خطبة الجمعة (278) 10 ربيع الأول 1428هـ – 30 مارس 2007م

مواضيع الخطبة:

متابعة موضوع العمل+ التعددية والاندماج + قمّة الرياض وكلمة مختصرة + الحكومات والمال العام

العالم الغربي يُشدِّد على التعددية السياسية المفتوحة جدّاً في أي بلد من بلدان الإسلام يحكم فيه الإسلام بدرجةٍ وأخرى، أو يقدَّر فيه الإسلام بدرجة من التقدير بسببٍ وآخر، ويسكت أو يداهن على غياب التعددية السياسية في بلد تواليه فيه السياسة.

الخطبة الأولى

الحمد لله ذي الملك الذي لا يزول، والعزّ الذي لا يُضام، والمجد الذي لا يُطال، والعلم الذي لا يُنال، والقدرة التي لا تُناهض.
أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أنَّ محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وآله وسلم تسليماً كثيراً كثيراً.
عباد الله التَّقوى التَّقوى: تقوى الله؛ فهي التي تطلق يد الخير، وتكفّ يد الشر، وترسل كلمة الهدى، وتحبس كلمة الضلال بل تمحوها، وتنشر الحق والعدل، وتطوي صفحة الباطل والبغي والعدوان، وتصون الحرمات، وتحمي الأعراض، وتحفظ الأموال، وتقي الأنفس. وما أجمل أن تقترن التَّقوى بالعلم والفهم، والدِّقة، والرزانة، والنظر العميق حتّى لا يُخطئ صاحبها ما ينبغي أن تؤدّي إليه، فيستبيح من أموال النّاس ودمائهم ما حرّم الله ما يستبيح باسم الدين والجهاد والتقرب إلى الله. ألا قاتل الله خِفّةَ الدين عند المرء. ألا قاتل الله جهل المرء بالدين.
جمع الله لنا ولإخواننا المؤمنين والمؤمنات العلم، والتقوى، ومكارم الأخلاق، وحسن النية، وسلامة القصد، ووضوح الرؤية، والنظر الدقيق، وغفر الله لنا ولهم وتاب علينا إنه هو التواب الكريم، وصلَّى الله على محمد وآله الطاهرين.
أما بعد أيها الأعزاء من المؤمنين والمؤمنات فهذه وقفة أخرى مع موضوع العمل وطائفة من النصوص الإسلاميَّة المتعلقة به:
تقول الكلمة عن أمير المؤمنين عليه السلام:”إنّكم إلى إعراب الأعمال أحوج منكم إلى إعراب الأقوال”(1).
القول إما معرب أو غير معرب، وإعراب القول ضبطُه، كما تقتضي القوانين المتعلّقة به. ولا يقع القول في مسمع أهل الفهم موقع القبول حتّى يأتي معرباً. وإذا كان قبول القول متوقّفاً على إعرابه فإنّ قبول العمل متوقّف على إتقانه.
ومهما بلغت درجة الأهمّية في إعراب الأقوال وضبطها فإنّها لا تكاد تساوي شيئاً من وظيفة إعراب الأعمال وإتقانها وضبطها.
فالعمل الحياة، وقيمة الحياة الدنيا من قيمة العمل، وقيمة الحياة الآخرة من قيمة العمل. وقيمة المرء كلِّه من قيمة عمله، وإحسان هذا العمل.
فالإسلام هنا وهو يدفع بنا في اتجاه النشاط العملي، واستثمار العمر إنما يدفع بنا في اتجاه العمل النشاط بحيث يكون متقناً وصالحاً.
ولإتقان العمل مقوِّمات، ومن أوّليّات مقوِّماته:
أن يطابق إرادة الله عزّ وجل، وأن يقع على خطّ مرضاته سبحانه وتعالى. وكلّما جاء العمل دقيقاً وعلميّاَ، ومن ورائه نيّة صالحة، ومراعياً لأحكام الله عزّ وجلّ كلّما كان مقبولا عند الله سبحانه وتعالى موافقاً لإرادته.
وموافقة إرادة الله لأي عمل تتطلب أن يكون هذا العمل قائماً على علم، وعلى إتقان، وعلى نيّة صالحة، وأن يأتي في مسار الحكم الشرعي.
