خطبة الجمعة (202) 25 ربيع الثاني 1426هـ – 3 يونيو 2005م
مواضيع الخطبة:
تكملة موضوع الرياء + إسرار وإعلان + الزكاة بمعناها الواسع +. المرحلة القائمة وقوانينها. +. التعليم الديني.+. من الطائفية، وليس من الطائفية.+. الانتخابات
إن تعلّم الطلاب من أهل المذاهب الإسلامية لأسس مذهبهم والحد الأدنى من الفقه اللازم عمليّاً حسب ذلك المذهب في المدارس الرسمية التي تمثل مرفقاً تعليمياً عاماً لكل المواطنين في بلد دينه الإسلام حق ثابت في ذمة الحكومة بلا مراء..
الخطبة الأولى
الحمدلله الذي لايُدرك أحد كنهه، ولا إحاطة لعقلٍ به، ولامنتهى لقدرته، ولامحدودية لعلمه. فوق كلِّ شيء، ليس مثلَه شيء، ولايشبهه شيء، ولايُعجزه شيء. أشهد أن لا إله إلا الله وحده لاشريك له، لاحدَّ لمجده، ولاينقضي حمدُه، ولايبلغ الشاكرون شكره. وأشهد أن محمداً عبده ورسوله علّم وهدى، ووعَّى وزكّى، وسدَّد وأنقذ. صلّى الله عليه وآله وسلَّم تسليماً كثيراً كثيراً.
أوصيكم عباد الله ونفسي الخاطئة بتقوى الله وإصلاح النفس بمجاهدة الهوى مما يقوم فيها، ومطاردة الباطل الذي يلمُّ بها، وتنقيتها من خطرات الشرك الخفيّ، وما يدعو إليه الشيطان من النقص في الدّين بالرجوع إلى الله، والاستمساك بهداه، وطلب التثبيت منه على دينه، واليقين به. فإنه ليس بعد هدى الله إلا الضلال، وليس بعد دينه إلا الخسار.
أعذنا اللهم وإخواننا المؤمنين والمؤمنات من الكفر بعد الإيمان، والضلالة بعد الهدى، ومن هلكات الهوى، وكيد الشيطان الرجيم.
اللهم صل على محمد وآل محمد، واغفر لنا ولإخواننا المؤمنين والمؤمنات أجمعين، وتب علينا إنك أنت التواب الرحيم.
أما بعد أيها الأخوة المؤمنون والمؤمنات فقد بقي من حديث الرياء هذا العنوان:
إسرار وإعلان:
في الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وآله “أعظم العبادة أجرا أخفاها”.
“المستتر بالحسنة تعدل سبعين حسنة” عن الإمام الرضا عليه السلام.
يعمل المرء عملاً له حسنة واحدة في العلن، إلا أنه إذا تستّر به عن أعين الناس، ومنعه عن أن يصل إلى علمهم ضُوعف أجره فوصلت حسنات هذا العمل إلى سبعين حسنة، ذلك لأن هذا الإخفاء يجعل من العمل عملا عباديا أقرب إلى الإخلاص، وأكثر تجسيدا إلى التوحيد في العبادة.
“إذا كان يوم القيامة نظر رضوان خازن الجنة إلى قوم لم يمرّوا به فيقول من أنتم؟ ومن أين دخلتم؟ قال يقول إياك عنّا، فإنّا قوم عبدنا الله سرّا فأدخلنا الله سرّا” أولئك لايحتاجون إلى إجازة عبد لدخول الجنة، وكأنّ لهم كلمة على رضوان خازن الجنان.
كما عبدوا الله سرّا وأخلصوا العبادة لله وحده ولم ينظروا في عبادتهم إلى غيره أغناهم الله عن أن يكون مجازهم إلى الجنة باستئذان من أحد.
“كان عيسى عليه السلام يقول للحواريين: إذا كان صوم أحدكم فليدهن رأسه ولحيته، ويمسح شفتيه بالزيت لئلا يرى الناس أنه صائم، وإذا أعطى بيمينه فليخفِ عن شماله، وإذا صلّى فليرخِ ستر بابه فإن الله يُقسِّم الثناء كما يقسِّم الرزق”. وثناء عمل أخفاه العبد عن غير الرب ثناء لايبلغه ثناء عمل آخر.
في الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وآله “السرّ أفضل من العلانية، ولمن أراد الاقتداء العلانية أفضل من السّر”.
وفي الحديث الآخر عن الصادق عليه السلام “ما كان من الصدقة والصلاة والصوم وأعمال البر كلّها تطوّعاً فأفضلها ما كان سرّا،و ماكان من ذلك واجبا مفروضا فأفضله أن يعلن به”.
فيتحصّل لنا بإضافة الحديثين الأخيرين إلى باقة الأحاديث السابقة أنّ العمل المستحب الأفضل فيه أن يُؤتى به سرّا، أما عمل الفريضة فإن الأفضل فيه أن يؤتى به علناً ولكن بعيدا عن الرياء والتظاهر.
