خطبة الجمعة (290) 14 جمادى الثاني 1428هـ – 29 يونيو 2007م

مواضيع الخطبة:

متابعة التفقه في الدين+ المصالحة الوطنية متى تتم؟ + بلاد عربية تعاقب حماس + تعليقات قصيرة

حادث الدوريَّة التي ذُكر أنها تعرّضت لإلقاء زجاجات حارقة عليها مرفوض ومدان ومحرّم. أما من وراءه؟ لا يمكن تحديده لا شخصا ولا جهة وانتماءً. والتصديق بنسبة مثل هذه الحوادث إلى جهة معيّنة شعبيّة، أو الميل إلى ذلك بلا أدلّة كافية سذاجة لا ينبغي الوقوع فيها

الخطبة الأولى

الحمد لله الذي مَن هدى لا يملك أحدٌ له إضلالاً، ومن أضلَّ لا يملك أحدٌ له هدى، ولا يملك أحد لأحد خيراً لم يقدِّره له، ولا شرّاً لم يكتبه له. هو الذي لا تتعداه آمال العباد، ولا تتجاوزه حاجات المحتاجين حيث لا رب غيره، ولا مالك سواه، ولا غنى كغناه، ولا يكبر قدرته شيء وهو العليّ العظيم.
أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله. صلى الله عليه وآله وسلم تسليماً كثيراً كثيراً.
علينا عباد الله وإماءه الخاضعين لمشيئته بتقوى الله، والتمسُّك بطاعته طلباً لرضاه، وفراراً من سخطه؛ فما ضرّ سخط أحد مع رضوانه، وما أجدى رضا أحد في سخطه؛ إذ لا خالق غيره ولا ربّ من دونه، ولا ملك مع ملكه، ولا شفيع إلا بإذنه.
ولنحذر من أن نكون عبيداً للدنيا فنطلبها من محرّم، أو نُستغرق في طلبها حتى من الحلال، أو نشحّ بها على مستحقّ، أو نستأثر بها عن محتاج، أو نتيه بها على الناس.
أعذنا اللهم من أن نُشترى بدنيا، أو نُضلّ بها عن الحق، ونخسر الهدى، ونصير إلى النار.
اللهم صل وسلم وزد وبارك على حبيبك المصطفى محمد بن عبدالله خاتم النبيين والمرسلين وعلى آله الطيبين الطاهرين، واغفر لنا ولإخواننا المؤمنين والمؤمنات أجمعين، وتب علينا إنك أنت التواب الرحيم.
ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة، وقنا عذاب النار، واجعلنا ممن يبيع الدنيا بالآخرة، ولا يبيع الآخرة بالدنيا، يا رحمن يا رحيم.
أما بعد أيها الأعزاء من المؤمنين والمؤمنات فإلى متابعة أخرى في موضوع: التفقه في الدين:
الفقيه حقّ الفقيه:
“ألا أخبركم بالفقيه حقّ الفقيه؟ من لم يرخّص النّاس في معاصي الله، ولم يقنطهم من رحمة الله، ولم يؤمنهم من مكر الله، ولم يدع القرآن رغبة عنه إلى ما سواه…”(1) عن علي أمير المؤمنين عليه السلام.
وهذا من فقه الأسلوب والدعوة، ومما يحتاجه المبلِّغ للإسلام، فلابد من الموازنة في مشاعر النفس، في خوفها من عدل الله ورجائها في رحمته.
التركيز على رحمة الله عزّ وجلّ ورأفته، وعفوه وتسامحه، وكل ذلك حقّ، ومما يجب؛ إلا أنّ التركيز على كل ذلك من غير أن نتذكّر قدرة الله، وأليم عقابه، وأخذه الشديد للجبابرة والطغاة من خلقه، وللعصاة المصرّين على مخالفته أمر لا تحتمله النفس البشرية لتستقيم على الطريق، فإنّ ذلك قد يُغريها حتى لتأخذ من الشعور المركّز برحمة الله وعفوه طريقا للتسامح في التعامل مع الله عزّ وجلّ. والتركيز على عذاب الله، وشدّة أخذه لعباده العاصين دون الإلفات إلى رحمته وتوبته على الآئبين إليه سبحانه قد ينحرف ببعض النفوس عن الطريق حيث يصيبها اليأس من رحمة الله، ومن يئس من رحمة الله لم يطلب له سبيلا، ومن ظنَّ أنّ هدفه لا يتحقق يتوقّف عن المحاولة، فلا تقنيط، لا تيئيس من رحمة الله، ولا إغراء بالتساهل في ارتكاب المعاصي لعدم الإلفات إلى أخذ الله.
