خطبة الجمعة رقم (254) 19 شهر رمضان المبارك 1427هـ – 13 أكتوبر 2006م

مواضيع الخطبة:
حديث حول الولد + في ذكرى استشهاد الإمام علي (ع) + المقاطعة والمشاركة في الانتخابات النيابية والبلدية

 

دعوتنا دعوة المجلس العلمائي هي دعوة لكتلة انتخابية واحدة ولكن من عناصر كفوءة ومؤمنة، من عناصر مختارة بعناية، ومن أجل الله والمجتمع المسلم ورعاية لحق الوطن.

 

الخطبة الأولى

 

الحمد لله العلي العظيم الذي لا يعلو علوّه أحد، ولا تشبه عظمته عظمة، لا يفرض شأن عالٍ إلا وشأنه هو الأعلى، ولا عظمة رفيعة إلا وعظمته أرفع، لا يلحق جماله جمال، ولا يبلغ جلاله جلال، وليس مثل كماله المطلق كمال.
أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله صلى الله عليه وآله وسلم تسليماً كثيراً كثيراً.
عباد الله وإماءه المخلوقين بقدرته، الراجعين إليه علينا بتقوى الله، والانتباه إلى ما يستقبلنا من أمر القيامة، وما نقدم عليه من عظيم خطرها إذا فرّطنا، ولنسمع إلى عليٍّ عليه السلام وهو يستثير فينا العقل والدين، والشفقة على النفس، إذ يقول فيما أتى عنه “ألا مستيقظ من غفلته قبل نفاد مدّته؟!!”(1)، “ألا منتبه من رقدته قبل حين منيته؟!!”(2) ولا غفلة أفتك بصاحبها، وأشد إضراراً وأبقى أثراً سيئاً من غفلة العبد عن الله واليوم الآخر، فبينما هو غافل مشتغل بلهوه ولعبه وإذا به قد أُفرد في حفرته، وانقطع من الدنيا عمله، وساءت خاتمته. أعاذنا الله وإخواننا المؤمنين والمؤمنات من سوء الخاتمة، وخسران المنقلب، وغفر لنا ولوالدينا ولهم ولكل من أحسن إلينا إحساناً خاصا من مؤمن ومؤمنة، ومسلم ومسلمة، وجنّبنا خزي الدنيا والآخرة وعذابهما، وهو أرحم الراحمين، وصل الله على محمد وآله الطاهرين.
أما بعد أيها الإخوة والأخوات في الإيمان فالحديث في موضوع الولد:
تقول الكلمة عن الباقر عليه السلام:”من سعادة الرّجل أن يكون له الولد يعرف فيه شبهه: خَلقه، وخُلقه، وشَمائله”(3).
في هذا المورد يشعر الرجل بامتداد من امتداده بعد حياته، وأن شخصه كأنه لم يمت، وبذلك تدخل السعادة عليه، وإذا كان خلقه الخلق الكريم، وشمائله طيبة، والولد مثله فهو ولدٌ قرّة عين.
“من سعادة الرّجل أن يكون له ولد يستعين بهم”(4).
الولد الصالح جند لأبيه، وجند لدينه، وجند لأمته. والولد غير ذلك عدوّ حتى لنفسه فضلاً عن أبيه والآخرين. فالاستعانة إنما تكون بالولد الصالح.
وفي الآية الكريمة عن هؤلاء الأولاد الأعزّاء {وَاعْلَمُواْ أَنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلاَدُكُمْ فِتْنَةٌ }(5).
الفتنة قد يخرج منها الإنسان بنجاح، وقد يُخفق في هذا الامتحان، الفتنة بمعنى الامتحان، والامتحان قد ينجح فيه المرء وقد يسقط، فالمرء الذي لا يُرزق ولداً يكون قد كُفّ فتنة، والمرء الذي يُرزق الولد يكون قد رُزق نعمة وهي فتنة، فكما أن المحن فتنة فإن النعم فتنة، أي كل منهما اختبار، والفتنة تحتاج إلى عقل ودين وإرادة ليمرّ الإنسان من خلالها بنجاح وعودٍ أصلب.
