خطبة الجمعة (320) 4 ربيع الثاني 1429هـ – 12 ابريل 2008م

مواضيع الخطبة:

* متابعة أخرى لموضوع ذكر الله *المرأة الإنسان والواقع *تهويل وغلو

الحكومة مسؤولة بين يدي الله سبحانه وتعالى حين أغمضت العين لا عن عجز عن دم غالٍ للشاخوري والجدحفصي وعن دماء أخرى عزيزة من قبل، وهي غير عادلة حين تعزّ دماً وتذل آخر. وهي تغري بأن يسيل الدم حين تفعل ذلك.

الخطبة الأولى

الحمد لله الذي لم يخلق شيئاً عبثاً، ولم يُكلِّف عباده اعتباطاً، ولا يُهمِل لأحد منهم عملاً، ولا يُضيع له أجراً، ولا يجزيه ظلماً، ولا يستوي مع عدله عدل، ولا يبلغ إحسانه إحسان.
أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلّى الله عليه وآله وسلّم تسليماً كثيراً كثيراً.
عباد الله علينا بتقوى الله، وأن ننظر إلى الدُّنيا كما نظر إليها عبادُه الصالحون، وقد اتّخذوها دار معبر، لا دار مُقام، وجسراً للآخرة لا مرتع لعب ولهو ومجون، وقدروها قدَرها فركبوها لغاياتهم النبيلة، وماركبت منهم عقلاً، ولا استولت لهم على قلب، ورأوا أن زاداً من زاد الدنيا كزاد طعام وشراب لِمتعة بدنٍ صائر إلى ما تعلمون وتكرهون، وأن زاداً من زاد الآخرة كزاد معرفة بالله، وتقوى من تقوى القلوب لإلى بقاء، وإن صاحبه لموافيه زاداً كريماً في آخرته؛ أنيساً له في موته وقبره، ونوراً بين يديه في نشره، وسعادة أبدية لا كدر فيها يوم يصير النّاس فريقين فريقاً في الجنّة وفريقاً في السعير.
اللهم صل وسلم وزد وبارك على حبيبك المصطفى وعلى آله الأخيار الأطهار. واغفر لنا ولإخواننا المؤمنين والمؤمنات أجمعين، وتب علينا إنك أنت التواب الرحيم.
اللهم لا تجعل للنَّفس الأمارة بالسوء علينا سلطاناً، وادحر عنا عدوَّك وعدوَّنا الشيطان الرجيم، وثبت أقدامنا على الصراط يوم تزل فيه الأقدام برحمتك يا أرحم الراحمين.
أما بعد فهذه متابعة أخرى لموضوع ذكر الله:

الآية الكريمة تقول: {فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ وَاشْكُرُواْ لِي وَلاَ تَكْفُرُونِ}(1).
أما ذكر العبد لربّه فهو ذكر تعظيم وتوقير، وذكر خوف ومحبّة، وذكر تعلّق الفقير بالغنيّ، والضعيف بالقوي، والفاني بالدائم، وأما ذكر الله عبده فهو ذكر تشريف وإكرام، وعطاء وقضاء حاجات، وتفريج كربات، ودفع بلايا، وردّ كيد، ذكر إغناء وحماية ووقاية وهداية. وإنّه لذكر به يتدفّق فيض اللهّ الغنيّ الحميد على هذا العبد المحتاج الفقير.
“قال الله تعالى: لا يذكرني عبد في نفسه إلاّ ذكرته في ملأٍ من ملائكتي، ولا يذكرني في ملأ إلاّ ذكرته في الرّفيق الأعلى”(2).
وسط ذكر العبد لربّه، هو الوسط الذي نعيشه، وسط خليط من مؤمن وغير مؤمن، من راسخ إيمان ومَن كان له إيمانٌ سطحي، أما ذكر الله العبدَ فهو ذكر في الملأ الأعلى، في ملأ ملائكة في الرفيق الأعلى، فترتفع قيمة العبد في ذلك الملأ، وينظر إليه ملأ الملائكة نظرة احترام وتوقير وعناية، وفرق هائل بين أن يكون الاحترام والتعظيم من إنسان مهتزّ الإيمان، قلق العقيدة، له فسق، وبين أن يكون الاحترام والتعظيم من ملائكة الله تبارك وتعالى، أن يرتفع ذكر العبد في العبيد الذين تكثر أخطاؤهم هو غير أن يرتفع ذكر العبد في ملأ الملائكة الذين رفع الله شأنهم.
