خطبة الجمعة (355) 10 صفر 1430هـ – 6 فبراير 2009م

مواضيع الخطبة:

* متابعة لموضوع صلة الرحم * مسيرة التجنيس * أحكام الأسرة * وظيفة المسجد* الاتهام والسجن * عشرة الفجر

نؤكد أن الجميع من أبناء الشعب والحكومة رابح في الوضع الأمني المستقر القائم على العدل والإنصاف والمساواة والمسؤوليات والحقوق المشتركة والمتبادلة، والحرص من الجميع على الأمن والسلام، وأن الجميع خاسر في الوضع الأمني المضطرب فضلا عن الهائج، وهو أمر لا انفكاك بينه وبين سياسة الظلم والتفرقة والاستهداف السيء.

الخطبة الأولى

الحمد لله الخالق الذي لا نظير له، الأحد الذي لا ندَّ له، الواحد الذي لا ضدَّ له، الصمد الذي لا كفؤ له. لا شيء إلا ويحتاج إليه، ولا حاجة له إلى غيره، وكلّ من عداه يموت وهو حيّ لا يموت، وكيف يموت من بيده أمر الحياة والموت، وهو حقّ الوجود وحقّ الحياة، ولا قدرة لشيء إلا من قدرته؟!
أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وآله وسلم تسليماً كثيراً كثيراً.
أوصيكم عباد الله ونفسي الأمَّارة بالسوء بتقوى الله الذي لا يدفع أمره دافع، ولا يقي من قدره واق، ولا سبيل لخير إلا من عنده وبرضاه. ومن أراد خُلُقاً كريماً فعليه بالتقوى فإنها رئيس الأخلاق كما في الكلمة عن علي عليه السلام التي تقول:”اَلتَّقْوى رَئِيسُ الأخْلاق”(1) فهي منبع الخلق الكريم وأساسه، وحارسه، وبالتقوى تحسن السيرة، ويجمل الذكر، وتطهر الحياة، وتزكو النفس، ويعالج ضعفها، وتطيب العاقبة لصاحبها. وكلما رسخت التقوى في النفس قربت من طاعة الله، ونهضت بواجبها، وكلما افتقرت منها وجدت أمر الطاعة عسيراً عليها، مستثقلاً عندها، وهفت إلى القبائح، ومرديات الهوى، والمعاصي الساقطة، ومنزلقات الرذيلة.
اللهم صل وسلم وزد وبارك على حبيبك المصطفى محمد بن عبدالله خاتم النبيين والمرسلين وعلى آله الطيبين الطاهرين، وتب علينا إنك أنت التواب الرحيم.
اللهم زيّن في قلوبنا طاعتك، وقبّح عندها معصيتك، وارزقنا هداك، وتقواك، وتوفيقك، وأنقذنا من ضعف النفس ووسوستها، ومن كيد الشيطان الرجيم وجنده الغاوين من الإنس والجنّ أجمعين برحمتك يا أرحم الراحمين.
أما بعد فهذه متابعة للحديث في صلة الرَّحم:
“عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: قال أبو ذر رضي الله عنه: سمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله) يقول: حافّة الصراط يوم القيامة الرّحم والأمانة، فإذا مرّ الوصول للرّحم، المؤدّي إلى الأمانة نفذ إلى الجنة وإذا مرّ الخائن للأمانة، القطوع للرّحم لم ينفعه معهما عمل وتكفّأ به الصراط في النّار”(2).
القاطع لرحمه، الخائن لأمانته يكون على إحدى الحافّتين من الصراط؛ على هذه الحافة، أو على تلك الحافة، فينقلب به الصراط إلى النّار، ولا تثبت قدمه عليه. فما أعظم الخطورة عند من تأمّل أمر الآخرة وما تعني الإنذارات المتعلّقة بها.
“قال أبو عبد الله (عليه السلام): صلة الرحم وحسن الجوار يعمران الديار ويزيدان في الأعمار”(3).
عوائل قد تنهدم، أسر قد تتضعضع وتتلاشى لما بينها من قطيعة الرحم، وصلة ووثاقة الرحم على المستوى العملي عند أبناء الأسرة تمدّ في الأعمار، وتعمر الديار بخير دنيا، وخير آخرة.
“عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): إنّ القوم ليكونون فجرة ولا يكونون بررة، فيصلون أرحامهم فتُنمى أموالهم وتطول أعمارهم، فكيف إذا كانوا أبرارا بررة”(4).
حتّى مع الفجور، والفسوق صلة الرحم لها أثرها الموضوعي الهائل على مستوى هذه الحياة الدنيا، فلا يمنع فسوق الفاسق، وفجور الفاجر من إعطاء صلة الرحم نتائجها الموضوعية الخارجية من نموّ الأموال، وطول الأعمار.
أما إذا انضاف إلى ذلك التقوى والتزام الدين الحقّ في المساحة الواسعة من حياة المرء، فإنَّ آثار الخير تتضاعف، وتتضاعف ودلالة الحديث على هذا واضحة “فكيف إذا كانوا أبرارا بررة”. نعم صلة الرحم في ظلّ الإيمان والتقوى تكون من النور على النور، وتنضاف إلى آثارها آثار التقوى والإيمان الكثيرة الجليلة الطيّبة الهانئة.
في الحديث قال:”قلت لأبي عبدالله (عليه السلام):{الَّذِينَ يَصِلُونَ مَا أَمَرَ اللّهُ بِهِ أَن يُوصَلَ} (5)؟ قال نزلت في رحم آل محمد عليه وآله السلام وقد تكون في قرابتك. ثم قال: فلا تكونن ممن يقول للشيء: إنّه في شيء واحد”(6).
فالمصداق الخارجي الذي نزلت فيه الآية كما في هذا الخبر هم محمد وآل محمد عليهم السلام، فهم المصداق الأجلى والأوضح والأكمل من مصاديق الرحم لما قرابة الإيمان والهداية ورابطة استكمال الناس بهداية محمد وآل محمد، لإنسانيَّتهم، وإيمانهم من شرف أرفع من كلّ الماديات، ولما لهذه الصلة من تفوّق على كلّ الصلات.
ولكن الآية ليست محصورة في هذا المصداق الأجلى وإنما تمتد إلى مصاديق كثيرة تنتشر بانتشار القرابة المعروفة من المكلّف كما سبق ذكره.
ثم يقول الإمام عليه السلام:”فلا تكونن ممن يقول للشيء إنّه في شيء واحد” هذه كلّية، وحصرك هذه الكلية في مصداقها الأجلى ليس بالصحيح، وإنما تنبسط على كل ما دخل من المصاديق تحت عمومها.
في حديث آخر:” قال لي أبو عبدالله (عليه السلام):”إنّي أُحب أن يعلم الله أنّي قد أذللت رقبتي في رحمي وأنّي لأبادر أهل بيتي، أصلهم قبل أن يستغنوا عنّي”(7).
الصادق عليه السلام وهو الإمام يحبّ أن يعلم الله منه أنه أن قد وقف موقف التذلّل، والتنازل، والتخضّع أمام رحمٍ إذا كان في ذلك صلة يرضاها الله سبحانه. إذا توقفت صلة الرحم على هذا بما لا يخدش من دينه فهو شيء مما يتمنّاه عليه السلام.
وكلمة تحدث بين الأخ وأخيه منَّا قد تمنع الكلام بينهما والتعاطف إلى أمد طويل.
“وأنّي لأبادر أهل بيتي أصلهم قبل أن يستغنوا عنّي” يعتبرها فرصة كريمة جدا أن يُتاح له صلة رحم محتاج قبل أن يستغني عن صلته.
هذا حديث آخر:”قلت لأبي عبدالله (عليه السلام): تكون لي القرابة على غير أمري(8)، ألهم عليّ حقّ؟ قال: نعم. حقّ الرحم لا يقطعه شيء وإذا كانوا على أمرك كان لهم حقّان: حقّ الرحم، وحقّ الإسلام”(9). فلا خلط.
هناك حقّ الإسلام وهو مستقل يشمل الرحم وغير الرحم، وهناك حقّ الرحم وهو مستقلّ أيضاً وقائم بذاته ويشمل المسلم وغير المسلم مادامت صلة الرحم لم تخرج عن طاعة الله تبارك وتعالى.
عن إسحاق بن عمار قال: سمعت أبا عبدالله (عليه السلام) يقول: إنّ صلة الرحم والبرّ ليهوّنان الحساب ويعصمان من الذنوب، فصلوا أرحامكم وبرّوا بإخوانكم ولو بحسن السلام، وردّ الجواب”(10).
