خطبة الجمعة (295) 19 رجب 1428هـ – 3 أغسطس 2007م

مواضيع الخطبة:

الخيانة – منٌّ في غير محلّه – بيئتان تعانيان – الأحوال الشخصية

الخطبة الأولى

الحمد لله قديم الإحسان، عظيم الامتنان، وليّ الإنعام، رازق الأنام، لا تنفد خزائنه، ولا يَنقص ملكه، ولا ينقطع عطاؤه، لا يمنع أحداً خيراً لبخل أو فقد، ولا يُعطي طمعاً في جزاء؛ كيف وهو الغنيّ الذي لاغنى إلاّ منه، ولا خير إلا ومردّه إليه؟!
أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلّى الله عليه وآله وزادهم تحية وبركة وسلاماً.
أوصيكم عباد الله ونفسي المقصّرة الأمّارة بالسوء بتقوى الله، والأخذِ بالحقّ وإن ثقل، فإنه الثقيل المريء كما في وصف الإمام عليّ عليه السلام، وترك الباطل فإنّه الخفيف الوبيء كما في وصفه كذلك. والحق حقّاً مريء، هنيء النتيجة، حميد العاقبة، موصل إلى الخير، والباطل حقّاً وبيء سيء، مليء سوءاً، وخيم عاقبة، مضرّ مآلا.
والأخذ بالحقّ وهو الثّقيل يحتاج إلى صبر، والأخذ بالباطل وقد يكون مغرياً يحتاج إلى ترفّع وتحمّل؛ وهل الخير إلا في مجاهدة النفس على الصحيح؟!
اللهم صل وسلم وزد وبارك على حبيبك المصطفى وعلى آله الطيبين الطاهرين، واغفر لنا ولإخواننا المؤمنين والمؤمنات أجمعين، وتب علينا إنك أنت التواب الرحيم.
اللهم ثبِّت الحق في قلوبنا، وأزهق الباطل عن في ضمائرنا، واهدنا دائماً لما اختلف فيه من الحقّ، وارزقنا التوفيق للأخذ به، ونبذ الباطل والبعد عنه إنّك ولي التوفيق ياربّ العالمين.
أما بعد أيها الإخوة والأخوات في الإيمان فهذا حديث موضوعه الخيانة:
والخيانة اختراق للأمانة، وخروج على واجب الوفاء بما حُمّل الإنسان مسؤولية الحفاظ عليه. وأول الخيانة نقض ميثاق الوفاء بحقّ الربوبية، وإخلاص الطاعة لله، ثم رسوله صلى الله عليه وآله وسلّم، ويأتي التفريط في الودائع من الناس مصاديق كثيرة للخيانة، ومن أبرز موارد الخيانة ومصاديقها تزوير العلم.
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَخُونُواْ اللّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُواْ أَمَانَاتِكُمْ وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ}(1).
وخيانة الله ورسوله هي معصيتهما. والأمانات كلّ ما استودعه الناس بعضهم بعضاً مما ينبغي حفظه. والنهي شامل عن كلّ خيانة في كل مورد من موارد الأمانة.
والخيانة في النصوص أمرها شنيع، ونتيجتها وخيمة “أربع لا تدخل بيتاً واحدة منهنّ إلاّ خَرِب(2)، ولم يعمر بالبركة: الخيانة، والسّرقة، وشرب الخمر، والزّنا”(3).
كلّ واحدة منهنّ قاصمة للظّهر، مفسدة للبيوت، فلو قام التعامل في داخل بيت على شيء من هذا لخرج عن حدّ الإنسانية، وكان مأوى حيوانات ساقطة متهارشة.
على أنّ للمعاصي في كثير منها على الأقل مردودات سيئة على دنيا الإنسان كما لها مردودات سيئة على آخرته.
فقد يأتي البلاء لبيت أو شخص من حيث لا يعلم وقد يكون السرّ وراء ذلك معصية ارتكبها لا يتوقّع على أثرها هذه المصيبة.
“يُجبل المؤمن على كلّ طبيعة إلاّ الخيانة والكذب”(4).
