الحديث القرآني الإسبوعي – 03 مارس 2007م

حديث ليلة السبت (4) 13 صفر 1428هـ _ 03 مارس 2007م “جامع مدينة عيسى”

 

” الإسلام والعلاقة مع الآخر “

 

أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الغوي الرجيم، بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، الصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين محمد وآله الطيبين والطاهرين واللعنة على أعدائهم إلى قيام يوم الدين.

 

أمتكم هي أمة الإيمان، ما معنى كون أمتكم هذه أمة الإيمان؟ معنى كون الأمة أمة الإيمان أن المحور الرئيس الذي تدور حوله حركة الأمة وعلاقات أفرادها وجماعاتها هو محور الإيمان، المحور المستقطب لحركة الإنسان الفرد في هذه الأمة، وللإنسان الجماعة هو محور واحد ألا وهو محور الإيمان بالله تبارك وتعالى.

 

الإسلام جاء بمنهجه الخاص، جاء بمفردات عبادية جماعية، جاء بنظام اجتماعي بنظام سياسي بنظام اقتصادي، بأنظمة جمة، أدخل في إطار هذا المنهج جماعات من قوميات شتى، من شعوب مختلفة، من ألوان مختلفة، من توجهات أرضية مختلفة، أذاب كل الفوارق، صهر الجميع على المستوى الفكري، على المستوى الروحي، على المستوى الشعوري بمصهر قذف بكل الشوائب، بكل التخلفات، بكل ما يضر بإنسانية الإنسان، بكل الطحالب، أبقى جوهرا إنسانيا توفر عليه الأفراد والجماعات بدرجة من الصفاء والإخلاص تتفاوت بين الأفراد والجماعات، ولكن يبقى حجم كبير من الوفاء بالقضية، الحركة حول المحور عند مجموعة كبرى من أبناء الأمة.

 

قضية القومية كشيء واقع على الأرض، أن أنت من العرب، اخوي ينتمي إلى الفرس، ذلك ينتمي إلى الترك، هذا واقع، لكن هذا الفارق لا يقف أمام الإسلام أبدا. إذا كنت مؤمنا، فأنا أخ التركي أخ الفارسي أخ الانجليزي أخ الفرنسي، سواء كان الفارق قوميا أو قطريا، على حساب أخي من صلب أبي وأمي، من صلب واحد ورحم واحد.

 

الإسلام قبل كل شيء، وليفز أحدنا إسلامه بنفسه، الإسلام آداب الطبقة، أتى بأغنى الأغنياء وأدخله المسجد وأفقر الفقراء وأدخله المسجد، وأوقف الغني في جنب الفقير، وأوقف العربي في جنب الفارسي، وأوقف من هو في أجمل صورة في صف واحد يكمل صورة دنيا عند الناس، أوقف الكل وصنع من صناعة واحدة روحية وفكرية وحولهم إلى صف واحد، فصار الأخ المؤمن يؤاخي أخاه المؤمن الأخر على حساب القبيلة، وعلى حساب القوم، وحتى على حساب الأب والأم، ومنهم من تقدم بقتل أبيه تحت راية الإسلام، وكان يطلب الأذن من رسول الله صلى الله عليه وآله بقتل أبيه عبدالله بن أبي.

 

نحن مسلمون يعني نحن في صف واحد، يعني لحمة واحدة، بنيان مرصوص. المسجد أنشأ أصلا ليخلق أمة متجهة لله تبارك وتعالى، كل حركتها متمحورة حول أمره عز وجل هذا معنى المسجد، من العيب كل العيب أن يكون المسجد منطلق الفرقة، من السوء كل السوء، من الإضرار بالإسلام أصلا استهداف الإسلام أن يكون المسجد محل الفرقة. كان الصحيح أن يصلي السني والشيعي في المسجد الواحد، ورثنا ديرة خاصة أن هناك مساجد للسنة ومساجد للشيعة، ثم يأتي الشيعة ليفترقوا داخل المسجد ويأتي السنة ليفترقوا داخل المسجد الواحد، وليكون المسجد منطلق الصراع، علاما الصراع؟ إذا كانت المساجد لله عز وجل، فمنهج الله يوحد ولا يفرق.

 

تعامل مرفوض في الإسلام، هناك معروف ومنكر، ما كان معروفا ليس لكبير ولا صغير أن يعترض عليه، ما كان منكرا للكبير أن يعترض على الصغير بسببه، وللصغير أن ينكر على الكبير بسببه، ولابد أن نعرف ما هو المعروف وما هو المنكر.

التعامل في داخلنا ينبغي أن نتبع فيه ديننا، ديننا واضح في كيفية التعامل في الداخل، تعالوا لندرس هذا اللون من النشاط هذه الجزئية، أحرام في الإسلام أم حلال؟ هذه الممارسة من هذا الشخص، من ذلك الشخص أحلال في الإسلام أم حرام؟ وليس لي أن أحكم بحرام قبل أن أتبين حرمته، وليس لي أن أحكم بحلال قبل أن أتبين حليته، وليس لي أن أرمي مؤمنا بما لا أعلم، ولا يؤمن أن تبنى المسائل على الحدس، على الظن والتخمينات، إنما على منهج الإسلام يفرض علينا أن نتبعه.