فلصلة الرحم آثار موضوعية في الصحة والسلامة وطول العمر، ولها هذا الأثر وهي التقريب من الله سبحانه وتعالى، ورفع المستوى النفسي بحيث تميل النفس إلى الطاعة، والأثر الثالث هو تهوين الحساب يوم القيامة.
عن عبد الصمد بن بشير قال:”قال أبو عبد الله (عليه السلام): صلة الرحم تهوّن الحساب يوم القيامة وهي منسأة في العمر وتقي مصارع السوء، وصدقة الليل تطفئ غضب الرب”(11).
هذا أثر آخر وهو وقاية مصارع السوء، ومصارع السوء كناية عن الوقوع في البلايا العظيمة الفاضحة الفادحة.
وليس المعنى الوحيد لمصرع السوء أن يكون موت الشخص حريقاً مثلاً، وقد لا يكون هذا مصرع سوء مطلقاً. أن يموت على فضيحة، أن يحيى على فضيحة، يصاب بنكبة في شرفه تجعله الذليل بعد العزّ، والوضيع بعد الشّرف، مصرع من أكبر مصارع السوء، أعاذنا الله من ذلك.
ثمّ إنّ الكثير منا يعرف أن الهدايا والهبات والزيارات وما هو نفع من نفع الدنيا، وتكريم من تكريمها، أو عون على أمرها أمثلة من صلة الرحم، ولكن قد يفوت البعض أن من أروع الطرق وأساليب هذه الصلة العمل على هداية القريب، وتصحيح سيرته، وتكميل ذاته، وتخليصه من عيوبه المعنوية، وتقريبه إلى طاعة الله، وتجنيبه معصيته، في حين أن هذا هو الأبقى، والأنفع له، وما فيه أكبر سعادته. وإنّه ليَحسُنُ يحسن أن تكون وسائل البر الماديّة مسهِّلة لفتح طريق البر المعنوي الذي هو أهم، وتثبيت اليقين، وتصحيح الدين عند الرّحم والجار والصديق ممن يجد المرء أن يفعل لهم شيئاً من ذلك.
تغدق عليه الأموال والهدايا من كل نوع وهو على ضلاله من دون أن تتحرك في اتجاه إنقاذه؟! إنه من البر الأدنى، والبر الأكبر أن تعمل على تخليصه مِمَّا ما هو فيه من ضلال، وتنتشله من واقعه المعنوي الرديء.
اللهم صل على محمد وآل محمد، واغفر لنا ولإخواننا المؤمنين والمؤمنات أجمعين، وتب علينا إنك أنت التواب الرحيم.
اللهم خلّصنا من سُقم العقول والقلوب والنفوس والأبدان، وسلّم لنا ديننا ودنيانا، وأسعدنا في الدنيا والآخرة يا جواد يا كريم، يا أرحم من كلّ رحيم.
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
{إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ، فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ، إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الْأَبْتَرُ}

الخطبة الثانية

الحمد لله الذي لا يحول بينه وبين ما يريد مانع، ولا يمتنع من قَدَره ممتنع، ولا يهرب من سلطانه هارب، ولا يستجار منه بمجير. كل جبّار ذليل أمام عظمته، وكلّ قهّار مأسور لقدرته، وكل ذي سلطان محكوم لسلطانه، خائف من أخذه وبطشه، وقضاء عدله.
أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمد عبده ورسوله صلّى الله عليه وآله وزادهم تحية وبركة وسلاماً.
عباد الله ألا فلنتّق الله، فمن لم يتّقه تعرّض لسخطه، ومن تعرّض لسخطه لم يكن له منقذ من بعده، وكان له الخزي والنّار وبئس العذاب. ومن يزهد التقوى فليس له عقل ولا حكمة. فهل التقوى إلا رفعة، وسمو، ومعراج كمال، وهل هي إلا قوّة، وأخذ بالحظّ الأوفر، وبما هو أبقى من هذه الحياة؟! ولمن الاتجاه إذا لم يكن لله؟ وبم التعلق إذا لم يكن بعروة دينه ورحمته؟! وهل من بعد الله ورحمته من موئل يرجى، وكاف للعبيد ممن خلق سبحانه؟!