وشيءٌ مهمّ آخر بل هو أساس متين في أمر الدعوة والتبليغ وهو أنّ المبلِّغ الحقّ لا يدع القرآن رغبة فيه إلى ما سواه؛ فثقافة التبليغ ثقافة قرآنية، فكر المبلّغ فكر قرآني، مشاعره قرآنية، هدفه قرآني، من يحملون الثقافة الغربية، أو يخلطون بين باطلها وحقّ القرآن لا يمكن أن يكونوا ناطقين باسم القرآن. من يبلِّغ الإسلام، وينطق باسم القرآن إنّما هو إنسان يحتكم في كل ثقافته إلى ثقافة القرآن، ويُحاكم كل فكره أمام محكمة فكر القرآن.
نحن محتاجون إلى العودة إلى الأصالة أمام غزو التهجين، بل غزو التغريب، ولا أصالة من غير عودة جادّة إلى الثقافة القرآنية.
“(سأل رجل من الإمام الباقر عن مسألة فأجاب، فقال الرّجل: إنّ الفقهاء لا يقولون هذا(2)، فقال عليه السّلام): يا ويحك(3) وهل رأيت فقيهاً قطّ؟!، إنّ الفقيه حقّ الفقيه الزّاهد في الدّنيا الرّاغب في الآخرة المتمّسك بسنّة نبيّه”(4).
إنّ الرجل قد رأى حملة فكر، مقلّدين كانوا أو مستنبطين، ولم يرَ كما في علم الإمام الباقر عليه السّلام وتقديره فقهاء بحقّ، والفقيه بحقّ إنما هو من فقه الإسلام بأركانه، بأهدافه، بأخلاقيته، بمقاصده الكبرى، بروحيّته، بنورانيته، وبأحكامه؛ فذلك الذي عرف الإسلام، واحتضنه قلبه، وتشرّبت به نفسه، فصاغ له الإسلام داخله هو الفقيه الذي كان يشير إليه الإمام عليه السلام، وذلك فقيه لا يمكن أن تعظم في عينه الدنيا وهو يرى الله، لا يمكن أن تكبر في عينه الدنيا وهو يعرف الشيء الكثير عما في الآخرة، لا يمكن له أن تنهزم نفسه أمام إغراء، أو وعد أو وعيد ونفسه وقلبه منشدّان إلى الله، ذلك فقيه لا تغلبه الدنيا ولا تصرعه، ومن لم يزهد في الدنيا كان مغلوباً لها.
إن وراء ذلك الفقيه قلباً قد استقطبته الآخرة، وأكثر من ذلك قد استطقبه جمال الله، فيقول الإمام عليه السلام “إنّ الفقيه حقّ الفقيه الزّاهد في الدّنيا الرّاغب في الآخرة المتمّسك بسنّة نبيّه”، نعم من رأى شيئا من عظمة الله، ومن رأى شيئا من عظمة الإسلام كان الزّاهد في الدّنيا، الراغب في الآخرة، المتمسّك بسنّة نبيّه صلى الله عليه وآله وسلم.
انظروا إلى أثر الفقه في صياغة النفس، الفقه بمعناه الواسع العميق الذي مرّت الإشارة إليه في حديث أو أكثر من حديث سابق، انظروا للفقه كيف يصنع الرجال، وكيف يرتفع بالنظر والهمّة، وكيف تتفه الصارفة للكثير عن الله عند المتصف به الأشياء بعد أن يعظم الله عزّ وجلّ في قلبه.
“لا يفقه الرّجل كل الفقه حتّى يرى النّاس(5) في جنب الله تبارك وتعالى أمثال الأباعر(6) ثمّ يرجع إلى نفسه فيكونَ هو أحقر حاقر لها”(7).
