد قوته من الناس فيما يتصوره وفيما يراه، يستمد عزته من الناس فيما يتوهمه، فيما يذهب به إليه الخيال، إذا كان العبد يرى نفسه في موقع الحاجة إلى الله واثق بهم، ثقة مفصولة عن الثقة بالله عز وجل، فإن لابد أن يكون الذليل، الضعيف، العبد الذي يشترى بالمال رخيص، لابد أن تفسد أخلاقه.

 

لا تشف الأخلاق ولا تطيب ولا تزكوا، إلا في ظل تقوى الله تبارك وتعالى، في ظل يقظة الفطرة، صفاء الفطرة، والفطرة نور يربطك بالله عز وجل، ويشدك إليه، ولا ترتاح في ظل يقظة الفطرة إلا أ، ترى نفسك مرعيا من الله، مكلؤ من الله، مدعوما من الله تبارك وتعالى.

 

فأعزائي المشرفون على الكشافة، أنتم أدرى بأن هذا المنطلق القوي لصناعة الشخصية القادرة على مواجهة الحياة والتغيير، والأخذ بالمجتمع إلى فضاءات جديدة من فضاءات العزة والكرامة والإيمان والقوة والإباء والشموخ. فقوة قوية على مستوى الفكر، وعلى مستوى البدن، وعلى مستوى الخارج، ولكنها قوة مأطرة بإطار الخلق النبوي الإسلامي القرآني الكريم، من دون ذلك لا نضمن أن تكون هذه القوة مفسدة لهذه القرية وللمجتمع ومشاركة كثيرا في إفساد الأمة.

 

تنبه بسيط:

الكشافة في مطروح هذا الفن فيما قد أفهمه من كلمة الأخ الكريم، تشمل الاهتمام بقضايا ثلاث:

  1. قضايا العلاقة بالله.
  2. نمو الذات.
  3. نمو الوطن.

 

الاهتمام بالذات ونمو الوطن مطلوبان، وعندنا واجب تجاه أنفسنا، واجب تجاه وطننا، واجب تجاه أمتنا، تجاه الإنسانية بكاملها، تجاه النبات، تجاه الحيوان، تجاه الجماد، تجاه الكون كله، ولكن كل الواجبات على تكثّرها إنما ترجع إلى واجب واحد، ولا تقابل ذلك الواجب، تتفرع عليه، وتأتي في طوله، ولا تقع في عرضه، وهو واجبنا تجاه الله تبارك وتعالى. ليس عند المسلم إيمان بأي واجب، إلا أ، يكون ذلك الواجب راجع إلى أمر الله تبارك وتعالى، وبمقدار ما أمر، وفي إطار ما أمر.

 

لو جئتني بمليون واجب، لقلت لك وأنت مسلم أن هذا المليون الواجب إذا كان ثابتا دينا فهو، وإلا فلا. عندك واجب واحد في الأصل، وهو واجب الخضوع لإرادة الله والامتثال لأمره. والله عز وجل يريد الخير لذات الإنسان، يريد الخير للأوطان، يريد الخير للأمم، يريد الخير للإنسانية كلها، ما خلق الخلق إلا ليرحمه، والعبد المؤمن سبيله أن يتخلق بأخلاق الله تبارك وتعالى، ومن أخلاق الله الرحمة والصنع الجميل.

زر الذهاب إلى الأعلى