الإسلام لايُراد له أن يكون حبيس الزوايا، متقوقعاً في البيوت، وفي الإعلان بالفريضة تركيز للفريضة في عقول ونفوس أجيال شابّة، ونشرٌ للشعائر الإسلامية، وتقوية لنفوس الضفعاء، وتشجيع على الطاعة، وفتح فرصة لمحاسبة من يتهاون في الواجبات، ولهذه الخلفية وغيرها من أسرار الحكم عند الله تبارك وتعالى كان الإعلان للواجبات مطلوبا.
ولأن الإنسان عليه أن يختبر ولاءه لله، ومكانه التوحيد في نفسه، وإخلاص وجهه لربّه تبارك وتعالى كان عليه أن يختفي عن أعين الناس في مساحة كبيرة من العبادة وهي مساحة المستحبات لأنّه إن وجد من نفسه أنّه لاينشط في العبادة إلا أمام الملأ عرف من نفسه أنّ التوحيد في داخله يُعاني من نقص، ولايُربّى الإخلاص لله تبارك وتعالى في نفس العبد كما يُربّى في حال السّرّ في ممارسة العبادة، وإن كانت هذه الممارسة في العلن تعني مجاهدة كبيرة على طريق الإخلاص، وأن الإنسان إذا نجح في توحيد الله في علنه فإنّ الأمر في التوحيد في باب السّرّ أسهل.
والمساحتان مساحتا اختبار للنفس والمطلوب واحد وهو أن يتأكّد التوحيد عند العبد، وأن ينصرف بوجهه إلى وجه ربّه الكريم لاغيره.
ولنطلّ إطلالة سريعة على موضوع آخر هو موضوع الزكاة بمعناها الوسيع.
هنا حديث عن الزكاة بمعناها الواسع، الذي جاء فيه أن لكل شيء زكاة، وهي عطاء تفرضه النعمة ويحتاجه صلاح الأوضاع، وسلامة المجتمع، وتقدّم الحياة، وفيه نمو النعم، وامتداد الخير، وطُهر النفس، وسموّ المعنى، ويقظة الضمير، وربح الآخرة.
وإنه لمع كل نعمة تكليف، وفي كل هبة نصيب مفروض يتمّ به جمال النعمة ودورها البناء، وهناك فتن والنجاح في الفتنة أن لاتزلّ قدم بعد الإيمان.
والمطالب بالزكاة كثيرون، والجميع مُعرّض للفتنة، بل لاعبد من عباد الله تبارك وتعالى إلا وهو مطالب بالزكاة لأنه ما من عبد إلا ووفرة من نعم الله تبارك وتعالى تغمره، وهذه بعض نماذج من الزكاة بهذا المعنى الوسيع الذي يعني أن في كل نعمة حقا، وفي كل هبة نصيبا مفروضا على العبد، عليه أن يعطيه لصلاح نفسه، وصلاح مجتمعه، وسعادة دنياه وآخرته،وهو النصيب الذي يعطي بذله للنعمة وظيفتها التي تنهض بها الحياة، ويعمر المجتمع، وتسمو النفوس.
تقول الكلمة عن أمير المؤمنين علي عليه السلام “زكاة القدرة الإنصاف”.
القدرة هبة من الله تبارك وتعالى، والغلبة والنصر فيض من عنده سبحانه وتعالى، وفي الغلبة والنصر والقدرة على العدو زكاة تزكو بها النفس، وتتم النعمة، وتكون على طريق البناء، وهذه الزكاة هي الإنصاف، وأن لاتستخف القدرة صاحبَها فينسى قيم الدين، وينساق وراء الرغبة، وتُغريه شهوة الانتقام، وشهوة الثأر فيكون على الطريق الذي لايرضي الله تبارك وتعالى.
يُراد للنعمة أن تقترب بصاحبها من سعادته، وأن تكون آلة لرقيّه، ولا رقي ولا سعادة إلا على طريق الله تبارك وتعالى، والنعم حين تستخف النفس، وتستحوذ على قرارها، ويكون مقود النفس وزمامها بيد ما عليه الإنسان من شعور بالنعمة، بالقوة، بالقدرة في نسيان لله واهب النعم سبحانه وتعالى، تكون كارثة صاحبها ماحقة، ونهايته اليمة.
“زكاة الجمال العفاف”.
الجمال نعمة وفتنة، والقدرة جمال وفتنة، والنفس عليها أن تكون أكبر من الفتن التي تعتورها، وتقوى الله وتربية النفس وتذكّر اليوم الآخر هو الذي يمكن أن يمسك بالنفس أمام موجة الفتن فلا تزيغ عن الطريق.
