خطبة الجمعة (369) 19جمادي الأولى 1430هـ – 15 مايو 2009مِ

مواضيع الخطبة:

*استضاءات من القرآن الكريم *تكفير المسلمين *خبر وتعليق *إنذار عام *المناهضة للتجنيس *الإصلاح والحوار

لو تواجهت مساجد المسلمين وجوامعهم في قضية التكفير بأن صارت كل طائفة تكفر الأخرى من خلال مساجدها ومحاريبها لاحترقت هذه الأمة في أيام، ولم يمهلها عصف الفتن عن الهلاك أكثر من ذلك.ِ

الخطبة الأولى

الحمد لله بديع السماوات والأرض، خالق الخلائق أجمعين بلا ظهير ولا معين، مدبّر الأمر كلِّه بلا مشير ولا وزير. يخلق بلا معالجة، ويدبّر بلا مكابدة، كلّ شيء طوعُ قدرته، ومنقادٌ إلى مشيئته، يقولُ للشيء كن فيكون، ولا يكون إلاّ ما يريد، ولا إرادةَ لأحدٍ إلا من إرادته.
أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلّى الله عليه وآله وسلّم تسليماً كثيراً كثيراً.
أوصيكم عباد الله ونفسي الغافلة بتقوى الله ربِّ السماوات والأرض وما فيهن وما بينهن من شيء، والذي لا يردّ مَنْ دونه قَدَرَه، ولا ينقض قضاءَه. ولتكن التقوى زادَنا من الدُّنيا فإنها خيرُ زادٍ ليوم المعاد.
ولنفرِّق بين عملين؛ عمل ننال منه لذّة في الدنيا لا تطول، وهو مستَتبع تعباً لا يزول، وعمل ينالنا منه تعب عابر ننساه، وهو مستتبع من الثواب المقيم العظيم ما غداً نلقاه، ولنقدِّمْ في كل أمورنا ما يقدّمه العقل والدين والمصلحة الكبرى؛ مصلحة يوم القيامة, على ما يدعو إليه هوى النفس ووسوسة الشيطان. نحن نقف بين أمرين في حياتنا؛ بين أمر يدعو إليه العقل والدين، ومصلحة المستقبل الأخروي، وبين عمل ينادينا هوىً به من داخل النفس، ويحثّنا في اتجاهه الشيطان، وعلينا أن نحسن الاختيار.
وتقول الكلمة عن أمير المؤمنين عليه السلام في النهج:”شتّان ما بين عملين: عمل تذهب لذّته وتبقى تبعته، وعمل تذهب مؤونته، ويبقى أجره”(1).
ونسأل الله الكريم الرَّحيم أن يوفّقنا لما هو خير، ويأخذَ بيدنا لما هو له رضا، ولنا صلاح.
اللهم صلِّ على محمد وآل محمد، واغفر لنا، ولوالدينا وأرحامنا ومن يهمّنا أمره، ولإخواننا المؤمنين والمؤمنات أجمعين، وتب علينا إنّك أنت التوّاب الرحيم.
استضاءات من القرآن الكريم

أما بعد فيقول عزَّ من قائل في كتابه المجيد:{فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ وَاشْكُرُواْ لِي وَلاَ تَكْفُرُونِ}(2).
في الآية الكريمة أمر للعبيد بذكر الرب، ووعد من الرب بذكر العبيد.
وذكر العبد ربّه ذكر تعظيم وحمد وتسبيح وتنزيه وإجلال وتقديس وتوحيد.
وذكر اعتماد وتوكّل وتعلّق وتملق وانقطاع واستمداد واسترفاد واستعطاء واستجداء وعوذ ولواذ واستجارة وفرار واحتماء به سبحانه وتعالى.
أما ذكر الربّ للعبد فذكر رحمة وعناية ولطف وحماية وعطاء ومدد وكفاية ووقاية وهداية، وغلق لأبواب الشر، وفتح لأبواب الخير، ودرأٍ للسوء، ودفع للبلاء، وتسديد وتوفيق وعصمة.
