خطبة الجمعة (272) 27محرم الحرام 1428هـ – 16 فبراير 2007م

مواضيع الخطبة:

متابعة موضوع التوحيد + اتفاق مكة المكرَّمة + ذكرى القبّة النوراء + ثورة إسلامية بحق + ترحيب

تعالوا يا إخوة الإسلام والوطن لنحمّل أنفسنا جميعاً مسؤولية هذا التمزُّق بين الطائفتين الكريمتين، وواجب التصحيح لهذا الوضع السيء، ورتق هذا الفتق الذي إن توسّع وسبّب تفجر الوضع الاجتماعي في هذا البلد الكريم دمّره بالكامل.

الخطبة الأولى

الحمد لله خالق الشّيء من لا شيء، الذي لا يعجزه شيء، وليس له شبيهٌ من شيء، وكلُّ شيء مفتقر إليه، وهو الغنيُّ عن كلّ شيء.
أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أنَّ محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وآله وسلم تسليماً كثيراً كثيراً.
عباد الله علينا ونحن الفقراء إليه بتقواه؛ فليس للمخلوق أن يستكبر على الخالق، ولا للمرزوق أن يتنكر لحق الرازق، ولا للمسترفد وجوده وحياته أن يُشيح بوجهه عن الرَّافد، وليس مَن حقيقته في نفسه الفقر والحاجة والمسكنة، وشأنه الاستعطاء والاستجداء أن يُكابر الغنيَّ الذي لا غنيَّ غيره، والمُعطيَ الذي لا معطيَ سواه، والمعاقِبَ والمثيبَ الذي لا يُردّ عقابه، ولا يُحجب ثوابُه.
نسأل الله الكريم أن يُعرِّفنا حقّه، ويوفّقنا لطاعته، ويرزقنا تقواه، ويكرمنا بقربه ورضاه.
نستغفرك اللهم لنا ولإخواننا المؤمنين والمؤمنات أجمعين يا توَّاب يا رحيم يا كريم.
اللهم صلِّ وسلِّم على عبدك المصطفى محمد بن عبدالله خاتم النبيين والمرسلين وآله الطاهرين.
أما بعد أيها الأعزاء من الإخوة والأخوات الكرام في الإيمان فلا زال الحديث متابعة لموضوع التوحيد، استفياءً بنصوص من الكتاب الكريم والسنة المطهّرة:
قوله تعالى:{وَفِي خَلْقِكُمْ وَمَا يَبُثُّ مِن دَابَّةٍ آيَاتٌ لِّقَوْمٍ يُوقِنُونَ}(1).
آياتٌ لا تُحصى، ولا يملك لها إنسان عدّا في أصل الخلق، في انبثاقة الخلق من رحم العدم، إن كان للعدم رحم، في دقائق كل مخلوق، وعجائب تركيبه، ولطائف أجهزته، وتناسق وجوده مع غايته، وتناسب صنعه مع وظيفته، وعلاقات ذرّاته وخلاياه وأعضائه وأجهزته وجميع مؤلِّفاته، وتكامل دوره مع أدوار المخلوقات الأخرى، وما يعجُّ به كل جزء من أجزائه، وكل جنبة من جنباته من أسرار علمية دقيقة، ومخزون هائل من روائع النظام والصنع.
كم من نوع دابّة، كم من صنف دابة، كم من أفراد دابّة تدبّ على وجه الأرض وفي الثرى تغنى بدرجة من الإدراك والشعور، وفطرة التدبير، والقدرة على السعي المخطَّط للرزق، والقيام بالدور الذي أُعدِّت له، والتوجّه إلى الغاية التي كانت من أجلها، وقد جُهّزت بكل ما له دخل في أداء وظيفتها، والانتهاء بها إلى غايتها، وإتقان ما يتطلّب أمر النظم منها. وأُعطيت من جهاز الدفاع للأعداء عن نفسها، والحماية من الأخطار ما يتناسب معها، ويحافظ عليها إلى ساعة أجلها، على حدّ ما هو شأن المخلوق العظيم وهو الإنسان…كم من هذا كلّه، ومن أسرا الخلق الأخرى مما لا يُحصى، ويُذهل العارفين علمُه؟!