وربّما ينصرف ذهن البعض إلى أنّ هذا الشعور الذي يعيشه المرء أمام نفسه ربّما يحفر فيها الشعور بالحقارة، والشعور بالدونية في التعامل مع غير الله، وهذا خطأ. هذا الشعور بحقارة النفس إنما هو شعور أمام واحد فقط، أمام الغنى المطلق، والجمال المطلق، والحياة المطلقة، والكمال المطلق حيث يعاين الإنسان نفسه عدماً محضاً أمام الله عزّ وجلّ، وأن ليس له من شيء يُذكر في نفسه ومن نفسه وبنفسه، إنما كل مذكور فيه هو من جود الله، ومن فيض الله وكيف يصحّ لي إذا أردتُ أن أعيش الشعور بالواقعية، وأن أكون موضوعياً والحال هذه أن أنظر لنفسي شيئاً مستقلاً أمام قدرة الله، وأمام وجود الله، أليس هو الوهم؟ أليس هو الخيال؟
لي نظرتان في ذلك الموقف؛ نظرة للنفس في حقارتها حيث النظر إليها في ذاتها، ونظر إلى النفس قويّة عزيزة شامخة كبيرة من حيث اتصالها بالله مصدر القوّة والعزّة والجمال، أما وأنت تنظر للناس كباراً يسابقونك على قوَّتهم، وتسابقُهم على ضعفك فإنّ ما يلازم هذا النظر أن تنظر إلى نفسك حقيرة من غير أن تعالج هذه النظرة بنظرة عزّة وكرامة وشموخ وجمال ترفدك بها هذه العلاقة.
اللهم صل وسلم وزد وبارك على محمد وآل محمد، واغفر لنا ولإخواننا المؤمنين والمؤمنات أجمعين، وتب علينا إنك أنت التواب الرحيم.
اللهم ارزقنا فقه دينك، واجعل ذلك طريقا لنا إلى رضوانك، وأعذنا من أن نكون جاهلين، أو عالمين غير عاملين، أو عاملين غير مخلصين ولا مقبولين، اللّهم ارزقنا خير الدارين وسعادتهما وكرامتهما يا أكرم الأكرمين، ويا أرحم الراحمين.
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
{ قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ (1) اللَّهُ الصَّمَدُ (2) لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ (3) وَلَمْ يَكُن لَّهُ كُفُواً أَحَدٌ (4) }

الخطبة الثانية

الحمد لله الذي لا سبيل إلى الخير إلا من عنده، ولا دفع للشّرّ إلا بإذنه، ولا قيام لشيء إلا بقدرته، ولا تغيير لسوء إلا بفضله، ولا دافع لضرّ غيره، فلا لجأ إلا إليه، ولا توكّل إلا عليه، ولا غوث إلا منه، ولا نجاة إلا به، ولا فوز إلا من عنده.
أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله. صلّى الله عليه وآله وسلّم تسليماً كثيراً كثيراً.
عباد الله أوصيكم ونفسي الغافلة بتقوى الله وأن يكون قصدنا إليه، وعملنا في سبيله، وطلبنا رضاه، فما بنى النفس بناءً صالحا مثل ذلك، ولا استقامة لنفس على طريق الكمال بغيره لأن كلّ طريق إلى غير الله ليس طريق كمال، ولا انحدار لمن قصده سبحانه عن طريق النور والهدى والكمال.
ومن طلب أنسا حقيقيا دائما فليطلبه من الإيمان الحق والعبودية الصادقة، والطاعة المخلَصة لله وحده لأنه الربّ المالك القدير الذي لا يتغيّر ولا يُغيَّب، ولا ينقص ملكه ولا يمنع رفده، ولا يخيّب الوافدين عليه.
اللهم صل على محمد وآل محمد، واغفر لنا ولإخواننا المؤمنين والمؤمنات أجمعين، وتب علينا إنك أنت التواب الرحيم.
اللهم منّ علينا بدوام ذكرك وشكرك، وارزقنا حلاوة مناجاتك ولذيذ أنسك، وسدّ عنا أبواب الوحشة بالإيمان بك، والتعلّق بكرمك، وصدق التوكّل عليك، والاستغناء بك عمن سواك، وعدم العمى عن عظمتك وجلالك وجمالك يا أرحم من كل رحيم، ويا أكرم من كل كريم.
