خطبة الجمعة (356) 17 صفر 1430هـ – 13 فبراير 2009م

مواضيع الخطبة:

*الإخوّة الإيمانية *للتطوّر حساب *اقرأ إسلامك

أطلقوا سراح الأستاذ مشيمع، وفضيلة الشيخ محمد حبيب، وسراح كل السجناء المحسوبين على قضايا سياسية وأمنية كما عندكم عاجلاً، وأنهوا هذا الملف بصورة كاملة، وادخلوا حواراً جادّاً مع ممثلّي المعارضة، وجنّبوا البلد تداعيات هذه الأحداث تستريحون وتريحون، ويعيش الكل في حال من الأمن والأمان والثقة المتبادلة وهذا ما نطمح إليه.

الخطبة الأولى

الحمد لله الذي أنزل من رحمته على عبادة ديناً قيّماً، وشرع لهم منهاجاً واضحاً، وأقام لنظامهم شريعة ميسَّرة كاملة، ودلَّهم بذلك على طريق طاعته، وفتح لهم السبل إلى نيل رضوانه.
أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، أشهد أن محمداً عبده ورسوله صلّى الله عليه وآله وسلم تسليماً كثيراً كثيراً.
أوصيكم عباد الله ونفسي القاصرة المقصِّرة بتقوى الله فإنها سبيل الصالحين، وطريق الفائزين، والمُصلِحةُ لأمر الدّنيا والدِّين. ومن كان له تقوى حجزته عن ظلم العباد، والتعدّي على الحقوق، واجتراح السيئات، وارتكاب القبائح، والفساد في الأرض. ولا ينشر الظلمَ والمفاسد وقبائحَ الأمور، وكبائر السيئات كانهدام حاجز التقوى في النفوس. فالنفس إذا غاب عنها تقواها، وطغى عليها فجورها كان شرّها مستطيرا، وضررها كبيرا، وكان لها من البغي والسوء في الأرض ما يفسد الكثير.
اللهم صل على محمد وآل محمد، واغفر لنا ولإخواننا المؤمنين والمؤمنات أجمعين، وتب علينا إنك أنت التواب الرحيم.
اللهم إنا نعوذ بك من غياب العقل، وعمى القلب، ورجز الضمير، وفجور النفس، وزيغ البصر والبصيرة، وغلبة الهوى، وسوء الذكر، وضلال الطريق، وخسارة المنقلب، فأعذنا يا خير معيذ، واكفنا يا خير كاف، يا أرحم الراحمين.

الإخوّة الإيمانية
أمَّا بعد فإنّ مما استهدفه الإسلام، واستعان به على تكميل الذات الإنسانية، والبلوغ بها إلى الغاية الكريمة النبيلة، وتحقيق الراحة في الحياة، والسعادة في الآخرة هو بناء المجتمع الإنساني الصالح القائم على قاعدة الإيمان. وهو مجتمع متماسك، متكافل، يشدّ بعضه بعضاً كالبنيان المرصوص بفعل الرابطة الإيمانية الصادقة. وكلّما صدقت الرابطة الإيمانية في المجتمع الإنساني بصورة أشدّ، وكان لها ترسّخ ثابت، وامتداد عميق في القلوب والأرواح والنفوس، وتجلّى وعيها عند الإنسان ساعد ذلك على خلق المجتمع المتماسك المتكافل المتعاون على الخير، المتناصح في ظلّ من علاقات الحبّ والاحترام والمودة.
ويوظّف الإسلام كل الروابط الطبيعية الأصلية والعارضة المرضيَّة له من علاقات النوع والنّسب، والمصاهرة، والجوار، والعشرة، والصداقة، وصحبة السفر، والروابط الدينية العامَّة، والإسلامية والإيمانية الخاصّة في إنشاء حالة اجتماعية راقية شفّافة تستهدف الخير للجميع، وتحفظ الحقوق، وتقيم العدل، وتنشر الإحسان، وتعين على الهدى والصلاح.