“(في الدعاء).. وقلتَ وقولك الحقّ {فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ} فأمرتنا بذكرك ووعدتنا عليه أن تذكرنا تشريفاً لنا وتفخيماً وإعظاماً وها نحن ذاكروك كما أمرتنا فأنجز لنا ما وعدتنا يا ذاكر الذّاكرين”(3).
من ذكره الله عزّ وجلّ ذكر رضا، وذكر عناية ورحمة ورأفة ولطف أغناه ذكره سبحانه عن كل ذكر، فلتنسك الملوك، ولتنسك العشائر، ولينسك الأصدقاء، ولتتنكر لك الدنيا كلّها فإن ذلك لا يضرّك شيئاً ما دام لك ذكر حميد عند الله.
“أوحى الله تبارك وتعالى إلى داود عليه السّلام: قل للجبّارين: لا يذكروني فإنّه لا يذكرني عبد إلاّ ذكرته، وإن ذكروني ذكرتُهم فلعنتُهم”(4).
ذلك لأنهم إما أن يذكروا الله تبارك وتعالى ذكراً غير حميد فلا يستحقون إلا اللعنة، وإما أنهم يذكرونه الذكر الحميد فتأتي سيرتهم معصية وعناداً على خلاف ما ذكروهم وكأنها سخرية واستهزاء، وبذلك لا يستحقون في ذكر الله لهم إلا اللعنة.
للذكر ثمرات، والحديث فيها من جهتهم عليهم السلام كثير، ويُقتصر على بعض ما ورد عنهم صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين.
“(فيما أوصى الإمام إلى ابنه الحسن عليه السّلام) أوصيك بتقوى الله يا بنيّ ولزوم أمره، وعمارة قلبك بذكره”(5).
القلب بدون ذكر الله خراب، يعثو فيه الشيطان فساداً، ويزرعه حقداً وضلالاً، ويلعب به كما يشاء، وما لعب الشيطان بقلب إلا وأفسده.
والقلب يعمر، وينمو، ويزكو، ويطهر، ويعلو، وإنما كلّ ذلك بذكر الله سبحانه وتعالى.
القلب الذاكر ماذا يذكر؟ يذكر كمالاً مطلقاً بكل معنى الكلمة، يذكر القدرة، الرحمة، الجود، الكرم، يذكر كل الأسماء الحسنى، وخير الأسماء الحسنى.
وقلبٌ يتوجّه ببصيرته إلى الأسماء الحسنى، وينشدّ إلى أفقها اللامحدود، ويحاول أن يقترب شيئاً ما منها مسترفداً لابد أن يعمُر، ولا بد أن يطهُر، ولابد أن يقوى، ويسمو، ويعلو.
“من عمر قلبه بدوام الذّكر حسنت أفعاله في السّر والجهر”(6).
أفعالنا تصدر عن قلوبنا، وتأتي الأفعال في مستواها من مستوى ما يكنّ القلب ويختزن، فإذا طهر مضمون القلب جاءت الأفعال طاهرة، والنيّات سليمة. القلب العامر بالعلم، العامر بالتقوى تزكو أفعال صاحبه وتطهر، وتصح.
“مداومة الذّكر قوت الأرواح ومفتاح الصّلاح”(7).
تبقى الأرواح جائعة، متضوّرة فتمرض، وتضعف، ويتلاشى في داخلها النّور، وتخبو وقدة الهدى في تلافيفها، ولا تصحّ الأرواح، ولا تنهض من سقم، ولا يشتدّ لها عود، ولا تقوى على مجابهة الباطل إلا بزاد، وليس للأرواح من زاد هدى، ومن زاد نور إلا بذكر الله سبحانه وتعالى.
ولا شك في أنَّ الأرواح إذا استقت وتغذّت من ذكر الله عزّ وجلّ صلحت فصلح بعد ذلك كل أثر منها.