اللهم صل وسلم على محمد وآل محمد، واغفر لنا ولإخواننا المؤمنين والمؤمنات أجمعين، وتب علينا إنك أنت التواب الرحيم.
اللهم لا تجعل لنا زيغاً عن هدى، ولا ميلاً إلى ضلال، ولا فتورا في طاعة، ولا نشاطا في معصية، ولا كرها لحقّ، ولا رغبة في باطل، وألزمنا طريق تقواك، ولا تعدل بنا عنها أبداً يا روؤف يا رحيم يا كريم.
اللهم صلّ وسلّم وزد وبارك على حبيبك المصطفى محمد بن عبد الله خاتم النبيين والمرسلين، الصادقين الأمين، وعلى علي أمير المؤمنين وإمام المتقين، وعلى فاطمة الزهراء الصديقة الطاهرة المعصومة.
وعلى الأئمة الهادين المعصومين، حججك على عبادك، وأنوارك في بلادك: الحسن بن علي الزكي، والحسين بن علي الشهيد، وعلي بن الحسين زين العابدين، ومحمد بن علي الباقر، وجعفر بن محمد الصادق، وموسى بن جعفر الكاظم، وعلي بن موسى الرضا، ومحمد بن علي الجواد، وعلي بن محمد الهادي، والحسن بن علي العسكري، ومحمد بن الحسن المهدي المنتظر القائم.
اللهم صل على محمد وآل محمد، وعجّل فرج ولي أمرك القائم المنتظر، وحفه بملائكتك المقربين، وأيده بروح القدس يارب العالمين.
عبدك وابن عبديك، الموالي له، الممهد لدولته، والفقهاء العدول، والعلماء الصلحاء، والمجاهدين الغيارى، والمؤمنين والمؤمنات أجمعين وفقهم لمراضيك، وسدد خطاهم على طريقك، وانصرهم نصراً عزيزاً كريماً مبيناً ثابتاً مقيماً.
أما بعد فهذه بعض كلمات:
مسيرة التجنيس:
1. عبّر الشعب عن رأيه بقناعة تامّة ذاتيّة وبوعي وإصرار وإيمان عن شعوره الحادّ، ورؤيته الواضحة للخطورة البالغة للتجنيس القائم على قدم وساق خارج أي قانون عادل، وأي مصلحة للوطن، ولما وضح من أمره السيء ونتائجه المقلقة المرعبة المربكة المؤذية.
2. وهو تعبير لا خدشة فيه لا دينياً ولا أخلاقيّاً ولا أمنيّاً ولا قانونيّاً ولا حضاريّاً؛ فما النتيجة؟! هل ستبقى كل نداءات الشعب وصرخاته في هذا الموضوع وغيره وكلّ أساليبه الحضارية ومطالباته الجادّة لا يُسمع إليها أمام رغبة الأهداف السياسية المسبّقة المضادّة لمصالحه، المنتقصة من حقوق المواطنة الثابتة له؟
3. على الحكومة أن لا تُيئِّس من جدوى كل المطالبات للشعب لتدفع بالوطن إلى مواجهات مجنونة لا تسرّ مخلصا نتائجها المدمّرة.
والحكومة أمام اختبار بعد مسيرة التجنيس ومستواها الحضاري في صدق التعامل مع قضايا الشعب ومطالباته، ودعاواها باحترامه، وتقدير مصلحته وصوته، والتزامه الأسلوب القانوني الحضاريّ في التعبير عن رأيه، وإيصال قناعاته ومطالبه. لقد جعلت المسيرة الحكومة على المحكّ العملي الذي يكشف عن صدق أو زيف هذه الدعاوى، كل تلك الدعاوى العريضة التي تطلقها كل يوم.
أحكام الأسرة:
لقد بذل المؤمنون كثيراً، وكان لنيابي الوفاق في الآونة الأخيرة دور كبير ملحوظ، وتحرّك الجميع بجدٍّ وفي مقدمّتهم عديد من الإخوة العلماء وطلاب العلوم الدينية على طريق حفظ أحكام الأسرة من التغريب، وبقائها في دائرة أحكام الشريعة الإسلامية المطهّرة مما حال بإذن الله وتفضّله من تقديم القانون المضاد إلى المجلس النيابي لمدة طويلة من الزمن ثمّ أدّى إلى استرداده من جانب الحكومة بعد تقديمه.
