خطبة الجمعة (275) 19 صفر 1428هـ – 9 مارس 2007م

مواضيع الخطبة:

متابعة لحديث التوحيد+ أيهما أعجب؟! + المؤتمر الدستوري الرابع + مؤتمر بأمريكا لشخصيات من دول إسلامية + المهدد إيران أو بلد من بلدان الإسلام؟

على الأمة بكل طوائفها وأطيافها وتلاوينها أن تتذكر الدرس الذي كثيراً ما تلقّاه تلاميذ الابتدائي، والقائل على لسان الثور الأبيض: أُكلتُ يوم أُكل الثور الأسود.

الخطبة الأولى

الحمد لله الذي خلق الأشياء بوزن موزون، وقدر معلوم، وغاية حكيمة، ونظام مرسوم لا ثلمة فيه ولا خلل، ولا قصور ولا خطل. هو الخلاَّق العظيم بلا مكابدة، المدير للكون بلا معالجة، لا يحتاج إلى مشير ولا معين، ولا يقوم خلقه على اقتداء مثال، ولا سبق منوال.
أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليهوآله وسلم تسليماً كثيراً كثيراً.
أوصيكم عباد الله ونفسي المقصّرة بتقوى الله، والأخذ بالطريق الذي سلكه أحباؤه وأولياؤه من التزام العلم، والرِّضى بالحق، والنطق بالصدق، والنصيحة للمؤمنين، والرحمة بالمسلمين، وأن لا نفرّط في إحقاق الحقّ، ولا نطلب الحق بالباطل، ولا نخلط ما هو من دين الله بما سواه فيخبو بذلك نور الدين، وتتشوّه معالمه، ويسوء الظن به، وذلك أخطر عليه مما يجابهه به أعداؤه من محاربة سافرة.
أعاذنا الله من أن نُسيء إلى دينه، ومن تحريف شريعته، والمسّ بوضاءة مقررات ملّته، وأنقذنا من متابعة هوى، النفس وتزيين الشيطان الرَّجيم.
اللهم صل وسلم وزد وبارك على حبيبك المصطفى محمد بن عبدالله خاتم النبيين والمرسلين وعلى آله الطيبين الطاهريه، واغفر لنا ولإخواننا المؤمنين والمؤمنات أجمعين، وتب علينا إنك أنت التواب الرحيم.
اللهم ارحمنا برحمتك، ولا تكلنا إلى أنفسنا أو إلى أحد من خلقك طرفة عين يا كريم يا رحيم.
أما بعد أيها الملأ الطيب فلا زال الحديث في منبِّهات روح التوحيد باستنطاق الفطرة الكنز الكبير في كيان الإنسان، والذي ترجع إليه كل ذخائر الفكر، وهدايات الإيمان، والنفحات العبقة للشعور الكريم.
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ: {قَالَ رَبُّنَا الَّذِي أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى}(1).
الخلق فعل الله، وهو مرتبة، والهداية خلق الله وهي مرتبة أخرى، وكما أن لا شيء إلا وهو مخلوق لله فإنّه لا شيء من الهداية إلا وهو من الله.
وما خلق الله شيئاً إلا وجعل له غاية، وكل شيء قد هداه الله إلى غايته، لا من شيء في هذا الكون إلا وله موقع، وله دخالة في تكميل الصورة الكونية العامة، وله مشاركة فيما أراد الله عز وجل لهذا الكون من غاية، مشاركة إيصال، وبلوغ بهذا الكون إلى غايته.
ناسب الله تبارك وتعالى بين كل شيء في غايته، وبين خصائص خلاياه وأجهزته، فجاء كل شيء يحمل هداية الله إلى الغاية التي رسمها له، ولا شيء ينحدر عن طريق الغاية التي حددها الله له حيث إن الله عز وجل لا تدخل علمه الغفلة ولا النسيان ولا شيء من الضلال.
