خطبة الجمعة (277) 3 ربيع الأول 1428هـ – 23 مارس 2007م

مواضيع الخطبة:

النواب وحاجات الناس + قبل أن يكون المنكر معروفا

نسأل: متى كان أصل الرقص من الأجنبي مع الأجنبية في الإسلام تقدّماً مطلوباً، وفنّاً مقدّراً، وممارسة كريمة، وخلقاً رفيعاً، وفوق الرفيع؟

الخطبة الأولى

الحمد لله الذي لا يُخاف منه إلا عدله، ولا رجاء إلا في فضله، ولا يأس من رحمته، ولا نجح إلا في طاعته، ولا خير في معصيته، ولا هُدى إلا من عنده، ولا مفرّ منه إلا إليه.
أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وآله وسلم تسليماً كثيراً كثيراً.
عباد الله علينا بتقوى الله والحذر مما حذَّر، والشّوق إلى ما شوّق، والرغبة في ما رغَّب، والأخذ بما أحلّ، والتنزّه عمّا حرّم، وإنّ لكل إنسان مُطاعاً، وأولى من يطاع الله الذي له الخلق والرزق، وهو العليم الخبير، الغني الحميد، الرؤوف الرحيم الذي لا يُحدّ فضله، ولا يُطاق عدله، وقد سَفِه وخسر من استكبر على الله، وكانت طاعته لسواه. وكم من عابد لهوى النفس، تابعٍ للشيطان، طالب لرضى المخلوقين، مسلِّمٍ لهم متنظِّرٍ في أمر الله ونهيه؟!
أعاذنا الله والمؤمنين والمؤمنات أجمعين من العدول عن الحق إلى الباطل، ومن الهدى إلى الضلال، ومن سبات العقل وعمى البصيرة، وغلبة الهوى، وضياع الحكمة، وغفر لنا ولهم وتاب علينا إنه هو التواب الرحيم.
اللهم صل وسلم وزد وبارك على حبيبك المصطفى محمد بن عبدالله خاتم النبيين والمرسلين، وعلى آله الطيبين الطاهرين.
أما بعد فهذا حديث موضوعه العمل:
ونحن نعرف أن العمل في الإسلام عمل للدنيا وعمل للآخرة، عل أن عمل الدنيا لا بد أن يلتقي مع عمل الآخرة على خطٍّ واحد.
هذا الموضوع وافر النصوص، ومن ذلك قوله تبارك وتعالى:{مَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ}(1).
والعمل الصالح عمل ينسجم مع العقل النوعي عند الإنسان، والفطرة القويمة، والشرع المطهّر، وفيه بناء الحياة والإنسان، والأخذ بهذا المخلوق الكبير على خطّ الله تبارك وتعالى إلى أكبر درجات الكمال التي يمكن أن يتفجّر وجوده عن وضع يؤهل الإنسان لتلك الدرجة.
والذكر والأنثى في الإسلام سواءٌ في القيمة الإنسانية لا فضل لأحدهما قيد شعرة على الآخر، وهما في المردود التكويني والجعلي للعمل الصالح سواء كذلك، فما يعطيه العمل الصالح في واقع الرجل من إثراء للذات الإنسانية يعطيه للأنثى، وما يترتّب على هذا العمل الصالح من جزاء أخروي بالقياس إلى الرجل يترتّب بالقياس للأنثى، فلا تفاضل في شيء من ذلك على الإطلاق بين رجل وامرأة، ولستَ تستطيع أن تجد مبدأً من المبادئ يمكن أن يسبق الإسلام عدلاً وعلماً في هذا الأمر. فليس بعد الاستواء في المنزلة الإنسانية بين الرجل والمرأة شيء يُطلب للرجل، أو شيء يُطلب للمرأة.
أما التفاوتات الشخصية فهي موجودة في الرجال كما هي موجودة في النساء، وهناك تفاوت صنفيّ بين الرجل والمرأة فيما دون القيمة الإنسانية، وهذا التفاوت الصنفيّ لا يخصّ دائرة النساء والرجال مشتركين، وإنما يدخل حتّى في دائرة الرجال نفسهم، وفي دائرة النساء نفسهن.
