خطبة الجمعة (281) 9 ربيع الثاني 1428هـ – 27 ابريل 2007م

مواضيع الخطبة:

متابعة موضوع العمل + لاتبع نفسك رخيصا + التمرين العسكري المشترك

هناك من يريد أن ينال من عرضكما، هناك نفوس ساقطة تبحث عن مأرب فيكما، هناك أرواح سقطت، هناك ضمائر جفّت، هناك آدميون بلا وعي، وبلا شعور كريم، هناك آدميون تحكمهم حيوانيتهم وبهيميتهم بالكامل، وقد يكون الفتى الشريف أو الفتاة الشريفة فريستهم التي بها يفتكون.

الخطبة الأولى

الحمد لله خالق كل مخلوق، ورازق كل مرزوق، لا ملكَ إلا ملكه، ولا أرض إلا أرضه، ولا سماء إلا سماؤه، ولا موجود، ولا حيّ إلا من صنعه، ولا قيام لشيء ولا دوام إلا بقدرته.
أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وآله وسلم تسليماً كثيراً.
أوصيكم عباد الله ونفسي الأمّارة بالسوء بتقوى الله، والسعي الجاد في هذه الحياة على طريق مرضاته، والمنافسة في اللحاق بركب أوليائه وأوصيائه وأصفيائه فكل شيء في حياتنا ذاهب، وكل بناء منهدم، وكل مكسب تالف، ولن يجدي الإنسان في مستقبله الأبدي وبعد الرحيل إلا عمل صالح من ورائه نيّةٌ طاهرة، من قلب متّجه لبارئه الكريم، في عبودية صادقة، واستجابة مخلصة.
اللهم صل وسلم وزد وبارك على حبيبك المصطفى محمد بن عبد الله خاتم النبيين والمرسلين وعلى آله الطيبين الطاهرين، واغفر لنا ولإخواننا المؤمنين والمؤمنات أجمعين، وتب علينا إنك أنت التواب الرحيم.
اللهم اجعلنا كما تحب لا كما تهوى لنا النفس الأمّارة بالسوء، أو يشتهي لنا الشيطان الرجيم، اللهم اخرجنا من هذه الدنيا يوم تكتب علينا ذلك مسلمين راضين مرضيّين عندك يا كريم يا رحيم.
أما بعد أيها الملأ الطيب من المؤمنين والمؤمنات فإلى حلقة أخرى من حديث العمل وهدايات من نصوص المهديين عليهم السلام في هذا المجال:
“أفضل الأعمال أحمزها”(1).
في أعمال الطاعات، والصالحات ما هو ميسور للمكلّف، تحت متناول يده، ميسّرة سبله، لا يتحمّل بامتثاله كلفة ولا رهقا. ومن الأعمال ما يتطلّب امتثاله كلفة وشدّة.
العملان يأتيهما المكلّف بنية القربة الخالصة لله سبحانه وتعالى، لكن لابد للشدة من حساب خاص ما دام المقصود بها وجه الله الكريم.
في امتثال هذا الفعل بما له من ثقل وكلفة وشدّة مقاومة للنفس واسترخائها، وحمل لها على طاعة الرب تبارك وتعالى، وإن ثقل عليها الأمر لتجد نفسها من بعد ذلك قادرة على النهوض بالتكاليف الكبيرة، ومن وراء هذا التصبّر والتحمّل توقير لله، واحترام وتعظيم لأمره، وبهذا يعظم ميزان العمل الصالح إذا كان امتثاله قد تطلّب كلفة وشدّة.
“أفضل الأعمال ما أكرهت عليه نفسك”(2).
هناك ما يفيد أن القلوب تملّ وقد تُقبل، وأنها تُحمل على النوافل إذ أقبلت، وتُعطى الراحة إذا أدبرت. وهذا الحديث يقول لنا:”أفضل الأعمال ما أكرهت عليه نفسك”. قد يكون تمنّع النفس عن الطاعة لا لإرهاق، ولا لأنها حُمّلت الكثير من الطاعة، وإنما لحالة استرخاء بدأت تنفذ في أعماقها، وتسبب لها العجز والخور والسقوط.
في الحالة الثانية لا بد أن تواجه النفس، ولا بد أن تُحمل على ما تكره حتى لا تميع ويخسرها صاحبها.
أما حيث يعظم الثقل على النفس من كثرة الطاعات فهنا لابد للمكلّف منها أن يراعي حالها حتى لا يحمّلها ما لا تحتمل فينعكس ذلك بإدبار منها النفس عن الطاعة، وبتثاقل ونفرة.
