كلمة آية الله قاسم بقرية الدير محرم 1430هـ

 

 

أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الغوي الرجيم، بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله حمد كثيرا كما هو أهله، وصلى الله على سيدنا وحبيب قلوبنا محمد بن عبدالله وآله الطيبين الطاهرين، السلام عليك يا أبا عبدالله يا شهيد كربلاء، السلام على الحسين، وعلى علي بن الحسين، وعلى أولاد الحسين، وعلى أصحاب الحسين.

 

 

التضحية في سبيل الله

 

التضحية في سبيل الله تأتي جهدا أو دفاعا أو أمرا بالمعروف ونهيا عن المنكر، والحياة تكون بذلة في طاعة الله، والممارسة تكون تضحية في سبيل الله لهي أكبر ما ترتقي له هذه الحياة إلى أفقها البعيد، لن تكسب حياتك كما ينبغي وكما أراد الله تبارك وتعالى لهذه الحياة أن ترتقي، وأن تشف، وأن يسعد بها الإنسان أبدا، كما لو استطعت أن تبذلها في سبيل الله، ويكون دأبك التضحية في سبيله تبارك وتعالى.

 

وكما سبق التضحية في سبيل الله قد تكون جهاد ابتدائيا، وفد تكون دفاعا ترد كيد المعتدين من خارج الإسلام عن الإسلام، وتقف في وجه كل الاستهدافات الخارجية لبيضة الإسلام وكيانه العزيز، وقد تكون التضحية أمرا بالمعروف ونهيا عن المنكر بمستوياته المختلفة. وهناك جهاد فكر، وجهاد لسان، وجهاد قلب، وجهاد إعمار، وجهاد يد، وكل ذلك جهاد مقدر عند الله سبحانه وتعالى ولكل موضعه.

 

التضحية عن طريق الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر دوائرها مختلفة، تبدأ مع الفرد ومن الفرد، وتمر بأمر الجماعة، ومن الفرد والجماعة، وتأخذ صور أمر ونهي الجماعة الفرد، وقد تكون أمرا بمعروف ونهي عن منكر على مستوى المحكومين، من المحكومين أنفسهم ومن الحاكمين، وتأخذ صورة أمر بمعروف ونهي عن المنكر من المحكومين للحاكمين.

 

إذا كانت ثورة أبي عبدالله عليه السلام وهي الثورة الخالدة، التي انعطفت بتاريخ الأمة باتجاه الله تبارك وتعالى، وعدلت من درجة الانحراف الأموي على مستوى الأمة ولو بعد حين، بالمقدار الذي يحفظ معنى الإسلام ويبقى لنا رؤية حقيقة للإسلام، وشعورا دفاقا يتمحور حول الإسلام. إذا كانت تلك الثورة العظيمة، وتضحياتها الكبرى ومنها دم الإمام الحسين عليه السلام داخلة في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فدائرة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر دائرة واسعة تشمل ألوان من الجهاد داخل الأمة، فالانحرافات التي تتسببها السياسية الجاهلية في الأمة، يمكن أن تواجه تحت عنوان الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.

 

والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فريضة سارية، سيالة، لا تتوقف وأن كان لكل درجة منها مواصفاتها وشروطها الخاصة، قالوا بأن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في درجاته الدنيا يبدأ بالإنكار القلبي -المعبر عنه-، يجب لتحقق الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في درجته الأولية وهي درجة الإنكار القلبي أن يعرف منك الطرف الآخر أنك تنكر عليه، وأن فعله مرفوض عندك، أما ما دامت المشاعر خامدة في الداخل، فلا يمكن أن تعطي أي أثر، والمطلوب هو التأثير، وتعرفون أن الدرجة الثانية هي درجة الإنكار القولي، والدرجة الثالثة هي درجة الإنكار باليد. إعمال اليد قد يقف عند صفعة، وقد ينتقل إلى الجرح والقتل، فما حكم هذه المرحلة؟ قد لا يرتفع المنكر ولا يتحقق المعروف إلا بسيل الدم، أن تُجرحَ وتُجرح، أن تَقتُلَ وتُقتل، فما حكم هذه المرحلة؟ لو كانت من غير أذن فيمكنكم مراجعة الرسائل العملية في ذلك، قالوا عنها تحتاج إلى أذن الإمام عليه السلام أو نائبه، إذا كانت الدرجة تتقوم بسفح الدم، بأن يَقتُل ويُقتل، بأن يجرِح ويُجرح قالوا أن هذه المرحلة تحتاج إلى أذن الإمام عليه السلام أو نائب الإمام المعصوم، ليست هناك تضحية تكبر على الإسلام، وإذا كان رأس الإمام الحسين عليه السلام استرخصه للإسلام لحماية الإسلام، وأذن الإسلام به لتصحيح المسار الإسلامي، أذن لا يبقى رأس آخر نتوقف عند بذله والتضحية به في سبيل الله.

