خطبة الجمعة (225) 20 ذي القعدة 1426هـ – 24 ديسمبر 2005م
مواضيع الخطبة:
حديث في التقليد+ الإخلاص الأمريكي والعناد الحكومي +الخوف الإسرائيلي والأمريكي
على الفتيات المؤمنات المثقفات بالثقافة الإسلامية أن يتواجدن في هذه المواقع لمواجهة هذه الحملات، وإحباط كل محاولة من هذا النوع التضليلي الذي يُخطَّط له من الخارج.
وعلى كل فتياتنا وكل النساء المؤمنات أن يتسلحن بالثقافة الإسلامية الكافية التي لاتصمد أمامها هذه المحاولات.
الخطبة الأولى
الحمدلله المعطي لكل موجود وجوده، والمفيض على كلِّ حيٍّ حياته، والواهب لكل ذي علم علمه، والمقدِّر لكل شيء قَدرَه. لايحدُّ وجوده، ولا أمد له، ولا بدأ ولامنتهى لحياته، وفوق كل علم يتصوره متصوِّرٌ علمُه، ولايلحق كرمٌ كرمه، ولاحكمة لتقدير كتقديره، ولامضاء لمشيئة كمضاء مشيئته.
أشهد أن لا إله إلا الله وحده لاشريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وآله وسلم تسليماً كثيراً كثيراً.
أوصيكم عباد الله ونفسي الغافلة بتقوى الله، واتخاذ حلال الله حلالاً، وحرامه حراماً، وأوليائه أولياء، وأعداءه أعداء، وتقديم أمره على كلّ أمر، ونهيه على كلّ نهي، فهُدى الله هو الهدى، ولاهدى لغيره إلا من عنده، وكلُّ متبوع لاهدى له منه فهو على ضلالة، ومنتهاه ومن تبعه إلى خسار.
ربنا بك نستهدي، وإياك نعبد، وإياك نستعين. ربّنا اغفر لنا ولوالدينا وأرحامنا وجيراننا وأصدقائنا وأخواننا المؤمنين والمؤمنات أجمعين، وتب علينا إنك أنت التواب الرحيم.
أما بعد أيها المؤمنون والمؤمنات الكرام فهذا حديث في التقليد:
والتقليد متابعة من فرد أو جماعة للغير في رأي أو فعل. وقد تكون المتابعة لمجرد المتابعة، أو لوجه لايرى فيه العقل وجاهة، وقد تكون قائمة على النظر، مترتبة على وجه وجيه، وسبب صائب في التفكير الصحيح. والتقليد من النوع الأول جهل، والثاني داخل في العلم، والجهل مذموم، والعلم بريء من الذّم. والدين لايرضى جهلاً، ولايتبرأ من العلم، فما كان تقليداً عن عمى لايرضاه الدّين، وماكان عن وجه صحيح، وسبب معقول فهو محل رضاه.
والتقليد للأسباب المقبولة سيرة من سيرة العقلاء، وضرورة من ضرورات الحياة، إذ لايسع أحداً من النّاس في العادة أن يعلم كل ماتحتاج إليه حياته، ويتطلبه أمر دينه ودنياه؛ فكان لابد أن يعتمد في أكثر من مجال من مجالات الحياة والدين والدنيا من حيث دقائقه وتفصيلاته على علم الغير وخبرته. فما من مجتهد عادة في مجال أو أكثر إلا وتجده محتاجاً إلى التقليد في أكثر من مجال.
ويحتّم العقل التقليد في مواضع الضرورة الدينية والدنيوية مالم يمكن الاجتهاد، وحين يكون التقليد عن هدى لاعمى، ولوجه صحيح لالمجرد التقليد، أو ضغط العواطف.
فإذا كانت حياة الشخص متوقفة على متابعة الغير في خبرته المحرزة مثلاً مع الاطمئنان لأمانته وجبت في العقل متابعته، وإذا كانت مسائل من مسائل الدين الضرورية للنجاة من عذاب الآخرة لاقدرة للمرء على الوصول إليها اجتهاداً، ودلّ الدليل على علم الغير بها وأمانته، فرأي العقل وجوب متابعته.
والنتيجة أن لاوجه لقبول التقليد مطلقاً، أو رفضه مطلقاً.