وذكر الله المتعال عامّ لكل شيء من خلقه، ورَفده شامل لكل كائن من إبداعه وصنعه، فلا وجود لشيء في أي لحظة إلا بفيضه، ولا خير لشي إلا من عطائه.
ويستوي في الذكر العام من آمن أو جحد، ومن شكر أو كفر، ومن ذكر أو أعرض.
أمّا ما يقابل ذكر العبد للرب من ذكر الرب للعبد فهو ذكر فوق ذلك الذكر، وعناية فوق تلك العناية، وهداية فوق تلك الهداية. إنه ذكر يكفي العبد ما أهمّه، ويؤمنه مما يخافه، ويحفظه من بين يديه، ومن خلفه وعن يمينه وشماله، ومن تحته ومن فوقه، ويُعلي شأنه، ويعزّ جانبه، ويحرس قلبه، ويصون شرفه، ويعصمه من السوء والزلل، ويأخذ به إلى الطريق، ويسلك به إلى الرضى، وينتهي به إلى الغاية، ويحقّق له السعادة.
وسواء كان الذكر من الربّ للعبد أو من العبد للربّ فهو لصلاح العبد(3) ونفعه وسعادته وتكميله، والأول واضح أمره إذ هو عناية ورعاية وإنقاذ وإمداد، وتسديدٌ وتصويب، ورفع مقام، وإعلاء شأن للعبد. أما الثاني فلأن ذكر العبد لربّه من شأنه أن يهذّب العبد ويؤدِّبه، ويعينه على نفسه، ويعالج عيوبه، ويعطيه الطمأنينة ويثبّته على الصراط. وليس لله عزّ وجلّ من ذكر العبد ما يقدّم له شيئاً فهو الغني المطلق، والكامل الذي لا يمكن أن يكون له مثيل(4)، ولا يحتاج أبداً إلى استكمال.
وكما أنّ على العبد أن يذكر عظمة الله وربوبيّته وجماله وجلاله وهيمنته وسلطانه وقدرته فإن عليه أن يشكر نعمه(5) التي لا وجود ولا حياة ولا خير للعبد إلا بها. أمران علينا ذكرهما: ذكر عظمة الله عزّ وجلّ وجلاله وجماله من جهة، وذكر نعمه وآلائه تبارك وتعالى {… وَاشْكُرُواْ لِي وَلاَ تَكْفُرُونِ} والشكر واجب دائم لأن موضوعه وهو إنعام الربّ على العبد دائم غير منقطع، وإن كان فقد نعمة يسيرة لوجه من وجوه الحكمة الثابتة قد يُنسي العبد كلَّ النعم وهي لا تُعدّ ولا تُحصى. حُمّى شديدة قد تُنسي أحدنا نعم الله التي لا تعدّ ولا تحصى عليه,، والإنسان دائما معرض للغفلة، معرض للنسيان، يستولي عليه ظرفه، ويوقعه في الغفلة عن آلاء ربّه الكريم الرَّحيم.
وكلّ من الذكر والشكر، وما يقابلهما من الغفلة عن الله عزّ وجلّ، وكفران النعم له مساحات ثلاث: مساحة المشاعر والخواطر ومحلها القلب، ومساحة الأقوال وهي من وظيفة اللسان، ومساحة العمل التي هي من وظيفة بقيّة الجوارح.
فكل من الذكر والغفلة، والشكر ونكران النعم يمكن أن يتوارد على المشاعر والأقوال والأفعال.
والقلب الذاكر الشاكر قلب ملؤه مشاعر التعظيم والتوقير والإجلال والتقديس لله عز وجل، ومشاعر الخوف والخشية من عدله وأخذه، والتقدير والامتنان لكريم ووافر نعمه. واللسان الذاكر الشاكر لسان جارٍ عليه الحمد والثناء والتسبيح والتهليل والتقديس والتنزيه لله سبحانه وتعداد النعم، وكلمات اللجأ، والاستغفار، والتوبة، والاستعانة.