هذا العمل أعمّ من أن يكون عملاً أخرويّاً بصورة مباشرة، وعباديّاً في مظهره. كلّ عمل فيه نفع، فيه صلاح لهذا الإنسان؛ صلاح دنيا أو دين، وكان المقصود به وجه الله تبارك وتعالى، ومراعياً للحكم الشرعي، ومنطلقا من منطلق نيّة صالحة كلّما كان الإسلام يدفع إليه، وكلّما أخذ عنوان العبادة.
وعنه عليه السلام:”العلم يرشدك، والعمل يبلغ بك الغاية”(2).
في مقارنة بين الأقوال والأعمال وضبط كلّ من الإثنين يأتي العمل في الدرجة الأولى والقول في الدرجة الثانية. وكذلك في مقارنة بين العلم وبين العمل وإتقان العلم والعمل، والجد في العلم والعمل يأتي العمل في الدرجة الأولى والعلم في الدرجة الثانية ذلك لأن العلم إنما يُطلب طريقاً للعمل.
والعلم حيث يتخلّف عنه العمل تسقط قيمته أو يكون حجة على الإنسان. وحيث يُستغّل العلم في الإضرار يتحوّل إلى جرم كبير، فالعمل الصالح هو الأهمّ، وكل العلم إنما يُطلب من أجل العمل الصالح، ومن أجل الوصول إلى الله سبحانه وتعالى.
وقد فتح الإسلام الطريق مهيعاً واسعاً لأن يستثمر الإنسان كلّ حياته في طريق الوصول إلى الله عز وجل، وحتى من خلال إعمار هذه الحياة حيث يحسن القصد، ويحسن العمل.
عن الإمام الهادي عليه السلام:”النّاس في الدنيا بالأموال وفي الآخرة بالأعمال”(3).
الناس في الدنيا بالأموال في تقييم أهل الدنيا، الذين يعمون عن الآخرة ويستقطبون لإغراءات الدنيا، وينسون الدين، والناس غير ذلك في النظر الدقيق والمؤمن. وإنهم في هذا النظر الأخير بعلمهم، بعملهم، بقيمتهم الإنسانية، بما قطعوه من شوط على طريق كمال الذوات.
ومقاييس الآخرة مقاييس صدق، وموازينها موازين عدل وحقّ لا يميل إلى باطل أبداً. في الآخرة التقييم بالأعمال التي تعكس مستوى العقل والروح والنفس، ومدى كمال الإنسان في ذاته وانحطاطه.
ونقرأ في هذا هذه الكلمة عن الصادق عليه السلام:”دعا الله النّاس في الدنيا بآبائهم ليتعارفوا(4)، وفي الآخرة بأعمالهم ليجازوا، فقال:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ} {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ كَفَرُوا}”(5) هذا هو المقياس والنداء {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ} وهم أهل الجنة، {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ كَفَرُوا}وهم أهل النار. القسمة في الآخرة إلى أبرار وفجّار، فسقة وأهل تقوى. فإنه تقسيم بحسب وزن الذّات، قيمة الذّات. فذات ساقطة كالحطام الرخيص، وهي ذات محتواها كفر وفسوق وفجور، وذات عالية غالية هي ذات تتوفّر على مضمون كبير من الإيمان والتقوى والنية الصالحة والتوجّه إلى الله سبحانه وتعالى.
وكلّما تمكّنت موازين الدنيا في النفس، وأغرتها ألقابها وعناوينها كلّما نست ما عليه النداء في الآخرة {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ}، {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ كَفَرُوا}.
“جاء رجل إلى رسول الله صلّى الله عليه وآله قال: ما ينفي عنّي حجّة الجهل؟ قال: العلم، قال: فما ينفي عنّي حجّة العلم؟ قال: العمل”(6).
فأحدنا لا يستطيع أن يحتجّ أمام محكمة الله في الآخرة بأنه يجهل حقائق الدين، أوامر الدين، نواهي الدين، مقتضى الدين، فقد فُتح له في هذه الحياة باب العلم فانقطعت حجّته القائمة على الجهل.
وأُعطي في الدنيا فرصة العمل فانتفت منه حجّة الاعتذار بأنه لم يعمل. الجهل يسجّل حجة على الإنسان لا يستطيع التبرّأ منها بتقاعده عن طلب العلم، والعلم هو الآخر يسجّل حجة على الإنسان ومسؤولية على الإنسان بأن يعمل طبق علمه، وأن يحوّل العلم إلى عمل، ولا حجة لهذا الإنسان بتجميده العلم، أو اشتغاله بالعلم واستغنائه به عن العمل.
