خطبة الجمعة (271) 20محرم الحرام 1428هـ – 9 فبراير 2007م

مواضيع الخطبة:

التوحيد، تتمة + لماذا هذا الربط؟ + الوضع الأمني

لا حل في النظر الموضوعي لرزمة المشكلات، وحالات التدهور المخوف إلا عملية حوار جاد هادف مخلص يسلك بالجميع إلى نتيجة التوافق الشامل على مجمل الوضع. وإلا فالساحة ستبقى تتراوح بين يوم هدأة، ويوم زلزال إن لم يعصف بها زلزال عنيف لتعيش حالته على طول الخط.

الخطبة الأولى

الحمد لله الخالق، ومن عداه، وما عداه مخلوق، ولا غنى لشيء من خلقه عنه ابتداءً ولا استمراراً، في حدوث ولا بقاء وجوداً وحياةً ورزقاً وأثراً؛ فلا ملكَ إلاَّ ملكه، ولا سلطانَ إلاَّ سلطانه، ولا حكمَ إلاَّ حكمه، كلُّ شيء مغلوبٌ لإرادته، مقهورٌ له.
أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أنَّ محمداً عبده ورسوله صلَّى الله عليه وآله وسلّم تسليماً كثيراً كثيراً.
عباد الله أوصيكم ونفسي الغافلة بتقوى الله، والنَّظر في الأمور بفكرٍ ودين، فعمل لا يقوم على فكر كثيراً ما يعرِضه الخطأ، ويوقع في نتائج سيِّئة، وعمل لا يقوم على دين، وينطلق بعيداً عن قِيَمِه وأحكامه وأخلاقياته لا يكون إلا باطلاً، ولا يُعقِب إلا سيِّئاً، ورُبّ كلمة أو فعل انتفع بهما خلقٌ كثير، وكان جزاءُ صاحبهما عند الله سوءاً لما وراءهما من سوء نيِّة، وفساد طويِّة، وقصدٍ للإضرار.
اللهم صل وسلم وزد وبارك على حبيبك المصطفى وعلى آله الأطياب الأطهار، واغفر لنا ولإخواننا المؤمنين والمؤمنات أجمعين، وتب علينا إنك أنت التواب الرحيم.
اللهم اجعلنا لا نصدر في قول أو فعل في حياتنا كلِّها إلا عن علم ودين، ولا نقصد بشيء من ذلك إلا وجهكَ الكريم، واجعل همنا الوصول إلى معرفتك، ونيلَ رضاك يا غايةَ كل طالب يطلب الكمال، ومنتهى شوق المشتاقين، يا الله يا منَّان يا رحيم.
أما بعد أيها الملأ الكريم من المؤمنين والمؤمنات فالحديث لا زال في موضوع التوحيد استظلالاً بشيء من الكتاب الكريم والسنة المطهّرة:
تقول الآية الكريمة:{أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ الْخَالِقُونَ (35) أَمْ خَلَقُوا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بَل لَّا يُوقِنُونَ}(1)، سؤال مطروح على كل نفس، وفي كل نفس جوابه، قد يُغيَّب هذا الجواب تحت سجف(2) الظلمة والركام الشديد من ذنوب المرء، وقد يكون حاضراً فعليّاً يبادر صاحبه من داخله.
وإذا كانت هناك سجف وظلمات فإنّ الأخطار الكبيرة – كما مر – كافية عند محنتها أن تجلّي كل هذه السجف والظلمات ليثور الجواب من الداخل وأن لا خلق بلا شيء، وأن لا أحد قد خلق السماوات والأرض غير الله، وأن خلقها قد جاء من فراغ من غير شيء، من غير علّة لا مادية، ولا صورية، ولا غائية، ولا فاعلية.
أنا، كل الآخرين خُلِقوا من غير أي علّة، وولدوا من العدم المحض، وكان العدم أقوى من الوجود فأعطاه، أوكان العدم وجوداً في الوقت نفسه حتى يمكن أن نفترض أن وجوداً ولد من العدم؟! أي عقل، أي فطرة، أي وجدان يُعطي احتمال واحد على بليون لفرضية من هذا النوع؟! {أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ}.