 

كيف نتعامل نحن الآن ليس في التعامل مع داخلنا عن التعامل في داخلنا، علينا أن نبحث عن التعامل مع الآخرين، في الغالب نحن إما أن نعادي كليا، أو نصادق كليا -طبعا هذا ليس بصحيح- العداوة لها حدود مع الآخر، والصداقة مع الآخر لها حدود.

 

 في الساحة الواحدة يوجد إسلام، يوجد من يلتزم المنهج الإسلامي، ومن يرفع شعارات أخرى غير الإسلام، من يأخذ بالمنهج الإسلامي، ومن يأخذ بمناهج أخرى، من يدعو الأمة لخط الله عز وجل، ومن يدعو الأمة للعلمنة وغير ذلك.

 

كيف نتعامل مع الآخرين الذين يعلنون بأن منهجهم ليس منهجا إسلاميا؟ طبعا في الساحات الإسلامية كلها الآن من يجاهر ولا يتوارى بطرحه، وهو أن طرحي غير إسلامي، أنا أنادي للعلمنة، أنادي بالمنهج الغربي، أنادي بالديمقراطية الغربية، أنادي بمنهج ملفق بين الرأسمالية والشيوعية مثلا، كيف أتعامل معهم؟ هناك قضايا وطنية، يعني بمعنى أن الوطن يتعرض إلى محنة تأتي من الخارج، أو إلى محنة نابعة من الداخل.

 

هناك ظلم يمارس في الداخل في وطن من الأوطان، أوطان المسلمين وهذا الوطن يضم إسلاميين وغير إسلاميين، هنا هل يحرم على الإسلاميين أن يتعاونوا مع غير الإسلاميين في دفع الظلم؟ لا أتصور أن أحدا يقول بهذا! هو يريد أن يدفع النار عن نفسه، وأنا أريد أن أدفع النار عن نفسي، حريق جاء أنا أريد أن أدفع الحريق عن نفسي وهو يريد أن يدفع الحريق عن نفسه، والحريق يأكل الكل. لا يوجد عاقل و دين الذي يقول أن لديك خصومة مع هذا، أعطي للظلم فرصة أن يأكلك ويأكل الطرف الآخر، يقول لي قف لدفع الحريق سواء جاء الخطر من الخارج أو جاء من الداخل.

 

هذه محطات، مواقف آنية تأتي، مواقف عابرة، وكلما جاءت محنة من هذا النوع، كلما لزم التنسيق، وكلما لزم الاشتراك في دفع الخطر والضرر، لماذا أفرضه عدو بشري، أفرض جاء فيضان، أفرض جاء حريق يريد أن يلتهم البلد بالكامل حريق، نار، آبار بترول، تقول لليساري قف قف لا تشتغل! لا تطفئ النار! لا تتعاون معي في دفع الخطر! الفيضان دعه فقط على كاهلي أنا، لا ما ممكن.

 

في هذه الموارد في هذه المحطات يشترك الجميع في دفع الخطر ودرأ الضرر، لكن هل هذا يخلق حالة استراتيجية في التفاعل المفتوح؟ ويعطي للمسلم أن يندمج اندماجا كاملا في الفكر الآخر؟ أو أن يعطي للفكر الآخر مواقعه؟ هناك فرق بين التنسيق وبين التمكين. أمكن الطرف الآخر يعني أن أفتح له أبواب مساجدي، أبواب حسينياتي، أدعو له، أروج له، أعاشره المعاشرة التي تغري الشباب، تغري الناشئة بأنه ليس هناك (ليس موجود) فوارق، لا الفوارق يجب أن تبقى واضحة جدا بين ما هو إسلام وبين ما هو غير إسلام، يجب أن تبقى الفوارق واضحة في ذهن كل مسلم ومسلمة، كل إسلامي وإسلامية لابد أن تبقى الفوارق واضحة وجلية تماما.

قضية أنه في يوم من الأيام اقتضيت التنسيق، يوم من الأيام اقتضيت اتخذ موقف في وجه خطر معين، في ظل تكتيك معين موضوع للإسلام هذا شيء ولا ينكر ، ولا تنكر الحاجة إليه أحيانا، وهذا طبعا وفق دراسات ميدانية موضوعية، ليس اعتباطا، أي تنسيق يقوم على دراسة ميدانية ومطالعة موضوعية خارجية قد تقتضي التنسيق وقد لا تقتضي التنسيق.

 

أما أن يختلط الفكر بالفكر، أن يصير احتضان شعوري لما لا يرضي الله تبارك وتعالى، أن ندخل في نفسية الشباب في نفسية الناشئة أنه لا فرق، أن تلهب الشعارات الأخرى شعار الإسلام، هذا مما يحرمه الله تبارك وتعالى.