 

التضحية بأي مستو من مستوياتها، إنما هي تابعة للنتيجة أصلا وحجما وضرورة ارتباط، بمعنى أن الإسلام والطريقة العقلائية والعقل يقول لك: أزرع لتحصد، وأتعب لتكسب، فلابد أن تدرس الحالة الخارجية، ظروفك المحيطة، كل ملابسات المسألة، لتقرر ما هو التحرك؟ ما هو الجهد المبذول؟ ما هي النتيجة التي يمكن أن نصل إليها؟ طبعا لا يتوقف البذل على القطع بتحقق النتيجة، أن يكون هناك احتمال عقلائي بحسب معطيات الظروف والحالة الراهنة ليتقرر وجوب العطاء، بلا أي نتيجة لا تحرك، ثم أن التضحية لا تتوقف على القطع بتحقق النتيجة وإلا أن هناك حروب خاضها رسول الله صلى الله عليه وآله لم تعطي النصر المطلوب لوجود عوامل قد تستجد، وعوامل ترتبط بالإرادة الإنسانية التي يمكن أن تتحرك أو تتوقف.

 

حجم العظة، مرة التحرك يمكن أن يعطي نصرا ساحقا على مستوى المسألة الإسلامية الإستراتيجية، وأن يمكّنَ لكلمة الله في الأرض، ومرة تمكين لكلمة الله في الأرض في دائرة قرية، ومرة في دائرة قطرة، ومرة في دائرة أمة، مستوى التضحيات يختلف. إذا كانت حركة أي إمام معصوم عليه السلام يقرأ منها بحسب مطالعة الخارج والحالة الخارجية، أن الحركة يمكن لها أن تقيم دولة عالمية، هذا يعطي مليون شهيد، مليوني شهيد، عشرة ملايين من الشهداء، مرة تكون كل النتيجة تعديل الوضع الاقتصادي في حكم يزيد، طبعا تعديل الوضع الاقتصادي مطلوب وبكل قوة، أي ظلم مرفوض، وأي ظلم لابد أن يواجه، لكن ما يعطيه الإمام عليه السلام لتعديل الوضع الاقتصادي غير ما يعطيه لإقامة حكومة إسلامية عالمية، ليس خاص بالإسلام، عقلائيا في كل مكان الجهد على قدر النتيجة، تبذل من مالك، من جهدك، من تفكيرك بقدر ما تتوقع من نتائج. إسقاط حاكم يقوم مكانه حاكم ظالم آخر، يمكن أن يكون أقل منه، كم يستحق؟ هل يستحق كما يستحق احتمال عقلائي بتحقق حكومة إسلامية؟ طبيعي لا.

 

مرة المطلب والغرض عند الإمام عليه السلام لا يتحقق إلا بالثورة الدموية العارمة، ومرة يمكن أن يتحقق بالأسلوب السياسي، وبأساليب أخرى، متى يأتي التضحية على مستوى الدم؟ عقلائيا، والإسلام يأخذ بالطريقة العقلائية في مثل هذه الأمور، الإمام عليه السلام كما أنت أمامك طريقان، طريق سهل وطريق صعب، النتيجة واحدة، مرة يكلف جهدا كبيرا وذلك بسلوك الطريق الأول، ومرة يكلف الوصول للنتيجة جهدا أقل من ذلك، أيهما تختار؟ تختار الطريق الأقل كلفة. الأئمة عليهم السلام لا يعدون هذه الطريقة، وأنهم يوازنون بين الطرق، بين النتائج والمقدمات، وبين الطرق وإيصالها، فلو تساوى طريقان في النتيجة لكن كلفة أحدهما أقل، فلا عقل ولا عقلائية ولا سيرة إلا وتقول بأن على المتحرك أن يأخذ بالطريق الأقل كلفة –هذا مع الإمكان- لا يمكن والأمر ضروري يقدر الإمام عليه السلام لابد أن تكون ثورة دموية.