فرضٌ آخر { أَمْ هُمُ الْخَالِقُونَ} أفي نفسك احتمال ضئيل بأنك خلقت نفسك؟ أفي نفسك احتمال ضئيل بأن أباك قد خلقك؟ أفي نفسك احتمال ضئيل أن شيئاً يساويك فقداً في الأصل قد أعطاك؟ الحجر، الشجر، الإنسان، الملك، كل ما هو ليس بواجب الوجود، وليس موجوداً في نفسه بنفسه لنفسه، كل هذه الأشياء على قدرك، الملك في ذاته وفي أصله يعيش الفقد كما كنت تعيش، يعيش حالة العدم كما كنت تعيش، يفتقد الوجود من داخله، كل الأشياء تفتقد الوجود من داخل ذاتها، وتفتقد من داخلها، قرار الوجود، فهي دائما محتاجة إلى وجود لكي توجد في الابتداء، وفي الاستمرار، ليس أنت وحدك الذي لا يأتي الفرض بأنك خلقت نفسك، ولا أقوى قوة في الأرض هي التي تساويك فقط في فقد القدرة، إنما حتى من كان هو أقرب ملك فهو عدم في نفسه لولا فيض من ربه؛ فلا يمكن أن يأتي في الاحتمال أنك مخلوق له بالأصل.
{ أَمْ هُمُ الْخَالِقُونَ} هم لا بما هم هم، خذها بما هم ممكنات، بما هم في مستوى الممكن، وإذا امتنع على هذا الممكن وهو أنت وأنا أن نخلق أنفسنا امتنع على كل ممكن أن يخلق نفسه فضلاً عن أن يخلق غيره.
{أَمْ خَلَقُوا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ } هذا سؤال مطروح على النفس البشرية؛ المؤمنة والكافرة، هذا السؤال لا يمكن لنفس تحترم نفسها أن تجيب عليه بأن الإنسان، أي شيء آخر غير الوجود الحق تبارك وتعالى قد خلق السماوات والأرض، لكن الآية الكريمة تُعقِّب فتقول:{ بَل لَّا يُوقِنُونَ}. السؤالان السابقان يُعرف منهما أن هناك إجابة باطنية مغروسة في النفس عن السؤالين معاً بالنفي، وأن ليس من شيء قد خُلق من لا شيء ولا علة له على الإطلاق، وأن ليس مَن خلق السماوات والأرض هي الممكنات، ومع ذلك تقول الآية عن الكافرين { بَل لَّا يُوقِنُونَ}.
والحصيلة أن من النفوس لا توقن مع مالها من فطرة الإيمان. الإيمان الفطري حين تعرضه الذنوب، ويعرضه العناد، وتعرضه الأخلاقيات اللإسلامية، يبقى مهتزّاً، قلقاً، لا يستطيع أن يواجه تحدّيات الحياة، ولا موجات التشكيك والتضليل، لا يستطيع أن يصمد أمام المحن القاسية فيتوارى في الداخل ويُدفن، فلا يمكن لإنسان غير باحث عن الحقيقة متقيّدٍ بها أن يمتلك اليقين. من يطرح السؤال على هذا النوع يُجيبون بأنه حقّاً ليس من شيء من هذه الممكنات قد خُلق من غير علّة على الإطلاق، هذا يجيبون به، ولكن هذه الإجابة سرعان ما تتوارى، وسرعان ما تختفي في مقام ترتيب آثار الإيمان، وفي مقام التزام خطّ الإيمان، وفي مقام احتضان النفس لقضيته. حتى نمتلك إجابة قوية ثابتة لا تهتز أمام الإعصار لابد مع الفطرة من تربية إيمانية دقيقة.
ولماذا الإيمان من غير إيقان؟ لسوء الموقف؛ هناك رصيد فطري من الإيمان، إما أن نتعامل معه التعامل المطلوب فيتثبّت هذا الرصيد وينمو ويتركّز وينتشر نوره في أقطار النفس كلّها، ويتحولَ إلى حالة صحوة ويقظة دائمة.
والفرض الآخر أن رصيد الفطرة لا نتعامل معه التعامل المطلوب، ونتنكّر له، ونسلك مسلكاً على خلاف مقتضاه وهداياته، وحينئذ يضمر صوت الفطرة، يخفت نورها في النفس، تأخذ في الاختفاء، يصيبها اضمحلال في الظهور والتجلِّي، وحينئذ تكون الحالة السائدة الظاهرية في النفس هي حالة الكفر. فلا غواية إلا ومبتدأها الإنسان، الهداية مبتدأها فيض الله، وتنمو بتربية الله وتوفيقاته، أما الغواية فتبدأ من تمرّد في داخل الإنسان، وتنكُّر في داخل الإنسان لرصيد الهدايات الأولية الموهوبة له من الله سبحانه وتعالى.