“أفضل العمل ما أريد به وجه الله”(3).
عمل ثقيل بالغ الثقل، وعمل لا يحتاج امتثاله إلى مؤونة، الأول يأتيه صاحبه بلا نيّة خالصة لوجه الله، والثاني يأتيه امتثالاً حقيقيّاً لربّه تعالى، أين الأول من الثاني؟ الأول وإن عظم أثره الطيب في الناس، ونشر ذكر صاحبه الطيّب إلا أنه لا وزن له عند الله عزّ وجل بقدر ما للثاني.
“عن منصور بن حازم عن أبي عبدالله عليه السّلام، قال: قلت: أيّ الأعمال أفضل؟ قال: الصّلاة لوقتها…”(4).
الصلاة لوقتها حيث يُغالب رغبة الصلاة أمر دنيويّ من طلب معاش، أو لذّة أو راحة. وفي صلاة الصبح لنا تجربة، ونحن نجد أننا في أول الطريق علينا أن نجاهد النفس، وأن نكابرها، ونرغمها على أن تستجيب لنداء الله في أول وقت فريضة الصبح، وتخفّ من فراشها غير مستثقلة وذلك لما في هذه الفريضة في هذا الوقت من امتحان خاصّ للنفس وبما تميل إليه من الراحة، وما قد يغالبها من ضغط الحاجة إلى النوم.
هذه المواجهة والمكابرة قد يحتاجها المكلّف في أول الطريق إلا أنه وبعد خطوات ثابتة على طريق الاستجابة لنداء الله تبارك وتعالى تتروّض النفس، وتنقاد، وتستسلم لأمر بارئها تبارك وتعالى، وتنقلب المعاناة إلى تفاعل إيجابي ولذّة.
هناك أعمال لا تنفع أصحابها، وكثير من الأعمال الصالحة في ظاهرها تذهب هباء، ولا يجد لها المكلّف أثراً نافعاً يوم القيامة.
عن الصادق عليه السلام:”لو نظر النّاس إلى مردود الأعمال من السّماء، لقالوا: ما يقبل الله من أحد عملاً”(5).
الله عز وجل أكرم من العبد بلا أدنى إشكال وأني نفاس كرم العبد إلى كرم الرب؟!!، والله يقبل من العبد اليسير، فهذه الأعمال التي تردّ لا تردّ، إلا لوجه عيب، لا ترد إلا لمانع، لعمل آخر محبط، لما لا يليق معه أن يرتفع العمل إلى الله سبحانه وتعالى مقبولاً.
نقرأ في هذا السياق هذا الحديث المروي عن الرسول صلى الله عليه وآله وسلم:”ثلاثة لا ينفع معهنّ عمل: الشّرك بالله، وعقوق الوالدين، والفرارد من الزّحف”(6).
“الشرك بالله”
العبد قد يعمل ما ظاهره أنه عمل لله عزّ وجل، إلا أنه يشرك به أحداً، ويحاول أن يكون له ذكر عند الناس من خلال هذه العبادة.
إن للشرك ألواناً ومراتب، والمجاهدة الصعبة أن تتخلص النفس من كل مراتب الشرك، ولا يكاد غير المعصوم عليه السلام يبلغ حدّ التوحيد الخالص الذي لا شوب فيه.
“وعقوق الوالدين” يا صِْبيَة يا شباب يا شابات، يا كهول، يا شيوخ العمر إن للوالدين حقّاً لا نستطيع أن نخرج منه، ويعرّفنا الحديث أ، عقوق الوالدين يكون عائقا عن قبول العمل الصالح عند الله سبحانه وتعالى.
الله عزّ وجل لا ينظر إلى الشكليات. لا يتعامل بالقبول مع الشكليات، وإنما يقبل من العبد قلبه الخالص له، ونفسه المتّجهة والمستسلمة والخاضعة له، وأن نستكبر على الله عز وجل في مقام يمكن أن يسحق ذلك الكثير إن لم يكن الكل من أعمالنا.
وأنتم تعرفون مقام الولاية، وما لها من انعكاس على القبول، وما ذلك إلا لما في الولاية من تحدٍّ للنفس أن تخضع لأمر الله مع كل تطلعاتها، وعنادها، واستعلائها، واستكبارها أو لا تخضع.