والآن مع هذه الباقة من النصوص في الموضوع من الكتاب الكريم، والمروي من السُّنّة المطهّرة:-
بسم الله الرحمن الرحيم:{وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْاْ إِلَى مَا أَنزَلَ اللّهُ وَإِلَى الرَّسُولِ قَالُواْ حَسْبُنَا مَا وَجَدْنَا عَلَيْهِ آبَاءنَا أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ شَيْئاً وَلاَ يَهْتَدُونَ }(1).
أولئك طائفة من الناس يتمسّكون بالتقليد في وجه العلم، ويركنون إلى التقليد متنازلين عن عقلهم، رافضين للبحث، والنظر، وقد يرفضون العلم بعد الوصول إليه.
هؤلاء سدّوا باب البحث، وأوصدوا باب النظر في وجه الدعوة إلى أن ينشدّوا إلى الله ورسوله وإلى الدين الحق فقالوا: {حَسْبُنَا مَا وَجَدْنَا عَلَيْهِ آبَاءنَا أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ شَيْئاً وَلاَ يَهْتَدُونَ } والآية في الوقت الذي تنكر على أهل التقليد تقليدهم بعمى، فهي تفتح الباب للتقليد عن بصيرة لأنها تقول:{ أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ شَيْئاً وَلاَ يَهْتَدُونَ }.
أما لو كان التقليد للآباء للعلم، وعلى بصيرة فهو تقليد مقبول خاصة مع عدم القدرة على الاجتهاد.
{وَكَذَلِكَ مَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ فِي قَرْيَةٍ مِّن نَّذِيرٍ إِلَّا قَالَ مُتْرَفُوهَا إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِم مُّقْتَدُونَ}(2).
مقتدرون بلا نظر إلى ماعليه الآباء من حقٍّ أو باطل، ومن هدى أو ضلال، وحين يكون التقليد على هذا المستوى فهو تقليد مرفوض في شريعة الله، وفي دين الحق.
عن حذيفة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله:”لاتكونوا إمّعة، تقولون: إن أحسن الناس أحسنّا، وإن ظلموا ظلمنا، ولكن وطّنوا أنفسكم ان أحسن النّاس أن تحسنوا، وإن أساءوا أن لاتظلموا”(3).
هؤلاء قوم يعرفون الحق، ويعرفون الباطل، ويعرفون قيمة الإحسان وقيمة الظلم والإساءة، ولكنهم يتنازلون عن هذا العلم وينفصلون عن هذا الوعي في الموقف العملي، فتأخذهم متابعة الناس، ويطلق عليهم الحديث أنهم إمّعه فهم مع الناس كان الناس على حق أو على باطل.
فالعقل الجمعي على المؤمن أن يحذر من تأثيراته، وعليه أن لاتكون مواقفه متأثّرة بما عليه الناس، بل على المؤمن أن يكون مااستطاع مستقلاً في التفكير في المسائل والمواقف، وإذا اضطُّر إلى المتابعة فإنما يتابع على بصيرة لا في غمرة من العمى، والتبعية الساذجة والغفلة.
عن أبي عبدالله عليه السلام أنه قال لرجل من أصحابه:”لاتكون(4) إمّعة، تقول: أنا مع النّاس وأنا كواحد من النّاس”(5) الذوبان في المجموع من غير نظر ومن غير تقييم ودراسة وتأمّل مرفوض إسلاماً.
عن الثّمالي قال: قال أبوعبدالله عليه السلام:”إيّاك والرّئاسة، وإيّاك أن تطأ أعقاب الرّجال(6)، فقلت: جعلت فداك، أمّا الرّئاسة فقد عرفتها(7)، وأمّا أن أطأ أعقاب الرجال، فما ثلثا ما في يدي(8) إلا ممّا وطئت أعقاب الرجال؟!(9)
فقال: ليس حيث تذهب، إيّاك أن تنصب رجلا دون الحجّة فتصدّقه في كل ماقال”(10).
متابعة الرجال بما هم هم أمر لايستقيم مع عقل أو دين.
هناك متابعة مقبولة ومتابعة مرفوضة. أن تعرف من الرجل هدى واستقامة، وقدرةً على التمسّك بالحق، وأن تجد فيه ماينفعك، مايزيدك هدى، مايزيدك بصيرة فالمتابعة له متابعة مقبولة.