اللهم صلِّ وسلم وزد وبارك على حبيبك المصطفى الصادق الأمين محمد بن عبدالله خاتم النبيين والمرسلين، وعلى علي أمير المؤمنين وإمام المتقين، وعلى فاطمة الزهراء الصديقة الطاهرة المعصومة، وعلى الأئمة الهادين المعصومين: الحسن بن علي الزكي، والحسين بن علي الشهيد، وعلي بن الحسين زين العابدين، ومحمد بن علي الباقر، وجعفر بن محمد الصادق، وموسى بن جعفر الكاظم، وعلي بن موسى الرضا، ومحمد بن علي الجواد، وعلي بن محمد الهادي، والحسن بن علي العسكري، ومحمد بن الحسن المهدي المنتظر القائم.
اللهم صل على محمد وآل محمد، وعجِّل فرج وليَّ أمرك القائم المنتظر، وحُفَّه بملائكتك المقربين، وأيّده بروح القدس يارب العالمين.
عبدك وابن عبديك، الموالي له، الممهِّد لدولته، والفقهاء العدول، والعلماء الصلحاء، والمجاهدين الغيارى، والمؤمنين والمؤمنات أجمعين وفِّقهم لمراضيك وسدد خطاهم على طريقك، ومنّ علينا جميعاً بالنصر العاجل الكامل القريب المبين.
أما بعد أيها الملأ الكريم المبارك فهذه بعض كلمات:
المصالحة الوطنية متى تتم؟
أولاً: لا تستقيم أوضاع الناس على طريق إنسانيتهم وسعادتهم بصورة كاملة إلا بالرجوع إلى الله سبحانه عبادة وحكماً وتشريعاً. هذا ما نفهمه من دين الله، ومن لغة الواقع والتاريخ كلّه.
وعليه فإذا تحدّثنا عن أوضاع إيجابية يمكن تحقيقها في ظلّ القوانين والصيغة الوضعية التي تنظِّم علاقات الناس وتحكمها فلا بد أن لا يبلغ بنا الطموح إلى تلك الصورة المشرقة من سيادة الحق والعدل والمحبّة والسلام، ومن الاستقامة على طريق الهدى والنور والصلاح. لابد أن نبحث عن صورة أقل إشاعاً، بل عن صورة يمكن أن لا تنهدم بها حياة الناس على رؤوسهم، ولكن برغم ذلك فإن درجات الاضطراب والفوضى والتمزق والظلم والانفراط والبؤس والخوف والشقاء تتفاوت بتفاوت القرب والبعد من قواعد الدين والعقل والضمير، وما به الحفاظ على المصالح المشتركة، والعلاقات المتوازنة.
وهذه أمور تجنّب من حالات الخطر، وتخفّف من احتمالات الانهيار، وتعالج بعض مشكلات الحياة، وتساعد على درجة من الاستقرار في العلاقات الداخلية للدول والمجتمعات.
1. دستور يخف ظلمه إلى الحدّ الذي يمكن أن يُطاق ولو بصعوبة، وهو الذي يمكن أن يتوفر عليه دستور أو قانون وضعي من صناعة البشر، إذ لا نتصور دستوراً أو قانوناً وضعياً خالياً من الظلم والقصور.
2. أن يحصل التوافق على هذا الدستور والقانون، ولو بإملاء من واقع اليأس من بلوغ الطموح في العدل الكامل لأي موجب من الموجبات كأن يسود البُعد عن شريعة الله حياة الناس، ويجهلون قيمتها وقدرتها على تحقيق السعادة في ظل الصيغة الإسلامية الكاملة، فمثل هذا البعد والجهل يحققان اليأس من بلوغ العدل.
3. أن يحصل تطبيق الدستور والقانون بدرجة مجزية من خلال ما يُسمّى بتعدد السلطات واستقلاليتها وتكامل أدوارها مثلاً.
4. أن لا تقوم سياسة الحكم على الفئوية القبلية أو الطبقية أو القومية أو العنصرية أو المذهبية.
5. أن لا ترتهن إرادة الحكم بإرادة أجنبية لا تهمّها مصلحة الوطن، وإنما كلّ ما يهمّها هو استمرار استغلاله وتوظيفه لأهدافها المتعلّقة بمصالحها المتناقضة مع مصلحته.
