آية الله قاسم .. مأساة غزة

أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الغوي الرجيم، بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، الصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله الطيبين والطاهرين واللعن على أعدائهم إلى قيام يوم الدين.

 

الكلمات لا يمكن أن تصف الواقع المؤلم في غزة، المدنيون قالوا لهم بأن أمامكم العدو من خلفكم البحر، فإمام الموت قتلا، وإما الموت غرقا، بمعنى أن هناك حصارا مشددا يجعل الموت يواجه المدنين فضلا عن المقاتلين بلا مفر، مع ما يعرفه العالم من تجويع وغيره. هذا المواقع المأساة أمام مرأى العالم، يمتحن الضمير العالمي، ويمتحن الواقع الإسلامي داخل الأمة، كم داخل الأمة من إسلام؟ كم بقي من قيمها؟ كم بقي من غيرتها؟ كم بقي من إحساسها الإيماني؟ كم بقي من تحملها العملي بواجب نصرة المظلوم على الظالم؟

 

فالأمة أمام امتحان قاس في هذه الأيام، والعملية عملية وزن لواقع هذه الأمة، وهذا الوزن يبني عليه العدو والصديق، إذا انتهت المحنة بأي صورة من الصور مع تثبيت رؤية عند العالم الخارجي عن هذه الأمة بأن وزنها خفيف، وأنها غير مقامة، وترضى بالذل، هذه التجربة تعطي فرصة لمزيد من الطمع والاستئساد على هذه الأمة ومع الأسف الشديد.

 

لو وقفت الأمة الوقفة الرجولية الصامدة الشامخة، وبذلت ما في وسعها لصد العدوان ورد الظلم، لأعطت عن نفسها صورة لا تطمع العدو وتزيد في ثقة الصديق، على كل حال هي تجربة عملية ستضع الأمة في موقع خاص في نظر العالم، حسب ما تتجلى عنه من ليس نتائج فقط، إنما من مواقف عملية على الأرض لهذه الأمة أنظمة وشعوبا.

 

صورة أن يتحرك العالم الخارجي على مستوى الشعوب، وبحماس هائل على أي مستوى من المستويات، وأن تصمت شعوب، هذه الأمة بشعة، وصورة مخجلة ومؤلمة ويائسة وبائسة عن هذه الأمة، وتسبب انحطاط في قدر هذه الأمة عند الأمم الأخرى.

 

أن تعلن بعض الأنظمة خارج الدائرة الإسلامية، خارج الدائرة العربية، بالمقاطعة لإسرائيل، بطرد السفير، بإنهاء علاقات مثلا، وأن تكبر هذه الخطوة نفسها على أنظمة الأمة، هذه تجربة مرة جدا، وصورة قاتلة تحطم شعور أبناء هذه الأمة، وتضع هذه الأمة موضع الإزدراء والسخرية من قبل الأمم الأخرى.

 

الجميع الآن يرفع شعار رفع الحصار، إنقاذ غزة. حسنا لابد من رفع الحصار، لابد من إنقاذ غزة، لكن هنا سؤالان: متى رفع الحصار؟ متى إنقاذ غزة؟ كيف يكون إنقاذ غزة؟ أي ثمن تعطيه غزة، ويعطيه العرب، ويعطيه المسلمون، ويعطيه الكرامة الإسلامية، ويعطيه الواقع الديني، وتعطي عزة العرب والمسلمين، لإنقاذ غزة؟ هذا هو محل الخلاف.

 

الحصار يرتفع اليوم، أو بعدما يتأكد الجميع أن لا قدرت على المقاومة، ليكون الاستسلام للأمر الواقع، رفع الحصار اليوم غير رفع لحصار غدا، أو بعد غد أو بعد أيام، رفع الحصار متى؟ انعقاد القمة كان متى؟ تأخيرها إلى متى تُأخر؟ فصحيح أنك ترفع شعار وإنقاذ غزة، ما هو تحركك؟ طريقك ما هو؟ الارتماء؟ إدانة حماس والجهاد والمقاومة؟ تقديم ترضيات إسرائيل ولأمريكا؟ إعطاء أي ثمن؟ يعني هذا معناه ليس رفع الحصار وليس رفع المحنة عن غزة، وإنما معناه النصرة لإسرائيل، تحقق الهدف لإسرائيل.