أن نجد في الرجل كالسيد الإمام أعلى الله مقامه منقذاً فمتابعته صحيحة وواجبة، أن ينعق أي ناعق، أن ترفع أي راية، فتكون متابعة بلا تحقيق ولاتدقيق فهذه متابعة مرفوضة، منهيّ عنها في دين الله.
في قوله تعالى:{اتَّخَذُواْ أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَاباً مِّن دُونِ اللّهِ}(11) تقول الكلمة عن الصادق عليه السلام:”والله ماصلّوا ولاصاموا لهم(12) ولكنهم أحلوا لهم حراماً، وحرّموا حلالا فاتبعوهم”.
فمتابعة الغير على الإطلاق وحتى لو كانت المتابعة في تحليل الحرام وتحريم الحرام تعني اتخاذ ذلك الغير ربّاً من دون الله وحتى من غير أن تعتقد ربوبيته، ومن غير أن تعتقد أنه إله الكون. هذه المتابعة العمياء المستسلمة للباطل تعني أنك اتخذت هذا الغير من ناحية عملية رباً.
وأيضاً في هذا المعنى وفي مورد الآية الكريمة وعن الصادق عليه السلام تقول الكلمة عنه:”أما والله مادعوهم إلى عبادة أنفسهم(13)، ولو دعوهم إلى عبادة أنفسهم ماأجابوهم، ولكن أحلّوا لهم حراما، وحرّموا عليهم حلالا فعبدوهم من حيث لايشعرون”(14) فإنهم عبدوهم على المستوى العملي وعوا أنهم عبدوهم أو لم يعوا أنهم عبدوهم.
فيما يتّصل بهذا السياق، وفي تشخيصي من يُتّبع، وأن المتبوع الذي يختاره المجتمع متبوعاً التدقيق في أمره بالغ. والتجربة لابد أن تكون صعبة، والاختبار لابد أن يكون واسعاً.
“إذا رأيتم الرجل قد حسن سمته وهديه(15) وتماوت في منطقه، وتخاضع في حركاته، فرويدا لايغرّنّكم(16)، فما أكثر من يعجزه تناول الدنيا وركوب الحرام منها لضعف نيته(17) ومهانته وجبن قلبه فنصب الدين فخاً له….
هذا صاحب مطامع دنيوية، ولكن طريق الكسب والمغالبة صعب عليه، فاختار طريق المخاتلة، وطريق الخداع، وتلبّس بلباس الدين من أجل الدنيا.
وإذا وجدتموه يعفّ عن المال(18) فرويدا لايغرّنّكم فإنّ شهوات الخلق مختلفة..
من الناس من لاتستهويه كثرة المال، ولكن تسحره الشهرة، ويستعبده السلطان.
ولكنّ الرّجل كلّ الرّجل نعم الرّجل هو الّذي جعل هواه تبعاً لأمر الله وقواه مبذولة في رضا الله، يرى الذل مع الحقّ أقرب إلى عز الأبد من العزّ في الباطل، ويعلم أنّ قليل مايحتمله من ضرّائها(19) يؤدّيه إلى دوام النعيم… فذلكم الرّجل نعم الرّجل، فبه فتمسّكوا وبسنّته فاقتدوا، وإلى ربكم به فتوسّلوا، فإنّه لاتردّ له دعوة، ولاتخيّب له طلبة”(20).
وكأن مؤدّى الحديث أن التجربة في مقام أي قيادة تحتاج إلى إمعان طويل، وتحتاج إلى تدقيق وتبصُّر، ولايكفي امتحان واحد ولا امتحانان21.
اللهم صل وسلم وزد وبارك على محمد وآل محمد، وسلم تسليما كثيرا كثيراً. أستغفر الله لي ولكم، ولأخواني المؤمنين والمؤمنات أجمعين، اللهم اغفر لنا إنك أنت التواب الرحيم.
اللهم أتمم لنا نورنا، وأكمل لنا ديننا، وارزقنا فهماً وعلماً كثيراً، ويقيناً تامّاً، وطاعة دائمة خالصة لوجهك الكريم، وتوفيقاً متصلا لخير الدنيا والآخرة، واجعلنا في درعك الحصينة التي تجعل فيها من تريد، وارأف بنا وارحمنا ياكريم يارحيم.