كلمة عن أمير المؤمنين عليه السلام:”عباد الله الآن فاعملوا(7)، والألسن(8) مُطلقة(9)، والأبدان صحيحة، الأعضاء لَدْنة(10)، والمنقلب فسيح(11)، والمجال عريض، قبل إرهاق الفوت، وحلول الموت”(12).
فالنص يتحدث لنا عن فرصة وحيدة لا تتكرّر ولا تعود وهي فرصة تحدد مستقبلاً ممتداً مصيرياً فإما سعادة أبد، وإما خلود في شقاء. وقد يعتمد المصير على لحظة واحدة نضعها في معصية أو طاعة.
“اعملوا رحمكم الله، على أعلام بيّنة(13)، فالطّريق نهج(14) يدعو إلى دار السّلام، وأنتم في دار مُسْتَعْتَب على مَهَلٍ وفراغ، والصّحف منشورة، والأقلام جارية، والأبدان صحيحة، والألسن مطلقة، والتّوبة مسموعة، والأعمال مقبولة”(15).
وكل شيء من ذلك ينتهي بلحظة واحدة هي لحظة فراق هذه الحياة، والتي لا توقيت عندنا لها.
اللهم صل وسلم وزد وبارك على حبيبك المصطفى محمد بن عبدالله خاتم النبيين والمرسلين وعلى آله الطيبين الطاهرين. واغفر لنا ولإخواننا المؤمنين والمؤمنات أجمعين، وتب علينا إنك أنت التواب الرحيم.
اللهم اجعل خير أعمالنا خواتمها، وخير أيامنا يوم نلقاك ومأوانا الجنة، ولا تذقنا عذاب النار. اللهم اجعلنا من سعداء الدارين ولا تشقنا أبداً برحمتك يا أرحم الراحمين، وكذا من يعنينا أمره، ومن نحب، ومن أحسن إلينا من إخواننا وأخواتنا في الإيمان وكل مؤمن ومؤمنة، ومسلم ومسلمة يا أكرم من كل كريم.
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ {وَالْعَصْرِ (1) إِنَّ الْإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ (2) إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ (3)}

الخطبة الثانية

الحمد لله ربّ العالمين، الخالق العظيم، والرازق الكريم، والمدبّر الحكيم، والرؤوف الرحيم، والغفور الحليم. لا خالق غيره، ولا ربّ سواه، ولا عبادة إلا له، ولا استغناء بأحد عداه، وهو الكافي عن كل أحد حقّاً جزماً، ولا يكفي عنه أحدٌ أبداً حتماً.
أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أنَّ محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وآله وزادهم تحية وبركة وسلاماً.
عباد الله أوصيكم ونفسي المقصّرة بتقوى الله وأن نطلب الزكاة والطهارة المعنويَّة النَّامية للنفس، من غير أن ندَّعيها أو نظنها لها عسى أن تتخلى عن غرورها، وتُذعن بتقصيرها وقصورها، وتسلك الطريق مهتدية إلى صلاحها. إنه لحقيق بالمؤمن أن لا يجاري النَّفس في غرورها، وأن يروّضها ويجاهدها تقويماً لها، ودفعاً لقواها على طريق الاستقامة والصلاح.
اللهم إنا نعوذ بك من جهل النفس وشرِّها وغرورها ووسوستها وكيد الشيطان الرجيم. اللهم افعل بنا ما أنت أهله، ولا تفعل بنا ما نحن أهله برحمتك يا أرحم الراحمين، واغفر لنا ولإخواننا المؤمنين والمؤمنات أجمعين، وتب علينا إنك أنت التواب الرحيم.
اللهم صل وسلم وزد وبارك على حبيبك المصطفى محمد بن عبدالله خاتم النبيين والمرسلين، الصادق الأمين، وعلى علي أمير المؤمنين وإمام المتقين، وعلى فاطمة الزهراء الصديقة الطاهرة المعصومة.
وعلى الأئمة الهادين المعصومين: الحسن بن علي الزكي، والحسين بن علي الشهيد، وعلي بن الحسين زين العابدين، ومحمد بن علي الباقر، وجعفر بن محمد الصادق، وموسى بن جعفر الكاظم، وعلي بن موسى الرضا، ومحمد بن علي الجواد، وعلي بن محمد الهادي، والحسن بن علي العسكري، ومحمد بن الحسن المهدي المنتظر القائم.