 

إسرائيل بعد أن تحصل على تسليم واستسلام ورفع يد عن المقاومة، وتتأكد من تجفيف منابع المقاومة، وتسد كل المنافذ والطرق للمقاومة، وتقتل في الإنسان العربي والمسلم روح المقاومة، لا حاجة لها في القصف، لا حاجة لها في الحصار. فالخلاف الجوهري بين فريقين من الأنظمة بعد رفع الشعار “تخليص غزة، إنقاذ غزة، رفع الحصار عن غزة، إغاثة المنكوبين في غزة” بعد رفع الشعار، الخلاف على الأسلوب، على تقوية المقاومة؟ أو على فرض الاستسلام على المقاومة؟ فرض الاستسلام على المقاومة سينهي حالة الحصار، وسيخلص نفوس البقية من الموت، ولو في المدى القريب المنظور، يعني على مستوى مسافة زمنية معينة، بعد ذلك ماذا يحدث؟ ذاك أمر آخر.

 

الوقوف مع المقاومة، دعم المقاومة بكل الأساليب الممكنة، بقطع العلاقات، بالتهديد الاقتصادي، بالتحرك الدبلوماسي الجاد، بعدم إعطاء الإشارات الايجابية لإسرائيل، هذا يمكن أن يوقف الحصار، يمكن أن ينقذ غزة. الخيار يتجه إلى أين؟ فيما يبدو أن خيار قسم من الأنظمة يتجه إلى الثاني إما للإحساس بأن حماس والجهاد والمقاومة ليست على الخط الصحيح -إحساس عند هؤلاء- أو اليأس، أقل تقدير إذا لم يكن هذا معاداة لحماس والتوجه الإسلامي وخط المقاومة، بأنه يفرض واقعا جديدا وتكاليف، ويتطلب تغير علاقات، ويشتت جبهات لو ساد في الأمة، ويخلق معادلات جديدة في الساحة السياسية، إما خوف من هذا أو اليأس من تحقيق نصر على إسرائيل.

 

كثيرون لا يسلمون بأن هذه الأمة بكل إمكاناتها، والأنظمة العربية فضلا عن الأنظمة الإسلامية، عاجزة عن الضغط -ليس عن طريق الحرب- عن طريق الضغط السياسي والاقتصادي وغيرهم، ليست عاجزة عن رد هذه العدوان على غزة، الآن لا يراد سحق إسرائيل، المعركة ليست معركة قائمة بهدف إسقاط إسرائيل، إلغاء إسرائيل، محو إسرائيل، هذه معركة قائمة بهدف القضاء على المقاومة في فلسطين، وفرض حالة استسلام على الفلسطينيين وعلى أمة بكاملها. طبعا هدفان يختلفان. الهدف الأول محو إسرائيل يتطلب ثمن أكبر، يتطلب حربا طاحنة، وأما أن تبقى المقاومة أو لا تبقى، بقاء المقاومة صحيح يتطلب ثمنا، لكن ليس هو ذاك الثمن، ثمن إلغاء إسرائيل.

 

طبعا لو جدت الأمة واتحدت، ووظفت إمكاناتها الكبيرة من أجل الهدف الأول، لم يكن مستحيلا. لكن الكلام ليس في الهدف الأول الذي يتطلب كلفة عالية أكبر من الكلفة التي يتطلبها أن تبقى المقاومة الفلسطينية، ويبقى الباب مفتوحا للمفاوضات شبه المتكافئة، من طرفين شبه متكافئين، أو من طرف أقوى وطرف ثاني يمتلك إمكانات لا تعطي للطرف الثاني أن تلغيه، ويبقى هذا الطرف دائما على مشاغبة الطرف الثاني، على مضايقته، على إنزال خسائر به، على سحق لذة الأمن منه. فهناك تقصير واسع، تقصير كبير في أنظمة الأمة على هذا المستوى كما يعرف الجميع.

 

أي مواجهة فيها إما انتصار وإما هزيمة، انتصار طرف وهزيمة طرف آخر. الذي يمكن أن يقال بأن المقاومة ستتوفر على انتصار على كل حال، الانتصار مرة انتصار مادي، عسكري، يلمسه الناس. ومرة هناك انتصار إرادة، انتصار معنوي -سأقول عنه- هذا الانتصار المعنوي يعني الاحتفاظ بالإرادة، قوة الإرادة، الإرادة المقاومة والمبدئية.