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
{ قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ (1) لَا أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ (2) وَلَا أَنتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ (3) وَلَا أَنَا عَابِدٌ مَّا عَبَدتُّمْ (4) وَلَا أَنتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ (5) لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ (6)}
الخطبة الثانية
الحمدلله الذي لم يُشارَك في الألوهية، ولم يُظاهر في الوحدانيَّة، لاتدرك العقول كنهَه، ولاتُحيط أبداً بذاته، وهو المنزَّه عن مجانسة مخلوقاته، ومشابهة مصنوعاته، والمتعالي بكماله وجلاله وجماله عن كلّ شيء سواه، وليس لشيء أن يماثله أو يشابهه، أو يضادّه أو يكابره فهو الغالب الذي لايُغلب، والقاهرُ الذي لايُقهر.
أشهد أن لاإله إلا الله وحده لاشريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وآله وسلم تسليماً كثيراً كثيراًً.
أوصيكم عباد الله ونفسي الخطّاءة بتقوى الله، والنظر إلى الدنيا نظرَ راحل لامقيم، والنظرَ إلى الآخرة لانظر شكٍّ بل يقين، وبالتفكُّر والتدبُّر في الأمور ومصائرها، والأحوال وتقلُّبها وماوراء ذلك من إرادةٍ إلاهية لايملك أحدٌ ردّها، وسننٍ قاهرة ليس في مقدور المخلوقين إيقافها، وماتنتهي إليه النفس من موت عاجل أو آجل، ورحيل مفروض لامعدِل عنه، ولامفرّ، ومايجري عليها من مكاره جمَّة في هذه الحياة، ومنغِّصات كثيرة للعيش فيها.
وليكن نظرنا نظر اعتبار، وتفكرنا من أجل العمل الصالح، وتدارك مافات، وتصحيح المسار.
غفر الله لنا ولإخواننا المؤمنين والمؤمنات أجمعين، ووقانا شرَّ الدَّارين، وأخرجنا من كلِّ سوء، وأدخلنا في كل خير، وفتح علينا أبواب رحمته، وأغلق عنّا أبواب نقمته، وجعلنا من أهل السعادة عنده وهو أرحم الراحمين.
اللهم صل وسلم وزد وبارك على حبيبك المصطفى خاتم النبيين والمرسلين محمد بن عبدالله الصادق الأمين، وعلى علي أمير المؤمنين وإمام المتقين، وعلى فاطمة الزهراء الصديقة الطاهرة المعصومة.
وعلى الأئمة الهادين المعصومين: الحسن بن علي الزكي، والحسين بن علي الشهيد، وعلي بن الحسين زين العابدين، ومحمد بن علي الباقر، وجعفر بن محمد الصادق، وموسى بن جعفر الكاظم، وعلي بن موسى الرضا، ومحمد بن علي الجواد، وعلي بن محمد الهادي، والحسن بن علي العسكري، ومحمد بن الحسن المهدي المنتظر القائم.
اللهم صل على محمد وآل محمد، وعجّل فرج ولي أمرك القائم المنتظر، وحفّه بملائكتك المقرّبين، وأيّده بروح القدس يارب العالمين، اللهم اجعلنا من أنصاره في غيبته وحضوره.
عبدك وابن عبديك الموالي له، الممهد لدولته، والفقهاء العدول، والعلماء الصلحاء، والمجاهدين الغيارى، والمؤمنين والمؤمنات أجمعين وفّقهم لمراضيك، وسدّد خطاهم على طريقك، واكتب لهم العزّ والنصر.
أما بعد أيها الأخوة والأخوات فمع هذا الحديث:
الإخلاص الأمريكي والعناد الحكومي:
يقرر العلماء المختصون أن خطراً هائلاً يتهدد سكان الأرض بسبب ظاهرة التسمم المناخي وظاهرة الانحباس الحراري كما يعبّرون، وهما ظاهرتان تسوءان على مر الزمن بدرجة خطيرة ملحوظة، وكلما تصاعدت غازات الصناعة العملاقة وسمومها.
والسبب الرئيس للظاهرتين ماتبعثه الصناعة التي تقوم على السباق المادي المجنون والسيطرة المادية الباغية على العالم من غازات وسموم بدرجات عالية فوق المقياس المعقول، تلك الغازات التي تفسد بيئة الإنسان بحيث يمكن أن تقضي عليه عند درجة من درجات التلوث.