فآيات الخلق للإنسان، وما يدبّ على وجه الأرض وفي تربتها مما ليس له عدّ تُغذّي العقول بالمعرفة، وتوفّر للقلب اليقين، وهي ميسّرة لنظر العقول، وفقه القلوب على تفاوت أقدارها، وهي كافية لتأكيد قضية الإيمان وترسيخها، والشرط الوحيد لذلك أن لا يفسد الإنسان قلبَه، ويعكِّر صفوه، وينتهي به إلى طمس فطرته بسوء اختياره حتى يفقد القلب قابلية الاستيقان بأوضح الحقائق وألمعها وأقواها مستوى في الظهور.
{لِّقَوْمٍ يُوقِنُونَ} حافظوا على قابلية الإيقان، أبقوا من ذواتهم استعداد كسب اليقين، لم يسدّوا كل منافذ القلوب والضمائر والوجدان حتّى يحجبهم ذلك عن نور الإيمان، وعن حلاوة اطمئنان اليقين.
ويقول سبحانه:{إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ…. لآيَاتٍ لِّأُوْلِي الألْبَابِ}(2) وكل يوم يكتشف العلم جديداً من أسرار خلق السماوات والأرض، وتتجلّى له في مطالعاته آيات تذهل العقول، وتضطرها إلى الإذعان بعظمةٍ فوق التصوُّر لما خلق الله تبارك وتعالى، وإن كانت هذه القلوب، وإن كانت هذه العظمة لا تُمثّل إلا الانعكاس المحدود لعظمة الخالق التي لا يحدّها حد، ولا تقف عند نهاية على المخلوق المحدود، وكل ما اكتشفه الإنسان إلى اليوم، وما سيُضاف إلى ذلك من اكتشافات لأسرار الكون في جولة الحياة لهذه الإنسانية إنما هو القليل الضئيل بالقياس إلى ما يغنى به الكون من أسرار {وَمَا أُوتِيتُم مِّن الْعِلْمِ إِلاَّ قَلِيلاً }(3).
ويبقى أن نفوذ أضواء الهداية لهذه الآيات إلى الوجدان، واكسابها اليقين بقضية الإيمان مشروطاً بأن يحتفظ الإنسان بكونه من أولي الأباب الحيّة الفاعلة غير المغلوبة للهوى، المحجوبة برينها عن النور، المعطّلة بمعاصي النفوس عن الإبصار.
علينا أن نوفّر هذا الشرط، أن لا نفسد الفطرة، أن لا نأتي على معالم النور في داخلنا، على قابلية امتصاص النور في داخلنا.
والآن مع شيءٍ من الحديث المعصومي لإيقاظ فطرة التوحيد في داخل النفوس، والتي كثيراً ما تشوِّش عليها أوضاع السياسة الظالمة، والإعلام المضلِّل، والإلهاء والإغواء، والتزوير والعمليات المتعمّدة لصرف النظر عن الربّ إلى المربوبين، وعن الخالق إلى المخلوقين، وإلى العبيد عن المعبود.
نقرأ في هذا المجال هذا النص:”(كان كثيراً ما يقول – أمير المؤمنين عليه السّلام – إذا فرغ من صلاة الّليل) أشهد أنّ السّماوات والأرض وما بينهما آيات تدلّ عليك، وشواهد تشهد بما إليه دعوت(4)، – ثم يقول عليه السلام: بعد أن أعطى السماوات والأرض الدلالة على الله – كلّ ما يؤدّي عنك الحجّة ويشهد لك بالرّبوبية، موسوم بآثار نعمتك ومعالم تدبيرك…”(5) فالدلالة أصلاً ليست للسماوات والأرض، إنما الدلالة أصلاً منك عليك، وأنت المتجلّي الحق الذي أعطى السماوات والأرض شيئاً من درجة التجلّي، فهي التي ظهرت بك، وليس أنت الذي ظهرت بها.
ويقول عليه السلام:”بصنع الله يستدلّ عليه(6) وبالعقول تعتقد معرفته(7)، وبالفكرة تثبت حجّته(8)، وبآياته احتجّ على خلقه”(9).
“عن أبي الحسن عليّ بن موسى الرّضا عليهما السّلام: أنّه دخل عليه رجلٌ فقال له: يا بن رسول الله ما الدّليل على حدوث العالم؟ فقال: أنت لم تكن ثم كنت، وقد علمتَ أنّك لم تكوّن نفسك(10)، ولا كوّنك من هو مثلك”(11).