والهدايات على مستويات؛ هناك الهدى التكويني القسري كما في عمل أجهزة الجسم الداخلي، كما في عمل الجهاز العصبي، الليمفاوي، العضلي، الهضمي الداخلي، كل الأجهزة الأخرى، وكما في عمل القلب، عمل المخ. هذه أجهزة مسيرّة تسييراً قهريا حديدياً وتعمل ضمن قوانين إلهية محددة لا دخل لها فيها، ولا تستطيع الاستجابة الطوعية، أو الامتناع الطوعي عنها.
وهذا الكون العريض الذي تسبح في فلكه موجودات لا عدّ لها ولا إحصاء كل شيء من ذلك قد حُدِّد مساره، كما حُدِّدت غايته، وكل شيء قد هداه الله عز وجل من خلال المسار المحدد إلى الغاية المحددة. هذه هي هداية تكوينية قسرية قهرية.
وهناك الهداية التكوينية الفطرية التي قد ينساق إليها المخلوق على شعور، لكنّه لا يكاد يملك أن يمتنع، كما في قوانين أمة النمل، وأمة النحل، وأمة الطير، فهي مهدية إلى غاياتها بفطر تسوقها سوقا شبه القهري إلى تلك الغايات، وليس النظام والهدايات الذي زُوِّد به النحل والنمل في إقامة نظام معيشته، وعلاقات تناسله، وفيما يبنيه من قرى كما في النمل، أو خلايا كما في النحل على حدّ النظام الذي يحكم الصخرة، أويحكم الشجرة، هناك شعور، هناك درجة من الإدراك في حياة النمل، في حياة النحل، في حياة الطير لا توجد في الصخر، في الحديد.
وهناك الهدايات التكوينية الإرادية كما في أصول الفكر التي غرسها الله سبحانه وتعالى في وجود الإنسان، وكما في أصول السلوك السوي، والسلوك الذي تقوم عليه استمرارية الحياة مما فطره الله عز وجل في كيان هذا الإنسان، والإنسان الذي زُوِّد بهذه الأصول يجد من نفسه الإرادة القادرة على التجاوب معها أو الامتناع عنها.
فطرة التوحيد أصل كبير متغلغل ممتد في كيان الإنسان لا تنفك إنسانية الإنسان عنه، لكن أنت تجد من نفسك أنك تستطيع أن تتجاوب مع أصل التوحيد في الذات أو أن تتمرد عليه، هذه هدايات ، ولكنها هدايات ينضم إليها الدور الإرادي عند الإنسان.
ثم إن هناك الهداية التشريعية كما في شرائع الأديان المنزّلة من السماء فهي هدايات لهذا الإنسان حتى يبلغ غايته، ولا يمكن لهذه الإنسانية أن تبلغ غايتها ولو استجابت لكل الهدايات الأخرى إذا تخلّفت عن التجاوب الإرادي مع الهداية التشريعية التي تنزّلت على الأنبياء والمرسلين، وآخرها هداية القرآن الشاملة.
الآيات الكريمة في هذا المجال وعلى مستوى هذه الهدايات المختلفة تقول لنا:
{رَبُّنَا الَّذِي أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى}، {وَكُلُّ شَيْءٍ عِندَهُ بِمِقْدَارٍ}(2).
كم من ذرّة يحمل هذا الموجود، كم من خلّية، ما هي خصائص هذه الخلية، تلك الخلية؟ ما هي وظائف هذا الجهاز، ذلك الجهاز؟ كل ذلك بمقدار. والصنع الدقيق المحكم لما خلق الله لا يقوم على الجهل، على الغفلة، على الجزاف.هو قائم على العلم،على الحكمة، على التصميم الدقيق، على الخبرة التي لا تحدها حدود.
{وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيراً}(3)، {إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ}(4).