وتقول الكلمة عن عليٍّ عليه أفضل الصلاة والسلام:”كلّ صانع شيء فمن شيء صَنَع، والله لا من شيءٍ خلق ما صنع”(3).
“كلّ صانع شيء فمن شيء صَنَع”: الأرض تصنع الصاروخ، تصنع القمر الصناعي، الأرض لها مصنوعاتها الكثيرة، ولكن ليس من شيء من مصنوعات الأرض جاء من فراغ على الإطلاق، جاء من مادة يسّرها الله، ومن عقل خلقه الله، وإرادة وهبها الله تبارك وتعالى، وهدايات وتوفيقات خاصة. الشيء الذي أُكرِّره ويتحدى العالم كلَّه هو أنّه فليمتحن العالم نفسه بكل علمائه وقدراته وطاقاته ومواهبه بأن يحاول أن يزيد هذا العالم ذرّة من لا شيء، حبّة رمل من لا شيء، يستحيل كل الاستحالة على كل هذا العالم أن يخلق خلقاً جديداً لا أصله له.
وهذه معنى كلمة عليٍّ عليه السلام:” “كلّ صانع شيء فمن شيء صَنَع”.
“والله لا من شيءٍ خلق ما صنع”: الله وحده هو الذي صنع هذه المصنوعات كلّها ليس من أصل شيء إلا محض قدرته، وإطلاق إرادته. والمادة التي صنع منها العالم لم تأت من فراغ بلا فاعل، ولم تكتب لنفسها الوجود، وإنما أوجدتها القدرة المطلقة والوجود الحق الغني عن الإيجاد.
اللهم صل على محمد وآل محمد، واغفر لنا ولإخواننا المؤمنين والمؤمنات أجمعين، وتب علينا إنك أنت التواب الرحيم.
اللهم شرَّفنا بدرجة اليقين، واجعلنا من المتّقين، وفي الدّنيا والآخرة من الآمنين، ومن كلِّ سوء خارجين، وفي كلِّ خير داخلين، واهدنا بهدى الصالحين، وارزقنا حياة المقربين في جنّات النعيم.
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
{قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ (1) لَا أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ (2) وَلَا أَنتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ (3) وَلَا أَنَا عَابِدٌ مَّا عَبَدتُّمْ (4) وَلَا أَنتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ (5) لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ (6) }

الخطبة الثانية

الحمد لله الغني الذي لا يحتاج إلى شيء، وكلُّ شيء محتاج إليه، العليم بكل شيء، ولا يعلم شيء بكُنهِه، القدير على كل شيء، ولا شيء يقدر عليه، البعيد عن الأنظار والأبصار، الذي تعرفه القلوب بظهوره الذي تُطيقه الآثار والأغيار.
أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلّى الله عليه وآله وسلم تسليماً كثيراً كثيراً.
علينا – عباد الله الفقراءَ إليه – بتقواه، وانتهاز الفُرصة قبل الغُصَّة، واستثمار المُهلة قبل الرِّحلة. وإنّ أمر القول والفعل لثلاثة: مصلحٌ للعبد مرضٍ لله، مفسدٌ للعبد مغضبٌ لله، خالٍ من النفع والضر، وهو ضياع. وليس عاقلاً من ضيّع عمره، وهدر قيمةَ أيَّامه وطاقته، والسفيه من أخذ بما فيه ضرُّ نفسه، وسخط ربّه، والعاقل الرشيد الرابح من لم يأتِ إلا ما يصلحه، ويرضي خالقه، فلنسأل الله سبحانه أن يصرفنا دائما عما يضرّ أو لا ينفع إلى ما ينفع، وعمَّا لا يحب ويرضى إلى ما يحبّ ويرضى وهو الغني الكريم.
اللّهم صلّ وسلّم وزد وبارك على حبيبك المصطفى خاتم النبيين والمرسلين، وعلى آله الطيبين الطاهرين، واغفر لنا ولإخواننا المؤمنين والمؤمنات أجمعين، وتب علينا إنك أنت التواب الرحيم.