ولا يطالب أحدنا الآخر في هذا المجال بالشكر فإنه الواجب الديني الذي يقع على عاتق الجميع، ولابد من أدائه، وعلينا جميعاً أن نشكر الله تبارك وتعالى لما وفّق من موقف رسالي ونتيجة فيها خير الإسلام والمسلم.
والمقام ليس مقام فخر ولا تسجيل انتصار على أحد، وإنما هو مقام الشعور بالمنَّة والجميل أمام توفيق الله وتيسيره وتأييده وتفضّله.
ولسنا في مسابقات صراعية مع أي طرف من أجل أن نسجّل مواقف انتصار. وإنما كل المراد هو أن يعيش هذا الوطن في ظلّ إسلامه، وفي ظل العدالة والإخوة الإيمانية والإنسانية، وأن يكون على مسار التقدم والازدهار.
والمنطلق في هذه القضية وأي قضية أخرى من قضايا الاعتراض على بعض السياسات الحكومية، والمطالبة بالحقوق لا ينطلق عند المؤمنين إلا من قضية الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وأهدافهما الإلهية الصافية بعيدا عن العصبيات الأرضية، وألم هزيمتها، ونشوة ما قد تراه من انتصار. فكل ذلك إلى باطل، والحق الذي لا يموت ولا ينقضي والذي فيه استقامة الجميع، ومصلحة الجميع ونجاتهم أن يعزّ دين الله، وينتصر، وننتصر به جميعا على إرادتنا الأرضية التي كثيرا ما تنهزم للهوى، وتؤدّي إلى الخسار.
وظيفة المسجد:
أكرر أن المساجد لله، وإنما يقرر وظائفها دينه وشريعته، لا السياسات الوقتية، ولا القرارات الوزارية. وهذا ما عليه جميع أهل القبلة ممن يفهمون الدين، ويؤمنون به، ويحترمونه. أمَّا من اتخذ دينه هزواً فقد يذهب في المسألة مذهباً آخر.
وعليه إنما يكون الاحتكام عند المسلم في وظيفة المساجد للشريعة وأحكامها ومقرّراتها لا إلى شيء آخر.
والكلام في وظيفة المسجد كلامُ فقه، واستدلال فقهي، وأحكام إلهية جليَّة يقينيّة، وليس كلام قرارات وزارية وإدارية، تشرّق إذا غرّب الحكم الشرعي، وتغرّب إذا شرّق، وتفرض نفسها عليه، وتتجاوز حرمته، وتختطّ لها هدفا غير هدفه.
والكلام مع أئمة المساجد هو كلام مع أهل وظيفة دينية ضبطت الأحكام الشرعيَّة حدودها وكل آدابها وأخلاقها، وما هو واجبها وحرامها ومستحبها ومكروهها وجائزها، وليس كلاماً مع موظفين رسميين من موظفي الحكومات لترسم وظائفهم كما تشتهي، وتفرض عليهم شروطها السياسية المطلوبة لها، وتفصلهم متى شاءت، ويتقاضوا منها أجرهم، ويسترضوا سياستها ورغائبها إبقاءً على الوظيفة والأجر.
هكذا نفهم الدين، وهذه المسألة الدينية، وليس لدينا فهم آخر لهما على الإطلاق.
وعليه إذا شكّ إمام الجماعة في وظيفته في المسجد وما حدودها فإنما عليه أن يراجع شريعة الله لا مصدراً آخر من حكومة أو مصلين أو غيرهم.
وإذا كانت المسألة مسألة شرعية فقهية فأئمة الجماعة لا يجدون في وزارة العدل صاحبة القرار بشأن ضوابط الخطاب الديني مصدرا للفتيا، ولا في الأخذ بفتوى الوزارة معذّراً لهم بين يدي الله يوم القيامة والحساب.
إذا أخذت بقرار الوزارة فاستوقفني حساب الله يوم القيامة، ماذا أقول؟ أقول عدلت عن شريعتك إلى قرار وزير العدل؟! أينجيني هذا من عذاب الله؟!