وذكر الله تبارك وتعالى في مقام العمل بأن يكون العمل صالحاً مما يرضاه، خالصاً لوجهه الكريم، وأن لا تقتحم النفس محرّماً من محرَّمات الشريعة، ولا تقارب القبيح. وشكر النعم عملاً بوضعها في المواضع التي رضيها الله دون غيرها، وعدم الاستعانة بها على باطل، أو تضييعها وتعطيلها وهدرها والتفاخر بها على الخلق، والاستظهار بها على الحق، وإذلال أهله، ومحاربة المناصرين له.
والشكر واجبٌ أخلاقيّ يغنى بالشعور به ضَمير الإنسان ووجدانه الصادق الخالي من التشوّهات، وعمليات المسخ التي تفعلها الجاهليات في القلب والنفس.
والذاكر في الحقيقة هو القلب، الذي يعبّر عن ذكره وشكره بمشاعر التعظيم والتقديس والتنزيه، والشعور بالجميل والامتنان لله عزّ وجلّ، والتي تنبسِط على اللسان معبرة عن نفسها في صورة لفظ كريم، وعلى الجوارح الأخرى في صورة عمل وموقف قويم.
والنعم من الله عز وجل والتي تغمر حياة الناس نعم مادية ومعنوية، وكل منهما له شكره، ومن يلتفت من النّاس إلى ما أنعم به المنعم الأكبر على المخلوقين لا يلتفت في الأكثر إلاَّ إلى نعم المادة وما يلبي حاجات البدن، فهذا هو شأن الغالبية العظمى من نوع الإنسان، وتظل النعم المعنوية غائبة عن البال، مهملةَ الذكر في حياة هذه الأغلبية في حين أن آية {فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ وَاشْكُرُواْ لِي وَلاَ تَكْفُرُونِ} محفوفة بهاتين الآيتين: قبلها آية {كَمَا أَرْسَلْنَا فِيكُمْ رَسُولاً مِّنكُمْ يَتْلُو عَلَيْكُمْ آيَاتِنَا وَيُزَكِّيكُمْ وَيُعَلِّمُكُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُعَلِّمُكُم مَّا لَمْ تَكُونُواْ تَعْلَمُونَ} وبعدها آية {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اسْتَعِينُواْ بِالصَّبْرِ وَالصَّلاَةِ إِنَّ اللّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ}.
والآيتان المذكورتان تركز أولاهما على النعم المعنوية، والثانية على الاستفادة منها، والارتقاء بالذات عن طريقها.
ولا يستوي شاكر للنعم وكافر بها, فلكل عمل جزاء من جنسه. وهذا ما عليه قوله سبحانه في كتابه المجيد {وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِن شَكَرْتُمْ لأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِن كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ}(6).
فمَنْ طلب توالي النعم ودوامها في رضى من الله الكريم، وعافية، وحسن عاقبة بعيداً عن الإملاء المستدرِج للبلاء والعذاب فليدم على شكر المنعم، وليضع النعم في المواضع التي خُلقت لها، وأُعطيت للعبد من أجلها.
وما كان غيرَ ذلك فهو كفر بما أنعم به الله على العبد(7)، والكفر إنما يُستحق به العذاب الشديد.
اللهم صل وسلم على محمد وآل محمد، واغفر لنا ولإخواننا المؤمنين والمؤمنات أجمعين، وتب علينا إنك أنت التواب الرحيم.
اللهم ارزقنا ذكرك وشكرك، واجعلنا من أهل طاعتك وعبادتك، واكفنا الغفلة، ونكران النعمة، وزدنا من فضلك، وواتر علينا نعمك، وادفع عنّا نقمك، وأدخلنا جنّتك، وأنلنا رضوانك يا من هو على كلّ شيء قدير، وبالإجابة جدير.
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
{إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ، فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ، إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الْأَبْتَرُ}

الخطبة الثانية

الحمد لله الذي لا تضعف قدرته، ولا ينقضي سلطانه، ولا يضطرب ملكُه، ولا ينقلب عدله، ولا يُنقض أمانه، ولا تُؤمن عقوبته، ولا تحصى آلاؤه، ولا يُحدّ إحسانه.
أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلّى الله عليه وآله وزادهم تحية وبركة وسلاماً.