 

مرة تلغى مبدئية هذا الطرف، يحقق أحد الطرفين نصرا عسكريا ساحقا يقضي على إرادة المقاومة عند الطرف الأخر، أو يلغي مبدئية، يتخلى عن رساليته، يتخلى عنه قناعاته، يتخلى عن خطه، الواضح الآن من الحالة القائمة أن المقاومة منتصرة انتصار معنويا على مستوى الانتصار المعنوي هذا محرز. لا يتوقع ارتماء، لا يتوقع تخلي عن مبدأ الجهاد، عن مبدأ المقاومة للغازي، ليس هناك استعداد بالتوقيع على صفحة بيضاء يملي ما يريده الطرف الآخر فيها، ما يريد بعد هذا التوقيع، كل هذا غير موجود. موجودة ظروف صعبة بلا إشكال، عدو شرس، لا تقاس قوة المقاومة بقوته، موجود ظهر وسند وحماية للطرف القوي عسكريا، موجود تعرية لظهر الطرف الضعيف عسكريا، موجود خذلان، موجود شيء أكثر من خذلان من جبه العامة التي كان ينبغي أ، تكون سنده وداعمة ورافده من خلفه.

 

طبعا هذا الواقع له تبعات، وأن منتصر عسكريا تملي ما تريد، وأنت في موقع آخر لا تستطيع أن تملي ما تريد، وقد يضطرك الأمر إلى أن تتراجع عن بعض مطالبك، هذا أمر واقع. لكن هل تتخلى عن مواصلة طريق الجهاد؟ هل تكفر بالمقاومة؟ هل تذوب في إرادة الآخر؟ هل تيئس؟ هل تعطي توقيعا يوافق على إلغاء ذاتك؟ على إلغاء رسالتك؟ هذه هي الهزيمة الكبرى، وهذه لن تكون، للمقاومة عندها انتصار معنوي، وسيبقى هذا الانتصار المعنوي أن شاء الله، الانتصار العسكري في الحقيقة ليس المسئول عنه المقاومة، المسئول عنه الأمة، وفي مقدمة الأمة الأنظمة، فلو كانت هزيمة عسكرية فهي ليس هزيمة مقاومة في الحقيقة، هي هزيمة أمة، المقاومة إذا كانت توخت كل شيء، وكان قرارها القرار الصائب، وكانت متوفرة على مراعاة المعادلة الخارجية، وكان لها تقديرها الذي بذلت فيه وسعها، ليكون أقرب إلى الدقة، وإلى الموضوعية، فهي خارجة من التكليف بعد ذلك. تبقى الأمة، أنظمة الأمة التي هي المسئول الأول.

 

مع عدم النصر العسكري لا سمح الله، قسم من الأنظمة مسجلة على نفسها الهزيمة المعنوية، فستكون هزيمة عسكرية بكاملها، من أراد ومن لم يرد، من أذنب ومن لم يذبب، من كان يملك نصرة ومن لم يملك نصرة. وهي هزيمة معنوية ثابتة بالنسبة للأنظمة.

 

الشعوب، معروف أن شعوب هذه الأمة مكبلة ومقيدة، وحتى لو أعطوك فرصة الصوت، الصوت فيه نصرة، فيه مخاطبة لما تبقى من حياة للضمير العالمي على مستوى شريحة عالمية لا بأس بها، لكن في الشعوب خزان كبير كان يمكن أن يعطي المعركة رجالا، مالا، خبرات، تخصصات، على كل حال أمة مجردة عن القدرة على استعمال السيف، ليس البندقية، أمة يربى شبابها على الخوف من حمل السيف فهي أمة مكبلة حقيقة، حتى لو صرخنا ما نصرخ هذا المليار وكذا صار يصرخ وإسرائيل قليلة العدد خمسة ملايين تقريبا كلها مسلحة وكلها تجيد استعمال السلاح، الحناجر لا تقابل فتك السلاح. الآن أهل غزة لو كانوا مسلحين، كان الجميع مسلحين رجل وإمرة، شابا وشيخا وأسلحة فاعلة ما كان يمكن أن يحدث هذا كله، لو كانوا كلهم مقاتلين كلهم قادرين على القتال وعندهم خبرة، ومسئولية الأمة أمس واليوم وخاصة في مثل هذه الظروف أن تعطي القدرة القتالية لأكبر عدد ممكن، ولو لحالة الطوارئ؛ لأن أمة مستهدفة.