وكل هذه الروابط تنال اهتماماً كبيرا من الإسلام على طريق توظيفها في الصالح الخاص والعام الإنساني، وقد جاء التأكيد مشدّدا على العلاقة الإيمانية وما يقوم عليها من حقوق وواجبات وآداب.
ولنترك الكلمة لآية من الكتاب الكريم، ولشيء من أحاديث المعصومين في هذا المجال، والقرآن الكريم والسنّة المطهّرة أحقّ بالنطق والإصغاء إليهما من كلّ ما يقوله الآخرون.
بسم الله الرحمن الرحيم:{إنما المؤمنون أخوة}(1) وهي إخوة روحية وعقلية ونفسية خلقتها حالة الإيمان المشترك، ومناشئها الأصيلة المتجانسة في أعماق النفس، وآثارها المضيئة المشتركة كما دعمها وأكّدها الجعل الإلهي الشرعي العظيم.
وهي قاعدة لواجبات وحقوق مشتركة تتصدّى السنّة الكريمة لبيانها التفصيلي في كثير من الحديث، وكذلك إضاءات السيرة المطهّرة للرسول وآله عليه وعليهم أفضل الصلاة والسلام.
ومن الأحاديث ما يأتي:
“قال أبو عبدالله (عليه السلام): إنما المؤمنون إخوة بنو أب وأم وإذا ضرب على رجل منهم عرق سهر له الآخرون”(2).
كيف يكون المؤمنون بني أبٍ وأم دون غيرهم من الناس؟ آدم وحوّاء أب وأم لكل الناس مؤمنين وغير مؤمنين، فمن أين جاء الأب والأم اللذان يشترك في التحدّر منهما المؤمنون خاصَّة؟
من تفاسير ذلك أنهما نفخة الروح الإلهية، والطينة الطاهرة، والماء العذب الذي كان منه هذه الطائفة من الناس. الروح الإيمانية تجمعهم عقولاً وقلوباً، تجمعهم أفكاراً ومشاعر، ويشتركون من خلال نفخة الروح، وتميّز الطينة في النهج الإيماني الواحد، والمشاعر الطاهرة الملتحمة.
ونسأل هنا: وليس للآخرين نفخة روح؟! بلى، لهم نفخة روح، ولكن لم يحتفظوا بها، وعقّوا هذا النوع من الصلة، وتخلّوا عنها، فيمكن أن نكمل الرأي بهذه الإضافة. وهناك تفاسير أخرى لاشتراك المؤمنين بالخصوص في أبٍ وأمٍّ دون غيرهم.
ويترتب على هذا أن هناك أباً وأمّاً أشرف من الآباء والأمهات الذين يشترك فيهم الأبناء من ناحية مادية، فإذاً هذه الإخوة القائمة على هذا الأصل ينتج عنها إلى جانب الحقوق المعروفة بين الناس حقوقٌ خاصة تقوم على أرضية الإيمان، وتتعطَّر بعطره، وتتشرّف بشرفه.
هذه الصلة المؤكّدة والمتميزة بشرفها وعلوّها تفرض حقوقاً خاصّة على هؤلاء الناس المشتركين في هذا النوع من الإخوّة.
“عن أبي عبدالله عليه السلام قال: المؤمن أخو المؤمن…” وهذا العنوان غير “الإنسان أخو الإنسان”. وحين يأتي “المؤمن أخو المؤمن” فهذا نوع من الإخوّة الخاصة التي ملاكها الاشتراك في الإيمان. فإذا كانت هناك إخوّة ملاكها الاشتراك في النوع الإنساني، فهذه إخوّة مضافة ملاكها الاشتراك في أساس الإيمان، وهي إخوّة عالية القدر، سامية المكانة، تتصل بجانب الروح وهو الجانب الأسمى في ذات الإنسان.
وكلّ إخوّة لها حقوق، وحقوق كلّ إخوّة متجانسة مع نوعها. فإذاً هناك حقوق تترتب بين المؤمنين من نوعين: هي حقوق الاشتراك في الإنسانية، ثم حقوق الاشتراك في قضية الإيمان.