والحديث “عن محمّد بن مسلم قال سألت أبا عبدالله عليه السّلام عن قول الله عزّ وجلّ {أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ} قال: ليس شيء من خلق الله إلاّ وهو يعرف من شكله الذّكر من الأُنثى. هذا واحد من تطبيقات الهداية الجزئية، مصداق من مصاديق هدايات الله، الإمام عليه السلام من باب التقريب والتوضيح بالمثال يذكر لمحمد بن مسلم مصداقا من مصاديق هدايات الله للأشياء، يقول انظر إلى أصغر مخلوق من المخلوقات الحيّة التي تقوم على التناسل فإن ذكر هذا النوع أو ذلك النوع لا يخطئ تشخيص أنثاه، لا يخلط بين ما هو ذكر من ذلك النوع وما هو أنثى، والأنثى هي كذلك لا يختلط عليها تشخيص ما هو الذكر من نوعها وما هو الأنثى. فذكر النمل لا يطلب ذكره وإنما يطلب أنثاه ويعرفها، وأنثى النمل أيضا لا تطلب أنثاه وإنما تطلب ذكره وتعرفه، هذا تطبيق لكون الله عز وجل قد أعطى كل شيء خلقه ثم هدى. تجدون ثم هدى، الآية الكريمة تفصل بثمّ، وثمّ للتباعد بين المعطوف والمعطوف عليه، والتباعد هنا ليس زمانيّاً وإنما تباعد رتبة، وأن رتبة الهدى فوق رتبة الخلق. هي نوع آخر من الخلق، وهو خلق كبير. والله العالم.
قلتُ: ما يعني ثُمّ هدى؟ قال: هداه للنّكاح والسّفاح من شكله”(5).
من علّم عملية السّفاذ لأصغر حيوان، سفاذ الذكر والأنثى؟ هي هدايات الله المغروسة عند كل هذه الحيوانات.
فأيُّ انسان يحترم نفسه وعقله يشكك في أن هذا الكون وراءه صانع حكيم مدبّر؟!
نقف مع علي بن أبي طالب عليه السلام في جملة من كلماته عن الأرض لنجد أين علم علي عليه السلام من زمانه، وأين الغيب الذي يحمله عليّ عليه السلام من النظريات الواهية الواهمة عن الأرض يومذاك. ، إنه الغيب ينطق على لسان علي عليه السلام، وكيف لا، وهو الذي زقّه رسول الله صلى الله عليه وآله علم الوحي زقّا.
قارنوا بين كلمات علي عليه السلام وبين ما عليه آخر النظريات، أنضج النظريات عن الأرض، والقراءة سريعة.
“أنشأ الأرض فأمْسَكها من غير اشتغال…” الله عز وجل كما تقدّم لا يقوم خلقه على المعاناة، لا يقوم تدبيره الكون على الممارسة، وعلى المكابدة، والتعب، إنما أمره بين الكاف والنون يقول للشيء كن فيكون. وتدبير الكون قائم على طريقة كن فيكون. إدارة الكون ليست ادارة تشريعية وإنما هي إدارة تكوينية أي تقوم على الفيض، تقوم على الخلق، تقوم على التكوين، تقوم على الإيجاد، الكون في كل لحظة خاضع للإيجاد الجديد، خاضع للفيض المتدفق الجديد.
“… وأرساها على غير قرار…” ليس على قرن ثور، كما في النظرية الواهية، هي راسية، ثابتة مثبّتة، ولكن لا على قرار، إنها الجاذبية فحسب. أرساها على صخرة، والصخرة على قرن ثور وما إلى ذلك، هذا لا يوجد في فهم علي عليه السلام.
“… وأقامها بغير قوائم، وَرَفعها بغير دعائم، وَحَصَّنها من الأود(6) والإعوجاج، ومَنَعها من التَّهافُت(7) والانفراج…”(8).
في كلمة أخرى له عليه السلام:”فأنهد(9) جبالها عن سهولها، وأساخ(10) قواعدها في متون أقطارها(11)… وجعلها للأرض عماداً، وأرّزها(12) فيها أوتاداً، فسكنت على حركتها من أن تميد(13) بأهلها أو تسيخ(14) بحملها، أو تزول عن مواضعها”(15).
الكلمة الأخرى:”رفع السّماء بغير عمد، وبسط الأرض على الهواء بغير أركان”(16).