يضيف الحديث إلى ذلك “والفرار من الزّحف” الفرار من أي معركة من معارك الإسلام مع أعدائه كبيرة محبطة. والفرار إذا جاء من واحد جاء من آخر ثم تحول ظاهرة، وبذلك ينهزم الإسلام، وينسحق ويُهزأ به في الأرض، ويذلّ المسلمون. فأثر الفرار من الزحف أثر خطير هائل على كيان الإسلام كلّه.
ولنقف مع هذا الحديث بقلوبنا، بوعينا، مطالعين واقع حالنا، مقارنين بين ما يعطيه هذا الحديث وما نحن عليه من ضعف ومخالفة في المجال الذي يتحدث عنه.
“إذا قال المؤمن لأخيه: أفّ خرج من ولايته(7)، وإذا قال: أنت عدوّي كفر أحدهما لأنّه لا يقبل الله عزّ وجلّ من أحد عملاً في تثريب(8) على مؤمن نصيحة(9)، ولا يقبل من مؤمن عملاً وهو يضمر في قلبه على المؤمن سوءاً… ولو نظروا إلى مردود الأعمال من الله عزّ وجلّ لقالوا: ما يتقبل الله عزّ وجلّ من أحدٍ عملاً”(10).
فلا تغرنّ أحدنا كثرة صلاته وصومه وصدقته، وليفتّش في نفسه فلعلّ مانعاً كبيراً قد أحبط، عملهّ نية سيئة، فلعل بغضاً لمؤمن، لعل حسداً، لعل كرهاً، لعل حقداً قد أحبط كل أعماله.
اللهم صل وسلم وزد وبارك على محمد وآل محمد الطيبين الطاهرين. واغفر لنا ولإخواننا المؤمنين والمؤمنات أجمعين، ولوالدينا وأرحامنا وجيراننا ومن أحسن إلينا إحساناً خاصا من مؤمن ومؤمنة، ومسلم ومسلمة، وتب علينا إنك أنت التواب الرحيم.
اللهم إنا نسألك الهدى والرشد والحكمة والسداد وأخلص النيات، وأزكى الأعمال وأتمّها، وأقرب القربات إليك يا حميد يا مجيد، يا أكرم من أعطى، وأجود من تفضّل، يا رحمن يا رحيم.
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
{إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ (1) فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ (2) إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الْأَبْتَرُ (3)}

الخطبة الثانية

الحمد لله حمداً لا يحيط به إلا علمه، ولا ينبغي لأحد سواه، حمداً فوق كل حمد، ويتجاوز كل حمد يكون له حد. ربُّنا لا جميل إلا منه، ولا قبيح يصدر من جهته، ولا عدل يجاري عدله، ولا ظلم يُنسب إليه.
أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وآله وسلم تسليماً كثيراً كثيراً.
عباد الله وخلقه الضعيف علينا بتقوى الله فلا قويّ يُلجأ إليه من دونه ويحمي من أخذه، ولا نافع سواه، ولا وجود ولا حياة ولا رزق يُطلب من غيره.ألا إن الله العلي القدير قد حدّ حدودا، وحرّم أشياء، وأوجب أمورا، فمن أراد لنفسه الأمن من عذاب الله فلا يتعدّ حدوده، ولا يهمل واجبه، ولا يقتحم محرّما، ومن استخف بشيء من ذلك فبنفسه استخف، أما الله فهو العلي الكبير، العزيز المجيد، الغني الحميد.
اللهم اغفر لنا ولإخواننا المؤمنين والمؤمنات أجمعين، وتب علينا إنك أنت التواب الرحيم، وامنن علينا بمعرفتك، وزيّن في قلوبنا طاعتك، وقبّح لها معصيتك، وصيرّنا إلى محبوبك، وجنّبنا ما يسخطك، وما أعددته من نارك للأشقياء من عبيدك، والعصاة خلقك يا أرحم الراحمين.
اللهم صل وسلم وزد وبارك على حبيبك المصطفى محمد بن عبدالله خاتم النبيين والمرسلين الصادق الأمين، وعلى علي أمير الممؤنين وإمام المتقين، وعلى فاطمة الزهراء الصديقة الطاهرة المعصومة.
وعلى الأئمة الهادين المعصومين: الحسن بن علي الزكي، والحسين بن علي الشهيد، وعلي بن الحسين زين العابدين، ومحمد بن علي الباقر، وجعفر بن محمد الصادق، وموسى بن جعفر الكاظم، وعلي بن موسى الرضا، ومحمد بن علي الجواد، وعلي بن محمد الهادي، والحسن بن علي العسكري، ومحمد بن الحسن المهدي المنتظر القائم.