الاتهام والسجن:
1. اتّهمْ واسجن، وجرّد المتَّهم من أول لحظة وقبل سجنه، وفي سجنه من حقوقه الدينية والقانونية والوطنية، واضربه أمام أهله، وعذّبه في الزنزانات المظلمة، وتحصّل منه على الاعترافات التي تريد تحت وطأة العذاب والإكراه ليلاً ونهاراً، ثم قدّمه للمحاكمة العادلة بهذه المقدّمات التي تمثل قمة العدالة.
هذا الأسلوب إذا ساد فنحن في غابة، ولسنا في دولة القانون.
2. لا عقل ولا دين، ولا عرف، ولا قانون يحوّل المتّهم بمجرد أن يُتّخذ متهماً من أي جهة من الجهات إلى آلة صمّاء أو حيوان رخيص هابط يحقّ لا في لغة الدين والعقل والعرف الإنساني بل في لغة الغاب أن تُستباح حرماته، ويُتصرف فيه التصرف المطلق بلا قيد من دين أو عقل أو عرف أو قانون.
ما الذي استرخص هذا المخلوق الكريم في لحظة واحدة؟ أن اتهمته؟! بمجرد اتهامك له تأتي الأحكام القاسية الخارجة عن كلّ دين وعرف منهالة عليه؟!
وصور الركل والضرب والسحب، والامتهانُ، وسحق الكرامة أمر يشهده الناس في حالات المداهمات للبيوت(12)، والقبض على المطلوبين فضلا عما يجري من فظاعات في أجواء السجون المغلقة التي يشهد آثارها الأهالي والمحامون والأطبّاء حتى بعد مدّة طويلة من وجبات التحقيق التي تقوم على هذه الركيزة.
3. هذه الأساليب من التعامل مع شكاوى الشعوب واحتجاجاتها قادت بلداناً كثيرة قوية، وذات حكومات فولاذية إلى كوارث وطنية مروِّعة، ولم تكسر إرادة الشعوب، وزادت في حدّة الصراع، وأعطته امتدادات جديدة، ووسّعت من رقعته، وزادت من سقفه وكوارثه وويلاته.
4. أي حكومة لا تعي أن حاجتها لشعبها ليست آنية، وأنها لا تستطيع أن تحكم إلى الأخير في ظلّ مفارقة واسعة وعميقة ومستمرة في التوجه والهدف والمصلحة والأمن بينها وبين شعبها فهي مخطئة كل الخطأ في التصور، وما هذا إلا من الغرق في الوهم.
والتعويل دائماً على نسيان الشعوب وإن قست المحنة، وطال زمنها بقليل من الترضيات بعد طول الألم والعذاب ليس في مكانه. وإذا كانت الشعوب بالأمس وما أظنّها يمكن أن تنسى فإن الشعوب اليوم في ظلّ اليقظة العامة من الصعب عليها أن تنسى إذا طال العذاب، فلا يطولن العذاب، ولا يطولن الفراق، والتدارك أسلم للجميع.
5. على المستوى المحليّ بقاء الأستاذ المشيمع، والشيخ المقداد في السجن، والعدد المتصاعد من شباب هذا الوطن ليس الطريق السالك إلى التهدئة. إنّه طريق معاكس يقيناً ولو كانت التهدئة عند الآخر مطلوبة ولو بالقوّة، فإنّ إعمال القوة وبهذه الصورة من المستحيل في أجواء العالم الحاضرة، وفي ظل ما صار إليه وعي الناس وإرادة الناس من المستحيل ينجح في إسكات الشعوب. فلتطلب الحكومة الخير لهذا البلد إن كانت حريصة عليه لا من هذا الطريق الخاطئ. طريقُ التهدئة الإصلاح والحوار الذي يأخذ بالجميع إلى التوافق.
6. المشاهَد أن الاتهامات الموجّهة من الجهة الرسمية إلى مواطنين بالتآمر والتنظيم التخريبي لا تحظى بالثقة المطلوبة، وذلك لأمور:
1) كثرة هذه الاتهامات.
2) الثغرات الكثيرة في الإخراج.
3) اعتماد أسلوب التعذيب في تحصيل الاعترافات.
4) التعميمات الكلية لبعض الاتهامات كأن يُقال من البعض المقرّب رسميّاً جدّاً بأنّ طائفة بكاملها صهاينة ومتآمرون وما إلى ذلك.
