خطبة الجمعة (289) 7جمادى الثاني 1428هـ – 22 يونيو 2007م

مواضيع الخطبة:

متابعة التفقه في الدين + كلمات سريعة + الإسلام والغرب

الاقتطاع من العمّال والموظّفين صار مُواجَهاً من الشّعب ومن النوّاب كذلك، فسقط السند القانوني الذي تعتمده الدولة. وهو قانون منبوذ مرفوض، وتمسّك الحكومة به نوع من المكابرة، وتخلٍّ عن مسؤوليتها، وإلقاء للعبء على كاهل الآخرين من المستضعفين الذين هم بأشدّ الحاجة إلى دعم.

الخطبة الثانية

الحمد لله العظيم الأعظم، الأعزّ الأجلّ الأكرم، لا عظمة كعظمته، ولا عزَّ يشبه عزّه، ولا جلال ولا كرم يضاهي جلاله وكرمه. بريءٌ ربّنا عن النقص، متنزّه عن المحدوديّة، بعيد عن المثيل والشبيه والنَّظير، مُتعالٍ عن صفات المخلوقين، وحاجةِ المحدودين، ومقهوريَّة المقهورين.
أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أنَّ محمداً عبده ورسوله. صلّى الله عليه وآله وزادهم تحية وبركة وسلاما.
عباد الله علينا جميعاً بتقوى الله الذي إليه مرجع العباد، ولا خير لعبد إلا من عنده، ولا منجى لأحد إلا بإذنه. وتقوى الله طلب للكمال، وتشبّثٌ بالمعالي، وترفّعٌ عن الدنايا، وأخذٌ بأسباب الهدى والسموّ والصعود، وهل التقوى شيء غير ذلك؟! وكل ذلك لا سبيل لأحد إليه إلا بطاعة الخالق العظيم الذي لا خالق غيره، والملِكِ الواحد الذي لا ملك سواه.
اللهم صل وسلم وزد وبارك على حبيبك المصطفى وعلى آله الطيبين الطاهرين، واغفر لنا ولإخواننا المؤمنين والمؤمنات أجمعين، وتب علينا إنك أنت التواب الرحيم.
اللهم اجعل حمدنا لك دائما، وشكرنا لك متصلا، وطاعتنا لك قائمة لا يعتريها انقطاع، وجهادنا فيك ثابتا لا يعرضه فتور، ووفّقنا للخير ما أبقيتنا، وجنّبنا الشر ما أحييتنا، وإذا توفّيتنا فارحمنا، ولا تذقنا عذابك أبدا، ولا تُشمِت بنا أحدا، واجعلنا عند من المُكرَمين يا أرحم الراحمين، ويا أكرم الأكرمين.
اللهم صلِّ وسلّم على حبيبك المصطفى محمد بن عبدالله خاتم النبيين والمرسلين، وعلى علي أمير المؤمنين وإمام المتقين، وعلى فاطمة الزهراء الصديقة الطاهرة المعصومة، وعلى الأئمة الهادين المعصومين: الحسن بن علي الزكي، والحسين بن علي الشهيد، وعلي بن الحسين زين العابدين، ومحمد بن علي الباقر، وجعفر بن محمد الصادق، وموسى بن جعفر الكاظم، وعلي بن موسى الرضا، ومحمد بن علي الجواد، وعلي بن محمد الهادي، والحسن بن علي العسكري، ومحمد بن الحسن المهدي المنتظر القائم.
اللهم صلِّ على محمد وآل محمد، وعجِّل فرج وليَّ أمرك القائم المنتظر، وحُفَّه بملائكتك المقربين، وأيّده بروح القدس يارب العالمين.
عبدك وابن عبديك، الموالي له، الممهِّد لدولته، والفقهاء العدول، والعلماء الصلحاء، والمجاهدين الغيارى، والمؤمنين والمؤمنات أجمعين وفِّقهم لمراضيك وسدد خطاهم على طريقك، وانصرهم نصراً عزيزاً مبيناً قريباً.
أما بعد أيها الكرام من المؤمنين والمؤمنات فمع الحديث الآتي في أكثر من نقطة ومحور:
كلمات سريعة:
1. خمسمائة وست وستون أرض وقفية في معرض الضياع والغصب بسبب امتناع الجهات المسؤولة عن تسجيلها رغم المثبت الشرعي؛ إذ لا يقام وزن لشهرة موجبة للعلم بالوقفية، ولا لأمارة اليد عند هذه الجهات. وهذا ظلم فاحش، وتضييع للحقوق، وإضرار متعمّد بالأوقاف. هذا في الوقت الذي تقدّم فيه المساحات الواسعة الشاسعة من الأرض لمكتنزي الملايين من الخارج والداخل.
2. الاقتطاع من العمّال والموظّفين صار مُواجَهاً من الشّعب ومن النوّاب كذلك، فسقط السند القانوني الذي تعتمده الدولة. وهو قانون منبوذ مرفوض، وتمسّك الحكومة به نوع من المكابرة، وتخلٍّ عن مسؤوليتها، وإلقاء للعبء على كاهل الآخرين من المستضعفين الذين هم بأشدّ الحاجة إلى دعم.
أتعلم الحكومة أن كثيرا من الذين تريد أن تقتطع منهم لا يمكن لهم أن يعيشوا على روابتهم المتدنّية لو لا دعم من هنا ومن هناك؟!
الضمان مطلوب، والاقتطاع مرفوض، ولابد من العمل على التكريس العملي لهاتين المقولتين.
3. لسماحة آية الله العظمى زين الدّين (قدس سره) جميل خاص على البحرين لما أحدثه عند الكثير من الشباب في هذا البلد وعند غيرهم من نقلة كبيرة على مستوى الوعي والهمّ الإسلامي العامّ، وإبراز عظمة الإسلام، والثّقة بعلمائه، والاقتراب منهم.
و أسبوع زين الدين الثقافي الذي يقيمه أهل كرزكان شيء من عرفان الجميل لرجل الفقه والوعي، والعمل الصالح المثمر والتقوى، الذي وجد فيه الشباب المؤمن الذي عرفه من أي من الأقطار ملاذا فكريا قويّا، ومربّيا كبيرا، وقدوة صالحة، ومنارة إيمانية مشعّة، وأبا روحيا كريما، وإنسانا مبدئيّاً منفتحا هاديا.
4. إن رحيل الأستاذ المرجع الديني آية الله العظمى الفاضل اللنكرانيّ إلى جوار ربه الكريم يمثّل ثلمة في واقع الأمة لما كان له من دور جهادي وعلمي وتربوي وإشعاعي كبير، ولما كان يشغله من مهمّة البحث الخارج على مستوى كبير في حوزة قمّ العامرة فإنّا لله وإنا إليه راجعون.
تغمّد الله العلمين الكريمين، والمرجعين الكبيرين زين الدّين واللنكراني بواسع رحمته، وأسكنهما فسيح جنّاته، وأعلى مقامهما في ملأ الصالحين.
5. بدأ الصيف والكثير يعتزم السفر؛ ولا أنفع لمسافر مؤمن ومسافرة مؤمنة، ولا أشد ضرورة في هذا المجال من التذكّر بأن الحاجة إلى الله لا تنحصر في بلد، وأنّ رقابته لا تغيب عن بلد، فمن اتّقى الله سبحانه في الحضر فليتّق الله في السفر، ومن هان عليه الله عزّ وجلّ في حضر أو سفر فما أظلمه لنفسه، وما أهونه غداً على الله.
6. ندري أن البلاد لا تُدار بفتاوى وإنما تُدار بقوانين وضعيّة، وإذا كان في هذا فخر فهو فخر لغير من يرى أن شريعة الله هي العليا.
ولكننا نسأل: هل استبعاد الشريعة من السياسة والاقتصاد وسائر حقول الحياة العامّة فتوى دينية أو علمانية؟ هذا الاستبعاد فتوى الدين في حقّ نفسه، أو فتوى العلمانية في حق الدين؟ وإذا كانت دينية فلماذا يجوز لغير علماء الدين أن يفتوا ولا يجوز للعلماء ذلك؟ وإذا كانت هذه الفتاوى علمانية فكيف يجوز للعلمانية أن تمرّر فتاواها على الدين، ولا يجوز للدين أن يفتي في شيء من العلمانية؟