اللهم صل على محمد وآل محمد، وعجل فرج ولي أمرك القائم المنتظر، وحفّه بملائكتك المقربين، وأيده بروح القدس يارب العالمين.
عبدك وابن عبديك، الموالي له، الممهد لدولته، والفقهاء العدول، والعلماء الصلحاء، والمجاهدين الغيارى، والمؤمنين والمؤمنات أجمعين وفقهم لمراضيك، وبلّغهم نصرك، وأعزهم بعزّك يا قوي يا عزيز يالله.
أما بعد أيها الملأ الكريم من المؤمنين والمؤمنات الأعزاء فإلى المحاور التالية:
لا تبع نفسك رخيصا:
أنت إنسان كريم كبير عند الله، قد كرّمك على كثير من الخلق، وأمامك مستقبل كبير فيه فرص نجاح هائلة، في هذه الحياة الدنيا، وإن وراءه لمستقبل أكبر في الآخرة. وسلّمُك لمستقبلك الكبير في الدنيا، ولمستقبلك الأكبر في الآخرة إنما هو دقائق عمرك وثوانيه، فانظر أين تضعها؟
أسألك: هل تحبّ الله؟ وهل تجد سبباً لعدم حبّك لله؟ وهل يبقى من سبب من أسباب الحب لا تجدها في نفسك بالنسبة لله حتى تحبّه؟
وأسألك: هل تحب نفسك؟ أهي عزيزة عليك أو هيّنة؟ هل ترضى لها الهوان؟ هل ترضى لها السقوط؟ هل ترضى لها الخسار؟ هل ترضى لها الذل؟ هل ترضى لها العذاب والشقاء؟
أسألك عزيزي: هلا تصدّق أن شريعة الله من أجل وقايتك وحمايتك وسعادتك؟ هل تشعر بأن الله محتاج إليك حين كلّفك؟ هل تشعر بأن لله عز وجل مصلحة ينتظرها من امتثالك لتكاليفه؟ لا أراك تحمل شيئاً من هذا الظن السيء الساقط الواهم السخيف.
إذا كنت تحب الله، وتحب نفسك فهناك طريقان، وكلٌّ منهما له مرتادون وله دعاة. هناك دعاة إلى العلم، إلى الجد في الخير، إلى الاستقامة، للعبادة، للخلق الكريم، للعمل الاجتماعي النافع، لاستثمار العمر استثماراً يرضي الله، ويربح النفس.
وهناك دعاة للهبوط، للتسافل، للسقوط، لأمراض عقل، ولأمراض روح، ولأمراض بدن، للمخدرات، للممارسات الجنسية الحرام، للزنا، للواط، للفحشاء التي ساءت سبيلاً في حكم الله سبحانه وتعالى.
يا فتى ويا فتاة:هناك من يريد أن ينال من عرضكما، هناك نفوس ساقطة تبحث عن مأرب فيكما، هناك أرواح سقطت، هناك ضمائر جفّت، هناك آدميون بلا وعي، وبلا شعور كريم، هناك آدميون تحكمهم حيوانيتهم وبهيميتهم بالكامل، وقد يكون الفتى الشريف أو الفتاة الشريفة فريستهم التي بها يفتكون.
طريق المخدّرات طريق الموت المخزي، وأين موت المخدرات من موت الشهادة؟! وإذا رضي الله سبحانه وتعالى لك أن تموت بإرادتك فإنما رضي لك هذا بأن يكون موتك شهادة في سبيل الله.
طريق المخدرات طريق الموت المخزي، والسقوط الاجتماعي، على أن من ابتُلي يمكن له العودة إلى مجتمعه السليم محترماً مكرّماً محتضنا من كل متدين واع ومن عقلاء المجتمع ومحبّي الإنسان.وعودته إلى مجتمعه إنما تكون بأن يتخلص من سوئه ويعود عضواً صالحاً في نفسه، نافعاً لمجتمعه.
وطريق الفحشاء طريق الإيدز، – المرض القتّال- الذي يحصد ملايين الناس في العالم في العام الواحد. إنه طريق يحشرك في زاوية اجتماعية حرجة ، ويعزلك، يحمّلك الهموم الثقال، يحرمك من الزواج، تكون به حاملا لوباء مخيف لأهلك، لأمك، لأبيك، لأخيك، لأختك، لولدك، لبنتك، ارحم نفسك وارحم كل أولئك إن لم تنظر للآخرين.