فيمكن أن تكون نهاية الأرض على يد تصاعد درجات التسمم المناخي والانحباس الحراري.
وإنّ درجة 24% من الغازات المُسمّمة للمناخ مصدرها الولايات المتحدة وحدها، وليست هناك دولة أخرى تجاريها في هذه النسبة، وهي تقف عائقاً دون أي معاهدة دولية لحماية البيئة في هذا الجانب بما يُخفض من نسبة التسمم الذي تسببه مطامعها الصناعية المتمددة على حساب الآخرين، على أن نسبة هذه الغازات المنطلقة من الصناعة في الهند مثلاً وهي بلد عملاق من حيث العدد السكاني هي بمقدار 4%.
ويُستنتج أن الراعي الحضاري الشريف الذي يفرض أبوته الرحيمة على العالم، والذي تقدِّمه بعض الفئات في الساحة الإسلامية رسول خلاص وسلام، وتستورد منه مشاريع الأسرة والاجتماع والثقافة الإنسانية وقواعد السلوك لايُضحّي بقيم الدين والرسالات السماوية وبجانب بالروح والخلق والكرامة الإنسانية من أجل المصلحة المادية لعدد قليل من فراعنة المال في أمريكا مكتفياً بذلك وإنما يُضحّي بكل الحياة للملايين بما في ذلك حياة الأمريكيين أنفسهم من أجل غرضه الكريم والرفيع جدّاً.
وهذا السيد الأمريكي الشفيق على المرأة المسلمة في البحرين، والذي لاينام ليله من أجل سعادتها تشارك عنه منظمة بيت الحرية في ورشة عمل أقامها المجلس الأعلى للمرأة لإنقاذ هذا المخلوق الذي تُهينه شريعة الله كما هو القول الزور للغرب، وللعمل على استصدار قانون أحكام الأسرة والتهيئة للإنقاذ الشامل للمرأة من حيث كون ذلك خطوة على طريق التحرير للنساء المسلمات.
ونجد أن هذه الورشة تنتهي إلى توصية باختراق الخطاب الديني(22)، وإزالة السيطرة الأبوية – كما يعبرون – لعلماء الدين، وأخرى باستقطاب الفئات الشابّة(23)، وثالثة بالتواجد في أماكن تجمع التيار الإسلامي بكثافة ومحاولة التأثير. ماهي أماكن تجمع التيار الإسلامي؟ مساجدكم، وحسينياتكم.
وأقول: بأن من لاتلبس العباءة ولاتؤمن بستر الرأس يمكن أن تلبس حجاب الرأس والعباءة كأحسن مايكون لتدخل الحسينيات والمساجد لتسويق فكر خاص غريب على المسجد والحسينية، ولخدمة المشاريع التي تخطط لها تلك الورش.
وعلى الفتيات المؤمنات المثقفات بالثقافة الإسلامية أن يتواجدن في هذه المواقع لمواجهة هذه الحملات، وإحباط كل محاولة من هذا النوع التضليلي الذي يُخطَّط له من الخارج.
وعلى كل فتياتنا وكل النساء المؤمنات أن يتسلحن بالثقافة الإسلامية الكافية التي لاتصمد أمامها هذه المحاولات.
وعن إصرار الجهة الرسمية على استصدار قانون لأحكام الأسرة عن طريق المجلس الوطني المحكوم في أكثره للحكومة بعيداً عن الضمانات التي تحفظ شرعيته يُتساءل عن الخلفية وراء ذلك. ويمكن أن يُطرح أكثر من تصور في هذا المجال: ماهي الخلفية؟
1. الضغط الداخلي(24): وهذا الضغط خاصة على المستوى الشيعي لايوازي في حجمه الكمي شيئاً من الضغط المقابل المتمثل في الرفض الواسع للعلماء والشرائح المثقفة الإسلامية نساءً ورجالاً والجمهور الكبير إلا أن تعطى الأولوية النوعيَّة للصوت الآخر لالثقافة أكبر، ولا لعلم أكثر، ولالنضج أشد، ولالغيرة إنسانية أصدق، ولالتمسّك أشد بحقوق الإنسان، ولالحجة أوضح، وإنما لأن هوى تلك الفئة من هوى الجهة الرسمية، بل لأنها إنّما تتحرك بتوجيهها وتمويلها.