 

التحرك ماذا يطلب؟ أو ما يطلبه التحرك هو النصر، كربلاء، حركة الإمام الحسين عليه السلام ماذا كانت تستهدف أولا وبالذات؟ هل كان المستهدف الأول للإمام الحسين عليه السلام هو أن يستشهد مع إمكان النصر؟ لا. أول ما أن يكون مستهدفا للإمام الحسين عليه السلام هو النصر على يزيد، وإقامة حكومة إسلامية عادلة على يد الإمام الحسين عليه السلام. فإذا لم يمكن هذا ومنعته الظروف، وكانت الشهادة لابد منها وإن لم يتحقق الغرض الموضوعي القريب، ولكن كان حفظ الإسلام متوقفا على الشهادة، الهزة العنيفة التي تحيي إرادة الأمة، وعي الأمة، تستثير إرادتها، تنتشل إرادتها، تسلط الضوء على فساد الحكم الأموي الذي كان قائما، إذا لم يكن طريق لحفظ الإسلام، ولا وقت يتسع للمناورة، ولإعطاء فعالية عملية التبليغية والتوعوية قيمتها، كان لابد من الاستشهاد، ممن شهادته تحيي الإسلام وليس من أي واحد.

 

هنا يأتينا مثل للشهيد السيد محمد باقر الصدر -أعلى الله مقامه- وهو الفقيه العملاق، قرأتم أنه فكر مع بعض النخبة من طلابه من مثل السيد محمود الهاشمي والسيد كاظم الحائري، أن يهز الضمير العراقي، وأن يحرك المياه الراكدة بقوة خوفا على أن الإرادة الإسلامية الإيمانية في العراق تموت، وعلى أن يندثر الكثير، الكثير من الإسلام وعيا وشعورا فضلا عن المسرح العملي، كان يداعب فكره هذا التصور، وهذا الخاطر: “وهو أن شهادته -رضوان الله عليه- وبصورة معينه، وليس بأي صورة، يمكن أن تحدث زلزالا في العراق، ينقذ الإسلام من براثن البعث” فطرح أن يذهب هو ونخبة من طلابه الكبار إلى الحرم العلوي الشريف فيخطب خطبة صريحة جهنمية ضد البعث، وهناك لابد أن يقتل ويقتل من معه، معناه صورة من صور التضحية، وأسلوب من صورة الأسلوب الذي أخذ به الإمام الحسين عليه السلام حيث حضَّر بوعي وحكمة وحنكة سياسية عالية، لإعطاء شهادته بعد مؤثرا خلدا.

 

مع العلم أن يستشهد الشهيد الصدر في بيته بمداهمه معينه هذا يكون له أثر، لكن أن يقدم على هذا الموقف الشجاع المكشوف وفي الحرم العلوي ويصرخ الصرخة الإسلامية المدوية ضد الظلم والظالمين، ويضج معه الحرم العلوي وتكون هناك مجزرة يمارسها البعث، هذا أثره كبير  وعالمي وعلى مستوى العالم الإسلامي وغيره، ويحرك الشعب العراقي بقوة، فكان رضوان الله عليه يتنظَّرُ في مثل هذا الإجراء، وأرسل بعض تلامذته إلى فقهاء في النجف يستشف رأيهم في المسألة، والظاهر من كان رسولا إلى السيد الإمام الخميني هو السيد كاظم الحائري، الإمام الخميني -أعلى الله مقامه- وهو الشجاع الفذ لم يعطي جوابا صريحا، سكت، وكأنه لم يأخذ به التفكير في حصول النتيجة المطلوبة، وأن الحسابات الموضوعية ربما لم تعطي احتمالا عقلائيا بأنه يُحدث المطلوب ويسقط كلمة البعث، يحدث زلزالا في العراق بحيث يكتسح البعث، أو يؤجج ثورة ممتدة تسقط بالبعث بعد ثلاث سنين أو أربع سنين. فعدل السيد الصدر -أعلى الله مقامه- عن مثل هذا الطرح. من أي مطلق؟ لو كان العراق ينقذ دم الشهيد الصدر وأن يكون العراق بدمه على السكة الإلهية، سكة الدين، ما كان للصدر من ناحية دينية، وما كان من الصدر من ناحية إيمانية وشجاعة نفسية وإخلاص أن يتوقف.