نحن نعرف أن الإيمان يتنافى مع كل قبيح، ولا يلتقي الإيمان مع أي معصية من المعاصي، فهذا الكلام عن الصادق عليه السلام يريد أن يعظّم لك – كما هو الحق – مسؤولية الأمانة، وشناعة الخيانة، حتى أن الخيانة والكذب من أشدّ ما يتنافى مع قضية الإيمان. فكأن في الخيانة والكذب تصفية تامّة للإيمان، ومباينة كلّيّة لقضيته.
فهناك تنافٍ شديد بين الإيمان وبين الخيانة والكذب، ولا تكاد تجتمع دعوى الإيمان مع واقع الخيانة والكذب، فهو منقوض في موردهما.
في الحديث الثاني عن الصادق عليه السلام إثبات للمنافاة بين أصل إنسانية الإنسان وبين الخيانة والكذب، فكأن من خان وكذب قد أسقط إنسانيته.
“بُني الإنسان على خصال فمهما بني عليه فإنّه لا يبنى على الخيانة والكذب”(5).
الطبيعة الإنسانية، وتكوين الإنسان فيه منافاة شديدة، ومباينة تامّة لهذين الخلقين الساقطين؛ خلق الخيانة والكذب. وأشدّ ما تتنافى معه إنسانية الإنسان هما الخيانة والكذب.
“ليس منا من خان بالأمانة”(6) عن الرسول صلى الله عليه وآله.
هذا خطٌّ آخر ليس من خطّ الإيمان، ومدرسة أخرى ليست من مدرسة أهل البيت عليهم السلام، ولا شيء من الخيانة للأمانة يلتقي مع صفاء القرآن ونقائه وطهره السماويين.
“ليس منّا من خان مسلماً في أهله وماله”(7).
هذه الخيانة تنقل الإنسان من صفّ أهل البيت عليهم السلام إلى صفٍّ آخر، وتخرج به عن طريقهم، فمن أين يلتقي خلق الخيانة مع خطّ السماء، وليس لأهل البيت عليهم السلام خطّ آخر غير هذا الخط. تبرأ مدرسة أهل البيت عليهم السلام كل البراءة من خلق منحطّ كهذا الخلق. ليسمع كل المسلمين ما عليه فكر أهل البيت عليهم السلام في احترام الإسلام وأهله كلّ أهله.
“ألمكر والخديعة والخيانة في النّار”(8).
وصاحب شيء من هذا لا يُفارقه فالمنتهى هو المنتهى، والغاية هي الغاية. أين تذهب الخيانة يذهب الخائن.
“الخيانة أخو الكذب”(9).
وقد جُمع بينهما في أكثر من حديث، وذلك لأن الخيانة كذب عمليّ؛ حيث يقبل أن يأتمن شيئاً وهو يدّعي الحفاظ عليه، وبذل أقصى الجهد في صيانته، فإذا به يخونه؛ إنه كذب من نوع عمليّ فاحش.
“جانبوا الخيانة فإنّها مجانبة الإسلام”(10).
فمن وَاْقَعَ الخيانة وارتكبها جانب الإسلام، فإن كان الإسلام في شرقٍ كان هو في غرب، وإن كان الإسلام في غرب كان هو في شرق، فكما أن الخيانة مجانبة الإسلام لا يكون مرتكبها إلا في مجانبة معه.
الإسلام أأمن أمين، وأصدق صادق، الإسلام أحفظ شيءٍ على دنيا الإنسان وآخرته، والخيانة على عكس ذلك، فهي خلق وضيع لا يلتقي مع رفعة الإسلام وجماله وجلاله.
“عن أبي ثمامه قال: دخلت على أبي جعفر عليه السّلام وقلت له: جعلت فداك إنّي رجل أُريد أن أُلازم مكة وعليّ دين للمرجئة(11) فما تقول؟ قال: فقال: ارجع إلى مؤدّى(12) دينك وانظر أن تلقى الله عزّ وجلّ وليس عليك دين، فإنّ المؤمن لا يخون”(13).
حافظ على إيمانك، حافظ على انتمائك إلى خط أهل البيت عليهم السلام، لا تشتري من أحد فتخونه بعدم سداد ثمن ما اشتريت، لا تقترض ثم تنكر أو تُسوّف، احترم أمانات الله وأمانات خلقه عندك، فإن المؤمن لا يخون، ولا أدري كيف يسهل على بعض الناس أن تدنو منه الوفاة وذمّته مثقلة بديون الآخرين، كالجار، والرحم، والقريب، والصديق. كيف يسهل على مسلم أن يلقى الله عزّ وجلّ وهو على هذا الحال؟!