ما هي مقتضيات هذه الإخوّة؟
“عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال: المؤمن أخو المؤمن، عينه ودليله، لا يخونه ولا يظلمه ولا يغشّه ولا يعده عدة فيخلفه”(3). فمن مقتضيات هذا النوع من الإخوة أن تكون عين أخيك المؤمن، تراقب الأخطار التي قد تحدق به، تدلّه على الطريق، تبصّره المواقع ما كان مفتوحاً منها بسلام، وما كان يتوقّع منه الخطر وما إلى ذلك، أن تعينه في قضاياه الصغيرة وفي قضاياه الكبيرة، تسعى لنجاته، ولإنقاذه، ولحراسته، وتدله على الخير، وتذوده عن الشر، ثم لا تخونه ولا تظلمه إلى آخر الحديث.
وعن أبي عبدالله عليه السلام:”سمعت أبا عبدالله عليه السلام يقول: المؤمن أخو المؤمن كالجسد الواحد، إذا اشتكى شيئاً منه وجد ألم ذلك في سائر جسده، وأرواحهما من روح واحدة، وإن روح المؤمن لأشدّ اتصالا بروح الله من اتصال شعاع الشمس بها”(4).
لا يمكن لعضو من الجسد أن يهدأ، أن يعيش طمأنينته، أن يكون بلا قلق، أن يجد الراحة في حين أن عضوا آخر منه في حالة مضطربة، فاضطراب عضو يُشرّك معه كل أعضاء الجسد في الاضطراب بدرجة وأخرى، في السهر، في الحمّى، في فقد الراحة. وإذا كان المؤمنون جسداً احداً فإن أذى البعض من هذا الجسد لابد أن يشعر به كلّه، ويتفاعل معه، ويجعله يتحرك في دفعه.
أرواحهم من روح واحدة، المؤمنون لهم نور من نور الله، ولهم عناية من عناية الله، ولهم لطف من لطف الله، فالأرواح إذا تفاوتت رقيّا فإن الرقي لأرواح المؤمنين.
يقول الحديث في آخره:”وإن روح المؤمن لأشدّ اتصالاً بروح الله من اتصال شعاع الشمس بها” الله هو الوجود الأكمل، العلم المطلق، الحياة المطلقة، الله هو الذات المتقدّسة في ذاتها، المستجمعة لكل صفات الجلال والجمال.
وإذا كانت الشمس يستمدّ شعاعها منها النور، ولا يفقد نوره لأنه متصل دائما بها، فإن المؤمن الحقّ كما هو رسول الله صلى الله عليه وآله وعلي عليه السلام لا يفقد نور الهدى، ولا يفقد صحوة الروح، ويقظة الضمير، وطهارة القلب لأن روحه وعقله وقلبه منشدّ دائما إلى الله، ولا ينفصل لحظة عن التعلق برحمة الله، وعن عنايات الله، عن جود الله، عن فيض الله.
والحمد لله رب العالمين.
اللهم صلّ وسلّم وزد وبارك على محمد وآل محمد، واغفر لنا ولإخواننا المؤمنين والمؤمنات أجمعين، وتب علينا إنك أنت التواب الرحيم.
يا ستّار العيوب، ويا كشّاف الكروب، ويا دافع الهموم والغموم، يا مشافي يا معافي، يا رحمن يا رحيم افعل بنا ما أنت أهله يا أهل الخير كلّه، ولا تفعل بنا ما نحن أهله فإننا عبادك المقصّرون.
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
{إذا جاء نصر الله والفتح، ورأيت الناس يدخلون في دين الله أفواجا، فسبّح بحمد ربّك واستغفره إنّه كان توّابا}

الخطبة الثانية

الحمد لله، وكفى بالله هادياً ودليلاً، وناصراً، ووليّاً ومعِزّاً وكفيلاً. لا نور إلا نورك، ولا هدى إلا هداك، والملك لك، والتدبير بيدك، والعزّ عزّك، ولا كفيل غيرك.
أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلّى الله عليه وآله وسلم تسليما كثيرا كثيرا.