فالصحيح أن الضاغط على هذا الفرض إنما هي الحكومة، والمشروع مشروعها ومن تخطيطها وهي التي تتحمل مسؤوليته بالكامل.
2. الضغط الخارجي: كلنا يعرف أن هناك ضغطاً خارجيّاً يمارسه الغرب وتقود عمليته أمريكا على دول عربية وإسلامية كثيرة ومنها دول المنطقة، ويستهدف ذلك الضغط حالة واسعة من التغريب لهذه الأمة، وفصلها عن جذورها الدينية والتاريخية، ومسخ هُويتها، والسقوط في ذُلّ التبعية الكاملة لحضارة الجنس المفتوح بالحرام، والانشداد إلى الجدِّ الكبير الأول وهو القِرْد.
لكن هذا الضغط لاتبلغ درجة الإلحاح فيه إلى هذا الحدّ من الاستعجال في هذه المفردة، وقد لايرى ضرورة بالغة لأن تواجه الحكومة الشعب كل هذه المواجهة الساخنة والمستميتة في هذه المسألة، ولايتوقف القدر الكافي من التزكية الأمريكية للأنظمة على هذه الاستجابة والاستعجال، وإن كانت التزكية الكاملة لابد لها من الاستجابة لمثل هذا المطلب.
وكأن الحكومة تريد أن تظهر تفانياً في إرضاء الآخر لمنع تحرشاته على مستوى شعار الديموقراطية السياسيَّة بتنفيذ رغباته التي لاتمس امتيازاتها السياسية المطلقة وإن كانت تلك الرغبات على حساب مقدسات الشعب وعلاقته بدينه.
والضاغط على هذا التقدير في اتجاه استصدار قانون لايراعي حرمة الشريعة ولو في مرحلة استمراره إنما هي المصالح المادية الظالمة للجهة الرسمية.
وفي تقديري أن الضغط الخارجي في هذه المسألة يكفيه أن يصدر قانون لأحكام الأسرة على المستوى المذهبي للأخوة السنة الذين يذهب عدد من علمائهم – مع الأسف – للموافقة عليه بضمانات متنازلة، وإن كنا مع البعض الآخر منهم في الإصرار على الضمانات البالغة الكافية. وهذا الفريق الثاني من الأخوة السنة ليس بقليل، وله وزنه الكبير.
فإصرار الحكومة على استصدار قانون للشيعة لايفسّره الضغط الخارجي.
3. العناد الحكومي:
تبقى الخلفية المقبولة بدرجة أوضح لتفسير الإصرار الحكومي على استصدار قانون أحكام الأسرة بصورة تفتح الباب للتغييرات التي تبتعد به عن أحكام الشريعة قائمة في عناد الحكومة للشعب، وإبراز العضلات في وجهه، وممارسة لون من الاضطهاد المذهبي الصارخ الذي لاتدعو له، ولاتنسجم معه، ولاتتلاقى معه على طريقٍ المصلحة السياسية، ولاتنثلم برفع اليد عنه، في حين أن الحكومة تعرف تماماً أن الموقف الشعبي في القضية موقف ديني لاعلاقة له بأي جوٍّ سياسي إيجابيّاً كان أو سلبيّاً، وأن الدّين على هذا الشعب أغلى من كل غال.
وإذا كانت الحكومة تتمسك من باب المجادلة – وليس كخلفية حقيقية – بأن عدد من علماء الشيعة قدّموا لها مقترحاً لمشروع قانون لأحكام الأسرة فقد أُسقطت هذه الذريعة من يدها بتصريح أبرز المشايخ المعنيين بهذه الدعوى بأنهم لايتبنون أي شيء من هذا النوع مالم يحظ بموافقة نوعية من علماء الطائفة في البلاد.
وعليه يكون مُضيّ الحكومة في هذا الأمر فيه فرضٌ لرأيها على الطائفة الشيعية في موضوع ديني مذهبي بحت، وهذا من أظهر أنواع الاستبداد وأقبحها، وهو اضطهاد سافر.