 

فالمطلوب نصر أو شهادة مؤثرة، وشهادة واحد في الابتدائي قد لا تؤثر، لا تحيي الإسلام، لكن شهادة من مثل الإمام الحسين عليه السلام، شهادة من مثل الشهيد الصدر -أعلى الله مقامه- أو مجموعة فقهاء مثلا وفي موقف معين، وفي حالة حرجة للإسلام، بحيث ليس هناك أسلوب آخر للإنقاذ الإسلام تأتي الشهادة، وإلا فالإمام الحسين عليه السلام معصوم والأئمة الآخرون الذين جاءوا من بعده كذلك هم معصومون، ولكن الشهادة التي مارسها الإمام الحسين عليه السلام لم يمارسها الإمام جعفر الصادق ولا الإمام الهادي عليه السلام. اختلاف ظروف، اختلاف موازنات، اختلاف معادلات، قراءة للخارج.

 

النصر أهم؟ أم الشهادة أهم؟ النصر أهم، الشهادة ثواب عظيم، رقي عالي للفرد، تبوأ أسمى مكانة في الجنة ربما، لكن النتيجة الخارجية للشهادة أبطئ بلا إشكال من نتيجة النصر، نتيجة الإصلاح، الإنقاذ، النصر له السرعة وشمول التأثير، الإمام الحسين عليه السلام ينتصر على يزيد، يقيم حكومة إسلامية صادقة، هنالك ينبني الجيش، ينبني المبلغون، تقوم المؤسسات الإسلامية، تنتشر التوعية في خمس سنوات، يتغير المجتمع تغيرا هائلا، هنا التجربة عندنا موجودة، تجربة الدولة الإسلامية، كم تعدل المسار عن أيام الشاه؟ على المستوى الفكري، والشعوري، والعبادي وغيرهم.

 

شهادة الإمام الحسين عليه السلام أنتجت من خلالها من مثل ثورة الإمام الخميني، شهادة الإمام الحسين عليه السلام أنتجت وعيا، أنتجت حرقة قلب، أنتجت شعورا إسلاميا لاهبا في صفوة، وأعطت وعيا عاما وعاطفة عامة في جماهير الناس، لكنه لو استطاع الإمام الحسين عليه السلام أن يقيم الدولة النتائج ستكون أكبر وبلا إشكال، ستكون بفارق هائل جدا، معاناتنا الآن تكون غير موجودة، لو استمرت حكومة الأئمة عليهم السلام. لن تسمع بأمريكا، ولن تسمع بروسيا، فضلا عن قاعدة وغير قاعدة وغيرهم.

 

التحضير للنصر معه التحضير للشهادة، نصر بلا روح لا يوجد شهادة، بلا استعداد للتضحيات المفتوحة لا يوجد نصر، الأمة التي لا تنفتح على الشهادة وعلى التضحيات غير المحدودة لا تنتصر، فالتخطيط على مستوى الفرد والأمة لابد أن يكون للنصر والشهادة طريق، أما على المستوى العملي فالمطلوب هو النصر قبل الشهادة.

 

أن الإمام الحسين إذا كان يسعه الصبر، ما كان له أن يستشهد بلا تحقيق النصر، وتضييع خط النصر ومكسب النصر ليست شهادة. يقول: أنا أريد انتحر. أمامك نصر تنقذ به الإسلام، لا يكون هذا. فالشهادة مطلوبة ولا نصر إلا بالشهادة، ولا طريق للنصر إلا الشهادة، ولكن في الخارج يجب أن يسبق التخطيط للنصر التخطيط للشهادة، معناه لا تكون النتيجة الشهادة فقط، شهادة ونصر جيد، نصر وشهادة في موقع آخر جيد، لا ينقذ الإسلام إلا بالشهادة قالت لنا سيرة الإمام الحسين عليه السلام الشهادة: الدرب مسدود، الطريق مسدود أمام النصر، لا تأجيل الإسلام يمحق، الانحراف يثبُت والشهادة تنقذ، لابد من الشهادة وإن لم يتحقق النصر.