المخدّرات والفواحش تعني العمر القصير، والهم الثقيل، والعذاب الأخروي الطويل، وتعني خسران الشرف، وسقوط السمعة، وذهاب الحياة هباء، وليتها تذهب هباءً فقط ولا تجرّ عذاباً مقيماً.
أعزائي: كم من يوم لذّة حرام هو يوم مصيبة دائمة، وطريق طويل من الهموم والغموم والكوارث والأسقام القاتلة.
كم من يوم لذة حرام هو يوم بداية عذاب شديد، وفضيحة سافرة، وعدّ تنازلي سريع إلى القبر، وما فيه وما بعده من شقاء. لحظة واحدة تنسف العمر كلّه، وتوظّف العمر كلّه في سبيل الشقاء الأبدي.
أنتَ.. أنتِ.. تتجنبان الشوك، فكيف لا تتجنبان طريق الهلكة والخزي والفضيحة بما ينتظركما على هذا الطريق من ويلات؟!
هناك من تورّط وسقط في مستنقع المحرمات والأمراض الناتجة منها، ويريد أن يورّطكَ، يريد أن يورّطكِ، لتعيشا معه البلاء والعذاب، ويكون محشركما معه إلى النار.
قف أيها الفتى الشامخ، قفي أيتها الفتاة الأبيّة ممن يريد أن يصطادكما ويوقعكما في الهلكة الموقف القوي الباسل العنيد، وقولا له أنت عدوّ، أنت شيطان، أنت كائد مبين.
وهذا سؤال إلى الحكومات التي قد تقول بأن الإيدز والمخدرات يقلقها انتشارهما في هذه البلاد أو تلك، أيحارب الإيدز بفتوى فقيه الفنانين والمسرح التي قالت بأن الزنا عن رضىً ليس بحرام؟! وبمحاربة الدين في كل مرصد، والترصد إليه في كل منعطف، في جامعة، في ثانوية، في سوق، في غرفة تجارة، في مستشفى، في كل منعطف؟!
أيُحارب الإيدز بالأزياء الفاتنة والأجساد العارية، وبالرقص الماجن المستهتر؟! بالسياحة المبتذلة؟ بالخمر، بالمسكرات؟ بالسكوت على كبار المستوردين للمخدرات؟ بأجواء المغازلات الفاضحة في أوساط الاختلاط المتهتّك في الوزارات والمستشفيات والشركات، بل و في كل مكان؟!، أحدهما يصرخ معي في الهاتف وهو متزوج، وقد أدار بوجهه عن زوجته إلى شهر لا أستطيع أن أمسك نفسي، وجزاه الله خير الجزاء حيث إنه كان يطلب الحلال ويتحدث مع زوجه في ذلك، ولكنه كان يصرخ بأنه لا يستطيع أن يمسك نفسه في الدائرة التي يعمل بها.
التمرين العسكري المشترك:
تعرفون أنه أُجري تمرين عسكري مشترك بين القوات الأمريكية في البحرين وبين قوّات من البحرين من قوة الدفاع والداخلية، وقد شاركت الصحة في ذلك التمرين.
وقد تعلّقت به بعض التقارير والتصريحات الصحفية منها الرسمي وغيره. ونعرف أن هذا التمرين وكما صُرِّح به قد جاء استعداداً لطارئ يُحذر منه، وخطر مرتقب متّصل بمواجهات عسكرية متوقّعة.
نسأل: وهل البحرين على أبواب حرب مرتقبة تشنّها على أحد؟ أو يشنّها عليها أحد؟
نحن نعرف أن أمريكا تهدد بحرب في المنطقة ضدّ جارة مسلمة لنا هي إيران، فهل سندخل شركاء في هذه الحرب مع أمريكا بأي درجة من الدرجات، أو مع إيران حتى نخاف؟ وحتى نأخذ الاستعداد والأهبة لأيام المواجهة؟
والثاني مقطوع بعدمه لأن التمرين ليس مع إيران، وإنما مع العدو الذي يتهدده.