نقول ونحن نمقت الطائفية ونناهضها، ونؤمن باللحمة القوية بإخواننا السنة بأن هذا الاضطهاد اضطهاد حكومي لفئة من الشعب أو للشعب كلّه، وليس هو من اضطهاد الشعب للشعب، وستبقى اللحمة الدينية والوطنية قوية بإذن الله بين الطائفتين الكريمتين.
ثم إن أي عضو من أعضاء النيابي أو الشورى يساعد على تمرير قانون من هذا النوع بموقف إيجابي أو سلبي في هذا الاتجاه فهو مخالف لوظيفة تمثيل الشعب ويكون قد مارس عدواناً ظالماً على شعبه بغض النظر عن مذهبه؛ ذلك أن الشعب قد أظهر رفضه القاطع للقانون الظالم الذي يريد أن يشرّع لمساحة تختص بها أحكام الله عز وجل، وكل الحياة هي محل أحكام الله سبحانه وتعالى.
وهل انتهى موقف العلماء والشعب معهم بما كان من المواجهة السابقة للقانون العدواني العاري من الضمانات الكافية، تلك المواجهة التي تمثّلت في المسيرة الجماهيرية الحاشدة العارمة؟ لابد أن يكون جواب العلماء وجواب الشعب على هذا السؤال: بأن الأمر ليس كذلك، لأن المسؤولية مسؤولية دينية ثقيلة ملزمة، ولسنا في سوق مباراة سياسية.
نحن أمام موقف ديني صارم، يستوجب منا أن نتمسّك بكلمة الله عزّ وجل إلى أقصى حد.
الخوف الإسرائيلي والأمريكي:
إسرائيل خائفة وأمريكا خائفة من تواجد سلاح نووي في المنطقة. والسلاح النووي لايرغب صاحب ضمير بانتشاره ولاوجوده أصلاً في يد أي دولة كانت لأن هذا السلاح لايعرف البريء من المجرم، ولايفرّق بين عادل وظالم.
وأهل الإسلام والإيمان في مقدمة من يرفض هذا السلاح ويكفر به. لكن هل وجوده بما يكفي لحرق الأرض وأهلها مرّات بيد أمريكا وإسرائيل حق، ووجوده بيد دولة عربية أو إسلامية من الباطل؟! وهل هذا الفرق لعدالة أمريكا وإسرائيل وقيمهما الإنسانية العالية، وتقواهما الشديدة من الله؟! هل أمريكا عادلة وغيرها ظالم؟! تقية وغيرها فاسق؟! حريصة على الإنسان كل الحرص حتى يسوّغ العقل والعقلاء أن تكون أمريكا مالكة لهذه القوة البطّاشة ويحرم ذلك على غيرها؟! هل برهن تاريخ أمريكا على عدالة؟! على شفقة على الإنسان؟! على إنسانية في مواقفها من الأمم؟!
وهل احتمال الوجود أخطر وأبعث للهلع من تحقق الوجود؟! هم يتحدّثون عن سلاح فعليٍّ في أمريكا وإسرائيل، وعن احتمال وجود سلاح مستقبلا بيد هذه الدّولة أو تلك الدولة العربية أو الإسلامية.
وهل ينبغي أن يفزع المسلمون من السلاح النووي الباكستاني مثلاً أكثر من فزعهم من السلاح النووي في يد إسرائيل؟
ثم من يصدّق بأن خوف إسرائيل وأمريكا من إمكان حصول السلاح النووي في يد دولة عربية أو إسلامية هو خوف من عدوان هذه الدولة عليهما مع ما يملكانه من سلاح نووي يُدمر العالم مرات ومرات؟ أي دولة إسلامية أو عربية تجرأ أن تكون هي المهاجمة اتكاءً على سلاح نووي محدود لو قُدّر أن حصل بيدها في وجه الترسانة الهائلة من هذا السلاح في يد إسرائيل وأمريكا؟ فأي دولة ستكون هي المهاجمة لهما على هذا الحال؟
قدّر أن دولة إسلامية أو عربية يحصل لها سلاح نووي بكمَّية محدودة فهل تخاف أمريكا وإسرائيل في هذا الحال من مهاجمة هذه الدولة لهما؟! الاحتمال صفر.