اللّهم اجعل قولنا بما تحب، وعملنا بما ترضى، واجعل أوقاتنا كلّها طاعة لك، وسعياً في سبيلك، وطلباً لمرضاتك، وازدياداً في القربات إليك يا رؤوف يا رحيم.
اللهم صل وزد وبارك على خاتم النبيين والمرسلين، النبي الكريم، الصادق الأمين محمد بن عبدالله وآله الطاهرين، اللهم صل وسلم على علي أمير المؤمنين وإمام المتقين، وعلى فاطمة الزهراء الصديقة الطاهرة المعصومة، وعلى الأئمة الهادين المعصومين: الحسن بن علي الزكي، والحسين بن علي الشهيد، وعلي بن الحسين زين العابدين، ومحمد بن علي الباقر، وجعفر بن محمد الصادق، وموسى بن جعفر الكاظم، وعلي بن موسى الرضا، ومحمد بن علي الجواد، وعلي بن محمد الهادي، والحسن بن علي العسكري، ومحمد بن الحسن المهدي المنتظر القائم.
اللهم صل على محمد وآل محمد، وعجل فرج ولي أمرك القائم المنتظر، وحفَّه بملائكتك المقربين، وأيِّده بروح القدس يارب العالمين.
عبدك وابن عبديك، الموالي له، الممهِّد لدولته، والفقهاء العدول، والعلماء الصلحاء، والمجاهدين الغيارى، والمؤمنين والمؤمنات أجمعين وفِّقهم لمراضيك وسدِّد خطاهم على طريقك.
أما بعد أيها الإخوة الكرام فإلى هذه الكلمات في بعض شؤوننا:
لماذا هذا الربط؟
1. تعمل الصحافة الرسمية عندنا بقوة واستمرار ومنذ عامين على الأقل على الربط المفتعل والمتعمّد بين هذه القضية وتلك القضية، وبين ما يمسّ هذه الساحة ويمس تلك الساحة، وتخلط الأمور خلطاً عجيباً، وتتعدّى من أمرٍ إلى أمر، وكل ذلك في حياكة محكمة تريد أن تتوصل من خلالها إلى أغراض سيئة خبيثة.
‌أ- نجد ربطاً تُصرُّ عليه الصحافة بين إقامة العزاء والخطابة الحسينية في عاشوراء والتنديد بقبائح يزيد في حكمه، وبين كون هذه الممارسات استفزازاً للإخوة السُّنة، وأنها تعني رميهم بأنهم يزيديون، وأنهم يعادون الحسين عليه السلام. نعم تصرّ الصحافة على تحميل هذه الممارسات هذه الدلالات البعيدة عنها.
أسأل: لِكَم سنة أحيا الشيعة في البحرين عاشوراء؟ لكم من عشرات السنين أحيا الشيعة موسم عاشوراء ولم يفهم الإخوة السنة هذه الدلالة في هذه الممارسات على الإطلاق، ولم يدر في خلد الشيعة شيء من هذه الدلالات. وكانت تحصل مظاهر من مظاهر الاشتراك في إحياء مواسم عاشوراء سابقاً بين بعض الإخوة السنة والشيعة.
ماذا يعني هذا الربط؟ يعني تحريضاً يتصاعد يوماً بعد يوم ضدّ العزاء والتعزية، يعني خلق حالة رفض وسخط من الإخوة السنة لموسم عاشوراء، ولهم الحق في ذلك إذا كان العزاء يعني فصلهم عن أهل البيت عليهم السلام. إذا كان إحياء عاشوراء يعني اتهامهم بأنهم ممن يبغضون أهل البيت عليهم السلام فمن حقّهم أن ينهاضوا هذه الشعيرة بكل فاعلياتها. تريد الصحافة أن تقول يا سُنّة أنتم مستهدفون من هذا العزاء والتعزية، فثوروا ضد العزاء والتعزية. وتجدون إصرارا من جريدة الوطن على تركيز هذا الحس.