“(في الحديث القدسي) أيّما عبد اطّلعت على قلبه فرأيت الغالب عليه التمسّك بذكري، تولّيت سياسته وكنت جليسه ومحادثه وأنيسه”(8).
وليختر أحدنا بين أن يتولّى سياسة قلبه الشيطان أو الرحمن، بين أن يُعطي مشاعره لربّه يصوغها بعنايته ورحمته ولطفه، وبين أن يستسلم لصياغة الشيطان، بين أن يكون جليسه ومحدثه وأنيسه أعدى عدوّ له وهو الشيطان، وبين أن يكون الجليس والمحادث والأنيس له أرحم الراحمين، وأكرم الأكرمين، ومن هو على كل شيء قدير.
بذكر الله يكون المتولّي لسياسة القلب وجليسُه ومحادثه وأنيسه هو من تخضع له جباه الملوك، وتندكّ أمام عظمته الجبابرة.
“الذكّر نور العقول، وحياة النّفوس، وجلاء الصُدور”(9).
العقول تعشو وإن كانت على ذكاء، ويغيم أمامها الطريق في المسائل الكبرى، والقضايا الأهم، العقول تعمى وينسدّ عليها الطريق، وتسقط في الظلمة والضلال إلا بذكر الله. تجده يحمل أعلى شهادة في أعقد علم من علوم المادة إلا أنه يسجد لصنم، ويسلك طريق الشّر، ولا يملك نفسه أمام ما يعلم أنه يقتله من إدمان خمرة أو إدمان فحشاء، ويظلّ حائرا لا يعرف الله، وهو سبحانه وتعالى أظهر ظاهر، وأسطع نور، وليس من ظهورِ ظاهرٍ إلا به.
نعم، والنفوس تبقى ميّتة ولا يحييها إلا ذكر الله. والصدور يجتمع على رؤية القلوب فيها ظلمات وضباب، وكلّ ما يحول بين القلب وبين أن يرى الحق حتى يأتي ذكر الله عزّ وجلّ ليزيح كل تلك الظلمات.
“ذكر الله مطردة الشيطان”(10).
فلا يجتمع في قلب واحد أن يحتضن ذكر الشيطان ويحتضن ذكر الله، أن يسكنه الشيطان وذكر الله، أن يسوسه الشيطان ويد الرحمن، فما ذكر قلب العبد ربّه وأصدق الذكر إلا ولّى الشيطان عنه، وإن كان ذلك في أشدّ موارد التحدّي والضغط، وإن كان ذلك في حال تلحّظ الشهوات، وعند أكبر ما يستفزّ الدوافع المادية ويؤججها، تتراجع النفس عن لحظة المعصية وهي على بابها، ورغم كل المغريات حال أن تذكر ربها العظيم، وقد ساق سماحة آية الله العظمى الشيخ محمد طاهر الخاقاني (رحمه الله) حادثة من هذا النوع لأحدهم.
“ذكر الله دعامة الإيمان، وعصمة من الشّيطان”(11).
أن أقرأ كتبا، أن أشتغل بفلسفة، أن أملك الفكر الذي يدفع الشبهات، أن أُمعن النّظر كثيراً كلّ ذلك وحده لا يحمي قضية الإيمان في داخل القلب، الإيمان داخل القلب يحتاج مع ذلك كله إلى دعامة لا تنهدم، وهذه الدعامة إنما يبنيها ذكر الله سبحانه وتعالى عند كل معصية فتجتنب، وعند كل طاعة فتؤتى.
{إِنَّ الْمُنَافِقِينَ يُخَادِعُونَ اللّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ وَإِذَا قَامُواْ إِلَى الصَّلاَةِ قَامُواْ كُسَالَى يُرَآؤُونَ النَّاسَ وَلاَ يَذْكُرُونَ اللّهَ إِلاَّ قَلِيلاً}(12).
من أين يأتي النفاق؟ من أين يأتي اهتزاز الإيمان؟ من أين يأتي اضطراب العقيدة؟ من أين يدخل الشيطان؟ من نسيان القلب لذكر ربّه سبحانه.