إذا كان كلّ واحد من هؤلاء متّهماً وهو يعلم زيف التّهمة وكذبها، فكيف يملك أن يصدّق التهمة في الآخر؟
7. نؤكد أن الجميع من أبناء الشعب والحكومة رابح في الوضع الأمني المستقر القائم على العدل والإنصاف والمساواة والمسؤوليات والحقوق المشتركة والمتبادلة، والحرص من الجميع على الأمن والسلام، وأن الجميع خاسر في الوضع الأمني المضطرب فضلا عن الهائج، وهو أمر لا انفكاك بينه وبين سياسة الظلم والتفرقة والاستهداف السيء.
عشرة الفجر:
إنّه لا نور إلا نور الله، ولا هدى إلا هداه، ولا خير إلا خيره، ولا طريق إلا شيء من ذلك إلا بالسلوك إليه، والاسترفاد منه. وما لعشرة الفجر والثورة والدولة في إيران من نور الفجر وهداه، وأنسه وبشراه، ويقظته وحيويته وانفتاحه وانطلاقته، وجماله وروعته إنما هو بمقدار ما التحمت وتلتحم، واهتدت وتهتدي، وأخلصت وتخلص الثورة والدولة للإسلام، وتجدّان على طريقه.
ولما كان لهما نصيب كبير من ذلك ولا زال فإن لهما من نور الفجر وكل عطاءاته الكريمة ما هو كثير كذلك.
وفجر تتحدث عنه الثورة والدولة وإن كانت بدايةُ مطلعه في إيران إلاَّ أن الدنيا كلها كان لها من فيضه نصيب، وقد أخذ كل بلد من هداه بمقدر ما يطيق.
وقد كان للإسلام في الثورة والدولة نصر ظافر، وحجة وبرهان ساطعان، وقد انتصر الإسلام فيهما رغم كل المعوّقات والتحديات والصعوبات الثقيلة، وما كانت عوامل النصر الموضوعية تعدل مُقابلاتها. صحيح كانت هناك عوامل نصر، لكن ما كانت تعدل مقابلاتها من عوامل الهزيمة الموضوعية، فضلا عن أن تربو عليها ليحصل كل الذي حصل، ويكون النصر الحاسم؛ هذا برغم تميّز القائد، وصلابة عدد من الرجال، وميراث إسلامي كريم في قلوب قاعدة جماهيرية عريضة.
التميّز، والصلابة، والميراث، وغير ذلك كان معها دور فاعل لقوله عزّ وجلّ:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ}(13)، وقوله الآخر:{وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَـكِنَّ اللّهَ رَمَى}(14) وإلا فالعوامل المقابلة كانت مزلزلة وفوق المقدور في حسابات الأرضيين.
والآيتان وأمثالهما فاعليتهما ليست خاصة بزمن ولا بمكان وهي تعطي النصر دائما مع استفراغ الوسع، وانضباط السَّير على طريق دين الله وشريعته، ومع الإخلاص لوجهه الكريم.
اللهم صلّ على محمد وآل محمد، واغفر لنا ولإخواننا المؤمنين والمؤمنات أجمعين، وتب علينا إنك أنت التواب الرحيم.
ربّنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا، وثبّتنا على الحقّ ما أحييتنا، وأعزّنا ولا تذلّنا، وانصرنا ولا تخذلنا، واحمنا وادرأ عنّا، واجعل لنا الغلبة على من عاداك من الإنس والجنّ من الكفّار والمنافقين والظالمين أجمعين.
{إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاء ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ}

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 – هداية العلم في تنظيم غرر الحكم ص645.
2 – الكافي ج2 ص152.
3 – المصدر السابق.
4 – المصدر السابق ص155.
5 – 21/ الرعد.
6 – الكافي ج2 ص156.
7 – المصدر السابق.
8 – تعني على غير أمري في الدين، كأن يكون الرحم نصرانيّاً أو يهوديّاً.
9 – المصدر السابق ص157.
10 – المصدر السابق.
11 – المصدر السباق.
12 – والناقل ليس واحداً ولا عشرة، ولا مائة، وهو نقل متكرّر، أنا لم أقف بشكل مباشر على مثل هذه الأمور، ولكن النقل واصل إلى حدّ التواتر الذي لا يدع شكّاً للنفس أن هذا أمر واقع.
13 – 7/ محمد.
14 – 17/ الأنفال.

زر الذهاب إلى الأعلى