‌ب- نجد أي حدث سياسي كبيرا كان أو صغيراً ولو كان متعلّقاً بشخص واحد لابد أن يحمل على الطائفية والمذهبية. كلمة يقولها شخص، قد يخطئ خطيب في كلمة، قد يكون حدث سياسي مطلبي في مسألة من المسائل؛ لا يحدث شيء من ذلك إلا ويكون هناك إصرار وإلحاح على أن هذا الحدث ظاهره سياسي أما باطنه فطائفية ومذهبية ومعاداة للإخوة السنّة. تحفيز دائم، إثارة دائمة، صب زيت لإشعال روح الفتنة بين أهل الدين الواحد، والوطن الواحد، واللحمة الواحدة. حالة استنفار دائم للإخوة السنة من هذه الصحافة للتخندق المذهبي وخوض الصراع بين أهل القبلة الواحدة، والمصير المشترك. والمقصود من هذا التخندق المذهبي هو غرض سياسي ترمي إليه هذه الصحافة.
‌ج- نجد صورة أخرى، أي نزاع في الخارج فيه شمّة طائفية يربط بحالة الخلاف السياسي الداخلي، وتحوّل القضية إلى قضية خلاف مذهبي طائفي في الداخل. بعض الملفات السياسية أقدم من بعض الفتن في الساحة الإسلامية وعندما تتحدث عن واحد منها يكون حديثك قائماً على التنسيق مع الخارج، مع لبنان، مع العراق، مع، مع، وقائماً على التآمر على الإخوة السنة في الداخل. هذا عمل صحافي الإخوة السنة بريئون منه، هذه هي ممارسة الصحافة السياسية.
يُطلب منا اليقظة الكبيرة، أن لا نندفع وراء ما تريد الصحافة من استدراجنا له من معاداة الإخوة السنة. وعلى الإخوة السنة من جهتهم، على الشارع السني من جهته أن يعي اللعبة السياسية، وأن نحتفظ جميعاً بالإخوّة الإسلامية قبل الأخوّة الوطنية على لزومها.
وعلى الجميع أن يرفضوا حالة الانجرار لما تخطط له الصحافة السيئة من حالة التصادم والاحتراب.
2. ويراد من الإخوة العلماء والمثقفين السُّنة أن يقولوا للناس كلمةً تحميهم من الوقوع في فخّ التأسيس لعداوات مذهبية طائفية متأصلة في هذا الوطن العزيز.
3. الدور الذي تمارسه جريدة الوطن بصورة مكشوفة ومركّزة ومنذ نشأتها الأولى، دور لا أقول عنه أنه مشبوه، وإنما هو دور تخريبي سافر، وقد استهدفت المجلس الإسلامي العلمائي من أول تأسيسه، وهي بمناسبة وغير مناسبة تنظّم حملاتها ضد هذه المؤسسة، على أن المجلس الإسلامي العلمائي جاء استهدافه في تقرير من تقريري البندر، وعلى الوطن أن تكشف لنا العلاقة بين ما في تقرير البندر من استهداف المجلس الإسلامي العلمائي، وبين استهدافها الخاص المركّز لهذه المؤسسة.
4. الأعلام السوداء في موسم عاشوراء دلالتها واضحة، وكانت منذ قديم، هي شعار حزن وأسى لمصيبة أبي عبدالله عليه السلام، وكلمات الإمام الحسين عليه السلام كلمات لغرس العزة والكرامة في نفوس الأمة، ولإعطائها حالة الصحوة واليقظة ضدّ الانحرافات الداخلية فيها، وحشد همّتها في مواجهة الفساد، وعبارات الرسول صلى الله عليه وآله ليست عبارات الحسين عليه السلام إلا شيء منها. ولم يكن دفع الحسين عليه السلام لإنكار المنكر والأمر بالمعروف أكبر من دفع رسول الله صلى الله عليه وآله، والأئمة عليهم السلام على مثاليتهم ونموذجيتهم التي لا تُلحق إنما هم تلامذة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، والحسين عليه السلام لا يتحدث لخصوص الشيعة، ولا يتحدث عن خصوص السنة، إنه أبٌ من آباء هذه الأمة، إنه إمام الأمة، ويتحدث لكل الأمة، وكل الأمة أبناؤه عليه السلام.
هذه الكلمات لماذا تُعادَى؟ لماذا تُطارَد؟ لماذا تُشن معارك شديدة في الآونة الأخيرة، ومنذ سنتين أو أكثر، ضدّ علم أسود يدل على التفجّع على حادثة كربلاء، وضد عبارة لإمام مشهود له مسلّم الإمامة بين المسلمين جميعاً؟! نسأل: أو نحن نعادي العزة التي يريد غرسها الحسين عليه السلام في نفوس الأمة، نخاف من كلمة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، نريد لهذا الشعب أن يكون ذليلا، نريد لهذا الشعب أن يكون خانعاً، نريد لهذا الشعب أن لا يحمل حسّاً حقوقياً، أن لا يطالب بحقوقه، تلك مآرب سياسية لا يمكن أن يتمشّى معها مطلب الدّين.