في قوله تعالى:”{الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الأَرْضَ فِرَاشاً(17)}(18): جعلها ملائمة لطبائعكم موافقة لأجسادكم، لم يجعلها شديدة الحمي والحرارة فتحرقكم، ولا شديدة البرد فتجمدكم، ولا شديدة طيب الرّيح فتصدع هاماتكم، ولا شديدة النّتن فتعطبكم…”(19).
هذا تفسير علي عليه السلام لمسألة علمية اختلف عليها العلماء السابقون اختلافاً كبيراً، ولم يصل الإنسان إلى حقيقة هذه القضية إلا بعد شوط كبير طويل من العلم، وبعد أن تجهّز بأسلحة الرؤية النافذة للفلك البعيد وتوفر على دراسات كبيرة وفّرت له رؤية تنال الواقع.
اللهم صل على محمد وآل محمد، واغفر لنا ولإخواننا المؤمنين والمؤمنات أجمعين، وتب علينا إنك أنت التواب الرحيم.
يا من لا يخيب آمله، ولا يرد سائله، كلّنا برز إليك، وحاجاتنا وآمالنا مكشوفة لديك، وعلمك بالحال يغني عن السؤال، وأنت أكرم الأكرمين، وأرحم الراحمين.
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
{قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ (1) اللَّهُ الصَّمَدُ (2) لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ (3) وَلَمْ يَكُن لَّهُ كُفُواً أَحَدٌ (4)}

الخطبة الثانية

الحمد لله الذي لا يعلم ما هو إلا هو، لا تدرك العقول كنهه، ولا تبلغ الأفهام حقيقته، ولا يدنو إليه وهمٌ ولا خيال، كل كمال تصوَّرَه متصوّر دون كماله، وكل تنزّه وجلال أدركه مدرك دون تنزُّهه وجلاله، وكل جمال ناله فهم المحدودين فوقه جماله. الحمد لله على كثير نعمائه، وجميل امتنانه، وسبوغ آلائه، وعظيم رحمته وعفوه ورأفته.
أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أنّ محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وآله وزادهم تحية وبركة وسلاماً.
عباد الله علينا بتقوى الله الذي لا يرد غضبه رادٌّ من خلقه؛ وكل شيء مخلوق له، ولا ملجأ لأحد من دونه. ومن اتّقى فإنما يتّقي لنفسه، ومن أثم فإنما يجني عليها، وليس لله إلى أحد من حاجة، وطاعته قبل كلّ طاعة بعد أن كان الخلق والرزق والتدبير له، وكل الخير من عنده، والفيض من جهته.
ربّنا اغفر لنا ولإخواننا المؤمنين والمؤمنات أجمعين، وتب علينا إنك أنت التواب الرحيم.
ربّنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار، ربنا أدخلنا في كل خير أدخلت فيه محمدا وآل محمد، وأخرجنا من كل سوء أخرجت منه محمداً وآل محمد صلواتك عليه وعليهم أجمعين، برحمتك يا أرحم الراحمين.
اللهم صل وسلم وزد وبارك على حبيبك المصطفى، الصادق الأمين، محمد بن عبدالله خاتم النبيين والمرسلين، وعلى علي أمير المؤمنين وإمام المتقين، وعلى فاطمة الزهراء الصديقة الطاهرة المعصومة، وعلى الأئمة الهادين المعصتومين: الحسن بن علي الزكي، والحسين بن علي الشهيد، وعلي بن الحسين زين العابدين، ومحمد بن علي الباقر، وجعفر بن محمد الصادق، وموسى بن جعفر الكاظم، وعلي بن موسى الرضا، ومحمد بن علي الجواد، وعلي بن محمد الهادي، والحسن بن علي العسكري، ومحمد بن الحسن المهدي المنتظر القائم.
اللهم صل على محمد وآل محمد، وعجل فرج ولي أمرك القائم المنتظر، وحفّه بملائكتك المقربين، وأيده بروح القدس يارب العالمين.