علينا عباد الله بتقوى الله القهَّار الجبَّار، الذي لا تخفى عليه الأسرار، ولا يملك أن يفلت من عقوبته الأشرار والفجّار، وهو العالم بما يجري في الليل والنهار. والسبيل إلى التقوى أن يعمر القلب بذكر الله، فمن ذكر الله اتّقى، ويلجأ العبد إليه، ويتوكل عليه، ويستعصمَ به.
اللهم صل على محمد وآل محمد، واغفر لنا ولإخواننا المؤمنين والمؤمنين والمؤمنات أجمعين، وتب علينا إنك أنت التواب الرحيم.
اللهم إنا عبيدك المحاويج إليك فارحم ذلّنا بين يديك، ومسكنتنا التي لا لجأ لنا منها إلا إليك، وأنقذنا من الذنب، وأخرجنا من السوء، وطهّرنا من الرجس، وارزقنا الحكمة، وخالص النيّة، وسداد الرأي، وصلاح العمل، واجعل ذلك كلّه في عافية منك يا كريم يا رحيم.
اللهم صل حبيبك وخاتم رسلك محمد الصادق الأمين، وعلى علي أمير المؤمنين وإمام المتقين، وعلى فاطمة الصديقة الطاهرة المعصومة، وعلى الهداة الميامين، أئمتك على عبادك، وأمنائك في بلادك: الحسن بن علي الزكي، والحسين بن علي الشهيد، وعلي بن الحسين زين العابدين، ومحمد بن علي الباقر، وجعفر بن محمد الصادق، وموسى بن جعفر الكاظم، وعلي بن موسى الرضا، ومحمد بن علي الجواد، وعلي بن محمد الهادي، والحسن بن علي العسكري، ومحمد بن الحسن المهدي المنتظر القائم.
اللهم صل على محمد وآل محمد، وعجل فرج ولي أمرك القائم المنتظر، وحفه بملائكتك المقرّبين، وأيده بروح القدس يارب العالمين.
عبدك وابن عبديك، الموالي له، الممهد لدولته، والفقهاء العدول، والعلماء الصلحاء، والمجاهدين الغيارى، والمؤمنين والمؤمنات أجمعين وفّقهم لمراضيك، وسدد خطاهم على طريقك، وانصرهم نصراً عزيزاً مبيناً مقيماً ثابتاً.
أما بعد فهذه بعض قضايا:
تكفير المسلمين:
الحكم بالإسلام، أو بالكفر من أخطر أحكام الدين، وهما حكمان موضوعهما واضح جدّاً في الكتاب والسنة، والحكم على أي أحد بالكفر من أكبر العدوان إذا تجاوز مقياس كتاب الله، وسنّة رسوله صلّى الله عليه وآله، وهو جاهلية، وفتنة كبرى.
أمّا أن يحكم أحد النّاس من موقع ديني رسمي كبير على ملايين المسلمين بالكفر على مسمع من العالم كلِّه فضلاً عن جميع المسلمين فهو فتحُ باب شرٍّ عظيم على الأمّة بكاملها، وإعلان حرب داخليّة بين أبنائها. وقى الله المسلمين ذلك وإباحة للدماء والأعراض والأموال التي حرّم الله، وصانتها شريعته. وفي ذلك أكبر خدمة للكفر المتربِّص بالإسلام والمسلمين.
وفي الوقت الذي ننكر بأشد درجات الإنكار على التعاطي مع الشتم والسبّ واللعن بين المسلمين صحابة كانوا أو غير صحابة، فإن التكفير للمسلم لجريمة أكبروأخطر. ولو كان التكفير من السهولة بحيث من سبّ مسلماً أو لعنه ظلماً حُكم بكفره لخرج من الإسلام خلق كثير من كل المذاهب وفي كل العصور، ولخرج عدد كبير من الصحابة أنفسهم عن الإسلام.