اللهم صل على محمد وآل محمد، وعجل فرج وليّ أمرك القائم المنتظر وحفّه بملائكتك المقربين، وأيّده بروح القدس يا رب العالمين، وعجّل ظهوره.
عبدك وابن عبديك، الموالي له، الممهد لدولته، والفقهاء العدول، والعلماء الصلحاء، والمجاهدين الغيارى، والمؤمنين والمؤمنات أجمعين وفقهم لمراضيك، وسدد خطاهم على طريقك، وأصلح حالهم كلّه، وانصرهم نصراً عزيزاً مبيناً.
أما بعد أيها الإخوة والأخوات في الإيمان فإلى أكثر من عنوان:
التعددية والاندماج:
1. إذا تحدثت السياسة في الغالبية العظمى من البلاد الإسلامية عن التعدّدية بما هي عنوان لقيم الحرية والتسامح والانفتاح فهي إنما تتحدث عن تعددية أديان تهادن السياسة أو تخدمها، وعن تعددية أنماطٍ سلوكية أخلاقية وغير أخلاقية تفتح الباب واسعاً لأي سلوك قذر، وأي ظاهرة اجتماعية قبيحة، ولكلمة الفسق والفجور والرذيلة والمنكر والكفر أن تملأ السَّاحة الإسلامية طولاً وعرضاً. ولكن لا ترتقب من هذه الدعوات تعددية في إطار السياسة، بل السياسة متروكة لحكم الفرد، لحكم القبيلة، لحكم الحزب الواحد.
ومع الاضطرار وتحت ألوان من الضغط لا تُطاق يمكن أن تطرح التعددية ولو على مستوى الشعار ولكنها مع ذلك محرَّمة على الإسلام والإسلاميين. في مصر لا تشمل التعددية إن وُجدت وبحسب التغيير الجديد للدستور الإسلاميين، فلا يُتاح لحزب باسم الإسلام أن ينشأ ويمارس السياسة. في تركيا هناك حجر على الإسلاميين أن ينشؤوا حزباً. في الجزائر هناك منع أو هم في طريق المنع لترشّح إمام الجماعة للمواقع المسموح بالترشّح فيها. أما في البحرين فالصحافة – وهي تابعة للسياسة – تتمنى أن تُسكت المسجد نهائياً عن أن ينطق بكلمة فيها ملاحظة على السياسة.
2. والعالم الغربي يُشدِّد على التعددية السياسية المفتوحة جدّاً في أي بلد من بلدان الإسلام يحكم فيه الإسلام بدرجةٍ وأخرى، أو يقدَّر فيه الإسلام بدرجة من التقدير بسببٍ وآخر، ويسكت أو يداهن على غياب التعددية السياسية في بلد تواليه فيه السياسة، ويبقى مشدداً في الوقت نفسه على التعددية في مجال الفكر والسلوك والحرية الحيوانية والانفتاح على ألوان الفساد الخلقي في هذا البلد أو ذاك من بلدان الولاء.
3. والغرب وأتباعه في بلاد الإسلام يشددون على شرط الاندماج من المسلمين القاطنين في الغرب بحياة الغرب، وأجوائه وعاداته وتقاليده وإسفافه ليُعترف لهم بحق المواطنة أو الإقامة. والنتيجة أن الحكم العادل للغربيين وكذلك المستغربين من أبناء الأمة الإسلامية قاضٍ بأن يعيشوا في البلاد الإسلامية حريةً فكرية وسلوكية بلا ضوابط من دين ولا خلق ولا احترام لهذه الأمة؛ يتعرّى منهم يتعرى، ويفسد من يفسد، ويعربد من يعربد، ويجاهر بكلِّ سوءاته وقبائحه، وينشر الكفر والفسق والفجور ما اشتهى، ويكون غربيّاً كاملاً كما يريد له الغرب وأوضاعه وعاداته وتقاليده وقوانينه وشذوذاته بلا تنازل عن شيء من ذلك على الإطلاق.
أما من أراد من المسلمين المواطنة أو الإقامة في الغرب فعليه أن ينسى هويته الإسلامية، ويطلّق انتماءه لأمته، وأن يندمج في مجتمعه الغربي الجديد، ويذوب في أوضاعه وتقاليده وعاداته ويتخلّى عما يطيب للغرب أن يتخلى عنه هذا المسلم من قيمه وأحكام دينه.