أوصيكم عباد الله الأذلاء بين يديه، ونفسي المملوكة له بتقواه، والخضوع الإرادي لأمره ونهيه، وعدم التجرؤ على مخالفته. وما تجرّأ على مخالفة المولى الحقّ العليّ القدير إلا من خسر عقله، وسفِه رأيه، وقاده الهوى إلى أودية الضلال، ومهاوي الضياع، وإلى عطب وهلاك.
ولتكن طاعته سبحانه دليل الرأي والعمل، والبراءة والولاء، والتقديم والتأخير، والرضا والغضب فإنّها الدليل الذي لا يضلّ، والطريق الذي لا يزيغ، والمقياس الذي لا يخطئ.
جعلنا الله من أهل ولايته وطاعته الذين لا يطلبون رضا أحدٍ بسخطه، ولا يوقفهم عن رضاه سخط من سواه، ولا أنسانا ذكره، وحمده وشكره، وخوفه وخشيته إنّه ولي النعماء، وهو أرحم الراحمين.
اللهم اغفر لنا ولوالدينا وأرحامنا وجيراننا وإخواننا المؤمنين والمؤمنات، والمسلمين والمسلمات، ومن كان له حق خاص علينا منهم، وتب علينا جميعا إنك أنت التواب الرحيم.
اللهم صل وسلم وزد وبارك على حبيبك المصطفى محمد بن عبدالله خاتم النبيين والمرسلين، وعلى علي أمير المؤمنين وإمام المتقين، وعلى فاطمة الزهراء الصديقة الطاهرة المعصومة.
وعلى الأئمة الهادين المعصومين حججك على عبادك، وأنوارك في بلادك: الحسن بن علي الزكي، والحسين بن علي الشهيد، وعلي بن الحسين زين العابدين، ومحمد بن علي الباقر، وجعفر بن محمد الصادق، وموسى بن جعفر الكاظم، وعلي بن موسى الرضا، ومحمد بن علي الجواد، وعلي بن محمد الهادي، والحسن بن علي العسكري، ومحمد بن الحسن المهدي المنتظر القائم.
اللهم صل على محمد وآل محمد، وعجل فرج ولي أمرك القائم المنتظر، وحفه بملائكتك المقربين، وأيده بروح القدس يارب العالمين.
عبدك وابن عبديك، الموالي له، الممهد لدولته، والفقهاء العدول، والعلماء الصلحاء، والمجاهدين الغيارى، والمؤمنين والمؤمنات أجمعين وفقهم لمراضيك، وسدد خطاهم على طريقك، وانصرهم نصرا عزيزا مبينا قائما دائما أبدا.
أما بعد فإلى هذا الحديث:
للتطوّر حساب:
كان الناس في البحرين وغيرها من مستوى فكري وثقافي واجتماعي وديني ومعرفي بصورة عامّة، وعلى مستوى خاص من الاتصال بأحداث العالم وأخباره، وقضايا السلم والحرب، والحقوق وما إلى ذلك. نعم، كانوا على مستوى، واليوم لهم مستوى جديد.
كانوا أمّة في كل ذلك وهم اليوم أمّة أخرى كذلك.
فلا يقاس الأمسُ باليوم، ولا يقاس اليوم بالأمس فيما يُحكم به على هذا الشعب فيما يناسبه، وما لا يناسبه.
إنّ أمتين بمستوى واحد يمكن أن تحكمهما عقليّة بمستوى واحد، أما الأمة وهي واحدة ولكن على مستويين فيستحيل عليك أن تحكمها بعقليّة واحدة، بأسلوب واحد، بسياسة واحدة. الطفل غير البالغ، والبالغ غير الطفل، وكلما رشد الإنسان كلّما اختلف عن سابقه فيما يُذعن له وما لا يُذعن، فيما يمكن أن يسلّم به وما لا يسلّم.