وعجباً أن يحكم ذوو المناصب الدينية الرسمية الكبيرة بقضية الكفر على ملايين المسلمين المصلّين الصائمين، الملتزمين بأصول الإسلام وفروعه ببرودة أعصاب حُكماً فاسداً في كلٍّ من كبراه وصغراه؛ فكبراه وهي أن من سبّ مسلماً فقد كفر، مخالفة لقواعد الإسلام وأحكامه الواضحة الضرورية، وأمّا من حيث صغراه وهو أنّ علماء الشيعة يسبّون، يشتمون، يلعنون، ويتعبّدون بسب الصحابة، فأنّى لصاحب الفتوى أن يتيقن بأن كل عالم شيعي شغله وتعبّده باللعن والسبّ والشتم لهذا أو ذاك من الصحابة الذين تولوا أمر الخلافة بعد رسول الله صلّى الله عليه وآله؟! أليس هذا من الرجم بالغيب؟! هذا العالم الشيعي في بيته ما أدرى هذا المفتي والمتفوّه بالباطل أنه يتعبد بشتم لهذا الخليفة أو ذاك حتى يعطي حكما كلّيا بكفر كل عالم شيعي؟! أهذا علم؟!
ولو تواجهت مساجد المسلمين وجوامعهم في قضية التكفير بأن صارت كل طائفة تكفر الأخرى من خلال مساجدها ومحاريبها لاحترقت هذه الأمة في أيام، ولم يمهلها عصف الفتن عن الهلاك أكثر من ذلك.
إنذار عام:
الضرب المبرّح المُدمي لجعفر كاظم إبراهيم، وبالطريقة التي حدثت له واختطافه وحوادث مشابهة قبل ذلك يعني تدشيناً لمرحلة مخيفة من الفوضى الأمنية التي تهدد المواطنين في هذا البلد… فاليوم خطف وضرب ورمي في الشارع، وغداً يرى النّاس جثثاً مبعثرة في الطرقات على حدّ ما في بغداد وغيرها من مدن العراق الجريح المظلوم، وإن اختلف نوع الفاعل.
رواية الداخلية للحادث هزيلة جدّاً لا تصمد أمام الرأي، فرجل في الأربعين تعترضه سيارتان يُضرب ضرباً مبرّحاً أولاً في منطقة مأهولة ويُقاد إلى مكان مجهول بعد عصب عينيه، ثم ينهال عليه المختطفون ثانية بالضرب حتى الإغماء، ثم يعاد ليُلقى به في المنطقة التي أخذ منها وكل ذلك من أجل سرقة هاتف؟ سرقة هاتف تحتاج إلى هذه المصيبة بكاملها؟! كلام لا يصدّقه الأطفال فضلاً عن البالغين الرُّشّد.
هذا والرجل لا يعرف له عدواً خاصّاً ولا يتهم أحداً من الناس العاديين كما هو تصريح الوزارة عنه.
الحادث كلامٌ من ابن عمِّ الكلام، يعني لغة غير مباشرة، ولغة مجازية عملية عدوانية من جنس لغة (إياك أعني واسمعي يا جارة)، وهي لغة لشعب بكامله.
والداخلية التي تجيد أن تضع يدها على كلّ من تدّعي أنه الفاعل في القضايا الأمنية التي تمس جانبها عوّدتنا أنها لا تجيد هذا الصنع في الحوادث التي تمس أمن المواطن العادي والتي قد تكرَّرت، فهل تعمل هذه المرة على كشف النِّقاب عن واقع ما جرى للرجل الأربعيني والجهة المسؤولة عن الحادث الذي استهدفه؟!، هل من لجنة تحقيق محايدة أو مشتركة من الجانب الحكومي والحقوقي الحرّ، والمؤسسات السياسية الأهلية لتقصّي الحقيقة؟ إذا كان ذلك فله دلالة، وإذا لم يكن فلعدم كونه دلالة، وهما دلالتان متباعدتان كثيراً ومن جنسين مختلفين، ولنرى ماذا ستفعله الداخلية.