الآية الكريمة فيها دعوة وترغيب عظيم للعمل الصالح لما ينتجه من حياة،وجزاء أخروي كبير. وربط الحياة الطيّبة، والجزاء الأخروي الكبير به له شرط، وهو شرط الإيمان {مَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ}. إطعام الفقير، مسح دمعة اليتيم وهو عمل صالح، مرّة يأتي به الإنسان من منطلق الإيمان، وفي صحوة إيمانية، وبدافع إيماني واعٍ، ومرة يأتيه من منطلق العاطفة الإنسانية العامّة، أو رقة القلب نحب وفرق في قيمة العملين، فرق بين عمل يأتي عن عواطف تغلب الإنسان وتأسره، وبين عمل عن إيمان بقيمة هذا العمل، وإيمان بقيمة الامتثال للأمر الإلهي، وفي حالٍ تنشدّ فيها النفس إلى الله، وتتعلّق به، وتسير في اتجاهه عن عقل وتصميم وشوق، العمل الثاني عمل من المستوى الراقي الذي يُحيي الإنسان، العمل من المنطلق الأول استجابة لضاغط نفسي، فهو يقرب من ردود الفعل التي يضطرنا إليها الواقع البدني، أما الفعل من المنطلق الثاني فهو فعل من وحي العقل الواعي، ومن وحي الوجدان الطاهر، ومن وحي الرسالية والانشداد إلى الله تبارك وتعالى.
العمل الذي يحيي، الذي يبعث النفس، الذي يخلق واقعا جديدا للذات الإنسانية كما في الآية الكريمة مع كونه صالحا يجب أن يكون من منطلق الإيمان.
ما هي الحياة الطيبة؟
الحياة الطيبة هي حياة تُعرف بآثارها، كل من يعيش على الأرض يحيى نوع حياة، الكل مشترك في نوع من الحياة، نجد آثار ذلك النوع بيّنة في واقعنا، الحركة العضوية، إدراك الحقائق القريبة على تفاوت بين الناس، الشعور بالشوق إلى الوردة، النفور من المناظر القبيحة المادية، كل ذلك آثار حياة مشتركة بين الناس، وهي حياة تشيع في الجسد، وتجعله يقوم بفعل معيّن، ويعطي ردّ فعل معيّن لتأثيرات الخارج.
هناك حياة أرقى من هذه الحياة، حياة المفكّرين الكبار، أصحاب الاكتشافات، وأصحاب النظريات المتقدمة، والذين تأتي النظرية من أحدهم لتدفع بالحياة مسافات على خطّ التقدّم، هؤلاء يعيشون مستوى من الحياة لا يعيشه الإنسان العادي، نحن لا نرى تلك الحياة التي وراء هذا الأثر ولكننا نرى الأثر فنؤمن بأن هناك حياة يتمتّع بها هذا الشخص أكبر مما نحن عليه من حياة.
والعارفون بالله عز وجل تتفجر داخلهم مشاعر راقية سامية، ويعيشون حالة الاطمئنان والثقة والشعور بالسكينة، ولهم علم بالحق، وتمييز واضح في المسائل التفصيلية والموضوعات الخارجية بين ما هو حق وباطل، ويغنون بالقدرة على تحمّل ثقل الحق، ويعيشون حالة الرضا به، ولهم تعلّق لا نعرفه بالله عز وجل، وكره داخليّ عارم للباطل، وحبّ يصل إلى حدّ الهيام للحق، ولهم قدرة على مواجهة كلّ التحديات، وإرادة حرّة لا تستطيع كل ضغوط الأرض أن تنازلها، ولهم من الشعور بالكرامة والعزّة وعلوّ المنزلة والرفعة، والتمتّع باللذة المعنوية من خلال الطاعة ما ليس للخلق الكثيرين من غيرهم. ما وراء كل هذا؟ هذه آثار حياة، هذه مظاهر لون من الحياة لا يعرفه الآخرون، إن وراء كل هذه المظاهر حياة أرقى مما عليه الآخرون.