هذا الشعب كسائر الشعوب كان فيه، وليس كلّه، في يوم من الأيام من يمكن أن يُحكم بأسلوب السُّخرة، أما اليوم فيستحيل عليك أن تحكم طفلا من هذا الشعب بهذا الأسلوب، كان يوجد من يمكن أن يحكم بالقهر والإذلال، وأن تُعمِّق فيه روح الصّغار بفقده مستوى من العلم، ومستوى من الدين، ولقد كان الناس لها عواطف دينية لكن بلا وعي ديني كبير. اليوم أسلوب القهر والإذلال معناه محرقة وطن، هذا بحكم التغيُّر الهائل الذي صار إليه الإنسان ليس في هذا الوطن فقط وإنما في كلّ الأوطان، هذا الشعب كيف كان في بداية القرن العشرين، وكيف هو اليوم؟ طفرة عالية واسعة بين اليومين في التصورات، في الرؤى، في الطموحات، في الإرادة، في فهم الدين، في فهم مسألة الحقوق، هذا وعلينا أن نسجّل أن الشعب في الماضي كانت له وقفات أكبر من وقفاتنا، ومما سمعت بأن قضية سجن عالم حرّكت قطعة من هذا الشعب حركة غيورة لم تتوقف حتى فكّت أسره. كان سجن العالم في المنامة حسن النقل، فخرجت من هذه القرية مظاهرة شعارها “حيّ الموت حيّاه، ومن دنى يومه رحل”، هكذا المسموع والله أعلم.
المهم ولسنا في صدد إثارة العواطف بقدر ما نحن بصدد التأكيد على أن لهذا الشعب قيمة لا يصح تجاوزها، وعلى أن إعمال العقل في الحكم أبقى وأصلح وأنفع وأريح للجميع من أساليب العنف التي قد تعمد لها بعض الحكومات.
الشعب في السبعينات له حجم، وفيه رجال، ولكن اليوم الرجال كثروا، والمستوى تقدّم، والإرادة شبّت أكثر مما كانت عليه، والثقافة الحقوقية توسّعت، والإعلام العالمي وحتى الإقليمي وحتى المحلي يصبّ جديداً في صالح الوعي الحقوقي، وصور المطالبات الحقوقية، وما يصحب هذه المطالبات تصل إلى نفس الشاب والطفل في كل مكان من خلال القنوات المرئية والمسموعة. هذا كله يجعلك أمام إنسان جديد، فكر جديد، إرادة جديدة، تطلّع جديد، فلا تقس إنسان اليوم على إنسان الأمس.
الشعب في السبعينات استحقّ دستورا أرقى من دستور اليوم، وكان له مجلس نيابي بصلاحيات أوسع من صلاحيات المجلس النيابي اليوم، هذا منطق مقلوب، وعلى الحكومة أن تصحح منطقها.
في وسط عالمي مليارات من الناس تنادي بمسألة الحقوق، الدنيا تمتلئ مظاهرات، اعتصامات، تعيش معارك كلّ ذلك من أجل تحسين الوضع الحقوقي للشعوب، في هذا الوسط العالمي لا يصح أن تبقى العقلية السياسية عند أي حكومة، وآليات الحكم وأدواته وأساليبه وذوقه عند مستواه في السابق فكيف به إذا تراجع؟!
الحكومة تحاول أن تحدِّث الفن والغناء ومستوى الرقص، وحتى الوضع الخلقي والديني وبما يأخذ به عن مساره، بينما هي توغل في الرجعية السياسية، وتأخذ بأسلوب القمع للتطلع الشعبي في المشاركة في رسم السياسة العامة، وتعاقب الأصوات المؤمنة المعلنة بهذا الطرح.
الحكومة لا زالت تعتبر الثروة العامة مغنماً شخصيّاً، والشعب عبيدا وإماء(5) يُسيَّرون كما تشتهي السلطات وتقدّر لهم.
ونرى بشأن الساحة أنه لابد من عدل وأمن؛ فلا أمن بلا عدل، لأن أرضية الأمن لا تستقر مع الظلم على الإطلاق.
وإذا كان يومُ أمن مع ظلم فإن كثيرا من الأيام هي أيام خوف واضطراب وقلق في ظلّه، ولا يمكن غير ذلك.