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُلْهِكُمْ أَمْوَالُكُمْ وَلَا أَوْلَادُكُمْ عَن ذِكْرِ اللَّهِ}(6).
ليس أقرب للمرء من ولده، ولكن الله عزّ وجل فيما ينبغي عقلاً، وفيما ينبغي ديناً، وفيما ينبغي مصلحة يجب أن يكون هو الأقرب إلى قلب المرء من كلّ أحد. وحيث يستبدّ الولد بالقلب، ويصرف عن الله، أو يقود حبّه والده إلى التسامح في حق الله فإن هذا الولد يكون من أسباب الخسار، والمسيء للتصرف في حق نفسه إنما هو الأب قبل الولد.
ذكر الله هو الأول، ذكر الله الذي تقوم عليه المشاعر، وذكر الله الذي تقوم عليه المواقف، وذكر الله الذي تقوم عليه العلاقات قبل ذكر الولد، قبل ذكر الوالدين، قبل ذكر أي أحد.
صاحب القرار في حياة المرء العاقل هو ذكر الله، وذكر الله في قلبه مقدّم على أي ذكر.
يصغر ذكر الولد ويتلاشى، ويصغر ذكر الأب ويتلاشى، ويصغر ذكر الأم ويتلاشى، ويصغر ذكر كل الآخرين ويتلاشى أمام ذكر الله في قلب المؤمن.
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ وَأَوْلَادِكُمْ عَدُوّاً لَّكُمْ فَاحْذَرُوهُمْ}(7).
ولد يزلّ بقدم والده عن طريق الجنة إلى النار ما أشدّ عداوته، وزوجٌ أو زوجةٌ يكون أحدهما سبباً لانحراف الآخر ما أشدّ عداوته، أول عدوّ لك وأكبر عدو لك من مال بك عن طريق الله ولو قليلاً. وقد نصنع بإرادتنا من الولد عدوّاً لنا ذلك بأن لا نربّيه التربية الإيمانية الصحيحة.
وفي الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وآله:”أولادنا أكبادنا، صغراؤهم أمراؤنا(8)، كبراؤهم أعداؤنا(9)، فإن عاشوا فتنونا(10)، وإن ماتوا حزنونا”(11).
فإن عاشوا فتنونا ربما بمعنى أنهم انصرفوا بنا، مالوا بنا قليلاً عن خط الله عزّ وجل من خلال الحبّ لهم ودلالهم، فبذلك يكونون فتنة مهلكة، وإن ماتوا حزنونا، ومن بعث في قلبك الحزن كان بمنزلة العدو، فهذه العداوة التي يذكرها الحديث يراد بها هذا الحزن أو على تلك الفتنة.
“الولد مجبنة مبخلة محزنة”(12).
مبعث للجبن في قلب الوالد، للبخل في قلب الوالد، للحزن في قلب الوالد، يمتنع عن الإنفاق لحساب ولده، ويجبن عن القيام بدور الجهاد خوفاً على أن يخلّف ولداً يتيماً، والولد محزنٌ كلّما أصابه سوء.
فالأحاديث تريد أن تقول أن النعم في الدنيا ليست خالصة، وأن في كل نعمة فتنة، فعلينا أن نقف الموقف الرشيد من كل نعمة كما نقف الموقف الرشيد من كل محنة.
“لا تجعلنَّ أكثر شُغُلك بأهلك وولدك(13): فإن يكن أهلك وولدك أولياء الله، فإنّ الله لا يضيّع أولياءَه، وإن يكونوا أعداء الله فما همّك وشُغُلك بأعداء الله”(14).