لماذا أنت عجزت عن تكوين نفسك وأنت أولى بأن توجد نفسك؟ أليس لأنك ممكن؟ إذاً كل الممكنات ينسحب عليها استحالة أن تكوّنك من موقع إمكانها. والإمكان حظّ كل ما عدا ومن عدا الله، والإمكان هو معنى أن الذّات واقفة بلحاظ ذاتها في نقطة وسط بلا أدنى ميلٍ من داخل ذاتها بحيث لا مقتضي لها لعدم ولا وجود، فضلاً عن فاعلية الوجود والعدم.
“في قوله تعالى:{ مَن كَانَ فِي هَـذِهِ أَعْمَى فَهُوَ فِي الآخِرَةِ أَعْمَى}(12) يعني أعمى عن الحقائق الموجودة”(13).
والظاهر أن هذا هو العمى في الدنيا، والذي يستتبع عمى آخر في الآخرة، وهو العمى عن مسالك السعادة وصراط الجنة.
اللهم صل على محمد وآل محمد، واغفر لنا ولإخواننا المؤمنين والمؤمنات، والمسلمين والمسلمات أجمعين، وتب علينا إنك أنت التواب الرحيم.
اللهم أتمم لنا نورنا، وأكمل لنا إيماننا، واجعلنا من صادقي اليقين، وخُلّص المتقين، وسعداء الدنيا والممات ويوم الدين برحمتك يا أرحم الراحمين.
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
{قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ (1) اللَّهُ الصَّمَدُ (2) لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ (3) وَلَمْ يَكُن لَّهُ كُفُواً أَحَدٌ (4)}

الخطبة الثانية

الحمد لله الذي أحكم الخلق، وقدَّر الرزق، وكتب الآجال، ويحفظ الأعمال، ويعفو عن السيئة، ويضاعف الحسنة، وإذا عاقب عاقب عدلاً، وإذا أثاب أثاب جزيلاً.
أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلّى الله عليه وآله وزادهم تحية وبركة وسلاماً.
أوصيكم عباد الله ونفسي الأمّارة بالسوء بتقوى الله، والتخلّي عما عليه المبطلون والمُفسدون، والتحلِّي بما عليه المحقّون والصالحون؛ فإن المسافة قصيرة، والغاية قريبة، والمغرورُ من خدعه ظنّ البقاء، أو وَهْمُ أنه سيهمل، أو أن عذاب الإساءة عند الله قد يطاق.
رحمنا الله برحمته، ووقانا عذابه، وأذهب عنا كيد الشيطان الرجيم، ونصرنا على النفس الأمّارة بالسوء. اللهم اغفر لنا ولإخواننا المؤمنين والمؤمنات أجمعين، ونجّنا من مضلاّت الفتن، وسدّ عنا أبواب الذّل والهوان والخزي والضعف والهلكات، وأنت أرحم الراحمين.
اللهم صل وزد وبارك على حبيبك المصطفى محمد بن عبدالله خاتم النبيين و المرسلين، وعلى علي أمير المؤمنين وإمام المتقين، وعلى فاطمة الزهراء الصديقة الطاهرة المعصومة، وعلى الأئمة الهادين المعصومين: الحسن بن علي الزكي، والحسين بن علي الشهيد، وعلي بن الحسين زين العابدين، ومحمد بن علي الباقر، وجعفر بن محمد الصادق، وموسى بن جعفر الكاظم، وعلي بن موسى الرضا، ومحمد بن علي الجواد، وعلي بن محمد الهادي، والحسن بن علي العسكري، ومحمد بن الحسن المهدي المنتظر القائم.
اللهم صل على محمد وآل محمد، وعجل فرج ولي أمرك القائم المنتظر، وحفَّه بملائكتك المقربين، وأيِّده بروح القدس يارب العالمين.
عبدك وابن عبديك، الموالي له، الممهِّد لدولته، والفقهاء العدول، والعلماء الصلحاء، والمجاهدين الغيارى، والمؤمنين والمؤمنات أجمعين وفِّقهم لمراضيك وسدِّد خطاهم على طريقك.
أما بعد أيها المجتمع المؤمن الكريم فإلى عدد من القضايا:
اتفاق مكة المكرَّمة:
1. لا شك في أن اتفاق مكّة المكرَّمة بين فتح وحماس لابد أن يكون مناسبة سعيدة سارة للشعب الفلسطيني وللأمة الإسلامية بكاملها من جهة إنهاء الاقتتال بين الإخوة في الإسلام والوطن، ووقف نزيف الدم الحرام في الشريعة المقدَّسة، والتخلص من حالة الضعف والتمزّق والاهتراء التي تطمع الإسرائيليين في المزيد من إذلال الشعب الفلسطيني، والهيمنة على حاضره ومصيره، وسحقه.