ونسأل: هل الآية الكريمة تتحدث عن حياة جديدة ثانية تنضمّ ثانية اثنتين إلى حياة الجسد أو حياة الفكر الرياضي؟
والظاهر فيما إليه صاحب الميزان هنا هو أن ليست هنا حياة ثانية، وإنما هي الحياة من مرتبة جديدة، هي الحياة من مستوى أرقى. أقول: على كل حال إنها حياة بُعدٍ جديد في الذات الإنسانية كان مغيّباً، وإن الحاضر في حياة عموم الناس هو البعد الجسدي، وقد يكون الفكر في كثير من طاقاته،خضع لحالة موت وحالة سبات، ثم تأتي عليه الحياة لينتفض ويتفجّر بطاقاته الكبيرة عن مظاهر لم تعرفها حياة صاحبه من قبل، وتبقى الروح سابتة، وتبقى إنسانية الإنسان نائمة، ويبقى البعد الأرقى في الذات الإنسانية مهملا، ثم يأتي الوقت الذي يعطي الإنسانُ لهذا البعد من وجوده – وهو أكبر الأبعاد وأرقاها- بالاً، فينبعث هذا البعد حيّاً بعد موت، وينمو، ويتسامى ليعيش الإنسان مستوى جديداً من الحياة الإنسانية التي يفقدها كثير ممن يمشي على رجلين.
فهذه الحياة الجديدة هي حياة فكر مرّة وحياة روح مرّة أخرى ولا حياة طيبة مع سبات روح، ولن يحيى الإنسان كامل إنسانيته، ولن يحيى الإنسان أرقى حياة إلا حين يتنبّه في داخله البعد الروحي، ويُعطى هذا البُعد فرصة الانبعاث.
هذه الحياة الطيبة أين يحياها الإنسان؟ واضح جدا أنه يحياها في هذه الحياة الدنيا قبل أن يحياها في الحياة الآخرة، وإنها لسرّ سعادته في الآخرة، وسر منزلته الكبرى عند الله هناك.
وتقول الآية الكريمة:{ وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ} ذكروا وجوها لمعنى الآية الكريمة، ومن بين أظهر هذه الوجوه وجهان:
{ وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ} تعني في فهم صاحب الميزان التجاوز عن بعض النقص في العمل، وعن شوائب تعتري العمل بحيث لا تفسده في مقام جزاء الله عز وجل لمن عمل صالحا وهو مؤمن، هذا العمل يُعطَى قيمة، أحسن صورة له، أتم صورة له، فبعد أن جاء من العبد على نقص، جاء من العبد على ثلمة، وفيه شوائب بحيث لا تفسده، يأتي تجاوز الله عز وجل وإحسانه ليبلغ جزاء هذا العمل عند الله مبلغ أحسن وأتم صورة له وكافة قد تحقق بهذه الصورة.
الوجه الثاني هو أن الإنسان يصلي صلاة فيها نقص، ويصلي صلاة أخرى هي أتم من الأولى، وصلاة ثالثة تكبر على الاثنتين، وفي مقام الجزاء يرفع عمله إلى مستوى أحسن صلاة جاء بها.
صاحب الميزان يستظهر الأول وقد يكون الثاني ليس أقل ظهورا إن لم يكن أشد. والله العالم.
تأتي الآيات الأخرى في هذا السياق:{فَأَمَّا مَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحاً فَعَسَى أَن يَكُونَ مِنَ الْمُفْلِحِينَ}(2) عسى في الأية تمثّل وعد الله أو تمثّل توقّع العبد؟ فإذا كانت تمثّل وعد الله عز وجل فالله سبحانه لا تردد في علمه، وبقرينة كرمه، وبقرينة علمه تُحمل عسى هنا على التحقيق، وأنه لابد أن يفلحوا، وإذا كانت عسى بمعنى التوقّع فهي مناسبة للعبد فإن من تاب إلى الله وآمن وعمل صالحاً ليس عليه إلا أن يتوقّع الفلاح، وهذا التوقّع غير البالغ حدّ اليقين ليس لقصور في كرم الله عز وجل وإحسانه، إنما لعدم ضمان هذا الإنسان الذي تاب وآمن وعمل صالحاً أن يستقيم على الطريق3.