اعطِ من قلبك شفقة ورحمة لأهلك، واعط من وقتك وقتاً لإصلاح شأن أهلك، وارعَ أهلك لأنك أول مسؤول عن رعايتهم بعد الله سبحانه وتعالى، لكن لا تكن بكلّك لأهلك لتنسى الله، ولتنسى واجبك الاجتماعي، ومسؤولياتك الرسالية، وإن كانت شفقتك على أهلك بالغة فاعلم أنهم إن كانوا أولياء الله وهم يستحقون العناية والرعاية فإن الله يرعاهم قبلك، أما إن كان الأهل والولد من أعداء الله فكيف يستحق عدو الله أن يشغلك عن الله؟!
وربما انصرف ذهن البعض إلى أن الولد ليست له المنزلة الكبيرة، وربّما يداخل البعض الوهمُ بأن ليس للولد حقٌّ كبيرٌ، والأمر ليس كذلك.
“إنّ رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم خرج على عثمان بن مظعون ومعه صيٌّ له صغير يلثمه، فقال: ابنك هذا؟ قال: نعم، قال: أتحبّه يا عثمان؟ قال: إي يا رسول الله إنّي أُحبّه!.
قال: أفلا أزيدك له حبّاً؟ قال: بلى، فداك أبي وأُمّي!(15) قال: إنّه من يُرضي صبيّاً صغيراً من نسله حتّى يرضى ترضاه الله يوم القيامة حتّى يَرضى”(16).
ترضي صبيّك بالحق، وبما يُصلحه، وبما لا يثلم دينك، ولا ينحرف به تلقى جزاء ذلك أن يرضّيك الله يوم القيامة وما أكبره من جزاء!!
إنها النبتة الصغيرة التي إذا رُعيت الرعاية الكبيرة، وأُعطيت من الهم ما يكفي لتنميتها التنمية الصالحة أعطت مؤمناً فذّاً، ومصلحاً كبيراً، ورجلاً ذا دورٍ ضخمٍ إيجابي في هذه الحياة.
“إنّ الله ليرحم العبد لشدّة حبّه لولده”(17).
“من قبّل ولده كتب الله له حسنة، ومن فرّحه فرّحه الله يوم القيامة، ومن علّمه القرآن دُعي بالأبوين فيُكسيان حلتين يضيءُ من نورهما وجوه أهل الجنّة”(18).
التثقيف الإسلامي، التربية الإسلامية، الهدى الإسلامي، الصيانة الفكرية المبكّرة للولد، وضعه على خط الله تبارك وتعالى، تزويده بالزّاد الثقافي والفكري والإيماني الذي يحميه من الهجمة الشرسة والغزو الفكري الظالم؛ أمرٌ من واجب الآباء والأمهات ولا فكاك من هذا الواجب.
“جاء رجل إلى النبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم فقال: ما قبّلت صبيّاً قطّ فلمّا ولّى قال رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم: هذا رجل عندي أنّه من أهل النّار”(19).
طبيعة هذا السلوك طبيعة سلوك أهل النار، هذا السلوك إذا استبدّ وتركّز واستولى على ضمير صاحبه، وعلى قلب صاحبه، وخلق جفوة وقسوة سارية في سائر مسارب الحياة ودوربها فإن مآل صاحبه إلى النار. هذا السلوك ما لم يُكفّر عنه، وما لم تكن حسناتٌ تغلبه وتكبره فإنّه يقود صاحبه إلى النّار.
اللهم صل على محمد وآل محمد، واغفر لنا ولإخواننا المؤمنين والمؤمنات أجمعين، وتب علينا إنك أنت التواب الرحيم.
اللهم أحينا حياة طيبة، واجعل لنا خلفا صالحا، وهب لنا منزلة كريمة عندك، وآونا في الآخرة مع رسلك وأوليائك من أهل جوارك وقربك ورحمتك وكرامتك يا أرحم الراحمين.
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
{قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ (1) اللَّهُ الصَّمَدُ (2) لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ (3) وَلَمْ يَكُن لَّهُ كُفُواً أَحَدٌ (4) }