الإسلام والغرب:
أمريكا وحليفتها أوروبا وإسرائيل تفرض هيمنة ظالمة على العالم، وتخاف أن تخسر قوّتها الباطشة المتميّزة، لذلك تخوض هذه الدول صراعا مريرا مع كل قوة ناهضة في الأرض إسلامية كانت أو غير إسلامية، وتخطط لإجهاض كل وليد يهدد مستقبل هيمنتها، كان وراء هذا الوجود إسلام أو قومية أو خلفيّة أخرى.
الصين عدوّ يحذرها الغرب، ويخطط ضده، روسيا كذلك، ولكن تبقى العداوة الغربية والتخطيط المضاد الغربي، والفزع الغربي من أي قوة إسلامية ناهضة أشد تحسّبا لقوة الإسلام، وذلك من منشأ قوة الإسلام نفسه، وقدرته على الاستقطاب، وامتلاكه رصيدا فطريا عقليا وروحيا ووجدانيا في كيان الإنسان بحيث لا يمتلك أي طرح آخر مثيلا له أو ما يقاربه.
بلاد الإسلام، وأي جماعة أو حزب فيها لا ينصاع للإرادة الأمريكية ولا يعترف ذليلا خاضعا بحقّانية هيمنتها، وقبول العبودية يعمل الغرب وبكلّ قوة على تجريده من كل سبب من أسباب النهضة، ومن كل آلية من آليات القوة، وإمكان الاستقلال والتحرر من التبعية.
أما الحكومات والأحزاب والجماعات الموالية للأمريكيين الداخلة في طاعتهم فإنما يسمح لهم بمستوى من القوّة يمكن له أن يلحق الهزيمة أو الأذى بالقوى المتحرّرة، ويعطّل نموّها وتقدّمها، ويبقي الأمة في معاناة ضعفها وتفكّكها وتخلّفها، ولكن بحيث لا يخرج مستوى القوّة عند هذه الوجودات التابعة عن السيطرة الأمريكية ولا يمثّل خطراً غير محتوَىً من القوى الأجنبية المهيمنة على تقدير أي مفاجأة غير محسوبة.
ويختلط السياسي والديني عند كبار السياسيين، وكبارٍ من الدينيين في أمريكا والغرب – رغم فصلهم بين الدين والسياسة – في موقفهم المعادي من الإسلام إلى حدّ الخروج عن الأدب واللياقة، وأسلوب التعامل الإنساني والحضاري العامّ، وإلى حدّ التشنّج والانفعال الذي يفقدهم التوازن بصورة مكشوفة مزرية وإلا فما معنى تكريم سلمان رشدي لتطاوله على مقام خاتم النبيين والمرسلين صلى الله عليه وآله وسلّم، والذي أحيى الحضارة الإنسانية بعد موت(9)، وصحح مسار البشريعة كلّها كلّ بمقدار استجابته لندائه العلوي الإلهي الكريم؟! وما معنى أن تستعدي ملكة بريطانيا مليارا ونصف المليار من المسلمين جارحة مشاعرهم الدينية، وضاربة بهم عرض الحائط؟! أقل ما يقال في هذا التكريم لرجل شيطاني ساقط لم يُبقِ لنفسه اعتبارا في عقل أو خلق أو دين أنّه طفوليّة وعجرفة، واستهتار بالقيم، وغرور شخصيّ، وسذاجة سياسية، ومعاداة للسلم والحوار الحضاري، والتقارب الإنساني، وخروج عن اللياقة الأدبية.
يتحدث الغرب عن الإرهاب، ويقيم حروباً طاحنة تحت شعار محاربته، ولا مؤجّج للإرهاب ولا موقظ لروح الحقد، ولا مشعل لنار الفتنة كمثل كلمات التعدّي الديني التي يطلقها كبار من ساسة الغرب ورجاله الدينيين، والمواقفِ الحاقدة الخبيثة كموقف التكريم لسلمان رشدي ربيب الشيطان وقرينه.