واضح جداً أن المستهدف للدولتين العادلتين إسرائيل وأمريكا أن يبقى العالم العربي والإسلامي غير قادر على الردع، ولا الرد على العدوان، ليستجيب لكل الإملاءات الغاشمة، ويظل فريسة المطامع القذرة، ولتكون الأرض الإسلامية مستباحة وكما يشاء لها الأعداء، مأمونة الجانب عند استلابها وتمريغ عزة أهلها في التراب.
وتتعدى رغبة الدولتين والدول الأوروبية الأخرى هذه الدرجة من الضعف لبلاد الإسلام، ويكون المطلوب الحقيقي حرمانها من الطاقة السلمية التي تتمتع بها في الأغراض المدنية استغناءً عن الغرب.
اللهم صل وسلم وزد وبارك على محمد وآل محمد، واغفر لنا ولإخواننا المؤمنين والمؤمنات أجمعين. اللهم لاتجعلنا نشرك بك شيئاً، أو نعدل بك أحداً وأنت خالقُ كلّ شيء ومدبِّره، ومالك كل أحد وإلهه. ربّنا إليك فررنا من شرّ نفوسنا، ومن شر كلّ ذي شر، ومن شرّ الشيطان الرجيم، ربنا اغفر لنا ذنوبنا، وكفر عنّا سيئاتنا، وآمنّا من سوء الدنيا والآخرة، وشقائهما، وأعذنا من أن نهون عليك، وتكتب علينا عذابك ياكريم ياروؤف ياعطوف يارحيم.
{إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاء ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ}
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 – 104/ المائدة.
2 – 23/ الزخرف.
3 – ميزان الحكمة ج8 ص254.
4 – ويراد بها الناهية معنى.
5 – ميزان الحكمة ج8 ص255.
6 – فلا يكن همك الرئاسة للرئاسة نفسها، وكذلك لاتطأ أعقاب الرجال لأن تكون تبعاً وإمّعه، ولتضخيم الآخرين بحقٍّ أو باطل لاتفرقُ بينهما
7 – وأن لها شروطا وهي موقع خطير، وقد يخسر الإنسان دينه من خلالها.
8 – أي من مال، ثروات.
9 – وكأنه أخذ هذا المعنى إلى واد آخر وهوالممالأة والمجاملة المباحة، وعقد الصداقات، وتقدير من يستحق التقدير وذلك في طريق تحصيل المال.
10 – ميزان الحكمة ج8 ص255.
11 – 31/ التوبة.
12 – يعني ليس وراء هذا التعبير القرآني بأنهم اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابا صلاة لهم أو صوم، إذا ماوراء هذا التعبير؟ لِمَ عبّر القرآن عن متابعة الرهبان والأحبار بأن فيها اتخاذا لهم أرباباً؟
13 – الرهبان والأحبار لم يدعوا أولئك الغير، لم يدعوا قومهم إلى عبادتهم ولو دعوهم لعبادة أنفسهم ماأجابوهم، لو دعوهم بأن يصلوا لهم، بأن يصوموا لهم بأن يعتقدوا أنهم هم الخالق لما أجابوهم إلى ذلك، ومع ذلك أُطلق عليهم أنهم اتخذوهم أرباباً من دون الله، إذاً ماذا فعلوا؟
14 – ميزان الحكمة ج8 ص256.
15 – أي طريقته.
16 – مهلا، هذه مسحة خارجية، ماذا وراءها؟ الأمر يحتاج إلى تبيّن وتبصّر.
17 – هنا بمعنى العزيمة.
18 – يتنزه عن طلب كثرته ويفر من حرامه.
19 – ضراء الدنيا وآذاها.
20 – ميزان الحكمة ج8 ص259
21 – ولا صحة بعدٍ في شخصيته وقوتهُ، ولابعدين.
22 – وكيف يُخترق الخطاب الديني؟! إنما يُخترق بعلماء، إنما يخترق بمثقفين إسلاميين، تحتاج أمريكا أن تصنع صفا من هؤلاء وهؤلاء حتى تخترق الخطاب الديني.
23 – هذه توصيات انتهت إليها ورشة العمل المشتركة. فأنتم شباباً وشابات محلّ طمع العدو الأجنبي، العدو الحضاري والثقافي الأجنبي.
24 – المتمثّل في هذه الكتابات، وفي الاعتصام الضئيل، وفي النشريات، وماماثل ذلك من فئة محدودة.