المنافقون لو ذكروا الله كثيراً، ووقّروا الله عزّ وجلّ في أولى خطوات إيمانهم، وعند الدرجة الأولى من سلّم الإيمان، وبقدر ما كان من قوّة تلك الدرجة لما أسلم الرَّحمن سبحانه وتعالى قلوبهم ليد الشيطان.
“من أكثر ذكر الله فقد برئ من النفاق”(13).
“من أكثر ذكر الله أحبّه”(14) أي أحبّه الله، أو أحب الله. والمعنيان صالحان.
“اللهم صلّ على محمد وآله ونبّهني لذكرك في أوقات الغفلة، واستعملني بطاعتك في أيّام المهلة(15)، وانهج لي إلى محبّتك سبيلاً سهلة أكمل لي بها خير الدّنيا والآخرة”(16).
اللهم صل على محمد وآل محمد، واغفر لنا ولإخواننا المؤمنين والمؤمنات أجمعين، وتب علينا إنك أنت التواب الرحيم.
اللهم ارزقنا ذكرك وشكرك، وأَلزِمنا جانب طاعتك، واجعل ذكرنا لك موصولا، وطاعتنا لك دائمة، ودعاءنا بالخير عندك مقبولا، ورزقك لنا دارا، وتوفيقك متنزلا، وهدايتك ثابتة يا أكرم من سُئل، ويا أجود من أعطى.
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
{ إِذَا جَاء نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ (1) وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْوَاجاً (2) فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّاباً (3) }

الخطبة الثانية

الحمد لله الذي لا خلق غيرُ خَلْقه، ولا رزق إلا رزقه، ولا تدبير مع تدبيره، ولا خروج لشيء على إرادته، ولا مضاء له على خلاف مشيئته، ولا يقوم الخلق إلا به، ولا تنتهي المصائر إلاّ إليه.
أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلّى الله عليه وآله وسلّم تسليماً كثيراً كثيراً.
أوصيكم عباد الله ونفسي بتقوى الله، وأن نطلب للنفس نجحها وهداها، ونجنّبها ضلالها وشقاها، وما كان لنفس هُدى، وما اجتنبت ضلالاً، وما كان لها نجح وما وُقيت شقاء إلا بطاعة مولاها الحقّ المالك لها ابتداء وبقاء ولأمرها كلّه بلا شريك ولا مُزاحم، وما من مولى كذلك إلاّ الله.
اللهم صل وسلم وزد وبارك على حبيبك المصطفى وعلى آله الطيبين الطاهرين. واغفر لنا ولإخواننا المؤمنين والمؤمنات أجمعين، وتب علينا إنك أنت التواب الرحيم. اللهم اجعلنا لا نشرك بك شيئا، ولا نعبد سواك أحدا، ولا نطلب من دونك ملتحدا، واجعل ثقتنا بك، وتوكلنا عليك، وسعينا لك، وطلبنا رضاك يا من لا يردّ سائله، ولا يُخيّب من رجاه.
اللهم صل وسلم وزد وبارك على الحبيب محمد بن عبدالله خاتم النبيين والمرسلين، الصادق الأمين، وعلى علي أمير المؤمنين وإمام المتقين، وعلى فاطمة الزهراء الصديقة الطاهرة المعصومة.
وعلى الأئمة الهادين المعصومين: الحسن بن علي الزكي، والحسين بن علي الشهيد، وعلي بن الحسين زين العابدين، ومحمد بن علي الباقر، وجعفر بن محمد الصادق، وموسى بن جعفر الكاظم، وعلي بن موسى الرضا، ومحمد بن علي الجواد، وعلي بن محمد الهادي، والحسن بن علي العسكري، ومحمد بن الحسن المهدي المنتظر القائم.
اللهم صل على محمد وآل محمد، وعجل فرج ولي أمرك القائم المنتظر، وحفه بملائكتك المقرّبين، وأيده بروح القدس يارب العالمين، وعجّل فرجه يا كريم.
عبدك وابن عبديك، الموالي له، الممهد لدولته، والفقهاء العدول، والعلماء الصلحاء، والمجاهدين الغيارى، والمؤمنين والمؤمنات أجمعين وفقهم لمراضيك، وسدد خطاهم على طريقك، وانصرهم نصراً عزيزاً مبيناً قريباً.