 

الخطبة الثانية

 

الحمد لله خالق العباد، والذي إليه مرجعهم، وبيده حياتهم ومماتهم بعد الحياة، ونشورهم بعد الممات، وحسابهم حين القيام، ولا ثواب مثلُ ثوابه، ولا عقاب أشدُّ من عقابه.
أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلّى الله عليه وآله وسلم تسليماً كثيراً كثيراًً.
عباد الله أوصيكم ونفسي الأمّارة بالسوء بتقوى الله، وتقديم رضاه على هوى النفس، وكل هوىً آخره، ففي هوى النفس وأي هوى هلاكها، وفي رضا الله نجاتها وفوزها، ولا قيمة لنصر ناصر أيّاً كان مع خذلان الله، ولا ضرر في خذلان من عداه سبحانه على من كان له نصره.
اللهم صل وسلم وزد وبارك على حبيبك المصطفى وعلى آله الأخيار الأطهار، واغفر لنا ولإخواننا المؤمنين والمؤمنات أجمعين، وتب علينا إنك أنت التوّاب الرحيم.
اللهم لا حول ولا قوة إلا بك فأعنّا على أنفسنا، وعلى الشيطان الرجيم، وادرأ عنّا كلّ كيد، وادفع عنّا كلّ شر، ولقّنا كل خير، واهدنا سواء السبيل، واجعلنا في درعك الحصينة التي تجعل فيها من تريد يا أكرم من سئل، وأرحم من استُرحم، وأجود من أعطى.
اللهم صل وسلم وزد وبارك على حبيبك المصطفى محمد بن عبدالله خاتم النبيين والمرسلين، وعلى علي أمير المؤمنين وإمام المتقين، وعلى فاطمة الزهراء الصديقة الطاهرة المعصومة، وعلى الحسن الزكي، والحسين الشهيد، وعلي بن الحسين زين العابدين، ومحمد بن علي الباقر، وجعفر بن محمد الصادق، وموسى بن جعفر الكاظم، وعلي بن موسى الرضا، ومحمد بن علي الجواد، وعلي بن محمد الهادي، والحسن بن علي العسكري، ومحمد بن الحسن المهدي المنتظر القائم.
اللهم صل وسلم على محمد وآل محمد، وعجل فرج ولي أمرك القائم المنتظر، وحفّه بملائكتك المقربين، وأيده بروح القدس يارب العالمين.
عبدك وابن عبديك، الموالي له، الممهد لدولته، والفقهاء العدول، والعلماء الصلحاء، والمجاهدين الغيارى، والمؤمنين والمؤمنات أجمعين وفّقهم لمراضيك، وسدد خطاهم على طريقك.
أما بعد فهذه الأيام هي أيام ذكرى جرح واستشهاد أمير المؤمنين، وإمام المتقين، وصي رسول الله صلى الله عليه وآله علي بن أبي طالب عليه السلام.
إنّه صاحب علم الكتاب كلَّه بعد رسول الله صلى الله عليه وآله، وحامل رسالته، المجاهد الأول في كل سوح الجهاد، وهو شهيد المحراب، ورفيق المحراب، وحبيب المحراب، وحامل نور وإشعاعات المحراب إلى الدنيا كل الدنيا والحياة كل الحياة، صلوات الله وسلامه عليه. وسيبقى أهل البيت عليهم السلام أصحاب حقّ على الأمة، بل على الإنسانية لا تستطيع الأمة ولا الإنسانية الخروج من ربقته.
والحديث الآن في موضوع المشاركة والمقاطعة للانتخابات النيابية والبلدية المقبلة.
المشاركة والمقاطعة أمران خطيران لكونهما يمسّان حاضرنا ومستقبلنا على مستوى الدنيا والدين معاً، فليس سهلاً أن أأخذ بقرار المقاطعة، وليس سهلاً أن أأخذ بقرار المشاركة: كلٍّ منهما مسؤولية ضخمة أمام الله عزّ وجل، والأمر أمر دين قبل أن يكون أمر دنيا.