الخطر الذي نتوقعه ونستعد لمواجهته هل يأتي في حساباتنا من ضربة هجومية ابتدائية ظالمة توجّه إلينا؟ أو من ضربة جزائية دفاعية موجّهة أساسا إلى غيرنا ولكن بسبب مشاركتنا؟
الأول: قطعاً لا، لأنه لا موجب له على الأرض على الأقل على الإطلاق، والثاني: ما الذي يجعلنا ديناً وعقلا وخلقا ومصلحة وطنية نسعى إليه برجلنا ونتسبب فيه؟ وهل يفتينا به دين أو عقل أو خلق أو مصلحة وطنية؟ وهل هو قرار نابع من ضمير الأمة والشعب ومتوافق مع انتمائهما ومصلحتهما؟
وهل سيسرّ أحد على هذه الأرض ممن له شيء من إسلام لمثل هذه المشاركة؟
كم سنعطي لهذه المشاركة المغضبة لله عز وجل ولرسوله صلى الله عليه وآله، كم سنعطي لها من ديننا ودنيانا وأرواحنا ومصالحنا واستقرارنا وسمعتنا في هذه الأمة وحتى في غير هذه الأمة؟ ما سمعة من أعان عدوّاً على صديق؟ من أعان بعيدا على جار؟ من أعان أجنبيّاً على قريب؟ وما هي المكاسب على المدى القريب والبعيد لو كان في غضب الله سبحانه ورسوله صلى الله عليه وآله مكسب ولو هزيل ويستحيل ذلك؟
نسأل: ألنا خيار في القضية؟ فكان خيارنا أن ننتصر للكافر على المسلم، وللبعيد على القريب، وللأجنبي على الجار؟ لئن كان ذلك فهو شيء لا يعقله عاقل، أم ليس لنا من خيار وقد سُلبناه بالكامل وبسوء الاختيار؟! لا تسلب أمريكا ولا غيرها أحدا إرادته إلا باختياره.
نعم، قد تسلبك أمريكا أرضك، نعم، قد تسلبك أمريكا ثروتك، لكن أن تسلبك إرادتك فذلك راجع إلى إرادتك نفسها، ولماذا فعلنا بأنفسنا كلّ ذلك وهو لا يمثل عذرا عند الله ولا عند خَلْقٍ كريم من خلقه؟
اللهم صل وسلم على محمد وآل محمد، واغفر لنا ولإخواننا المؤمنين والمؤمنات أجمعين، وتب علينا إنك أنت التواب الرحيم.
اللهم إنا نضرع إليك فلا تتركنا على ما نحن فيه من سوء، ولا تمكّن من أمرنا من يهيننا ويؤذينا، ولا تكلنا إلى أنفسنا ولا إلى أحد من خلقك طرفة عين، ولا تحرمنا رحمتك، ولا تقطع عنا سيبك وعطاءك، وزدنا من فضلك يا كريم. اللهم إنا نسألك خير الدنيا والآخرة، ونعوذ بك من شر الدنيا والآخرة يا أرحم الراحمين.
{إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاء ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ}
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 – ميزان الحكمة ج7 ص 19.
2 – المصدر نفسه.
3 – المصدر نفسه.
4 – المصدر نفسه.
5 – المصدر ص 22.
6 – المصدر نفسه.
7 – المسلم مطلوب منه النصرة لأخيه، الحب لأخيه، الأخوّة لأخيه، الاحترام لأخيه، الإخلاص لإخية، ويُحكم عليه بأنه ليس على شيء من ذلك، حينما يقول لأخيه المؤمن أف وهي أدنى كلمة في التضجّر.
8 – وهو التعيير والاستقصاء في اللوم.
9 – هنا يخرج من حد الإيمان العملي الكامل، وتحدث له ثلمة في مقام العمل الإيماني لا تكون إلا لكافر، هذا سلوك كافر وليس سلوكا إسلاميا. وإن لم يكفر عقيدة فهو قد كفر في هذه الممارسة الجزئية عملاً. ولماذا أحدهما؟ أحدهما لأن الكلمة لو كانت صادقة وأن المخاطَب يُعادي المخاطِب فقد كفر، ولو كانت كاذبة فإن المخاطِب هو الكافر.
إعابة المؤمن للمؤمن وتثريبه، والاستقصاء والإمعان والتوغّل في إعابته تمنع قبول العمل، وإن كان ذلك التثريب نصيحة للمؤمن الآخر. عليك أن تنصحه، وعليك أن لا تكون نصيحتك له تثريبا، وأن لا تؤذينه بلومك المعمّق، ما استطعت أن تكون نصيحتك ليّنة مؤدّبة تراعي كرامة أخيك، وتحترم إيمانه فعليك أن تفعل، وليس لك أن تتعدّى ذلك.
10 – المصدر ص23.

زر الذهاب إلى الأعلى