هذا هو المنطق العادل للغرب والمستغربين، وللعولمة والمتعولمين. فهل يعطي المسلمون من أنفسهم كلَّ هذا؟! لئن كان هذا فبطن الأرض للمؤمن خيرٌ من ظهرها.
قمّة الرياض وكلمة مختصرة:
لم يأتِ طرح المبادرة العربية على إسرائيل في المؤتمر الأخير في صورة أمر مستجد، فهي نفس المبادرة التي طُرحت قبل عليها، ومن بين أهم نقاط الخلاف هي عودة اللاجئين الفلسطينيين إلى ديارهم.
والقمة العربية تجعل المبادرة من جديد هي الأساس للتّفاوض، وإسرائيل من جانب آخر تعلن جازمة بأنها لا تقبل بعودة اللاجئين. فمن سيتنازل؟
وهنا نذكر أموراً ثلاثة:-
1. إسرائيل حكومة واحدة واتخاذ القرار في إطارها أسهل، والعرب حكومات متعددة ويصعب اتخاذ القرار الواحد الموحّد في إطارها ولو لاختلف مصالح هذه الحكومات، وهذا فرق في صالح إسرائيل من ناحية المفاوضات.
2. الضغط الأمريكي على العرب الأصدقاء لأمريكا أكبر منه بكثير من الضغط على إسرائيل إن وجد هذا الضغط بالنسبة إليها. وهذا أمر آخر ينضاف لصالح إسرائيل كذلك.
3. الحكومة الإسرائيلية عندها حساب كبير للرأي العام الإسرائيلي الذي يملك أن يسقطها إذا خالفت إرادته في مسألة العودة أو غيرها من المسائل التي تهمّه، بينما الحكومات العربية ليس لها أي حساب لشعوبها المهمّشة البعيدة عن صناعة القرار، وليس هناك من حاكم يخاف أن يسقطه الرأي العام لشعبه. واستمرار الحكومات في الكثير الأكثر من البلاد العربية بل إن لم يكن في البلاد العربية كلها لا يرتبط بخيار الشعوب وصوتها الانتخابي.
4. يسأل: لماذا تسبق جولة وزيرة الخارجية الأمريكية في بعض العواصم العربية انعقاد القمة، ولصالح من؟ لصالح العرب أو لصالح إسرائيل؟ ولماذا تجتمع بمسؤوليّ الأمن الكبار لهذه العواصم وكأنها رئيسة الوزراء لهذه الدول وليست وزيرة الخارجية لدولة أجنبية؟! مسؤولو الأمن الكبار يجتمعون مع رئيس الوزراء للبلد، أو رئيس جمهوريته، وليسوا مسؤولين أمام رئيسة وزراء دولة أخرى، وعليهم أن يقدموا معلوماتهم لها، ويتلقوا منها الأوامر أو النصائح.
5. نجد البعض في الأوساط العربية الرسمية تتصاعد عنده حالة الثقة والاطمئنان والارتباط والميل إلى التطبيع الكامل مع إسرائيل بينما يتنامى عنده الشك والقلق والريبة في الآخر داخل إطار الأمة العربية والإسلاميَّة.
وهذا خلل خطير لا يليق بأمة الإسلام وقياداتها، وفيه خطر كبير على مصالحها ووجودها لحساب أعداء الأمة من الخارج.
الحكومات والمال العام:
هذه وقفة قصيرة مع موضوع كانت قد تداولته الصحافة المحلية قبل وقت:
أرض مُنحت لأمير خليجي من ساحل المالكية، تُقدّر مساحتها بـ(166 ألف متر مربع). استربح منها الموهوب ما استربح، وأُسيء استعمالها أيّما إساءة أثّرت تأثيراً سلبياً كبيراً على البيئة.
احتاجتها الحكومة لبناء وحدات سكنية فاسترجعتها بـ(15 مليون دينار).
وفي خبر آخر أنه أضيف إلى الثمن المذكور أرض شاسعة في منطقة الحدّ لورثة الموهوب. وبذلك يتضاعف المبلغ أو يزيد.