“(عن أبي عبدالله عليه السّلام وهو يحاسب وكيلاً له والوكيل يكثر أن يقول: والله ما خنت) فقال له أبو عبدالله عليه السّلام: يا هذا! خيانتك وتضييعك عليّ مالي سواء(14)، إلاّ أنّ الخيانة شرّها عليك.
ثمّ قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وآله: لو أنّ أحدكم فرّ من رزقه لتبعه حتّى يدركه(15)، كما أنّه إن هرب من أجله تبعه حتّى يدركه(16)، ومن خان خيانة حسبت (حبست – خ ل) عليه من رزقه وكتب عليه وزرها”(17).
أي رزق ذاك؟ هل الرزق المشار إليه هنا هو المليارات التي يجمعها البعض وتتكدس أرصدة في المصارف؟ نحن نعرف أن النظام الاقتصادي في الإسلام لا يمكن معه هذا التضخّم في الثروة. فإذا كانت الظروف على الأرض تتيح لبعض الناس أن يستجمعوا من الثروة ما فيه حقوق الآخرين، وما يؤدّي إلى التضخّم فإن النظام التشريعي في الإسلام يضع قيوداً وحدوداً تمنع من تضخّم الثروة في بعض الأيدي على حساب الكثيرين.
والتفاوت الاقتصادي في الإسلام تفاوت ليس فاحشاً، ويمثِّله السيد محمد تقي الحكيم أعلى الله مقامه بأنه تفاوت التلال، لا تفاوت الوهاد والجبال. المستويات الاقتصادية في الإسلام تكون على مثال التلال المتقاربة، قد يزيد هذا ألفا أو ألفين على ذاك، إلا أنه لا تجد من يجمع من المال خمسة مليارات أو ملايين والآخر لا يكاد يستطيع عيشا، هذا غير موجود في الإسلام أساساً.
فالرزق المعنيّ قد يكون هو الرزق الحلال الذي يتناسب مع النظام التشريعي في الإسلام، وكأنّ الفائض عن الحاجة ليس رزقاً لأن الرزق ما انتفعت به، والأموال المتكدّسة في المصارف ليس من رزق هذا الإنسان الذي سيغادر هذه الحياة من دون أن ينتفع منها شيئاً.
اللهم صل على محمد وآل محمد، واغفر لنا ولإخواننا المؤمنين والمؤمنات أجمعين، وتب علينا إنك أنت التواب الرحيم.
اللهم اكفنا ما أهمنا من أمر الدنيا والآخرة، وكل شرّ خطر لنا ببال أو لم يخطر، وأعنّا ربنا على أنفسنا كما أعنت الصالحين على أنفسهم، وارزقنا يقينا صادقا مقيما برضاك يخفف علينا وطء كل ثقيل، ويهوّن علينا عداوة من عادانا فيك، ويزهد عندنا كل مرغوب لا ترضاه.
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
{قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ (1) اللَّهُ الصَّمَدُ (2) لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ (3) وَلَمْ يَكُن لَّهُ كُفُواً أَحَدٌ (4)}

الخطبة الثانية

الحمد لله الذي لا نفاذ لأمر في شيء غير أمره، ولا سلطان لشيء على شيء غيرَ سلطانه، ولا قهر مع قهره، ولا جبروت مع جبروته، ولا هيمنة في الوجود كلّه إلا هيمنتُه.
أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وآله وسلَّم تسليماً كثيراً كثيراً.
عباد الله علينا بتقوى الله؛ فترك التّقوى هو الجهل والغفلة والغرور؛ فمن عَقَل وتذكّر اتّقى، وكيف لا يتقي من أدرك عبوديته المنسحقة، وربوبية ربّه القاهرة الظاهرة؟! ومن أولى من الله بأن يُتّقى وهو المالك الذي لا مالك معه، والقاهر الذي لا تقوم السماوات والأرض لقهره، وهل لعبدٍ من منجى إذا لم يرضَ عنه مولاه ومولى كل شيء من دونه؟! ألا لا غرور، وليُذعن العبد الذليل والأَمَةُ المسكينة لأمر الله ونهيه.