ثم إن الأمن الحقيقي هو الجو الأنسب للعدل، إذ الخوف قد يدفع للظلم، خوفك قد يدفعك لظلم الطرف الآخر، وخوف الطرف الآخر قد يدفع إلى ظلمك. الأمن هو ما قام على الثقة والرضا والاطمئنان من غائلة الطرف الآخر وبغيه وأثرته، وليس ما قام على قاعدة اسجن وعذّب ونكّل وافتك حتّى يُغلب المظلوم على أمره ويرضخ.
متى شعر الشعب والحكومة معاً هنا بالأمن؟ حصل ذلك في بداية الإصلاح، ومع تباشيره يوم أن وثق الشعب في الحكومة بدرجة من الثقة، ولا أدري أن الحكومة وثقت أو لم تثق، والأفضل فرض أن الحكومة وثقت في الشعب ولو من خلال المظاهر المعلنة للرضا والتي ملأت البحرين. حينذاك كان الشعور بالأمن، أما وقد بدأ اللحام ينفك، وبدأت الثقة تتصدّع فقد عاد الخوف، وقد عاد الاضطراب، وكلّ طرف صار يتوجّس من الآخر.
تستطيع الحكومة بكل بساطة أن تجعل الجو جوّا آمنا باستقرار واستمرار لو أصلحت.
الحكومة تقول بلسان حالها: لا إصلاح، ولا أقبل احتجاجا، ولا أفتح باب حوار. أَوَصَلنا قمّة الإصلاح حتّى لا يكون احتجاج، وحتى لا نفكر في مزيد إصلاح، أو هو الإصرار على التخلف والتحكم والتهميش والإلغاء؟!
محاولات الإصلاح من داخل النيابي مسدود بابها ومحارَبة، دعوات الحوار من مساحة بسيطة من الصحافة، ومن المؤسسات السياسية، ومن المساجد والمنابر، من الأصوات العاقلة هنا وهناك، من المسيرات حتى المرخّصة، من الصرخات العفوية تقابَل بالاستكبار والاستعلاء. أكلّ ذلك ثقة بفاعلية أسلوب العنف والتنكيل وركونا إليه؟! بئس المخرج الموهوم من أزمات السَّاحة سجن الأستاذ مشيمع، والشيخ المقداد، والعديد من شباب الوطن، وإعلان المحاكمات، وإصدار الأحكام التعسّفية.
هذا هو طريق التعقيد، وإلهاب الأوضاع، وتهييج النفوس، وتأزيم الساحة، والأخذ بالوطن إلى المنزلقات الخطيرة. والمختار لهذا الطريق مختار لكل ذلك، ولنتائجه المرّة التي يجب على الحكومة أن تكون أول من يعمل على تجنيب البلاد عنها.
أطلقوا سراح الأستاذ مشيمع، وفضيلة الشيخ محمد حبيب، وسراح كل السجناء المحسوبين على قضايا سياسية وأمنية كما عندكم عاجلاً، وأنهوا هذا الملف بصورة كاملة، وادخلوا حواراً جادّاً مع ممثلّي المعارضة، وجنّبوا البلد تداعيات هذه الأحداث تستريحون وتريحون، ويعيش الكل في حال من الأمن والأمان والثقة المتبادلة وهذا ما نطمح إليه.
اقرأ إسلامك:
اقرأ إسلامك شعار المجلس لهذا العام، ولماذا أُضيف الإسلام لك فقيل (إسلامك) ولم يُقل اقرأ الإسلام؟
لأنّك اتخذت الإسلام خياراً يحدد لك خياراتك في الحياة، ويرسم لك الطريق، وربطت به مصيرك هنا، ومصيرك في الآخرة.
وهو إسلامك قبل أن تختاره علناً لأنه خيار فطرتك التي لا خيار لها غيره.
ولماذا قراءة الإسلام؟
لأنه رسالة الله التي لا غنى لأحد عنها، ولأن هذه الرسالة هي المخرجة للعقول والقلوب والأوضاع والإرادات من الظلمات إلى النور، ولا سبيل للخروج من كلّ هذه الظلمات غير الإسلام.