أمريكا وإسرائيل وأوروبا يترصّدون للإسلام في كل مكان، ويشنّون عليه حربا في كل شبر من الأرض يكون له فيه تواجد، ومعركتهم معهم رئيسة ومخططة ومقيمة، يخوضون حربا ضارية مكشوفة مع الإسلام في إيران، في الجزائر، في المغرب العربي كله، في لبنان، في باكستان، في أفغانستان، في الصومال، في تركيا، في العراق، في فلسطين، في كل بلد من بلاد المسلمين بصورة وأخرى، وبمستويات متعددة حسب مقتضى الظروف والخطط المعدّة لمواجهة الإسلام.
وإنه من العداء السافر للإسلام أن تقف هذه الكيانات وقفة حاسمة ومستعجلة بالدعم المالي والسياسي والإعلامي، وأن تفتح كل قنوات التواصل الإيجابي مع طرف فلسطيني في واقع الانقسام الخطير الذي يعيشه طرفا صراع سياسي ودموي من الفلسطينيين ضد طرف آخر تُسجّل عليه هذه الكيانات المتطرفة أنّه يرفع شعار الإسلام ولا يستجيب لإملاءاتها.
ولا يفوتنا أن نتذكر جيّدا أن أمريكا تمتلك في عالمنا الإسلامي شخصيات من أصناف واختصاصات وانتماءات مختلفة، ومؤسسات وجماعات وأحزاب وحكومات متعددة لتنفيذ مخططاتها الخبيثة ضدّ الإسلام والأمّة الإسلامية المستهدفة، والشواهد في هذا المجال تتحدث عن نفسها بلغة صارخة تملأ الساحة، وتتواجد في كل مكان من أرض الإسلام.
أمريكا تمارس الحرب ضد الإسلام بحكومات إسلامية، بحكومات في البلاد الإسلامية، وتنتمي إلى الإسلام، بأحزاب في البلاد الإسلامية، بجماعات، بصحفيين، بعلماء يلبسون عمائم. كل ذلك أدوات تمتلكها أمريكا في حربها مع الإسلام، والإسلام هو المنتصر.
اللهم صل وسلم على محمد وآل محمد، واغفر لنا ولإخواننا المؤمنين والمؤمنات أجمعين، وتب علينا إنك أنت التواب الرحيم.
اللهم اجعل قلوبنا عارفة بك، شاكرة لِأنْعُمِك، مقبلة عليك، مدبرة عن عدوك، مستغنية برجائك، مشغولة بذكرك، مستصغرة كل شيء إلى جنب عظمتك، راضية بقضائك وقدرك، مؤملة في رحمتك، منصرفة إلى طاعتك عن معصيتك. ربنا ارزقنا خير الدين والدنيا، وحصّنا من كل سوء برحمتك يا أرحم الراحمين.
{إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاء ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ}

ــــــــــــــــــــــــــ
1 – ميزان الحكمة ج 7 ص526. المصدر الأصلي (بحار الأنوار ج 78 ص 321 عن تحف العقول).
2 – ميزان الحكمة ج 7 ص 526. المصدر الأصلي (كنزل العمال خ 28690).
3 – في كل جمعة بمعنى في كل أسبوع.
4 – بحار الأنوار ج 1 ص 176.
5 – والرجل هنا لا خصوصية له، والمقصود هو الرجل والمرأة.
6 – ميزان الحكمة ج 7 ص 528. المصدر الأصلي (شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد ج6 ص 71/ آمالي للمفيد ص157).
7 – 7 -8/ الزلزلة.
8 – ميزان الحكمة ج 7 ص 528. المصدر الأصلي (بحار الأنوار ج 92 ص 107، عن أسرار الصلاة).
9 – وهذا ما يؤكّده تاريخ الغرب واعترافه.

زر الذهاب إلى الأعلى