اللهم صل وسلم وزد وبارك على حبيبك المصطفى وعلى آله الطيبين الطاهرين، واغفر لنا ولإخواننا المؤمنين والمؤمنات أجمعين، وتب علينا يا تواب يا رحيم.
نعوذ بالله من ضلال الجهل، وتيه الغرور، وسراب الوهم، ومن فتنة النفس الأمّارة بالسوء، وفتنة الشيطان الرجيم، ومرديات الهوى والغوى، وسكر الغفلة، ونسيان الحقّ، اللهم لا تكلنا إلى أنفسنا ولا إلى أحدٍ من خلقك طرفة عين وإلا كنّا من الهالكين.
اللهم صل وسلم وزد وبارك على حبيبك المصطفى محمد بن عبدالله الصادق الأمين خاتم النبيين والمرسلين، وعلى علي أمير المؤمنين وإمام المتقين، وعلى فاطمة الزهراء الصديقة الطاهرة المعصومة، وعلى الأئمة الهادين المعصومين: الحسن بن علي الزكي، والحسين بن علي الشهيد، وعلي بن الحسين زين العابدين، ومحمد بن علي الباقر، وجعفر بن محمد الصادق، وموسى بن جعفر الكاظم، وعلي بن موسى الرضا، ومحمد بن علي الجواد، وعلي بن محمد الهادي، والحسن بن علي العسكري، ومحمد بن الحسن المهدي المنتظر القائم.
اللهم صل على محمد وآل محمد، وعجل فرج ولي أمرك القائم المنتظر، وحفَّه بملائكتك المقربين، وأيّده بروح القدس يارب العالمين.
عبدك وابن عبديك، الموالي له، الممهد لدولته، والفقهاء العدول، والعلماء الصلحاء، والمجاهدين الغيارى، والمؤمنين والمؤمنات أجمعين وفقهم لمراضيك وسدد خطاهم على طريقك يا كريم.
أما بعد فهذه بعض أمور:
منّ في غير محلّه:
تمنّ أمريكا على عدد من الدول العربية والخليجية أن أرادت تسليحها بسلاح متقدّم يقيها الأخطار فيما تقول، وبالتأكيد لا يدخل الخطر الإسرائيلي في حيّز الوقاية التي تتحدث عنها أمريكا، لأن إسرائيل محافظ دائما من أمريكا على تفوّقها تسليحياً على كلّ الدول العربية وغيرها من دول المنطقة.
ذلك إلى جانب الاشتراطات المضمونة بعدم توجيه أي سلاح يُباع للعرب ضدّ إسرائيل واقترابه من حدودها، فإسرائيل صديق للعرب وليست عدوّاً ينبغي أن يخافوا منه ويتّخذوا حذرهم من عدوانه كما هو نظر أمريكا.
ثم إن هذا السلاح إنما هو لحرب من تخطيط أمريكي، وهي تحضّر لها، وتفرض على دول المنطقة أن تخوضها إلى جانبها، وأن تتحمل تبعاتها مكرهة لا راضية ولو بلحاظ حساب المصلحة والخسارة بعيداً عن الأمور الأخرى.
هذا السلاح موجه ضد عدوّ لأمريكا، وفي حرب تحضّر لخوضها هي، وبتخطيط منها، ومؤمّن منه العدو الحقيقي للعرب والمسلمين في المنطقة (إسرائيل) الصديق الدائم لأمريكا وربيبتها.
وهذا التسليح ذو الثمن الباهظ إنما هو من لقمة شعوب المنطقة وهو على حساب مأواها ودوائها، ومشاريع الخدمات الضرورية فيها، والمشاريع التنموية التي تحتاجها لنهضتها، وذلك لتغذية مطامع وجشع طواغيت المال من صنّاع وسائل الفتك والدمار والموت في أمريكا ومن بينهم كبار رجال سياستها الظالمة.
وهذا التسليح معه تسليح مجّاني أكبر وأخطر لإسرائيل بحيث يفوق تسليح كل دول الخليج الداخلة في الصفقة، ويضمن التقدم التسليحيّ المؤمِّن لمدلّلة أمريكا المشفقة علينا، وحامية حمى الأمة العربية في الأرض، وكذلك المعتدلين من المسلمين.