وهذه بعض كلمات قصار تأتي في إطار الشعار المذكور “اقرأ إسلامك”:
1. كيف نحترم الإسلام ونحن لا نعرفه؟! وكيف نعرفه ونحن لا نقرأه؟! وكيف يقرأه من لم يعدّ نفسه الإعداد القويّ الشامل لقراءته؟!
2. لتكون قراءتنا للإسلام أصدق وأعمق علينا أن نقرأه بالعقل والقلب والخبرة الواسعة والموضوعية معاً.
3. كلما تقدم بك مستواك فهما وعلما ورشدا، وخبرة وتجربة حياة أوسع وأعمق، أمكن لك أن تأخذ من قراءتك للإسلام صورة له هي أصدق وأشع وأكمل، وفي كل مرة تكبر فيها ستكبر الصورة.
4. لو قرأنا الإسلام كل العمر وبكفاءات عالية فصحيح أننا سنتوفر منه على الكثير، ولكنّه لا يُساوي شيئا مما يثرى به الإسلام من كنوز.
5. ربما قرأ الإسلام من يعاديه ليحاربه ويحرّفه أكثر ممن يرضاه ويبلّغه، وفي ذلك تضييع للإسلام، وتغييب لحقائقه، فعلينا أن نقرأ الإسلام كثيرا لنُصْدِق حفظه وتبليغه.
6. لا يُقرأ الإسلام من أقلام معادية، ولا متزيّدة محابية، وإنما يقرأ من مصادره، ومن أقلام علمية نزيهة عالمة به، عارفة بهداه، أمينة عليه، حريصة على أن لا تزيد فيه ولا تنقص منه.
7. اقرأ من الإسلام جديداً تستطيعه بالمحاولة، ليأخذ بمستواك إلى جديد فوقه لم تَكن تستطيعه، ولا تبق عندما تجاوزته، ولا تقفز إلى ما لا تطال رغم الجدّ والمحاولة.
8. يُقرأ الإسلام في كتب الصادقين، وفي الكون والحياة، ولكل من ذلك أهميته.
9. يقرأ العارفون الجادّون الإسلام بما هو الدليل الصادق على الحياة، وليصوغوا أنفسهم وحياتهم، وحياة النّاس على ضوئه.
10. يوم أن تتوقف القراءة العلميَّة الجادّة للإسلام يكون قد بدأ يومُ انقراضه الحقيقي في حياة الناس، وتحوّله إلى شيء من الخرافات، والأفكار البائسة السقيمة.
11. قس إيمانك بالإسلام قبل أن تقرأه بعمق، وقسه بعد أن تقرأ الإسلام كذلك، فستجد أن إيمانك قد تعاظم، وسيزيد احترامك لنفسك والحياة، ويشتد أملك في المستقبل، وتتخلص من معضلات فكرية ونفسية كثيرة. نعم هكذا تفعل قراءة الإسلام.
12. على كل مسلم أن يقرأ في الحقل العلمي النافع الذي تخصص فيه للنهوض بمستواه ومستوى الأمة، أمّا قراءة الإسلام فحاجة الجميع ومسوؤلية الجميع.
اللهم صل على محمد وآل محمد، واغفر لنا ولإخواننا المؤمنين والمؤمنات أجمعين، وتب علينا إنك أنت التواب الرحيم.
اللهم إنا نسألك التقوى، والعفاف والغنى، والعمل بما تحب وترضى، والسلامة في الدين والدنيا.
اللهم اجعلنا من أنصار دينك، وحماة شريعتك، والذائدين عن حدودك وحرماتك، الآخذين بهدى أمرك ونهيك، الساعين بالإصلاح في بلادك وعبادك، الموالين لأوليائك، المعادين لأعدائك، الراغبين في ثوابك، المجاهدين في مرضاتك يا موفق يا رحمن يا رحيم يا كريم.
{إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاء ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ}

__________________________
1 –
2 – شرح أصول الكافي ج9 ص33.
3 – المصدر السابق.
4 – المصدر ص34.
5 – هتاف جموع المصلين بـ(هيهات منا الذلة).

زر الذهاب إلى الأعلى