ولنسأل: ماذا تمتلك البحرين العزيزة من هذه المقوِّمات التي لا بديل عنها – بعد عدم الأخذ بدين الله – لطلب الراحة والاستقرار، وإنهاء الدرجات العالية من غليان الأوضاع وتدهورها؟ هذا السؤال والإجابة عليه بصورة موضوعية، وبناء موقف معالجة مخلصة على أرضيته هو أساس البحث عن التهدئة والمصالحة، وبناء علاقات جديدة تتمتّع بدرجة مقبولة من الاعتدال والاستقرار، وتساعد على تقدّم الوطن.
وترضيات مالية أو شبه مالية عن أحداث سابقة على أهميَّتها شيء ثانوي في نظري والأساس كلّ الأساس هو ما ذكرته في النقاط المحددة.
بلاد عربية تعاقب حماس:
اختلف الفلسطينيون وتقاتلوا وانتهوا من الناحية العملية إلى حكومة في غزّة وحكومة في الضفّة الغربية، وهو أمر مؤسف في نفسه، ومؤسفة هي كذلك بشدّة دلالاته الخطيرة.
ووقفت أمريكا وإسرائيل وأوروبا مع طرف ضدّ طرف، ودعمت الطرف الأول من أكثر من جهة، وشدّدت الحصار على الطرف الثاني وحاربته، وهي في ذلك لا تنتصر لفلسطين والفلسطينيين، وإنما توسّع بينهم الشرخ، وتعمّق الجرح، وتوقد نار الفتنة والاقتتال عسى أن تقوم جولة جديدة من الاحتراب تُفكّك الكيان كلّه، وتأتي على مزيد من الأرواح والممتلكات، وتُسقط خيار المقاومة، وتفرض الاستسلام قسراً لمن يحتاج استسلامه إلى قسر.
ولابد من إسقاط حماس في نظر هذه الدول على كل حال، لأن خيارها المقاومة، وخيارها في الحكم يقترب من الإسلام، وهو أبغض الخيارات وأثقلها على الاستكبار العالمي في الأرض، وهو المصدر الكبير لخوف الاستكبار. إنكم أمّة يخافكم الاستكبار لو عُدتم إلى إسلامكم، الصين مخوفة، روسيا مخوفة، ولكن لا خوف للاستكبار كخوفه من هذه الأمّة لا لشيء غير الإسلام لأنّ الإسلام دين الحقّ، دين العدل، دين القوّة، دين الإباء والعزّة والشموخ.
ولكن لماذا تُعاقب حماس من دول عربية كثيرة على حدّ عقوبة أمريكا وإسرائيل لها؟ ولماذا هذا التطابق في وجهتي نظر الطرفين في القضية والموقف؟ وهل يرجع ذلك إلى وحدة المنطلق؟ أو هو مجرّد توافق في الموقف العملي ليس وراءه خلفية واحدة؟
بعض التصريحات العربية تركّز على الخوف من الإسلام، وتعتبر الخيار الإسلامي عين الشّرّ والوباء الذي يجب أن يُحارب في أول مقدّماته البعيدة، وبكلّ الأسلحة والمبيدات القاتلة التي تحول بينه وبين أن يُولد. وإن كان المتّهم بذلك في القضية وهي حماس يتبرّأ من نية أنه يريد إقامة حكم إسلامي، وعلى قاعدة دينية، كما جرى ربما على لسان الناطق الرسمي لحماس.
والقرار الفوري المستعجل لصالح إسرائيل وهو قرار مشترك بين دول الاستكبار العالمي وبين دول عربية وبين الرئاسة الفلسطينية مصادرة كل رصاصة، وخنق كل كلمة يُخاف منها على إسرائيل.
تعليقات قصيرة:
أولاً: حادث الدوريَّة التي ذُكر أنها تعرّضت لإلقاء زجاجات حارقة عليها مرفوض ومدان ومحرّم. أما من وراءه؟ لا يمكن تحديده لا شخصا ولا جهة وانتماءً. والتصديق بنسبة مثل هذه الحوادث إلى جهة معيّنة شعبيّة، أو الميل إلى ذلك بلا أدلّة كافية سذاجة لا ينبغي الوقوع فيها، فما أكثر المغالطات والتمويهات والافتعالات في هذا الزمن السيء البئيس، وتبقى الاحتمالات مفتوحة.