المناهضة للتجنيس:
ملف التجنيس واحد من الملفات الأزمة التي تؤرّق هذا الشعب وتسحق مصالحه، والحملة الوطنية المناهضة للتجنيس جهدٌ يُبذل على طريق حل هذا الملف، فبمقدار اهتمام الشعب بقضية التجنيس، وإدراكه لخطرها، واحتراقه بنارها فإن عليه أن يعطي لهذه الحملة بمشاركته الفاعلة فيها ودوره المؤثر أقصى ما يمكن أن يكون لها من زخم وحضور في الساحة، وضغط في صالح التخلص من هذه الأزمة.
الإصلاح والحوار:
أصبح الإصلاح ضرورة سياسية وليس مطلباً شعبيّاً فقط، ضرورة سياسية لا بد منها، وكل يوم يتأخر فيه الإصلاح يترك انتكاسات خطيرة غير محسوبة على واقع الساحة.
وقد يكون الحوار مقدِّمة منتجة للإصلاح, ولكن قد يكون حوار ولا ينتج. فالحوار ليس مقدّمة منتجة حتماً.
وكل المشكلة في غياب الإصلاح المتوقف على الإرادة السياسيّة ممن يملكون القرار، وهذه الإرادة السياسية لا تتوقف على الحوار، وقد تتخلف عن الحوار المفعّل. وهذه قضية لها أكثر من شاهد عمليّ صارخ، وأن الحوار قد يكون، والنتيجة تأتي على مستوى الصفر.
ومصلحةُ البلد، وأمن البلد، وتقدّم البلد في انتظار الإصلاح لا أي نوع كان من الحوار ولو كان استهلاكيّاً، واستغلاليّاً، واستغفاليّاً، ولمسألة الإعلام والتهدئة الوقتية للخواطر، وتمرير الخطط.
ومهما كان فإن كل المناورات السياسية بلا إصلاح عمليّ صادق لن تجدي شيئاً في حل الأزمات القائمة بين الحكومات والشعوب. وإذا كانت هذه المناورات من أجل تأجيل الإصلاح إلى أطول مدى ممكن فإن هذا قد أصبح مكشوفاً لعيون الشعوب، مفضوحاً أمام فهمها.
اللهم صل وسلم وزد وبارك على حبيبك المصطفى وعلى آله الطيبين الطاهرين، واغفر لنا ولإخواننا المؤمنين والمؤمنات أجمعين، وتب علينا إنك أنت التواب الرحيم.
اللهم إنا نسألك خير ما نرجو وما لا نرجو، ونعوذ بك من شرّ ما نحذر، وما لا نحذر.
اللهم ارفع عنّا الضُّر، واكشف كربنا وهمّنا وغمَّنا، وانصر الإسلام وأهله، وأذِلَّ النفاق وأهله، والكفر والكافرين، ومكِّن للعدل في عبادك وبلادك، وأظهر الحقَّ على الباطل برحمتك يا رأحم الراحمين، يا عليّ يا قدير، يا من لا صعب عليه، وكل شيء في قدرته سهل يسير.
{إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاء ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ}

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 – نهج البلاغة ج4 ص28.
2 – 152/ البقرة.
3 – ذكرك ربّك ليس لنفع ربّك وإنما هو لنفعك.
4 – والكامل لا يُكمّل ولا يستكمل، الله عزّوجلّ غنيّ بذاته، وليس فوق غناه غنى، ولا فوق علمه علم حتى يكسب مزيد غنى أو مزيد علم أو مزيد كمال، ولا شيء يمكن أن ينقص من الله عزّ وجل شيئاً من كماله، فليس في الله سبحانه وتعالى نقص يرفع وليس فوق كماله كمال يطلب.
5 – ماذا يعني ذكر العبد للرب؟ أن أذكر لفظ الله؟! لا وإنما أن أذكر عظمة الله، بطش الله، أخذ الله، قدرة الله، سلطان الله، هيمنة الله، عطاء الله، كرم الله، جود الله.
6 – 7/ إبراهيم.
7 – استعمالنا للنعمة في غير ما أمر الله به كفر للنعمة، وتعطيل النعمة كفر بها كذلك؛ مواهبك، طاقاتك، فرصك، حين تعطّلها عن التفعيل فهذا لون من كفر النعمة.

زر الذهاب إلى الأعلى