 

أي موقع ولو بقدر قيد أنملة لمواقع الإسلام لا يجوز التفريط به لأي طرف الآخر، وأي فرصة أمام الإنسان المسلم لتركيز الإسلام وبلورة الإسلام، فإنه يجب علي ذلك من غير أي مجاملة لأي طرف آخر، يجب أن نكون شديدين جدا في التمسك بالإسلام، وبالرؤية الإسلامية الواضحة، وأن نكون مخلصين لإسلامنا من غير مواربة، من غير حياء، من غير خجل، من غير أي مجاملة مع أي طرف آخر.

 

الآخرون يخلصون لأطروحاتهم ولوجهات نظرهم، وهي وجهات نظر مهلهلة أرضية تحتية، ونحن نتخاذل أو نخجل أو نضحي بوجهة النظر المنتمية لله تبارك وتعالى، “ولله العزة ولرسوله وللمؤمنين” أنتم الأعلون دائما بإيمانكم وبانتمائكم لله تبارك وتعالى، احرسوا أولادكم، احرسوا بناتكم من الفكر الآخر، من التسيب الفكري، من التسيب الشعوري، من الاغترار بالشعارات الأخرى.

 

أنا لا أقول بأن كل الآخرين يعني -قد يطرحون قضايا وطنية وما على ذلك- و لكن ليس عند أي طرف من الأطراف حق ليس في الإسلام، لا يمكن أن تجد لدى أي أطروحة من الأطروحات، أي  انتماء من الانتماءات، أي جماعة من الجماعات شيئا بسيطا من الحق مفقودا في الإسلام، الإسلام متوفر على كل الحق، أنا أريد أنت تريد، تريد مساواة، تريد جهاد، تريد وتريد وتريد، كل هذا في قاموس الإسلام، لسنا محتاجين أبدا أن نستورد أي شعار من الشعارات من الطرف الآخر، ومن لم يستطع في نفسه أن يلتزم بخط الله، وأن يفي لله عز وجل أتوقع منه أن يفي للناس! أنا لا أتوقع من أي قيادة في الحقيقة أن تقودني إلى هدى وهي في ضلال، لا أتوقع من أي قيادة تقود الناس إلى هدى وهي في ضلال ولو عن قصور، بينهم وبين الله تبارك وتعالى، لكن لا يمكن أن يحكم القصور الفكري، والقصور الإيماني في مصير المجتمعات الإيمانية.

 

نفرط في علاقاتنا أمرار، لا يصح أن نفرط في العلاقات الداخلية الإيمانية مع بعضنا البعض، وأي ثلمة تعني ضعضعة الصف، وتعني تخلخل جميع الأطراف، نحن نتكلم على مستوى الأمة بكاملها، ويوم أن يضعف أي طرف من أطراف الأمة، تضعف الأمة بكاملها هذا كل العقلاء يتحدثون به، فكيف بجماعة مائتين نفر أو خمسمائة نفر أو ثلاثة الآلاف نفر في منطقة واحدة، إذا أصاب الضعف بعضا لحق الجميع.

 

على كل حال نحن محتاجون جدا إلى أن نبني صفا متينا قويا متلاحما، يتفوق على كل الأنانيات، يتجاوز كل الحسابات الأرضية البسيطة، والمصالح الوهمية في الحقيقة و الحالات الطبقية، والحالات القومية وما إلى ذلك، ونكون أمة واحدة كما أراد الله تبارك وتعالى، لا لنحمل الشر في الأرض، ولا نعادي الآخرين، إنما لنحمل مشعل الهداية والصلاح والإصلاح، ونحن أمة تفتح ذراعيها وتفتح قلبها لكل الآخرين، لكن على أساس الهدى، وليس على أساس الضلال، نحن واثقون تماما ومتيقنون تماما بأن زادا في الأرض كطهر زادنا لا يمكن، بأن هدى كهدانا لا يوجد. نحن أبناء مدرسة متصلة بالسماء، تتلقى كلمتها من وحي، نحن من أتباع علي بن أبي طالب عليه السلام، وليد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، والخليفة الذي اختاره الله تبارك وتعالى بعد رسوله صلى الله عليه وآله وسلم، تلك الخيوط المتصلة بالسماء المتصلة بالله عز وجل المتولية بالله سبحانه، المتنورة بنور معرفته، أنت تنتمي لمثل هذه المدرسة، تفتخر على كل الدنيا في الحقيقة، هل تحتاج أن تبني علاقات على حساب الإسلام؟ وعلى حساب الصف الإسلام مع أي طرف آخر؟

 

طبعا لابد أن نفهم أننا حين نعادي، يعني هذه العداوة تنسينا الحاجة إلى التعامل مع الطرف الآخر، والتنسيق مع الطرف الآخر في محطات مختلفة، وحين نصادق لا ننسى ذواتنا، لا ننسى انتمائنا، لا ننسى أصالتنا، لا ننسى هويتنا، لا ننسى خطنا، نبقى نحتفظ بقيمة الخط والانتماء والهوية والشخصية المعنوية الإيمانية.

 

 

غفر الله لي ولكم والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

زر الذهاب إلى الأعلى