 

أيضا حركة الشعوب لا تنتظم ضمن قرار ثابت واضح و مركزي فيها اجتهادات، فئات تخرج من هذا الشعب وفئات تخرج من ذلك الشعب بصورة وأخرى، تكاد الشعوب -بعض الشعوب – تبرئ ذمتها، بمثل هذه المسيرات والتجمعات، لكن لو كان واقع الشعوب غير هذا، طبعا غير مقنع، لا يمكن. حتى لو انهال الناس على غزة، على حدود غزة بالملايين، لا يمكن في هذا العالم أن يكون قصف يقتل لك خمسة ملايين في مثل هذا الغرض الإسرائيلي، لا يمكن.

 

هناك فدائيون، هناك من يريد أن يفدي نفسه، تفتح المجال لأن يكون تمركز جماهيري هائل عند الحدود ومحاولة اقتحام أراضي غزة على ضيقها، ليس متصورا أن يصير قصف يقتل مليون شخص في يوم واحد.

 

الأمة هذه ليس مخزونها بهذا الحجم، ليس بحجم أن إسرائيل في عشرين يوم أو واحد وعشرين يوم -والله العالم كم تكون- تسطير على غزة، تذل الأمة، تفرض إملائاتها وإرادتها على هذه الأمة. مع ما حصل للأمة من إنهاك ومن تهميش، ومن هزال بسبب السياسات الظالمة، لكن حجم الأمة لا زال، ووزن الأمة لا زال أكبر من أن تخسر معركة بهذا المستوى، ومن أن تدحر في معركة من هذا المستوى، ولكن الإرادة الطاغية، والقرار الظالم الرسمي، وعدم وحدة القرار في واقع الأمة الرسمي، كل ذلك يجعل الأمة محل تنفيذ إرادة الآخرين كما يشتهون مع الآسف الشديد. وبدل أن تكون المواجهة بين شعوب الأمة والعدو الإسرائيلي تحول المواجهة في ظل هذا الضغط إلى مواجهة بين الأنظمة والشعوب.

 

هناك درس من هذه المحنة والدروس كثيرة، والقضية حاصلة وتتأكد وهو سقوط الأقنعة، شبابنا أن شاء الله لا ينسون، نحن نقول شبابنا وكبارنا يعرف أن ديمقراطية أمريكا كاذبة، أن ديمقراطية أوروبا معنا كاذبة، أنهم يكيدون بنا ليل نهار هذا نعرفه، يعرفه شبابنا، وهذه تعطي سقوط أقنعة لأنهم يدَّعون ديمقراطيه، ويدَّعون عدالة، ويدَّعون تقدم، ويدَّعون ويدَّعون، وهذا الذي يجري بموافقة وإمضاء من بوش وأمثال بوش، والعالم الاستكباري كله إما أن يسكت ،وإما يعطي مهلة بعد المهلة لإسرائيل لتنفذ أهدافها في غزة.

 

بعد سقوط الأقنعة، واليأس من الطرح الغربي، علينا بالحث عن البديل، لئلا نلغى من هذا العالم، ما هو البديل؟ الإسلام هذا يجب أن يوجه شبابنا بدرجة أكبر جدية إلى الإسلام، والإسلام ليس عاطفة فقط؟ فهم الإسلام، دراسة الإسلام، عقيدة الإسلام، فقه الإسلام، دراسة عقيدة الإسلام، التشبع بروح الإسلام، والإسلام بعيد كل البعد عن العدوانية، حين أقول الإسلام يعني نتحدث عن العدل، نتحدث عن العقلانية، نتحدث عن روح الإخاء الإنساني، نتحدث عن السلَم والأمن، الإسلام عنده حرب، والكفر عنده حرب، والحرب ليس هدفا في الإسلام وليست وسيلة عدوانية، ليست وسيلة لاستثمار الآخر لصالح المسلم، ولا استعمار الآخر لصالح المسلم، هي وسيلة لأن يستثمر الإنسان الآخر حياته لصالحه ولصالح الإنسانية، ولأن تعمر الأرض الأخرى لأهلها قبل غيرهم،ومن أجل معركة رابحة، من أجل معركة تحدث بعد سنين قريبة أو سنين بعيدة تصحح وضع الأمة، وتسترجع حق الأمة، وتعطي العزة والكرامة للأمة، لابد من شيء، المسيرات، المظاهرات مطلوبة في هذه المحنة، كل الحالات التي يمكن أن تعين المظلوم على الظالم وهي ممكنة وتسمح بها الحسابات يجب أن تكون، لكن هذه معركة قصيرة المدى مهما كان، المعركة طويلة المدى هي معركة صناعة الشخصية، وهل نصنع الشخصية،وهل نصنع شخصية الشاب؟ شخصية الجيل هذا الجيل الحاضر؟ الجيل القادم؟ هل نعد لصناعة أجيال الأمة صناعتها على مستوى الشخصية الحاضرة الآن؟ أو شخصية جديدة؟