عبدك وابن عبديك، الموالي له، والممهد لدولته، والفقهاء العدول، والعلماء الصلحاء، والمجاهدين الغيارى، والمؤمنين والمؤمنات أجمعين وفقهم لمراضيك، وسدد خطاهم على طريقك، وانصرهم نصراً عزيزاً مبيناً.
أما بعد أيها الأعزاء فهذا حديث في أكثر من محور:
أيّهما أعجب؟!
أحداث القتل الجماعي لزوار الإمام الحسين عليه السلام في العراق ظلماً عدواناً فوق مستوى الشجب والاستنكار، وكل كلامٍ من هذا النوع، ولكن يبقى أن هنا عجبين:
الأول: أن يسقط فهم الإسلام عند البعض من مرتكبي هذه الجرائم البهيمية إلى الحد الذي يتقرب به أحدهم إلى الله عز وجل بقتل زوار سبط رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لا لشيء إلا لأنهم زوّاره، وباعتبار أن هذه الزيارة شركٌ لا يُغتفر، أو لأنهم شيعة قبل أن يكونوا زوّاراً. شيعة يتمذهبون بما يفهمونه من الإسلام الوارد عن أهل البيت عليهم السلام كما يتمذهب سائر أهل الإسلام بما يفهمونه مما تلقوّه من أئمتهم.
وعجب، عظيم هو الآخر، بل هو أعظم، عجب وهو أن هذه الجرائم تمرّ على مرأى ومسمع من الإنسانية والأمة، بلا إنكار عام دولي، ولا إنكار عام إسلامي، لا على مستوى الحكومات ولا على مستوى الشعوب، وإنا لله وإنا إليه راجعون.
أكبر مأساة أن نصل إلى هذا الحد من موت الضمير، ومن سقوط الفهم لعظمة الإسلام، وحرمات الإسلام.
المؤتمر الدستوري الرابع:
أولاً: السقف الأدنى للمطلب الدستوري الذي جاء في بيان هذا المؤتمر متواضع، ودون المطلوب بلحاظ الفاصلة الزمنية الممتدة ما بين دستور وُلِد في السبعينات ودستور يُنظر إليه الآن، وما حفلت به هذه المسافة الزمنية الطويلة من تطورات كثيرة على المستوى المحلي والإقليمي والعالمي في صالح الحركة الدستورية، والتقدم في مستوى المشاركة الشعبية في قضايا الحكم، وكذلك بلحاظ الإجماع الواسع على هذا المطلب، والحجم الكبير لهذا الإجماع.
فلا بد أن يتّجه الطموح بدرجة واقعية إلى ما هو أكبر من مكاسب دستور العام الثالث والسبعين بكثير. والتدرّج وإن كان مقبولاً إلا أن حبواً في مسألة المطالب والحقوق كحبو الكسيح أمر مرفوض. وإلا كان على البحرين أن تنتظر خمسين سنة حتى يتحسّن الموقع السياسي لهذا الشعب.
ثانياً: ينبغي أن لا تتكثّر اقتراحات المسألة الدستورية في الخطاب مع الحكم، وأن يتوحّد المطلب أصلاً وسقفاً حيث إن التعددية في المورد تميّع المطلب، وتضيّع الحق، وتفتح نوافذ الاختلاف، والنفوذ إلى مزيد من التمزّق، وعلى أحسن التقادير فهي تقلِّل المكاسب.
والمطلب الدستوري جوهري ومركزي ومحل إجماع كبير، ويجب أن يبقى محل الإصرار والطرح القوي المستمر، والفعاليات المدروسة الداعمة، وظهور ضرورات أخرى سياسية، وملفات خطيرة لا يصح أن يقزّم مطالب مهمة من مثل المطلب الدستوري.
مؤتمر بأمريكا لشخصيات من دول إسلامية(20):
المصدر: عن جريدة الأيام بتاريخ اليوم الرابع من هذا الشهر.
مكان المؤتمر: ولاية فلوريدا في أمريكا.