2. ثم إنه يُتمنى صمود هذا الاتفاق وتجاوزه كل العقبات على المستوى النفسي، ومستوى المصالح الضيقة، وروح الثأر، والتحديات العملية، ومحطات الاختلاف.
كما يُتمنّى أن تكون القضية الفلسطينية هي الرابح الأول من هذا الاتفاق، لا أن تخسر صمودها وصدقها ومبدئيتها، وتكون المصالحة مدخلاً للهيمنة الأمريكية والإسرائيلية على الواقع الفلسطيني عن الطريق السهل المفروش بالرياحين، أوتكون تهدئة وقتية وتجميداً مؤقتا لجبهة إسلامية داخلية نازفة للتفرغ إلى فتح جبهة أخرى داخل الجسم الإسلامي هي أوسع نزفاً وحرقاً وتدميراً.
3. ثم إن الاتفاق ليدلل على أنه لا ينبغي اليأس من فاعلية الحوار في الكثير الأكثر من الأحيان والقضايا، وفي أصعب الظروف، وحالات الصراع فضلا عن الاختلاف والخلاف العادي في الساحات المتعددة، ومن ذلك الساحات المتأجّجة أو التي هي على طريق الاشتعال كالساحة العراقية، والساحة في لبنان.
4. ثم إن على الذين يصبّون الزيت على وقود الصراعات والخلافات في الساحات الإسلامية أن يتعلّموا أن خلق أجواء الحوار والتشجيع عليه والدفع في اتجاهه أرحم بالصديق الذين يرونه صديقاً من بين أطراف الصراع، وهو أرضى لله عزّ وجلّ وأجمع لهذه الأمة، وأقوى لشوكتها، وفيه استجابة لدعوة الله عزّ وجلّ بالصلح بين المؤمنين.
5. وإن الصلح بين الفصيلين المهمين من الفصائل الفلسطينية ليس مناسبة على الإطلاق للسكوت على جرائم الصهاينة المرتبطة بالحفريات المضرة بحرمة المسجد الأقصى، والتعدي عليه وعلى كرامة الأمة وهيبتها وعزّها.
فعلى الفلسطينيين وعلينا أمة الإسلام جميعاً أن نقف بقوة في وجه الغطرسة الإسرائيلية الصهيونية لمنع هذا العدوان. وشعبنا الأبي في بحرين الإسلام لابد أن يقف وقفة غضب صارم مشاركاً أمته الكريمة في إحباط العدوان الإسرائيلي الغاشم.
ذكرى القبّة النوراء:
ذكرى تفجير قبّة العسكريين عليهما السلام تثير أسى الحادث من جديد، وتذكِّر بدلالاته المرة القاسية.
في التفجير:
1. جهل بمقام أهل البيت عليهم السلام الذين أوصى بهم الله ورسوله صلى الله عليه وآله وسلم، أو تجاهلٌ لذلك المقام الرفيع عند الله سبحانه، كما يتّضح ذلك من كتاب الله وسنة رسوله المصطفى صلّى الله عليه وآله وسلم.
2. إطلاق شرارة فتنة طائفية لحرق العراق، واقتتال المسلمين بعضهم مع بعض. وقد تصاعدت الخسائر البشرية من المسلمين جميعاً في العراق بفعل الحادث كما هو جليٌّ لكل مطالع.
3. إعطاء مبرر للعدو الأجنبي الغازي الأمريكي والإنجليزي وغيرهما بتثبيت قدمه في العراق، وعدم مغادرة أرضه الطيبة بحجة الحفاظ على الأمن.
4. العصبية العمياء للرأي الاجتهادي، وتحكيم الرأي الشخصيّ على كل الساحة الإسلامية بغير حق، ومصادرة حق الاجتهاد السويّ للآخرين.
5. فتح الضوء الأخضر لكل جهلة الأمة من كل المشارب بالتعدي على المقدسات الدينية للطرف الآخر.
6. إعطاء برهان عمليٍّ للشعوب والأمم الأخرى على همجية المسلمين التي تنسحب في رأي الآخرين على الإسلام وهو بريء منها.