 

ولذلك فيما يذهب إليه الرأي هو أن الإمام الحسين عليه السلام وعلى مستوى الأرض وبغض النظر عن القضية الغيبية، أنه خطط للنصر ولشهادة ناجحة، خطط للنصر وكبديل اضطراري، بديل لابد منه خطط للشهادة وأن لم يكن نصر، لكن شهادة مؤثرة، ليس شهادة في بيته في المدينة، وليس شهادة في أستار الكعبة، شهادة في كربلاء بالتخطيط الخاص، ومع النسوة، ومع البحث عن نخبة كل واحد منهم أمة، وليس مجموعة أطفال، وكان يمكن أن ينسحبوا من المعركة، وأصحاب الأطماع الدنيوية، والجهلة الذين التحقوا في الطريق، جاءت كلمات الإمام عليه السلام أنه صار المصير إلى الشهادة فقط، حاول الإمام عليه السلام أن ينقي جيشه كل التنقية من الموقف الصلب المؤثر، وإلا لو كانت إمكانية نصر فالإمام الحسين عليه السلام لم يكن ليطرد الناس العاديين، وحتى طلاب المال، لماذا؟ يحقق النصر ومن ثمَّ يضبطهم. هل كل الذين قاتلوا مع النبي أصفياء؟ كلهم أولياء؟ قاتل معه منافقون، فلماذا هذا الكلام من الإمام الحسين خطبة من بعد خطبة يبصرهم بأنه ليس هناك نصر، من أجل أن ينسحب من يرد أن ينسحب، لأن التخطيط صار ضروريا لتحقيق الشهادة المؤثرة بعد اليأس من النصر.

مع إمكان النتيجة الكبيرة مع التضحية الكبيرة، هناك نتيجتان، نتيجة تصحيح جزئي لوضع، ونتيجة تصحيح كلي جذري للوضع. التصحيح الأول يتطلب تضحية بحجم، التغيير الثاني يتطلب تضحيات أكبر مقدورة، وكل منهما مقدور، أيهما نختار؟ مائة في المائة المعصوم يختار التضحيات الكبيرة من أجل النتيجة الكبيرة. تضحيتان ونتيجتان، كل تضحية تتناسب مع حجم النتيجة التي تؤدي إليها، لكن يوجد نتيجة كبيرة ويوجد نتيجة صغيرة، النتيجة الكبيرة تحتاج إلى جهد كبير، تحتاج لتضحيات، تحتاج لتطير رؤوس، إلى تيتم، إلى ترمل، إلى فقر، إلى حالة كارثية، لكن النتيجة كبيرة جدا. يجد نتيجة أصغر منها تكلف أقل من هذا بكثير، الخيار يقع النتيجة الكبيرة وأن كانت كلفتها باهظة.

 

شخص كالحسين عليه السلام يمكنه أن يحصل فرصة تبليغ واسعة، وبناء حوزة علمية كبيرة، مع اعتزال العمل العسكري وحتى السياسي، يتفرغ الإمام الحسين عليه السلام للعمل التبليغي والعلمي ليعطي بصيرة، ليبني نخب علمية كبيرة، هذا عمل، جهد، هذا طريق. ويوجد طريق ثاني وهو ما قام به الإمام الحسين عليه السلام من التضحية بالنفس والأهل والأصحاب في صورة فجيعة بقى أثرها على القلوب المؤمنة، ويبقى طول الدهر، ويبقى إدماؤها للقلوب متواصلا، هذا ماذا يعطي، أتصور أن تخيير الإمام الحسين عليه السلام بين السلة والذلة، وأن الإمام الحسين عليه السلام يطلبه الحكم الأموي ولو لجأ إلى جحر هامة، هذا كله راجع إلى إصرار الإمام الحسين عليه السلام على المواجهة، على تقديره أن يوم الثورة لا يصح أن يتأجل، وإلا لو وثق يزيد والحكم الأموي ومستشارو يزيد، بأن الإمام الحسين عليه السلام يقنع بأن يفتح ديوانية، أن يبلغ المفاهيم القرآنية الهادئة، ويبث من علمه ما يبث ولكن من دون أن يؤجج الوضع السياسي على يزيد، هنا لا يوجد تفكير سياسي أصلا، لا يصح، إذا كان يزيد مغفل فعنده أناس مستشارون، لا يشيرون عليه بقتل الإمام الحسين عليه السلام، وتخييره إما أن يبايع وإما أن يقتل.