الزمان: من الخامس إلى السادس من مارس الحالي.
المنظمون: مايك كليدن، الباحث في معهد أمركيا انتربرايز، المعروف بتمثيله لتيار المحافظين الجدد، وشخصيات أخرى من المؤسسة الأوروبية الديموقراطية وهي الفرع الأوروبي لمؤسسة الدفاع عن الديموقراطية الأمريكية.
المتحدثون: شخصيات علمانية من بلاد إسلامية فعلاً أو أصلاً فيهم السوري والمصري والإيراني والأردني بغض النظر عن كون هذا أو ذاك من أبوين سنيين أو شيعيين، فهؤلاء منظور لهم في أمريكا أصفياء خلصاء تقدميين حكماء لا يؤثر على أحدهم شائبة الولادة من مسلم سني أو مسلم شيعي.
الموضوعات:
– تفسير القرآن من منظور علماني، يفصل بين الدين والدولة، أو ينكر أصلاً أن الإسلام له نظر في شأن الدولة.
– حرية التعبير في المجتمعات الإسلامية. وحرية التعبير هنا ماذا تعني؟ تعني إتاحة الفرصة، وسنّ القوانين التي تسمح بكل حرية لنشر كلمة الكفر، والتشكيك في الثوابت الإسلامية.
نشر الحرية ليس الحرية السياسية، ليس نشر حرية المطالبة بالحقوق، أمريكا تئد الصوت الذي يطالب بالحقوق، تئد الصوت الذي يطالب بحرية واستقلالية البلد الإسلامي، أمريكا تحارب أي بادرة قوة ناشئة في أي بلد إسلامي.
يقول الدكتور النابلسي، وهو كاتب أردني ومشارك في المؤتمر المذكور، يقول عن نفسه: أُقدّم ورقة في المؤتمر حول ظهور العلمانية في الدولة العربية الكلاسيكية منذ حكم معاوية بن أبي سفيان إلى ما بعد حكم العثمانيين.
يريد أن يقول هذه هي البداية للدولة التي يراد البناء عليها في فهم الإسلام، وأمّا الدولة الإسلامية قبل ذلك فهي رجعية ملغاة لا اعتبار بها في عصر التنوّر الغربي الذي يجب أن ينعكس علينا نحن المسلمين بكل هدى ونور.
ويقول النابلسي كذلك: من المؤكد أن الذين سيتحدثون في هذا المرتمر سيتطرقون إلى الملاءمة القائمة بين حياتنا العصرية من كافة النواحي السياسية والاجتماعية والاقتصادية، وبين ما جاء في لبّ الإسلام، وليس ما قاله الفقهاء.
وهذا يعني إقصاء فهم الإسلام من قبل علمائه، فقهائه، مختصّيه، المخلصين له، وإحلال فهم آخر يُفرض على أجيال الأمة، تحت تضليل السياسة، والكبت السياسي، وتحت مسخ أدمغة الشباب.
ويؤسف جداً أن هذا الغرض الخطير، وهو تغييب فهم الفقهاء للإسلام، وإحلال فهم الدارس الغربي العلماني للإسلام محلّ فهم الفقيه المسلم الحق…، هذا الغرض الذي لا يبقي من الإسلام على شيء، يلتقي تماما مع ما يحاوله البعض من صرف شبابنا المؤمن وفي الصف المؤمن عن خط العلماء والفقهاء. يُشكِّك دائماً في قدرة الفقهاء على التشخيص، ويعطي لنفسه قيادة الساحة، وحتى التنظير الفقهي.
محاولات الهروب بكلّ المسيرة من خط العلماء والفقهاء الصالحين العدول الأقدر على فهم الإسلام هو غرضٌ أمريكي أوروبي، وغرض الكفر العالمي، ويحصل أن ما يقع بعض إخوتنا المؤمنين في غفلة تؤدي إلى الالتقاء بهذا الغرض المستهدف لكل الكفر العالمي، والقاضي على الإسلام.