أما بعد فهذه بعض مسائل:
المرأة الإنسان والواقع:
الإنسان بدناً: لحم ودم وعظم…إلخ، وهو كذلك فكر ومشاعر لا يبارح أي منها الطين، ودوافع وحاجات وضرورات وشهوات ولذائذ بدن. وهو بذلك كلّه حتى بأفكاره وبمشاعره المذكورة على حدّ الحيوان.
وإنَّه كان له فكر لكنّه منشد دائما إلى المادة، وإن كانت له مشاعر ولكنها مرتبطة دائما بالأرض حيوان. والإنسان مما هو فوق ذلك عقل متجاوز لحدود المادة وحاجاتها، وقلب عارف، وروح مشعّة، ونفس زكيّة، وأشواق سماوية طاهرة، وهدف كبير وراء هذه الحياة، وخلق رفيع مستضيء بأسماء ربّه الحسنى.
والإنسان بذلك ملك لا حيوان.
ورحلة الحياة يجب أن تكون صعودا إلى سماء الملائكية، لا هبوطا إلى منحدر الحيوانية.
والإسلام وحده هو المنهج الصاعد بحياة الإنسان، أمَّا المادية الساقطة فلابد أن تكون طريق الانحدار.
والإنسان روحا وبدنا محترم في الإسلام، ولا يُنقصُ الإسلام أحدهما حقّه.
وظلم الإنسان في روح أو بدن قبيح، إلا أن ظلمه وخيانته في بُعده الروحي أقبح وأفدح.
والنظر للمرأة أو الرجل ليس إلا جسداً يحتاجه الآخر، ويستمتع به؛ إلغاء لإنسانية الإنسان، وفتك بها، وتحقير لهذا المخلوق الكريم.
وإذا عُمّمت المرأة جسداً لمتعة الرجال، ونيلت منها الشهوة حراماً كان ذلك حطّا شنيعاً لقدرها، وأكثر إيغالاً في هدر ما وهبها الله من كرامة.
والذين يعملون على إسقاط حياء المرأة لتكون سلعة رخيصة، ومقضى للشهوات الحرام إنما يلغون بذلك إنسانيتها ويسحقونها سحقاً.
والمرأة في كل الأرض مستهدفة من الكثيرين بشتَّى الأساليب، ولدواع شريرة مختلفة، وبشعارات جذّابة منها شعار حقوق المرأة، وشعار حريتها، والانتصار لها لتنفصل عن المحور الحافظ لإنسانيتها وهو الدين الحقّ، وتسقط في مستنقع الرذيلة، ولتباع وتُشترى، ويُتاجر بها متاجرة السلع الرخيصة، ولتتحول أداة طيّعة في يد السياسة الظالمة الباغية القبيحة.
والمرأة المسلمة التي تعتزّ بدينها وشرفها صارت تعيش المعاناة من الكثير من التحديات والإهانات والتعديات والاستهداف الخبيث لتنحدر المنحدرات، وتسقط في الساقطات؛ وهي بإذن الله ثابتة كل الثبات، منتصرة في مقاومتها الصلبة الواعية لمحاولات الحرف والتضليل والإسقاط.
والمرأة في البحرين مستهدفة بالتضليل والإغواء والإحراج والإيذاء في العديد من الساحات والمواقف الحياتية العامة من أجل أن تستسلم، وأن تهترئ إرادتها، وأن تذوب. ومستشفى الولادة في السلمانية واحد من هذه الساحات:
1) هناك يمارس في حق المرأة في ساعات الولادة المحرجة جداً عمليات تصل إلى حد الإكراه والإلجاء لقبول توليد الرجل لها، وهي في الوضع الذي يصعب على نفسيتها الكريمة أن يحضرها أحد الرجال ولو كان زوجها، ووضعها عند ذاك وضع خاص معروف عند النساء في مستشفيات الولادة.
وينقل بعض الأزواج أن أهله كانت تضج أثناء معاينة فريق من الرجال لها على تلك الحالة، وليس شخصا واحدا.