{وَمَنْ يَأْتِهِ مُؤْمِناً قَدْ عَمِلَ الصَّالِحَاتِ فَأُوْلَئِكَ لَهُمُ الدَّرَجَاتُ الْعُلَى}(4) لا يشغلنك شاغل في هذه الدنيا عن الطريق إلى الله تبارك وتعالى، والعمل من أجل مستقبلك الكبير المستقبل الأخروي.
عن أمير المؤمنين عليه السلام:”العمل العمل، ثمّ النِّهاية النِّهاية، والاستقامة الاستقامة، ثمَّ الصّبر الصّبر، والورع الورع، إنّ لكم نهاية فانتهوا إلى نهايتكم…”(5).
حثٌّ كبير جدّاً، ودفع شديد للعناية بالعمل، للتفكير في النهاية، للاستقامة على الطريق، لتحمُّل تبعات هذه الاستقامة وأثقالها الكبار، لمواجهة محن الحياة وتحدياتها وإغراءاتها ومتاعبها بالورع، وأن نتذكر بأن لنا نهاية لا يرتضي غيرها الله وهي أن نسعد، أن نتبوأ مواقعنا الكبيرة في الجنة، نهاية الخلود السعيد عند الله تبارك وتعالى، علينا أن ننتهي لها “إنّ لكم نهاية فانتهوا إلى نهايتكم” ولا تنتهوا إلى نهاية الحيوان، لا تنتهوا إلى نهاية الأشرار، لا تنتهوا إلى نهاية الطغاة.
والحمد لله رب العالمين.
اللهم صل وسلم وزد وبارك على حبيبك المصطفى محمد بن عبدالله خاتم النبيين والمرسلين، واغفر لنا ولإخواننا المؤمنين والمؤمنات أجمعين، وتب علينا إنك أنت التواب الرحيم.
اللهم ارزقنا تمام اليقين، وصدق العمل، وإخلاص النية، ودوام الطاعة، وخير الدارين، وسعادتهما يا كريم يا رحيم.
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ {إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ (1) فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ (2) إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الْأَبْتَرُ (3) }

الخطبة الثانية

الحمد لله الذي لا تراه العيون، ولا تبلغه الظنون، ولا يلحقه المنون، وليس أمام علمه مكنون، ولا عن اطّلاعه مكتوم.
أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله صلى الله عليه وآله وزادهم تحية وبركة وسلاماً.
أوصيكم عباد الله ونفسي المخادعة لي بتقوى الله، وموالاة أوليائه، ومجافاة أعدائه، فإن أولياء الله العارفين بحقِّه، العالمين بدينه لا يدعون إلا إليه، وإنَّ أعداء الله الجاهلين بحقِّه، المهملين لدينه لا يدعون إلا إلى غيره، ولن يجد أحدٌ من دون الله نصيراً، وما أفلح من وثِق بغير الله، وما عزَّ من تعزّز بالعبيد، وما عقِل من أغضب الخالق وأرضى المخلوق.
اللهم إنَّا نعوذ بك من شرور أنفسنا، وقبائح داخلنا، وسيئات أعمالنا، وكيد الشيطان الرَّجيم، وأن نكون من المغضوب عليهم أو الضّالين.
اللهم اغفر لنا ولإخواننا المؤمنين والمؤمنات أجمعين، وتب علينا إنك أنت التواب الرحيم. اللهم اجعلنا من الموفّقين لا المخذولين، ومن المرحومين لا المحرومين، ومن المقبولين لا المطرودين، وارفع درجتنا عندك يا كريم.
اللهم صل وسلم وزد وبارك على حبيبك المصطفى خاتم النبيين والمرسلين محمد بن عبدالله الصادق الأمين، وعلى علي أمير المؤمنين وإمام المتقين، وعلى فاطمة الزهراء الصديقة الطاهرة المعصومة.