المهدّد إيران أو بلد من بلدان الإسلام؟
إيران مهددة أمريكيّاً بضربة عدوانية تتراجع بمستواها كما في بعض التقديرات عشرات السنوات، وتنشر الدمار في المنطقة بكاملها، وتحدث خلخلة كبيرة وخطيرة في العالم الإسلامي على مدى زمنيّ طويل، و قد تمثّل حالة استنزاف داخلي في إطار الأمة تجعلها فريسة مستسلمة لكل الأعداء الطامعين.
وهل تُضرب إيران بما هي إيران الفارسية؟ بما هي إيران القطعة الجغرافية الخاصة؟ بما هي التاريخ الفارسي؟ أو بما لها من الصفة الإسلامية، وبما هي جزء من هذه الأمة التي تستشعر أمريكا وأوروبا والآخرون خطر انبعاثها وتناميها وقفزتها؟
لا أظنّ أن أحداً يخطئ إلى هذا الحد فينظر إلى أن الاستهداف الأمريكي لإيران بما هي إيران مفصولة عن جسم هذه الأمة ودينها وروؤيتها وتوجهها ومنهجها. ليس المخوف من إيران أنها فارسية، المخوف من إيران أنها إسلامية.
ثم هل يحتمل أبناء المنطقة وأبناء الأمة جميعاً أن أمريكا تقدّم الإسلام السنّي على الإسلام الشيعي وتنتصر له؟ أو الشيعي على السني فتُحابيه؟ أمريكا معادية لأي إسلام لا يقدّم مصالحها على مصالح الأمة، ولا يذوب في رؤيتها، ولا يلين لإرادتها، ولا يستكين.
أمريكا تبحث عن إسلام ذليل مستكين يرتمي في أحضان سياستها، ويرعى بالدرجة الأولى المصالح الأمريكية.
ما هو موقف أمريكا من السوادن السنية؟ والصومال السنية؟ وحماس السنية؟ ومن التيار الأعظم للإخوان المسلمين السنة؟ أليس هو الموقف من إيران؟ كيف يغفل المسلمون فيفرح السني لضربة الشيعي، ويفرح الشيعي لضرب السني؟!
أمريكا والإعلام المستأجر لها(21) تريد أن تخلق هذه القناعة وترسخها في ذهن السنة من أبناء الإسلام وهي أن إيران الشيعية أصبحت خطراً محدقاً على الفكر السني، والمصالح السنية في العالم العربي والإسلامي بدرجة أكبر بكثير من الخطر الإسرائيلي وهو الأمر الذي يستوجب تأجيل المواجهة مع إسرائيل على الأقل إن لم يستوجب إلغاء المواجهة نهائياً وعلى الإطلاق، والمبادرة إلى مواجهة الخطر الإيراني الهائل الزاحف قبل فوات الأوان.
هذا إلى جنب ما يمكن توفيره من مسكنات وقتية ولو إعلامية، وترضية شكلية في القضية الفلسطينية ولو على مستوى الوعود الكاذبة لتبريد ساحة المواجهة مع إسرائيل، واستغفال عقول أبناء الأمة.
سيكون برهانَ سقوطٍ عقلي ذريع، وفقدانٍ للذاكرة، وغباءٍ عملي مستحكم لو صدّقنا بمطروحات هذه اللعبة الأمريكية التي لا يُستبعد أن تشارك فيها بعض الأنظمة العربية وقسم من الإعلام العربي.
ودولة عربية تفعل هذا، وإعلام عربي يفعل هذا هو جهة تعادي الإسلام شيعيّه وسنيّه، وتعادي العرب، وكل مصالح الأمة.