ومن النساء من يستولي عليهن البكاء وهن يروين معاناتهن وما يتعرضن له من المهانة وسحق الكرامة، والاستخفاف بالعِرض في تلك الحال كما ينقل أحد الاخوة الثقاة ممن اشتكت عنده بعض النساء.
وما تُقابَل به المرأة المؤمنة الشريفة وهي تمتنع عن هذا الاستهتار لكرامتها هو كلمات الهزء والسخرية في وقت هي أحوج ما تكون فيه إلى ما يهدّئ روعها، ويطمئنها، ويوفِّر لها السكينة.
والاعتذار المالي لعدم وجود عنصر المرأة من طبيبات الولادة بصورة كافية عذر واهن وغير وارد، وكم هي الملايين التي يلعب بها اللاعبون من خزانة الدولة، ولاعذر الإداري واهن وغير وارد لأنه يعالج بالمال، وكل عذر آخر غير وارد والعملية مقصودة، وشرف المرأة هو المستهدف.
وهذا الإلجاء تاريخه قديم يذكرني بمحاولة استجواب لوزير الصِّحة في المجلس الوطني الأول، إذ كان يتعمَّد أن يجمع بين رجلين طبيبين للتوليد في مستشفى المحرق، وأن لا تكون إلا طبيبة واحدة بدل ما كان من وجود طبيبتين وطبيب واحد، وكانت التعليل موجودا في رسالته إلى مسؤولة المستشفى وذلك لتقبل النساء بتوليد الرجل تحت ظرف الإحراج والالجاء.
وعجيب لمن يسمّون أنفسهم بالتقدمّيين وهم عندنا متخلّفون! إنهم لا يأخذون من الغرب إلا ما خبث، ويَدَعون ما طاب، وقد يوجد في الغرب طيّب، فهناك اعتراف ببعض الحقوق من حقوق الإنسان، وهناك رعاية ذوق في بعض الجهات.
الشخص قد يكون موجودا هنا وهو ثقة عالي الثّقة، وهو ينقل أنه أخذ أهله إلى مستشفى في لندن وذلك لمرضى نسائي فاعتذر المستشفى عن إجابة طلبه لطبيبة لأنه لا توجد امرأة في الدوام حينذاك، فخرج من المستشفى لعله يريد الرجوع إلى البيت إلا أن طبيبة اتصل بها المستشفى فركبت سيارتها والتحقت به في الطريق لكونه مسلماً لا يجيز له الإسلام القبول بطبيب رجل لزوجته بلحاظ خصوصية المرض، أما في مستشفى السلمانية فإذا طلبت المرأة امرأة، والرجل رجلا قد يهزأ به طبيب من غير الأخوة الأطباء المحترمين، أو طبيبة من غير الطبيبات المحترمات.
إنه لابد للنيابي من التحقيق في المسألة، والوصول بالقضية إلى حل يحفظ كرامة الأخوات وشرفهن وغيرتهن.
ثم إنه لابد للنساء من الاحتجاج على هذا الوضع المسيء المزري الموغل في ظلم المرأة وإهانتها.
وإذا كان دعاة التقدم الكاذب وحقوق المرأة لا يرون في المرأة إلا جسداً من دون روح إنسانية كريمة، عشّاقة لله سبحانه وتعالى، ساجدة له، فهل يرون أن هذا الجسد هو ملك للجميع؟ ومباح للجميع؟
إنهم يرون في مسّ الرجل زوجه في فراش الزوجية ما لم توقّع على ذلك مسبّقاً عنفاً وجريمة يعاقب عليها القانون، ثم يسكتون على ما يعلمون من الجرائم المرتبطة بحال الولادة والفحص على الحوامل وغير ذلك.
إنه التغريب، وإنّها المفارقة الفاضحة، والمهزلة السخيفة، والمنطق المعكوس، والموازين المختلّة، والنظرة المنحرفة، والكيد الخبيث بهذه الأمة.
تهويل وغلو:
كان لسماحة الشيخ حسين النجاتي حفظه الله وأيّده كلمة في خطبة الجمعة السابقة ركّزت في بعض منها على:
أنه نصح بالتوقف عن مسيرة احتجاجية تتعلق بموضوع الموقوفين الذين طال إيقافهم بصورة أخسّ من الاعتقال، وقد تكرر النداء بإطلاقهم، لأن ما يدينهم اعترافات لا قيمة لها في شريعة الله وحتى في شرائع الأرض الجائرة.