إنه سلاح لزعزعة أمن المنطقة العربية والإسلامية، ولإطلاق سباق التسلح فيها لاستنزاف خزيناتها القومية حتى آخر عملة صغيرة فيها امتصاصا لخيراتها وإضعافاً لها، وقطعاً لطريق النهضة عليها، وإرباكاً للوضع الأمني لشعوب هذه المنطقة وحكوماتها لتبقى دائما تحت الوصاية الأمريكية والتهديد الإسرائيلي، ولتبقى شاهد حال بواقعها السيء على تخلّفها وعدم أهلية أبنائها.
إنه سلاح يملك البائع بقاء هيمنته عليه، وحق استخدامه لصالحه كما يشاء. وبعد كل هذا تمنّ أمريكا على العرب والمنطقة ببيعها سلاحاً متقدما لهم؟! إنه السلاح المتقدم لأمريكا لا لنا، إنه منٌّ في غير محلّه.
وعن التخويف بالسلاح النووي الإيراني الذي تدّعي أمريكا توقعه بعد سنوات ترد عدة ملاحظات:
1. استعداد إيران الفعلي لإخضاع محطّاتها النووية للمراقبة الدولية الحرّة الدائمة.
2. وجود مخزون هائل من السلاح النووي الفتّاك الجاهز لدى إسرائيل، فماذا يؤمّن من ذلك السلاح؟
3. إعلان الخبراء لعدم إمكان الاستفادة الفعلية من سلاح الدمار الشامل في هذه المنطقة الضيقة جغرافياً لأن مستخدم السلاح والمهاجم به لن يكون أقل تضررا من المهاجم.
ويبقى سؤال وهو: أترى أن الصداقة التي تدعيها أمريكا للدول العربية في الخليج تجعلها تصغي لصوت هذه الدول الرافض لشن الحرب المضرة بمصالح المنطقة في حاضرها ومستقبلها أم أنها لا تبالي بالرغبات المنافية للأصدقاء أمام ما تحدثه به نفسها من مطامع شيطانية وأغراض خبيثة؟ وهل ستقول دول المنطقة التي تدعي أمريكا صداقتها كلمتها الصريحة الجازمة في هذا المجال وبما يراعي مصلحة الأمن والاستقرار، وسلامة البنية التحتية في المنطقة، وبما يراعي قيم الإسلام، وأحكام الشريعة وحق الجوار؟
بيئتان تعانيان:
الفساد الفاحش مستطير يطال البيئتين هنا: البيئة المادية، والبيئة المعنوية. البيئة المادية: تلوث للسواحل، ساحل توبلي يتحول إلى منطقة وبائية، مياه الصرف الصحي تهدد الصحة، البحر تغلق منافذه على قرى مختلفة لتختنق.
والبيئة المعنوية: ربيع التفسّخ، خمور، مراقص متهتكة، شقق وفنادق موبوءة، زواج مثلي، جنس ثالث وقد يأتي رابع وخامس، عبدة شياطين، ومخدّرات، وعبدة الشياطين كفر صريح كما تقول الصحافة، ومن ممارساتهم كما نقلت الوسط عن أحد النوّاب أنهم يدوسون القرآن الكريم وكلّ مقدّس. من المسؤول؟
كلمة سياسية بسيطة تقال في مسجد تقوم لها الدنيا ولا تقعد، والتصنت يصل إلى الكلمة في الزوايا المعزولة المظلمة، إذا كانت الكلمة سياسية. أين هذه الرقابة من كل ما يجري من فساد على المستوى المادي وعلى المستوى المعنوي؟
وهذا الفساد لا يحتاج إلى مراقبة، إنما هو ممارسة مكشوفة وصريحة ومعلنة، وبعضها يصدر من هذه الوزارة، أو هذه الدائرة أو هذا المتنفّذ، ولكنك إذا نسبت شيئاً من هذا إلى جهة من جهات الدولة فستكون قد ظلمت وأثمت، وكرّهت النظام، وحرضت على العصيان، ووراءك قانون صارم، وربما سجن أبدي.