مطلوب من الأنظمة وكل طلاب القوة يجددون في السلاح، يحاولون أن يحسنوا من واقعهم المادي المالي، وقبل ذلك محاولة العمل على تحسين ورفع الشخصية الإنسانية، مليون لا يغيروا ولا يبدل شيئا في الواقع، نبي واحد، رسول واحد يأتي ليغير وجهة الحياة، ليغير خط الحياة بصناعته الخاصة، المعركة الدائمة التي نخوضها مع الصهاينة، مع كل القوى الطاغية هي معركة صناعة الشخصية الإسلامية الإنسانية على مستوى هذا الجيل والأجيال القادمة.

 

لماذا نخسر الآن؟ لأن كثير من رؤساء الدول الإسلامية العربية من نمط خاصة من الشخصية، من طلاب الدنيا، الذين يخافون على دنياهم، الذين يرغبون في دنياهم، يقدمون دنياهم على آخرتهم. هذا كيف تعالجه؟ لن يتغير واقع الأمة إلا بتغيير إنسانها، إنسان يؤمن بكرامة هذه الأمة، بأصالة هذه الأمة، بإسلام هذه الأمة، بحقانية هذه الأمة، بأنها الأمة المنقذة، يؤمن بالخط الإسلامي، وتنبي أفكاره ومشاعره وسلوكاته على ضوء هذا الخط، عندئذ تنتصر الأمة، الآن يمكن التحضير في أي بلد من البلدان لتحسين وضعها بمحاولة صناعة هذا الإنسان.

 

لماذا البعض يظهر في المسير والبعض لا يظهر؟ البعض يميل إلى هذا المعسكر والبعض يميل إلى هذا المعسكر؟ لماذا ترتفع أصوات لصالح إسرائيل من داخل الأمة العربية والأمة الإسلامية؟ صناعته، بشر. هذه مواقف وأراء تفرضها نمط الشخصية.

 

لو كان الفلسطينيون كلهم من صناعة إسلامية جادة جدا، وواعية جدا، وحملت إيمان أكيد بحقانية الإسلام، وصدق الإسلام، وإنقاذ الإسلام، ما كان هذا الافتراق الذي يمثل عاملا من عوامل إجهاض القضية الفلسطينية، ما كان ارتماء، ما كان ضعف من أجل طلب الموقع، من أجل البقاء في الكرسي.

 

فلابد أن تعلمنا هذه المعارك، علينا أن نبذل كل ما في الوسع -لو كان في الوسع شيء- عند فرد أو جماعة أو شعب أو أمة، لكان عليها أن تبذل كل ما في الوسع في سبيل تحقيق نصر عاجل في المعركة القائمة والمعارك المماثلة، لكن هناك حرب إستراتيجية طويلة الأمد، تحتاج إلى صبر يومي، وعي يومي، مقاومة يومية دائمة، وهي صناعة الخط الحضاري في داخل نفس هذا الإنسان، ووجود هذا الإنسان.

 

لو لا سمح الله وتحققت هزيمة عسكرية الآن، صناعة إسلامية لخمس سنوات، لأبناء فلسطين وما حولها، يمكن تحقق نصرا جديدا ساحقا، أن نحقق نصر الآن وننزل ونأخذ خط الهبوط، النزول في العقلية، في الانتماء، طبيعي سينقلب النصر هزيمة.

 

فتحويل الهزيمة إلى نصر، والخروج من واقع الهزيمة إلى واقع النصر، كما قال الله عز وجل “أن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم”، “ولو أن أهل القرى أمنوا واتقوا لفتحنا عليهم بركات من السماء” الآية، فنتعلم هذا.

 

أما الآن فلابد كشعوب تملك الصرخة، أما الآن فكلما كان للصرخة قيمة ولو يوميا، يجب رفع الصرخة فيوجه الظلم والظالم نصرة للعدل والمظلوم.

زر الذهاب إلى الأعلى