البعد الثاني الذي ركزت عليه الكلمة هو عدم مصادرة الحق الشرعي والدستوري والقانوني في الاحتجاج على ما يراه الناس ظلما وخرقا للقانون وهدرا للكرامة.
ثم جاء دور الصحافة العادلة النزيهة لتوجّه إلى سماحة الشيخ سيلا من الاتهامات التي لم تبقِ له شيئاً من الوطنية، ولا الحكمة، ولا التعقّل، ورمت ساحته الشريفة بالتحريض، والتدليس، والكذب، والافتراء، والظلم، والعدوان في لغة انفعالية ملتهبة مشبّعة بأسوأ صور التهويل والغلو، وحالات الانفلات التي قد تعاني منها الكلمة على يد أقلام محكومة للعواطف.
هذا التهويل والانفعالات الطاغية لا تخدم الساحة، ويمكن أن تضاعف من حالات الإرباك فيها، ولا يصح أن يعوّل عليها في محاكمة القضايا وتقييم الآراء.
ويبقى التعبير الاحتجاجي بالوسائل السلمية أمرا مشروعا ولا غنى عنه لأي شعب من الشعوب.
وما قالت به كلمة سماحة الشيخ هو حق الاحتجاج وأين هذا القول من الدعوة إلى العنف، واغتيال أمن الوطن الذي الصقته الصحافة بذلك القول؟!
ومن جهة أخرى لا صلة لها بهذا الموضوع فإن القتل وسفك الدم الحرام بغير وجه شرعي بدأ يتبادل في أرض هذا الوطن، وفي ذلك انتهاك لضرورة من ضرورات الدين، وإعلان لمرحلة جديدة تتسم بالدموية المغرقة، والجاهلية السوداء.
كفّوا جميعاً عن قتل النفس المحرّمة، وإلا وَجَد هذا الوطن أبناءه يخوض بعضهم في دماء بعض ومن غير حساب.
والحكومة مسؤولة بين يدي الله سبحانه وتعالى حين أغمضت العين لا عن عجز عن دم غالٍ للشاخوري والجدحفصي وعن دماء أخرى عزيزة من قبل، وهي غير عادلة حين تعزّ دماً وتذل آخر. وهي تغري بأن يسيل الدم حين تفعل ذلك.
أما نحن فنرى أنَّ كل دم أعزّته الشريعة فهو عزيز، وكل دم محقون فيها لابد أن يُحقن، وأنّ كل نفس كرّمها الله فهي كريمة، ولا ترخص قطرة دم إلا بحكم جليّ من الدين، ولا سفح للدم مع الشبهة، والحدود تُدرأ بالشبهات، ولا نفرّق في احترام الذي حرّم الله بين دم وآخر من أبيض أو أسود، من شعب أو حكومة.
اللهم صل وسلم وزد وبارك على حبيبك المصطفى وعلى آله الطيبين الطاهرين، واغفر لنا ولإخواننا المؤمنين والمؤمنات أجمعين، وتب علينا إنك أنت التواب الرحيم.
اللهم انصر من نصر الدين، واخذل من خذل الدين، وأحلل غضبك بالقوم الظالمين. ربنا هب لنا خير الدين والدنيا، وجنبنا شرهما يا أرحم الراحمين.
{إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاء ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ}

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 – 152/ البقرة.
2 – كنزل العمال ج1 ص420.
3 – بحار الأنوار ج94 ص152.
4 – بحار الأنوار ج93 ص320.
5 – بحار الأنوار ج77 ص199.
6 – غرر الحكم.
7 – غرر الحكم.
8 – بحار الأنوار ج93 ص162.
9 – غرر الحكم.
10 – غرر الحكم.
11 – غرر الحكم.
12 – 142/ النساء.
13 – غرر الحكم
14 – بحار الأنوار ج93 ص160.
15 – والسنون تتقوّم بأيام، والمهلة لا يدري أحدنا أنها سنون أو أيام أو لحظات.
16 – الصحيفة.

زر الذهاب إلى الأعلى