 

هذا الذي يتلوه الإمام الحسين عليه السلام من أنه اليمن لا تفيد وغيرها لا يفيد، راجع لماذا؟ يقول الإمام أن يزيد يعرفني أني لا أصبر على مثل هذا الوضع، وفي ضوء تقديري بأن الإسلام ليس أمامه فرصة بقاء إذا بقي وامتد حكم يزيد وتركز، في ضوء تقديري لابد من المواجهة، والمصير إلى أحد أمرين أما النصر أو الشهادة. إذا كان يزيد يعرف نفسه، والمحيطون بيزيد وبطانة يزيد تعرف نفسها، ومؤسسة الحكم الأموي تعرف نفسها وطابعها، وأنها مقدمة على تخريب الإسلام، ويعرفون الإمام الحسين عليه السلام تمام المعرفة، فهنا لا يعطونه فرصة الذهاب حتى إلى اليمن، لأن اليمن ستصبح فقط مرحلة تحضير لثورة قادمة كبيرة، فلا يجعلونه يذهب، لهذا ينحصر الخيار في القتل أو البيعة في خيار يزيد.

 

أمام الخيارين خيار دور إسلامي مؤثر يستطيعه هذا الفرد، ودور ثاني أكثر تأثيرا وخاصة ليس له واحد آخر، تصدي هذا الشخص ينقذ، هذا الذي ينقذ تصديه يمكن أن يمارس دورا آخر أقل تأثيرا لا ينقذ ولكن يصحح بدرجة عالية، أي الخيارين يأخذ؟ إذا لم يتصدى أحد كان عليه أن يأخذ بالخيار الأصعب الذي لا يقدره غيره، أو أن غيره متخل عنه. أنت الآن تستطيع أن تبني حوزة والإمام الحسين عليه السلام لا يستطيع أن يبني حوزة؟ وإذا يزيد يعرف أن حوزة علمية عند الإمام الحسين عليه السلام يمارس دور الدين مثل عبدالله بن عمر مثلا. فمن أمكنه الدور الكبير في التضحية وخاصة مع الانحصار لعدم التيسر للغير أو التصدي، لم يجزِ منه الدور التضحوي الأقل ويتعين عليه الدور الأكبر وأن كانت الشهادة.

 

كل مسلم وكل الأمة لكل منهما مسئوليتان، مسئولية أن تعد نفسك للشهادة، لإعداد النفسي، الإعداد الإيماني، الإعداد الأخلاقي، الإعداد الفكري، الشهادة لا تحصل بأي قتل، بقتل في سبيل الله، وسبيل الله يحتاج تبينه إلى فقه وإلى وعي وإلى رؤية؛ ولذلك جاء أنه في الدرجة العالية من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر أرجعوه لمن؟ لإذن الإمام عليه السلام أو نائبه الخاص أو نائبه العام، مالك الأشتر وهو نائب خاص للإمام علي عليه السلام كان يستطيع أن يأذن بأمر بمعروف ونهي عن منكر فيه إعمال اليد، ويؤدي للقتل و الانقتال، والنائب العام له هذا الشأن.

 

فواجب المسلم أن يعد نفسه الإعداد الفكري والنفسي والروحي للشهادة كما يعد للنصر، استقامتك أنت فيه إعداد لنصر الله، استقامة عائلتك فيه إعداد لنصر الأمة، وانحرافي فيه إعداد لهزيمة الأمة، انحراف عائلتي فيه إعداد أكبر لانحراف الأمة ولتبعيد النصر، الإعداد على كل مستو من المستويات لتحقيق النصر، تعلم أكثر، إذا كنت جبانا فعلي أن أعالج هذا الداء في داخلي بمقدار ما أستطيع إعدادا لقبول الشهادة، وإعداد للنصر لأني فرد من أفراد الأمة، والأمة في نصرها محتاجة إلى كل طاقة من طاقاتها، وحالة الجبن عي حالة مسقطة للقوة، ملغية للطاقة، تخسّر الأمة ملايين من الناس. أجلب عشرة ملايين كلهم جبناء، غثاء كغثاء السيل لا قيمة لهم، تأتيك أمة كلها جُهال لا يعرفون أن يقدرون تقدير سياسي، ليس لديهم خبرة، مجتمع أمي، لا يملك خبرة، ولا يملك وعيا، ضِعاف. علينا أن نعد لنصر الأمة، ونعد أنفسنا لقبول الشهادة.

زر الذهاب إلى الأعلى