وكل من القرارين يحتاج إلى خبرة ونظر موضوعي بتجرّد، ويحتاج إلى فقه، ويحتاج إلى تقوى، فلا يمكن أن يقرّر في المسألة بعيدا عن النظر الموضوعي، ولا يمكن أن يقرّر في المسألة بعيداً عن معطيات الفقه، ولا يمكن أن يقرّر في المسألة من مجتمع مؤمن ومن إنسان مؤمن بعيداً عن التقوى.
ليس في المشاركة فيما أرى مكاسب كبرى، ولا أقول بأنها خالية مطلقا من المكاسب، والمشاركةُ هي من أجل دفع الضرر قبل أن تكون من أجل جلب النفع. المقاطعة فيما أرى لن تجلب نفعا ولن تدفع ضرراً، والمشاركة نصيبها من المكاسب قليل، ولكن دورها في دفع الضرر ملحوظ.
فيما أرى أن الشعب لن يدفع ثمناً لمشاركته، وإذا كان في التجربة قصور وتقصير فإنّه بعد إخلاص النواب لا يحسب إلا على الحكومة، والمقاطعة انسحاب من ساحة من ساحات الصراع السياسي بلا ثمن يُقبض، وفيها زيادة تهميش وإقصاء وانزواء عن موقع من مواقع التأثير، وموقع من مواقع القرار.
أخذ القرار بالمشاركة أو المقاطعة محتاج كما تقدم إلى نظرة موضوعية شاملة، ينضاف إلى ذلك مطالعة للتجارب المحلية والخارجية، إلى ما هو المهم جداً من النظرة الفقهية وتقوى الله سبحانه وتعالى، والنظرِ إليه سبحانه قبل النظر إلى الناس.
ذهب المجلس العلمائي إلى خيار المشاركة، آخذاً في نظره كل الأبعاد التي سبق ذكرها من مقوّمات خيار المشاركة أو خيار المقاطعة.
خيار المجلس العلمائي حاول وبإخلاص وصدق وجدّية أن يستجمع عناصر الخيار الرشيد وهي العناصر المتقدمة، وهو خيار نظيف بعيد عن كل الحسابات المصلحية الضيقة، والفئوية الضيقة، وهو تام القانونية، ودرجة قانونيته كاملة تماماً.
ونرى أنه بموازين الدين والسياسة ينبغي للمؤمنين أن لا يفرّطوا في العملية الانتخابية أو أن يتكاسلوا عن الإدلاء بأصواتهم في صالح القوى المخلصة.
لا تعطوا للآخرين فرصة جديدة لأن يقرروا مصيركم، وأن يقضوا في حاضركم ومستقبلكم وأنتم غائبون. كونوا في موقع القرار، وقولوا كلمتكم قوية وجريئة، قولوا كلمة الحق وإن ثقلت على الآخرين، وقفوا معها إلى آخر الشوط.
وأقول لكم: ما كان الشهيد الصدر الأول أعلى الله مقامه ورفع درجته في الجنان، ولا زين الدين أعلى الله مقامه ورفع درجته في الجنان يوم أن نصحا ودفعا للمشاركة في المجلس التأسيسي، والمجلس الوطني التشريعي الأول ما كانا يقدّران لتلك المشاركة أن تأتي بنتائج ضخمة، وأن تقلب الموازين، وأن تخلق معادلة جديدة على الأرض، ما كان الرجلان الوعيّان التقيّان يتوقّعان من دخول فئة قليلة من الإسلاميين، بعضهم كان أميّاً، وبعضهم كان على شيء من العلم ليس بكثير، ما كان الرجلان يقدّران مشاركة تلك الفئة في وضع الدستور وثم في التجربة الثانية النيابية أن تهدم واقعا، وتقيم واقعاً جديداً مكانه، كان أكثر النظر عندهما يتّجه إلى تخفيف الضرر، وإلى دفع شيء من المفاسد، وإلى أن يكون حضور للكلمة الإيمانية الرسالية الواعية بحيث تُضايق الباطل – لو كان – في مواقعه.