وهذه بعض أسئلة تتعلق بهذا الموضوع:
1. هل في أرض البحرين سعة تسمح بمثل هذه الإقطاعيات وإلى هذا الحد والناس تبحث عن خمسين قدماً في خمسين قدماً لتقيم عليه ملجأ لعائلة من عشرة أشخاص أو أكثر؟
2. كم هي المشاريع العامَّة المعطَّلة التي تنتظر أقل من 15 مليون دينار؟
3. إلى كم مظاهرة ومسيرة واعتصام وإلى أي درجة من الاستعداد لتلقي الضرب والجزاء بالسجن في سبيل صرف أقل من هذا المبلغ للطبقة المحتاجة لتخصيص 5 ملايين لا خمسة عشر مليوناً من الميزانية العامة لإقامة مشروع يرتبط بحاجة المحرومين؟!
وكم من تهمة بالخيانة الكبرى والتآمر ستواجه بها مظاهرة في هذا المجال؟!
4. هل يدخل هذا البذل في أولويات الميزانية للدول الغنيّة فضلاً عن الفقيرة؟!
5. هل يوجد أمير في الخليج محتاج إلى هذه الرحمة المالية التي تنقذه من وضعه المأساوي وليتقدم على المحرومين والمعلولين والذين لا يجدون مأوى من المواطنين؟
6. إذا كان هذا حظّ أميرٍ خليجي من خارج البحرين فما حظ متنفِّذٍ من البحرين نفسها؟!
وعليه نسأل: ماذا يبقى لهذا الشعب حتى لا يبكي، لا يصرخ، لا يتظاهر، لا يعتصم، لا يجن؟!
وعلى هامش هذه القضية، وعلى مستوى الطرح العلمي البعيد عن السياسة يأتي هذا البحث:
هل الحكومات مالكٌ حرٌّ مطلق التصرف في المال العام كما يريد هذا المالك؟ أو هو وكيل يتقيد بإرادة الموكل ويحاسب أمامه، أو هو مؤتمن مأمور بالتصرف الذي يوافق رأي الآمر المؤتمن؟
والجواب أن هذا يختلف باختلاف نوع الحكومات:
‌أ- حكومة الغلبة: حكومة تقوم شرعيتها على الغلبة، على القوّة، والبطش، والظفر والناب. هذه الحكومات ترى من نفسها أنها مالك أصيل؛ يتصرف التصرف الحر في الشعوب والثروات، وهو غير مسؤول أمام أحد؛ لا أمام الله ولا أمام الناس. وعطاؤه ينطلق من روح الاستصلاح للشعب والأمة والأرض إلى الحد الذي يخدم ذلك الحاكم المالك، وذلك على حدّ ما في استصلاح الإنسان لوضع غنمه وبقره. فكما يحتاج الإنسان أن يستصلح وضع غنمه وبقره فيضطر إلى أن ينفق على هذه الحيوانات فكذلك ترى بعض الحكومات أنها مضطرة ومن باب مراعاة مصلحتها وبقاء وجودها أن تنفق شيئاً من الفتات على الشعوب. وفي العادة يكون العطاء في هذه الحالة مصحوبا بالمنّة والشعور بالجميل على الآخر.
‌ب- الحكومة الديموقراطية: وهي وكيل يتبع تصرفه في المال العام إرادة الشعب والأمة، وترى نفسها بحسب منطلقها الديموقراطي مسؤولة أمامهما، وهذا من ناحية نظريّة وقانونية، أما واقع المسألة فيرتبط بحيوية الضمير والتقوى والإذعان لإرادة الله عزّ وجل، أما الشعوب فيمكن التحايل عليها، ويمكن الالتفاف عليها، وهذه النظرة الديموقراطية لا تعصم الحكومات ولا تجعلها عادلة، وإن كانت تعطي فرصة أوسع لمحاسبة الحكومات ومراقبتها..
‌ج- الحكومة الشرعية: أي التي تأخذ نوع حكمها من الله، وشرعية حكمها من الله، وتتقيد بحكم الله في ممارستها، كما هي حكومة النبي صلى الله عليه وآله وسلم. هذه الحكومة ترى نفسها مكلفاً مأموراً مؤتمناً على المال، ووكيلاً عن الأمة في نفس الوقت، وترى نفسها مسؤولة أمام مكلِّفها، والتصرف عندها تابع لإرادة الآمر سيد الحكم والأمة معاً، والمؤتمن لهما على الثروة، كما أن التصرف عندها تابع لمصلحة الشعب والأمة، والحكومة في هذا الحال إذا لم تكن معصومة ترى نفسها مسؤولة ومحاسبة أمام الشعب والأمة طبقا لتخويل المالك الأصل وهو الله تبارك وتعالى.