ثانياً: إطلاق الموقوفين وإلغاء المحاكمات جميل ومشكور، ولكن الحلّ الجذري الذي يجب أن لا يغيب عنه النظر هو إصلاح لا يُحوِج لمظاهرات ولا احتجاجات، ويصرف الناس إلى ما ينفع من العمل والإنتاج غير مضطرين إلى التظاهر والاحتجاج والمعاناة في السجن ومواجهة التعذيب.
ثالثاً: إذا اتخذنا الصيف عطلة عن العمل المثمر والإنتاج النافع، وتطوير الذات على طريق خيرها فالعطلة بهذا المعنى اقتطاع من العمر، ولون من الموت الاختياري، والانتحار الاختياري الجزئي الذي نتحمل مسؤوليته أمام الله سبحانه، وهو خيار لا عقلي ولا ديني ولا عقلائي، وهو سفه لا يرتكبه ذو تفكير.
العطلة الصيفية لتجديد لون النشاط، ولقراءات جديدة مفقودة نحتاجها، ولدروس محروم منها الطالب في كل سنته الدراسية الرسمية، ولا مفقود في قراءة الكثير من طلابنا كالكتاب الإسلامي الذي لابد منه لتصحيح مسار الذات والحياة، ولا حرمان للطالب طوال سنته الدراسية كحرمانه من الدروس التي تعرّفه دينه، وتصحح له عباداته، وتطلّ به على كنوز إسلامه، وتربطه بتاريخ أمّته، وتشدّه إلى ما هو الصحيح من هدف حياته التي لا يملك بدلاً عنها، ولا يملك إعادتها من جديد، ولا ثانية منها على الإطلاق.
العطلة الصيفية للثقافة الإسلامية المربّية والمنقذة، والتي لا استقامة لأوضاع كل الأرض من دون التوفّر عليها والأخذ بها، ومن دون أن تقام عليها الحياة. وكل العلوم يمكن أن تتحوّل إلى أدوات فتك، وأدوات فوضى واضطراب إذا لم ترتكن إلى الإسلام عقيدته وأخلاقيته وفقهه وتقواه.
من أراد لفلذة كبده خير الدنيا والآخرة، وهمّه أمره حقّاً، ثم طلب لوطنه وأمته الصلاح فلا يهملنّ دين ولده. وقد أضر بمن ولد، وضيّع عليه دينه الذي فيه خيره وصلاحه من لم يبادر بتعليمه دينه، ومن لم يربّه على أساس من الدين.
رابعاً: أصوات نشاز ترتفع عقيرتها جاهرة في وسط مجتمع مسلم مؤمن منادية بالعلمانية، وإقصاء الدين عن قضايا الحياة، أصوات فيها الوزير، والنيابي، والمؤسسة السياسية غير الإسلامية.
إذا رقصوا مختلطين فلا فتوى للدين، إذا أحلّوا ما حرّم الله فلا فتوى للدين، إذا حرّموا ما أحلّ الله فلا فتوى للدين، إذا نهبوا المحرومين فلا فتوى للدين، إذا حكموا ظلما فلا فتوى للدين، إذا غرّبوا المجتمع واستوردوا الأفكار الكافرة، والسلوكيات الهابطة فلا فتوى للدين، إذا تدخّلوا في أمر المساجد والحوزات فلا فتوى للدين، البلد دينه الإسلام، والشريعة الإسلامية مصدر رئيس للتشريع على حدّ الاعتراف الذي يتّفقون عليه، ولكن لا كلمة للإسلام، ولا مكان لفتوى من فتاواه، أو حكم من أحكامه، وعلى الإسلام أن يصمت تماماً أمام كلّ قضايا الحياة(8).
نعم، هذا هو ما يقوله بعض النوّاب الذين يدّعون أنهم يتحدّثون باسم الشعب، وبعض الجمعيات السياسية غير الإسلامية التي تدّعي أنها تحمي راية الدفاع عنه والشعب المسلم المؤمن يبرأ مما يقولون، ويقرأهم تماما من خلال ما يطرحون.
خامساً: قانون التعطّل مطلوب، ولا يتوقّف على ما هو بمنزلة النهب والغصب للقمة العامل والموظّف وهو الشيء الحرام. والحكومة هي المسؤول الأول والأخير بصورة غالبة عن التعطّل مشكلة وحلاً، وهل للحكومة فلس واحد ليس للشعب حتّى تبخل به عليه؟!