كل ذلك يعطي الذكرى الأليمة المفجعة طعم الحنظل والعلقم في نفوس الصالحين من المسلمين جميعاً، ويفرض عليهم إنكار هذه الجريمة الشنعاء وأمثالها وأشباهها. فأي تعدٍّ على مقام لولي كريم، أو مسجد من مساجد المسلمين، أو حسينية من حسينياتهم لابد من إدانته لأنه يستهدف ضمير المؤمنين، ومكانة الدين، وأمن المجتمع المسلم كله.
ثورة إسلامية بحق:
‌أ- متى تكون الثورة، متى تكون الانتفاضة، متى تكون الحركة، متى تكون الدولة إسلامية؟
‌ب- ثم متى تكون القيادة إسلامية؟
1. تحدث في عالمنا الكبير ثورات، انتفاضات وحركات تستهدف لوناً من التصحيح، الإصلاح، التغيير، وتنطلق من ضغط ظالم، وظروف سيئة، ويكون لهذه الثورات خط من صواب أو خطأ، وعدل أو ظلم، واستقامة أو انحراف.
وتحدث في عالمنا الإسلامي ثورات، وانتفاضات وحركات منها المنتسب للإسلام، والمنتسب لغيره.
وقد يكون لما انتسب للإسلام منها منطلق إسلامي، أو صبغة ما إسلامية، أو إيمان إجمالي بالإسلام، أو استئناسٌ به، أو تُحاول الاستفادةَ من الانتساب إليه.
وقد تؤدي الحركات الأولى أو الثانية إلى بعض الإصلاحات والتعديل في هذا الوضع أو ذاك، وتسترد بعض الحقوق، وتختلط نتائجها من السلب والإيجاب بالنسبة لما هي المصلحة الحقيقية للإنسان ومجتمعه بالقياس إلى أهدافه النبيلة الكريمة المنسجمة مع الغاية الصدق التي ينبغي أن يكون تحرُّكه الحضاري على مسارها كما هو في رأي الإسلام.
أما الثورة الإسلامية، والحركة الإسلامية التي يصدق عليها هذا العنوان بحق فلها شروطها الخاصة بحيث تكون إسلامية حقّاً منطلقاً ورؤية وهدفاً وأخلاقية وأسلوباً ومعالجةً ومنهجاً وخضوعاً لأحكام الإسلام وتشريعاته في كل كبيرة وصغيرة تواجه الحركة، الثورة، الانتفاضة على الطريق الطويل الشائك.
والثورة الإسلامية التي فجّرها الإمام الخميني (ره) حقيقة بهذا العنوان بصدق بلحاظ كل المقوِّمات السابقة.
2. ثم إنه لا يتم صدق الثورة الإسلامية والحركة الإسلامية، ما لم تكن القيادة قيادةً إسلامية واقعاً؛ وصدق عنوان القيادة الإسلامية متوقف على شروط لابد من تحققها الخارجي:
‌أ- وضوح فكري للإسلام في تركيبته العامة، وروحه، ومقاصده، ورؤيته.
‌ب- إيمان عميق ثابت بالإسلام وقدرته على الإنقاذ، وحقّانيته التي لا غبار عليها.
‌ج- فقه أحكامه(14) وتشريعاته بما في ذلك تشريعات الحياة العامة للمجتمع وحركة الحياة خاصَّة.
‌د- التقوى العملية الرادعة عن مخالفة الشريعة في مضائق الأمور، ومزالق الأقدام.
‌ه- كفاءة الخبرة والعلم بالمكان والزمان.
‌و- الكفاءة النفسية، والإرادة الإيمانية المتطلِّبة عدم الضاغط المعطِّل أو المعرقل من صفتين خطيرتين على النفس في هذا المجال: الجبن والتهوُّر.
‌ز- التواضع أمام علم الآخرين وخبرتهم إلى حدّ التنازل عن رأي القيادة وإن كان معلناً، مع احترام القيادة لما هي عليه من علم وخبرة. والشرط الأخير وارد في حق غير المعصوم عليه السلام.
وإذا كانت القيادة الإسلامية في درجتها المثالية إنما تتجسّد في المعصومين عليهم السلام فحسب، فإنها متجسدة بحق وصدق بدرجة عالية كافية في الإمام الخميني (رض) وبلحاظ كل تلك الأمور. وهو الشيء الذي أعطى قيادته الاستقطاب الكبير للمستضعفين والمحرومين والوعاة المنصفين، وأتعب بها الطغاةَ المستكبرين.