وماذا يقول الإسلام من خلال سيرة أمير المؤمنين عليه السلام؟
تبيّن سيرة أمير المؤمنين عليه السلام أن المال مال الله، وأنه لعيال الله، ولا يرى أمير المؤمنين عليه السلام نفسه مالكاً للمال، كما لا يرى نفسه مالكاً لأحد من الناس.
أمير المؤمنين عليه السلام يطفي شمعة في لقاء مع أمين الخزانة في بيت المال بعد انتهاء العمل المتصل بصالح المسلمين، بحجة أنه لا يُنفق على شيء لحظة خارج مصلحة المسلمين من بيت المال.
يتحفّظ على صفيحة العسل أو السمن تحفّظاً شديدا ويحكمها إحكاماً بقبضته الحديدية سلام الله عليه حتى لا يصل إليها تصرف من طفل من الأطفال.
يقف من عقيل أخيه الموقف الذي تعرفون.
يساوي في العطاء من بيت المال بين العربية وغيرها، ويطرح الحجة في ذلك بأن المال لو كان ماله لعدل فيه فكيف والمال مال الله ثم الأمة.
هذه هي نظرة الحكومة الشرعية لا تبيح لصاحبها، ومن خلال تكوينه الفكري وتكوينه الوجداني، وزاد التقوى عنده أن يتصرف في درهم واحد خارج أمر الله ومصلحة الأمة.
والحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيد المرسلين وعلى آله الطيبين الطاهرين.
اللهم صل وسلم على محمد وآل محمد، واغفر لنا ولإخواننا المؤمنين والمؤمنات أجمعين، وتب علينا إنك أنت التواب الرحيم.
اللهم إنا نعوذ بك من أن نظلم أو نُظلم، أو نضلّ أو نُضلّ، أو نجهل أو يُجهل علينا، ونعوذ بك من نصرة الباطل وخذلان الحق، والأخذ بالضلال، والعمى عن الهدى، وأن يكون عملنا رياءاً، وسعينا لغير وجهك الكريم. اللهم ارزقنا خير الدارين، وجنبنا شرهما.
{إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاء ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ}

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 – ميزان الحكمة ج 7 ص7.
2 – المصدر ص 8.
3 – المصدر نفسه.
4 – لا ليتفاخروا. فإنه لا فخر بالآباء وإنما الفخر بالعمل الصالح والتقوى. كمسألة تسهّل التعامل في الحياة.
5 – المصدر نفسه.
6 – المصدر نفسه.
7 – كم امتداد هذا الآن؟ لا أدري. لا يمكن لأحدنا أن يعلم امتداد هذا الآن الذي يتحدث عنه أمير المؤمنين عليه السلام، فقد يكون دقائق، وقد يكون أقل من ذلك. لا يمنع من ذلك صحّة ولا شباب.
8 – يعني والحال أن الألسنة مطلقة.
9 – آليات العمل موجودة، فرصة العمل موجودة. ولا تبقى هذه الآليات والأدوات ولابد أن تنتهي هذه الفرصة.
10 – يعني ليّنة، مطاوعة.
11 – ساحة الحياة، فرصة العمل مفتوحة حتى من كان في السجن، حتى من كان مريضاً فإنه يستطيع أن يشتغل بالتسبيح، بذكر الله سبحانه وتعالى، بالتأمل في عظمة الكون، فإن العمل في الإسلام أعمّ من عمل الجوارح بحيث يتناول عمل الجوانح.
12 – المصدر ص 9.
13 – الإسلام يريد لنا أن نبحث عن المنهج الوضّاء، المنهج المأمون، المنهج الصالح، ولا يسمح لنا أن نستورد منهجاً من غرب أو منهجاً من شرق، فليس هناك إلا منهج واحد ناجح يضمن لك استثمار هذه الحياة الاستثمار الصحيح وهو منهج الله تبارك وتعالى المأخوذ عن طريق رسوله وأوليائه المعصومين عليهم السلام.
بيّنة: واضحة.
14 – هناك طريق واسع مهيع موصل، هذا الطريق واحد هو الطريق إلى الله سبحانه وتعالى وهو منهج الله عز وجل.
15 – المصدر نفسه.

زر الذهاب إلى الأعلى