وعلى الأئمة الهادين المعصومين: الحسن بن علي الزكي، والحسين بن علي الشهيد، وعلي بن الحسين زين العابدين، ومحمد بن علي الباقر، وجعفر بن محمد الصادق، وموسى بن جعفر الكاظم، وعلي بن موسى الرضا، ومحمد بن علي الجواد، وعلي بن محمد الهادي، والحسن بن علي العسكري، ومحمد بن الحسن المهدي المنتظر القائم.
اللهم صل على محمد وآل محمد، وعجل فرج وليّ أمرك القائم المنتظر وحفّه بملائكتك المقربين، وأيده بروح القدس يا رب العالمين، وعجّل ظهوره.
عبدك وابن عبديك، الموالي له، الممهد لدولته، والفقهاء العدول، والعلماء الصلحاء، والمجاهدين الغيارى، والمؤمنين والمؤمنات أجمعين وفقهم لمراضيك، وسدد خطاهم على طريقك، وانصرهم نصراً عزيزاً مبيناً.
أما بعد فهذان موضوعان:
موضوع تأجّل كثيراً:-
النوّاب وحاجات الناس:
للنائب دور سياسي يتركّز على المطالبة بالحقوق السياسية للشعب، ومشاركته في رسم خطّ حاضره ومصيره، وحضوره الفاعل في قضاياه الكبرى ومفاصل حياته، وعلى تحسين الوضع التشريعي للحياة الاجتماعية، ومتابعة الأداء السياسي والإداري وأداء كل الوزارات، والمراقبة والمحاسبة لدقة التطبيق وأمانته بالنسبة لكل التشريعات والسياسات المقرّة التي على الحكومات تنفيذها.
أما البلدي فنائب لمحافظته، ثمّ للشعب من بعد ذلك، وله دور خدماتي يتركّز على المطالبة بالحقوق الخدماتية، وعلى تطوير البيئة ووضعها الصحي والجمالي والعمراني، وكل ما يتصل بتقدّمها وملاءمتها لحاجات الإنسان من غير إضرار بالبيئة المعنوية الدينية والأخلاقية المتّصلة بالحفاظ على قيمة الإنسان وهي الشيء الأهم.
والنائب والبلدي على اختلاف ما بين وظيفتهما مسؤولان معاً عن المطالبة بالحقوق العامة، والمحافظة عليها، والذود عنها.
أما الحاجات الخاصّة للأفراد والمؤسسات مثلاً فإذا كانت من منشأ تخلّف قانوني، أو مخالفة رسمية للقانون وقعت في عهدة النائب أو البلدي كلٍّ حسب اختصاصه. وإن كانت بعيدة عن ذلك، وكانت أمراً شخصيّاً وكان ذلك من باب الوقوع في حاجة معيّنة لأسباب شخصيّة، وكان قضاؤها لا يدخل في باب المطالبة وإنما تحتاج إلى طلب وتوسُّط فإن كان في ذلك إذلالٌ للنائب أو البلدي أمام مسؤول تنفيذي من وزير أو غيره، وتأثير سلبي على دوره المنوط به من المطالبة بالحقوق العامة والمراقبة والمحاسبة فلا يمكن له أن يضحّي بوظيفته الأصل والمحاسب عليها أمام الله سبحانه ثم أمام الشعب من أجل قضاء هذه الحاجة أو تلك من حاجات الأشخاص أو المؤسسات أو المجموعات بعنوان أنه نائب أو بلدي أو بأي عنوان آخر. وتكليف الآخرين له بذلك، والضغط عليه في هذا السبيل مضايقة غير صحيحة. وفيها إضرار بالشعب، وإفساد للبعض من النوّاب والبلديين.