إن على المسلمين الذين يستقبلون الضربة الأمريكية لإيران بالورود والرياحين لأن إيران – شيعيّة وهي ضربة واحدة على طريق مسلسل من الضربات العدوانية على العالم الإسلامي تقدّم بعضها ويأتي آخر- أن يعدّوا أنفسهم لضربة أمريكية أخرى لبلد إسلامي سني أول وثان وثالث وهكذا، إلى الأخير، وذلك لأن أمريكا لا تنظر في تخطيطها البعيد إلى هذه الأمة من خلال الموقف الآني لهذه الحكومة أو تلك الحكومة فحسب، وإنما يركّز نظرها على المكوّن العقيدي والفكري والنفسي وغيره من مكوّنات حضارة هذه الأمة، كما يركّز على الاتجاه العام المبدئي لشعوبها وهو يرى في ذلك الضدّ المناهض، والنقيض الذي يخاف منه أن يلغي حضارة المادة ذات القيم الطينية الاستئثارية الاستبدادية الغاشمة، وأمريكا إنما تعادي أمة بكاملها، تعادي حضارة وتكيد بدين.
على الأمة بكل طوائفها وأطيافها وتلاوينها أن تتذكر الدرس الذي كثيراً ما تلقّاه تلاميذ الابتدائي، والقائل على لسان الثور الأبيض: أُكلتُ يوم أُكل الثور الأسود.
وكم يرجو المسلم الغيور للدول الإسلامية أن تملك إرادتها في قبال الإرادة الأمريكية فلا تكون تبعا لها في إرادة الحرب والسلم، والصداقة والعداوة، فلا تقيم ولا تسهّل ولا تشارك في شنّ حرب لأن أمريكا تريدها، ولا تهدم سلما، ولا تتنازل عن صلح ولا هدنة لأن أمريكا لا تريدها.
وكم يصعب على المسلم الغيور أن يحترب العرب والمسلمون في داخلهم، وليحترق إنسان الأمة وثروتها لحساب الإرادة الأمريكية وأطماعها؟!
اللهم صل وسلم وزد وبارك على حبيبك المصطفى وآله الطيبين الطاهرين. واغفر لنا ولإخواننا المؤمنين والمؤمنات أجمعين، وتب علينا إنك أنت التواب الرحيم. ربنا لا انقطاع إلا إليك، ولا توكل إلا عليك، ولا ثقة إلا بك، ولا فرج إلا منك، ولا خير إلا من عندك، ولا دفع لشر إلا بقدرتك، وهذه أكفنا مرفوعة إليك، وآمالنا متعلقة برحمتك، وحاشاك أن تخيّب آمليك، أو تؤيس من رجاك، فاقض حاجاتنا، وحقّق آمال الخير في نفوسنا، واكفنا، وادرأ عنّا، ولقّنا رضاك، يا أرحم من استُرحم، وأكرم من سئل، وأجود من أعطى، يا الله يا كريم يا عظيم.
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ {إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاء ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ}

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 – 50/ طه.
2 – 8/ الرعد.
3 – 2/ الفرقان.
4 – القمر/ 49.
5 – ميزان الحكمة ج3 ص 117.
6 – والأود هو الاعوجاج.
7 – والتساقط والتفتّت.
8 – ميزان الحكمة ج 3 ص 122.
9 – أنهده: رفعه وأعلاه
10 – ثبّت.
11 – الجبال ممتدة في عمق الأرض لتثبتها وترتفع أيضا لتثقلها.
12 – وثبتها.
13 -الإمام عليه السلام يقول الأرض متحركة ليست ثابتة، ولكن وهي متحركة و في حال حركتها، وحيث تجدها متحركة من حيثية، مستقرة من حيثية أخرى، لاتميد بأهلها.
14 – تنخسف. وحملها ما عليها ، ما عليها من عمارة، ما عليها من مدنية.
15 – ميزان الحكمة ج3 ص 122.
16 – المصدر نفسه.
17 – يفهم الإمام عليه السلام من كلمة فراش بمعنى أن الأرض لا تشبه الكرة؟ لا، ليس بهذا المعنى، وتفسيره للفراش بمعنى الملاءمة للطباع..الخ
18 – 22/ البقرة.
19 – ميزان الحكمة ج 3 ص122.
20 –
21 – وعندنا بعض إعلام في هذا البلد يقطع الإنسان بأنه مستأجر لأمريكا.

زر الذهاب إلى الأعلى