والكتلة النيابية الإسلامية اليوم أكبر وعياً، وأكثر خبرة، وربما كانت أقوى عوداً، وأشد وقوداً، على أنّه يجب علينا أن نحسن الاختيار.
أما الشرعية الوضعية التي قد يُخاف على أن نعطيها للنظام بقرار المشاركة فهي أمر غير وارد، الشرعية الوضعية في كل البلاد العربية والإسلامية غير قائمة على نتائج الديموقراطية الحقيقية، وهي هنا لا تنتظر هذا الأمر على الإطلاق، وهناك أنظمة معروفة بتخلّفها وكفرها بالديموقراطية نهائياً، وهي مدعومة من أمريكا ومن الغرب الذين نتطلّع إلى الديموقراطية من آفاقهما تطلّعاً غير مدروس، تطلّعاً أقرب إلى الوهم منه إلى الحقيقة.
وهناك نظام رسمي في المنطقة هو أقرب الأنظمة في المنطقة وفي العالم العربي والإسلامي إلى الديموقراطية، وأشدّه أخذاً بها، وكل الغرب وأمريكا يعاديه ويندّد به ويقاومه، فهل من بعد ذلك كلّه تعتمد الشرعية الوضعية في البحرين على مشاركتنا! الاحتمال صفر تماماً.
لقد فرغت أمريكا، وفرغت فرنسا وإنجلترا من إعطاء الشرعية الوضعية للحكم في البحرين، وأعطوني بلدا واحدا من بلدان العالم لا يعترف بدولة البحرين وينتظر باعترافه مشاركتنا.
أما النواب الذين يتطلّعون إلى موقع نيابي فعليهم بمراجعة النفس، وهل أن هذا التطلّع من منطلق الحرص على الدين وعلى الأمة؟ وأن المنظور الأول فيه هو الله عز وجل؟ أو أن للنفس مآرب وتطلعات من منطلقات أخرى يجب الاحتراس منها؟ هذا الكلام لا يجري في حق نائب تكتّلي، أو نائب مستقل، الكل سواء في وجوب هذه المحاسبة.
ومن ناحية دنيوية: أيها المتطلّع إلى النيابة أنت اليوم عزيز، وربما كنت بعد دور النيابة ذليلاً، ربما أذلّتك النيابة، واليوم أنت مسكوت عنك وغداً ستتناولك الألسن السليطة بكل ما يؤذيك، أنت اليوم غير محاسب وغداً يُحاسبك الشعب كلّه، واليوم أنت غير ملاحق فيما تفعل في علاقاتك، في شؤونك الخاصة، وغداً ستلاحقك العيون، وستُحسب عليك الأنفاس، ومن أين جاءك الدرهم الواحد. لا تفرح، إن لم يكن ربحٌ أخروي وهو قائم على الإخلاص لله وللمؤمنين فالنيابة خسارة لا ربح.
دعوة المجلس العلمائي هي دعوة لكتلة انتخابية واحدة متراصَّة ولكن من عناصر كفوءة ومؤمنة، من عناصر مختارة بعناية، ومن أجل الله والمجتمع المسلم ورعاية لحق الوطن.
ونحن لا نقف في وجه التحالفات السياسية المحسوبة والتي تؤدي إلى مصلحة وطنية أكبر في البُعد الديني والدنيوي، وفيها قدرة أكبر على إحقاق الحق وإنصاف الشعب. التحالفات من هذا النوع لا يمكن أن نقف في وجهها، وإذا كانت على حساب دُنيا الشعب، أو على حساب دينه فهي تحالفات مرفوضة.
قد أتحالف مع القريب، وقد أتحالف مع البعيد ولكنه التحالف المحسوب الموضوع في موضعه، والقائم على رعاية المصالح والمفاسد، بأن يكون آخذاً بالمصلحة وفيه درء للمفسدة.