والنائب والبلدي شأنه بالنسبة لقضاء الحاجات المعيشية لبعض المواطنين المحتاجين في دائرته الانتخابية أو غيرها شأن غيره من المؤمنين، يستحب له المشاركة في قضاء هذه الحاجات من غير أن يفرض عليه فرض خاص في هذا المجال لأنه نائب أو بلدي، ولا يكلّف بتكليف خاص من هذا الباب من ناخبيه، ولا ينبغي أن ينال الثقة الانتخابية اعتماداً على ما يعطيه في هذا المجال، وإنما يجب أن يقوم اكتسابه للثقة على أساس وفائه لمهام دوره العام الذي أُنيط به، وتجديد الانتخاب لأي نيابي أو بلدي لا يقوم في الصحيح إلا على ملاحظة كفاءته وإخلاصه ونشاطه وحسن أدائه للدور العام الذي تحمّل مسؤوليته لا على النظر إلى هباته وعطاياه، وإلا فتحنا باباً خطيراً على النائب أو البلدي وذلك أن يستوهب ويستعطي ويرتشي ليهب ويعطي ويرشي، وأن يبيع نفسه لمن فوقه ليشتري بشيء من الثمن من تحته، وكل ذلك على حساب الدين، ومصالح الشعب وحقوقه العامة المشتركة.
قبل أن يكون المنكر معروفاً:
تعرفون أن أخس مراحل الانحدار للأمة الإسلامية، وأدنى دركات سقوط الضمير هو أن يتحوّل المنكر في عقليّة الأمة وفي ضميرها معروفاً، وأن يتحول المعروف منكراً، فليس من بعد هذا الانحطاط انحطاطٌ يُرتقب.
وقد تلاقت مصالح أرضية لكثيرين على التأييد والدفاع عن ربيع الثقافة بما فيه من سخافة وقباحة ومنكر واضح(6)، لا يمكن تغطيته والحملة لو نجحت فإن النتيجة أن يكون المنكر معروفاً والمعروف منكراً(7).
أقول لو نجحت هذه الحملة المدافعة عن المنكر والتي أنكرت على المنكرين عليه، ورمتهم بألف نعتٍ سيء فإن النتيجة أن يكون المنكر معروفا والمعروف منكرا.
ويبقى هؤلاء الكثيرون هم الأقلية في هذه الأرض، وإن كان صوتهم عاليا وكأنه الصوت الوحيد فيها، والأكثرية غيرهم ممن لا يرضون بما يخالف شرع الله، وهم عدداً أكبر منهم صوتاً بكثير، وذلك لأسباب موضوعية متعددة بعضها لا يخفى، وقد يُعذر الناس في شيء منها ولا يُعذرون في آخر.
أين الإنكار المكافئ لهذا المنكر؟ أين الإنكار من المساجد، من الكتّاب، من الخطباء، من الجمهور لمثل هذا المنكر؟ أظن أن لو كانت المسألة ترتبط بلقمة عيش لهبّ الكثيرون. لا يرخص الدين عليكم أيها المؤمنون.
ولو نطق الإسلاميون وهم أغلبية الأمة ممن يؤمن بالإسلام عقيدة ومنهجا وعملا لا خصوص من يطلق عليه هذا العنوان عرفاً لو نطقوا برأيهم وبلّغوا الإسلام ليس بمناسبة خاصّة، وإنمّا دائما، وأنكروا المنكر، وأمروا بالمعروف لسادت كلمة الإسلام ورأيه في الساحة الإسلامية كلّها.
تصوّروا أن هذه الملايين التي تؤمن بالإسلام عقيدة ومنهجا وعملا، وإن كانت تقصّر في الممارسة التطبيقية، تصبح وتمسي وهمّها الإسلام، وشغلها الشاغل بعد طلب اللقمة ومع طلبها الدعوة للإسلام وتبليغه والتوجيه إليه، وتركيز سلوكه في الحياة بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. لكم أن تتصوروا ماذا ستكون النتيجة لو قامت الأمة بهذه الوظيفة الواجبة عليها من الله سبحانه وتعالى.
أنت مسلم قبل أن تكون عاملا، أنت مسلم قبل أن تكون مدرساً، أنت في أي موقع مسلم ومسئول أن تبلّغ الإسلام وأن تجهر بكلمة الإسلام ما استطعت، وأن تصحّح الفهم الإسلامي عند أخيك، وأن تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر.