كلمات الحسين عليه السلام تُطارد، الكلمات الدينية الأخرى التي تقتبس شيئا من نور كلمات الحسين عليه السلام تُطارد، الأعلام السوداء، اللافتات السوداء تُمزّق، أو تنزع من مواضعها، وصور العاريات تتربّع أمامك في كل شارع وفي كل منعطف!!
أقول: إنه ليجب على هذا الشعب الكريم أن يتمسّك بما هو من شعائر الإسلام والإيمان، بعيدا عن حالات الاستعراض، وحالات الاستفزاز، وحالات التحدي، وهذا أمر مفصول عن حساسية السياسة، ولا يمكن لنا أن نراعي حساسية السياسة، والملابسات السياسية التي تجيء وتذهب، وتهدأ وتثور على حساب دين الله والحكم الشرعي.
الوضع الأمني:
1) تُقوِّمُه أمور، وتُحطِّمه أمور:
من مقوّماته:
العدل، الثِّقة المتبادلة، الحوار الجاد، النظرة الموضوعية البعيدة، عدم تحكيم الانفعال في القرار، اللغة الموزونة.
ومن محطّماته:
الظلم، التصور الخاطئ لطرفٍ أو أكثر مما يهدم الثِّقة، عدم التفكير في العواقب البعيدة، الغرور بالقوة، المبادرة لاستعمال القوة والعنف، الإفراط في استعمال القوة والعنف، اللغة الطائشة والمتشنّجة، تضييق الحريات، ارتجالية المواقف.
هذه الأمور ليست مصنّفة على هذا الطرف بخصوصه أو ذلك الطرف بخصوصه، قد يحدث الخطأ هنا وقد يحدث الخطأ هناك.
2) هذا الطرح – الذي ذكرته من وجود مقوّمات ومحطّمات للحالة الأمنية – يجعل مسألة الوضع الأمني من مسؤولية الجميع، والنظرةُ المنصفة لا يسعها إلا أن تُحمِّل الحكومات – إجمالاً – المسؤولية أولاً، لأن أول ما يقلق المجتمعات هو السياسات المجافية للعدل، منطلق المشاكل هو أن تكون هناك سياسات حكومية مجافية للعدل، مستضعفة للناس، مصادمة لضرورات حياتهم، مناهضة لمقدساتهم وكرامتهم. وهذا لا يعني أن المصلحة الوطنية تحقُّقها مفتوح على كل الوسائل والكلمات عند المعارضة بعيداً عن كل الموازين والضوابط الشرعية والعملية.
إن عملية الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر قد نظّمها الإسلام تنظيماً دقيقاً، وكل آمر بالمعروف وناهٍ عن المنكر عليه أن يبدأ أولاً بالتفقه في هذا الباب تفقهاً دقيقا لئلا يضر أكثر مما ينفع في بعض الأحيان.
3) ولا حل في النظر الموضوعي لرزمة المشكلات وحالات التدهور المخوف إلا عملية حوار جاد هادف مخلص يسلك بالجميع إلى نتيجة التوافق الشامل على مجمل الوضع. وإلا فالساحة ستبقى تتراوح بين يوم هدأة ويوم زلزال إن لم يعصف بها زلزال عنيف لتعيش حالته على طول الخط.
اللهم صل وسلم وزد وبارك على حبيبك المصطفى محمد وآله الطيبين الطاهرين، واغفر لنا ولإخواننا المؤمنين والمؤمنات أجمعين، وتب علينا إنك أنت التواب الرحيم.
اللهم اجعلنا من أهل الخير، والداعين إليه، والبريئين من الشر المحذِّرين منه. ربنا أصدق منا القول والعمل، وارزقنا طهر الداخل والخارج، وأبعدنا عن النفاق والرياء والعجب، وما يفسد على أهل الطاعة طاعتهم يا عظيم المنِّ يا رحيم يا كريم.
{إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاء ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ}(4)
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 – 35،36/ الطور.
2 – السجف: الستر.
3 – نهج السعادة، ج3 ص356.
4 – النحل/ 90.

زر الذهاب إلى الأعلى