أما عن أثر الثورة الإسلامية المباركة على يد الإمام الخميني (أعلى الله مقامه) فإنها أعطت بعثاً جديداً للإسلام والأمة على مستويات؛ على مستوى الروح، والإرادة الإيمانية الروحيَّة، وصحوة الفكر الإسلامي، والتفتُّح الفقهي الميداني العام، والثقة العالية بالنفس عند الإنسان المسلم والمجتمع المسلم، والحميَّة والغيرة على الدين، والأمة، والوطن الإسلامي الكبير، وهيبة الدين والأمة في صدور الأعداء، وعزة وكرامة الإنسان المسلم، واستيقاظ روح البذل والتضحية والجهاد، والوعي الحقوقي لأبناء الأمة، والإيمان بقضية التغيير، وفرض الدولة الإسلامية المباركة واقعاً حيّاً، ومثالاً كريماً، ومنارة مضيئة في الأرض.
ترحيب:
أُرحِّب ترحيباً حارّاً جادّاً كثيراً بالكلمة العاقلة الحكيمة المخلصة للأخ سماحة الشيخ عبداللطيف المحمود التي قرأتُها منقولة من جريدة الوقت الصادرة في اليوم الثالث عشر من الشهر الشمسي الجاري (13/2/2007م)، وهي نسمة في صحراء السموم المحرقة التي تلهبها الصحافة الطائفية في بلدنا، وكأنها تستهدف حرق هذا البلد الطيب وأهله.
والكلمة شمعة تضيء طريق ضالين كثيرين قد يبحثون عن الحقيقة، ونداءٌ خيِّرٌ يستهدف إحياء القلوب، وهي صرخة حقّ وإخوّة تستهدف خير هذا الوطن، والتأكيد على الإخوّة الإسلامية الإيمانية التي يجب أن تتجلّى في الموقف الموحّد في كل قضايانا وأزماتنا العملية محل الشتات.
كلمة تبحث عن أذن واعية، وقلب يفقه الحق ويقبله، كلمة وحدوية أقف معها بكل قوة وتأكيد.
وأقول: تعالوا يا إخوة الإسلام والوطن لنحمّل أنفسنا جميعاً مسؤولية هذا التمزُّق بين الطائفتين الكريمتين، وواجب التصحيح لهذا الوضع السيء، ورتق هذا الفتق الذي إن توسّع وسبّب تفجر الوضع الاجتماعي في هذا البلد الكريم دمّره بالكامل. تعالوا نقطع الطريق على حملة المعاول لتحطيم الأمة قبل فوات الأوان، وشقّ الفأس للرأس.
اللهم صل وسلم وزد وبارك على محمد وآل محمد، واغفر لنا ولإخواننا المؤمنين والمؤمنات أجمعين، وتب علينا إنك أنت التواب الرحيم.
اللهم إنّا نرغب إليك في دولة كريمة تعزّ بها الإسلام وأهله، وتذل بها النفاق وأهله، وتجعلنا فيها من الدعاة إلى طاعتك، والقادة إلى سبيلك ياكريم. اللهم إنا نبرأ إليك مما يعمل المبطلون في الأرض، وينشرون من الفساد، فلا تعمُّنا بعذابهم إذا حلَّ عليهم سخطك العظيم يا روؤف يا حنّان يا رحيم.
{إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاء ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ}

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 – 4/ الجاثية.
2 – 190/ آل عمران.
3 – 85/ الإسراء.
4 – دعوت من الإذعان لقضية التوحيد، وإخلاص العبودية لك وحدك لا شريك له.
5 – شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد/ ج20 ص255.
6 – بصنعه بما هو صنعه.
7 – وكما أن الصنع صنعه، فإن العقول من عنده ومن فيضه. فالجميل كله له، والدلالة إنما هي قائمة به.
8 – يأتي دور المنطق العقلي المتقدم، للاستفادة فوق ما عليه نور الفطرة من آيات الأنفس والآفاق.
9 – المصدر نفسه.
10 – والمكابرة في هذا المجال لا أظنّ أن أحداً يرتكبها فيدّعي أنه هو الذي كوّن نفسه.
11 – المصدر نفسه.
12 – 72/ الإسراء.
13 – المصدر ص 108. عن الإمام الرضا عليه السلام.
14 – القيادة بلا فقه، لا يمكنني أن أسميها قيادة إسلامية.

زر الذهاب إلى الأعلى