نسأل: متى كان أصل الرقص من الأجنبي مع الأجنبية في الإسلام تقدّماً مطلوباً، وفنّاً مقدّراً، وممارسة كريمة، وخلقاً رفيعاً، وفوق الرفيع؟ وهل يبارك الإسلام صورة من تجسيد ارتكاب الفحشاء على مرأى ومسمع من الجمع الحاشد؟! وأن يُصفِّق الكلّ للمشهد البهيمي الساقط وكأنه الفتح المبين؟! سيقولون لك هذه هي تعددية الأطياف والألوان والرؤى والأذواق والأهواء والثقافات؟
وهذا يعني أن الكلمة ليست للإسلام، ولا تحجّونا بالشريعة، هذا والبلد إسلامي، والشريعة مصدر أساس للتشريع، وانتماء الوطن إلى الأمة الإسلامية، والشعارات إسلامية صارخة عند الحاجة.
سيقولون لك كذلك أنت أيها الدارس للإسلام المتخصص في دراسته لا تعرف الإسلام، ولا تفقه أحكامه ومقاصده بل نحن أصحابَ السياسة الوضعية، نحن أصحابَ الثقافة المستوردة، نحن أصحابَ الفنّ المنعش، نحن المغنّين والمغنّيات، نحن الراقصين والراقصات، نحن الصحفيّين المأجورين من يفهم الإسلام، ويجيد عمليّة الاستدلال والاستنباط المتقن لأحكامه. تقرأون هذا كثيراً في ما يقولونه وإن لم يكن بهذه اللغة.
وعن أي تعددية يتحدث القوم؟! إنها تعدّدية الإفساد والتميّع، والتبعية السلوكية للغرب، والانحراف الفكري، ومحاربة الإسلام، وبروز ظواهر المنكر من اللواط والسحاق والإعلان بالرذيلة، وكثير من هؤلاء يجنّ جنونه، ويتحول إلى بركان هائج مضاد إذا ذُكرت التعددية السياسية. التعددية السياسية حرام، فيها تخريب للبلد، فيها تآمر، فيها عمالة للخارج!!
وهي تعددية تحرّم على المسجد أن يقول كلمة، وتمنع الإسلاميّ من صحيفة، وتشنّ حرباً على نصب علمٍ حسينيّ في قرية، أو تعليق كلمة من كلمات الإمام الحسين عليه السلام. تعدديتهم تعددية يخرج من إطارها الإسلام في بلاد الإسلام ودياره.
اللهم صل وسلم وزد وبارك على حبيبك المصطفى محمد بن عبدالله خاتم النبيين والمرسلين وعلى آله الطيبين الطاهرين.
اللهم اغفر لنا ولإخواننا المؤمنين والمؤمنات أجمعين، ولوالدينا وأرحامنا وقراباتنا ومن أحسن إلينا إحساناً خاصا من مؤمن ومؤمنة، ومسلم ومسلمة.
ربنا هب لنا من لدنك رحمة وقنا عذاب النار، وإذا توفيتنا فتوفنا مع الأبرار، ربنا شافنا وشاف مرضانا والمرضى المؤمنين والمؤمنات، ومن لحق بهم، وحطّ عنا أوزارنا، وكفّر عنا سيئاتنا، وارزقنا مقاما كريما عندك مع خاصة أوليائك يا رحمن يا رحيم يا كريم.
{إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاء ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ}
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 – 97/ النحل.
2 – 67/ القصص.
3 – ويمكن أن يكون المعنى أن التوقع وهو يحمل معنى من عدم الحتميَّة مطروح من الله سبحانه ولكن لا بلحاظ التردد في علم الله عز وجل، ولا نقص في كرمه وإنما بلحاظ واقع الفرد من الاستقامة على الجادة أو تنكبها.
4 – 75/ طه.
5 – ميزان الحكمة ج 7 ص 7.
6 – ذلك أن يتمدّد رجل على امرأة أمام الناس، أن تجلس جلسة القرفصاء ويقترب منها ويحتضن.
7 – هتاف جموع المصلين بـ(لا سخافة حيوانية – شيطانية – في البحرين الإسلامية).

زر الذهاب إلى الأعلى