وإن أي التفاف أو تحايل وغشّ وتزوير في العملية الانتخابية ينبغي أن يؤدي وبكلّ بساطة إلى انسحاب جماعي من مجمل العملية الانتخابية، وهو ما ينبغي أن تلتزم به كلّ القوى الإسلامية والوطنية..
ندخل عملية انتخابية صادقة، ولا ندخل في عملية انتخابية مزوّرة فنكون شركاء في التزوير.
والمطلوب إما رقابة محايدة أو رقابة مشتركة شاملة تغطّي كل مراكز الانتخاب. وإعطاء المجنّسين حق الانتخاب فضلا عن الترشّح سيسجّل خرقاً واضحا يعصف بنزاهة العملية الانتخابية ويسقط قيمتها.
والمراكز الانتخابية العامة تعطي فرصة التلاعب بالأصوات، والتحايل والغش في العملية والتزوير، وحجب من يستحق موقع النيابة عن موقعه، والدفع بمن لا يستحق الموقع إلى ذلك الموقع.
أعود فأقول: إن المرشّح غير الكفؤ أو غير الأمين سيُحرج نفسه وسيُسقط نفسه، وخيرٌ له أن لا يجازف بسمعته وشرفه وموقعه في مغامرة لم يُعدّ نفسه لها.
اللهم صل وسلم وزد وبارك على محمد وآل محمد، واغفر لنا ولإخواننا المؤمنين والمؤمنات أجمعين، وتب علينا إنك أنت التواب الرحيم.
اللهم انتصر بنا لدينك، ولا تستبدل بنا غيرنا، واجعلنا لا نخشى فيك أحداً، ولا نوادّ في ضرر دينك كبيرا أو صغيرا، ولا نبتغي عن طاعتك والسعي في مرضاتك بدلا، وأنطقنا بالحق، وألزمنا الصدق، ولا تفرِّق بيننا وبين دينك لحظة عين.
{إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاء ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ }(20)
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 – ميزان الحكمة ج7 ص 260.
2 – المصدر نفسه.
3 – ميزان الحكمة ج 10 ص697.
4 – المصدر نفسه.
5 – 28/ الأنفال.
6 – 9/ المنافقون.
7 – 14/ التغابن.
8 – يأمر الصغير، ويتدلل الصغير، فلا تستطيع أن تمتنع أمام مطلبه بما يملكه في قلبك من عاطفة غزيرة. فإذا كان للأمراء سيف يحكمون به الآخرين فإن للصغراء من الأولاد عاطفة تضغط على قلب الأبوين.
9 – ما هذه العداوة؟! من ولد كبير، وهل الولد إلا حبيب.
10 – هذا لونٌ من العداوة، العداوة بهذا المعنى، وليست العداوة التي تعني حمل السيف والمجابهة.
11 – ميزان الحكمة ج10 ص698.
12 – المصدر نفسه.
13 – لمجتمعك عليك حق، لحاضر أمتك ومستقبلها عليك حق، صلاح المجتمع تكون واحداً من كثيرين يُسألون عنه، انصراف أحدنا إلى شؤون أهله وولده وبيته، وتقوقعه في هذه الدائرة الصغيرة شيء لا يرضاه الله تبارك وتعالى، يريد لك دوراً داخل البيت، دورا إيجابيا في أهلك، دورا مصلحا مربيا، ودورا عامّاً ينهض بمسؤولية الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وتصحيح الأوضاع.
14 – المصدر نفسه.
15 – هكذا كان يخاطب صلى الله عليه وآله، وحقّ لكل مؤمن أن يفدّي رسول الله بأمه وأبيه.
16 – المصدر نفسه.
17 – المصدر نفسه.
18 – المصدر نفسه.
19 – المصدر ص 700.
20 – 90/ النحل.

 

زر الذهاب إلى الأعلى