فسادان بيئيان يغطيان البيئة المادية والمعنوية المسؤول عنهما الحكومة بالصريح.
الأحوال الشخصية:
رأي الشعب الواسع الذي أعطاه في المسألة بصورة واضحة صارخة في المسيرة الحاشدة التي لا تُنسى ثابت ثبات رأي الشريعة فيها. هذا شعب مؤمن وليس له في كل يوم رأي في مسائل الدين، ورأيه لا يتعدى رأي الشريعة فيها. كل مسائل الحياة رأي غالبية هذا الشعب على مستوى المذهبين الكريمين إنما هو رأي الشريعة فيه. وقانون يلغي شعبا لكم أن تتصوروا حاله ومآله.
والنقطة الثانية المتصلة بهذا الموضوع في الصميم هي أن اهتمام هذا الشعب بالأحوال الشخصية لا يصح بحال من الأحوال أن يصرفه عن قضايا من مثل الدستور والتجنيس وتقرير البندر وأي فضيحة مماثلة لأي جهاز أو مؤسسة من مؤسسات الدولة، وعن أي قضية أخرى مؤرقة كالبطالة وانخفاض الأجور، وفي المقدمة التدهور الديني والخلقي.
كما أن الدين يجمع بين الدنيا والآخرة فهذا الشعب يجمع في اهتمامه بين الدنيا والآخرة، ولا ينبغي لمشكلات دنياه أن تنسيه مشكلات آخرته، ولا لمشكلات آخرته أن تنسيه مشكلات دنياه، فإذا كان الضرب على وتر الأحوال الشخصية لأمر سياسي فإن هذا التركيز على هذه القضية لا يُسقط المطالبة بأي قضية ولا ينسينا المطالبة بأي مطلب آخر.
اللهم صل وسلم وزد وبارك على حبيبك المصطفى محمد بن عبدالله وآله الطيبين الطاهرين، واغفر لنا ولإخواننا المؤمنين والمؤمنات أجمعين، وتب إنك أنت التواب الرحيم.
ربنا تقرّبنا إليك بالاعتراف بذنوبنا، وتقصيرنا وإسرافنا على أنفسنا، فارحم ذلنا بين يديك، وتضرّعنا إليك، وشفّع فينا عفوك ورحمتك ورأفتك، وأذهب ما بنا من سوء، وادرأ عنا ما يترصدنا من شر، وادفع عنا ما نخاف ونحذر، وما لا نخاف ونحذر، وتفضل علينا بسعادة الدارين وكرامتهما يا أرحم من كل رحيم، ويا أكرم من كل كريم.
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
{إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاء ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ}

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 – 27/ الأنفال.
2 – فليحذر أحدنا عن خراب بيته، وما يهم الكثيرين ولستم منهم إن شاء الله هو خراب الجدران، بينما الخراب الأشد والأكثر ضرراً هو خراب البنية الإنسانية، وخراب الأنفس والأرواح.
3 – ميزان الحكمة ج 3 ص 194. عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم.
4 – المصدر نفسه.
5 – المصدر نفسه.
6 – المصدر ص 195.
7 – المصدر نفسه.
8 – المصدر نفسه.
9 – المصدر نفسه.
10 – المصدر نفسه.
11 – فرقة يرى ضلالها فكأنه يريد من الإمام جواباً يتيح له التساهل في أداء دين شخص من المرجئة.
12 – وهو المكان الذي يمكنك أن تؤدي فيه دينك وهو بلد الرجل الدائن أو المكان الذي هو فيه الآن.
13 – المصدر نفسه.
14 – لن يهزّني كثيراً، ولن أهتزّ أصلاً لضمان رزق من الله سبحانه وتعالى، وعند الله العوض.
15 – فلِمَ تخون؟ لِمَ تسرق؟ لِمَ تغالط؟ لم تقدم على الغصب؟ رزقك مكتوب لك، إن تطلبه من الحرام ربما أتاك، وإن تطلبه من الحلال يأتك، فلم تختار الحرام على الحلال، وتحمّل نفسك وزرا لا تستطيع حمله؟!
16 – كما أن الأجل يلاحق هذا الإنسان كذلك رزقه يلاحقه.
17 – المصدر ص 196.

زر الذهاب إلى الأعلى