وفتح باب العمل وتزويد المواطن بالخبرة الكافية لنجاحه في مختلف الأعمال الكريمة مقدّم على كل ألوان المساعدات، وهذه الأمور الثلاثة نضطر إلى تكرارها، لأن المشكلة لا زالت محلّ التعاطي والمزايدات واللعب السياسي من عدد من الأطراف.
سادساً: نقول للذين يبدون شفقتهم على هذا الوطن، ويريدون أن يقولوا بأنهم حريصون على معالجة مشكلة البطالة وتحسين الوضع الاقتصادي، وفتح روافد جديدة تضخّ في اقتصاد البلد، وتجدّد في مصادر الدخل العام، وينشّطوا السياحة بتوفير أكبر الحفلات الغنائية استقطاباً لأهل اللهو والمجون من شرق الدنيا وغربها، وأجواء الرقص والميوعة، والانفتاح الجنسي الحرام ما قاله بيت الشعر العربي عن مطعمة الأيتام من كدّ فرجها، ماذا قال في الشطر الثاني منه؟ (لكِ الويلُ لا تزني ولا تتصدقي)(9).
لستم صادقين في شيء مما تقولون، وكل الغرض الكسب الحرام والفساد والإفساد، والتغريب الفكري والخلقي لهذا البلد الإسلامي الكريم.
وللعلم، بأن أصحاب هذه الحفلات والقائمين عليها يُعلنون بأنهم لم يُلاقوا أي صعوبات تُذكر من ثلاث وزارات يتعاملون معها: وزارة التجارة (السجل التجاري)، وزارة الإعلام، وزارة الداخلية بل وجدوا تعاوناً معهم منها، ذلك يدفعنا للسؤال عن تعامل وزارة الداخلية مع الخطباء والمحاضرين الإسلاميين الذين يفدون على هذا البلد وكم يلاقون من صعوبات حتى يدخلوا هذا الوطن، وكم منهم من أُقفل الباب أمامه.
اللهم صل وسلم على محمد وآل محمد، واغفر لنا ولإخواننا المؤمنين والمؤمنات أجمعين، وتب علينا إنك أنت التواب الرحيم.
اللهم إنا نرغب إليك محتاجين منقطعين مضطرين، ضارعين في كشف الكروب، وستر العيوب، ودفع الأمراض والأسقام، وقضاء الحاجات، وصلاح أمر الدنيا والآخرة يا من لا مرغوب إليه يشبهه قدرة وعطفا وكرما، يا من لا يرد قاصديه، ولا يخيّب آمليه، يا رحمن يا رحيم.
{إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاء ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ}
ـــــــــــــــــــــــــــــــ
1 – ميزان الحكمة ج 7 ص531
2 – هذا الجواب غريب، لم أسمعه من فقيه آخر.
3 – كلمة فيها شيء من التأنيب وإلفات النظر بجد.
4 – المصدر نفسه.
5 – ليس استهزاءً وليس استصغاراً، وإنما العظيم يصغر أمام من هو أعظم منه، وكل جليل أمام الله حقير، وكل قوة أمام قوة الله عز وجل لا أثر لها في النفس، وكل الجمال يذهب هباءً، ويتحول إلى لا شيء، ولا يستقطب النفس، ولا ينشدّ إليه النظر من نفس ترى من جمال الله ما يبهرها.
6 – جمع بعير، البعير على ضخامة جثّته إلا أنه لا يمتلك الهيبة المعنوية في نفسك، وأنت تقوده، وأنت تدجّنه، ولك السيطرة عليه. البعير وهو على هذا الحال ليس الشيء الذي يصرفك عن مصدر القوّة، وعن مصدر الجمال، وليس الشيء الذي تتصاغر معه نفسك لتراه أكبر منك في معناه وإن عظم منه الجسم. وكيف ينظر الرجل إلى نفسه في جنب الله تبارك وتعالى؟ هل يراها شيئاً بعد أن لم يرَ الناس شيئاً؟ الحديث يجيب.
7 – المصدر ص 533.
8 – هتاف الشيخ وجموع المصلين بـ(لبيك يا إسلام) و(تسقط العلمانية).
9 – عدم قراءة الشعر كاملاً لكراهة زمان القول وهو يوم الجمعة كما جاء في الروايات الشريفة. (اللجنة الفنية).

زر الذهاب إلى الأعلى