زكاة الجمال العفاف؛ الجمال فتنة يُخاف منها على الشرف، يُخاف منها على الدين، يُخاف منها على توازن النفس، على الانضباط، يُخاف منها أن تكون طريق المرء إلى الانحدار إلى النار، وعلى المرء أن يتعامل مع الجمال من حيث هو نعمة، ومن حيث هو هبة من الله تبارك وتعالى فيضع النعمة في موضعها، ويكون في جماله عونٌ له على الجنة لا على النار.
“زكاة اليسار برّ الجيران وصلة الأرحام”.
المال سبب من أسباب بناء النفس وبناء الأهل وبناء الحياة البناء الذي يرضاه الله تبارك وتعالى، سبب وأي سبب من أسباب القوة، ومن أسباب العزّ، وأسباب النجاح والإخفاق، ولاعقل لمن كان ماله وقدرته سبب إخفاقه في هذه الحياة، وطريقه إلى غضب الله تبارك وتعالى، ولايزكو المال، ولاتطهر النفس المالكة له، ولاتنظف المشاعر، ولايكون التحرّر من سلطان المال وصنميته إلا بأن يبذل منه صاحبه كما أمر الله تبارك وتعالى.
إن يبذل مالك المال ماله بما يرضي الله تبارك وتعالى يزكو ماله الشخصي ومال المجتمع، فإن زكاة المال العام بحركته، وحيث يحبس الأفراد المال يأسن المال، ويجمد، وبجمود المال وتوقف حركته لاينمو، إنما نماء المال العام في حركة المال الذي في يد الأفراد وفي خزانة الدولة.
فطُلب في الإسلام أن يتحرك المال، وأن ينمو، ونماؤه دائما من أجل نماء الحياة، ومن أجل نماء الإنسان، والإسلام لايبني اقتصادا معزولاً عن حركة النفس الصاعدة، وإنما تصعد حركة المال في الإسلام لتساعد على صعود حركة النفس إلى الله تبارك وتعالى.
زكاة المال في نفسه على المستوى الفردي وعلى المستوى الاجتماعي، وزكاة النفس التي تملك المال إنما تتمّ ببذله، والزكاة تعني النمو، وتعني الطهر والسمو، والنفس تسمو وتطهر من خلال البذل، ويخلص توحيدها، ويشف داخلها، وتسمو على طريق ربها سبحانه وتعالى كلّما بذلت في سبيل الله.
اللهم صل على محمد وآل محمد، واغفر لنا ولإخواننا المؤمنين والمؤمنات أجمعين، وتب علينا إنك أنت التواب الرحيم.
اللهم اجعلنا من دعاة الحق وسعاة الخير والباذلين في سبيلك، والمنفقين في مرضاتك، والطالبين المنزلة عندك يا أكرم الأكرمين، ويا أرحم الراحمين.
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
{إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ (1) فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ (2) إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الْأَبْتَرُ (3)}
الخطبة الثانية
الحمدلله الذي لايظلم العباد، ولايخلف الميعاد، وهو الهادي إلى الرشاد، والموفق للسداد. أشهد أن لا إله إلا الله وحده لاشريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وآله وزادهم تحية وبركة وسلاماً.
عباد الله أوصيكم ونفسي الأمّارة بالسوء بتقوى الله، وأن نأخذ بقوله تعالى {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ}(1).
ولن يقي أحد نفسه النار ما لم يعرف نفسه عبداً مأموراً، وأن له ربّاً آمراً، وأن لارب غير الله، ولامعبود سواه، وما لم يتخذ أمر الله أمراً جدّاً لاهُزْءاً، ونهيَه نهياً حقّاً لاهَزْلا.
وليرحم عبد نفسه من نار أعدَّها الله لغضبه لا قِبَل لأحد بها ولا طاقة له عليها. أعاذنا الله وإخواننا المؤمنين والمؤمنات ووالدينا ومن يعنينا أمره من ناره وغضبه، وغفر لنا ولهم وتاب علينا جميعاً إنه هو التواب.
اللهم صل وسلم وزد وبارك على حبيبك المصطفى محمد الصادق الأمين، خاتم النبيين والمرسلين، وعلى علي أمير المؤمنين وإمام المتقين، وعلى فاطمة الزهراء الصدّيقة الطاهرة المعصومة.
وعلى الأئمة الهادين المعصومين الحسن بن علي الزكي، والحسين بن علي الشهيد، وعلي بن الحسين زين العابدين، ومحمد بن علي الباقر، وجعفر بن محمد الصادق، وموسى بن جعفر الكاظم، وعلي بن موسى الرضا، ومحمد بن علي الجواد، وعلي بن محمد الهادي، والحسن بن علي العسكري، ومحمد بن الحسن المنتظر القائم.
اللهم عجل فرج ولي أمرنا المنتظر القائم، وحفه بملائكتك المقربين، وأيده بروح القدس يارب العالمين، اللهم انصره نصراً عزيزا، وافتح له فتحاً مبيناً.
عبدك الموالي له، الممهد لدولته، والفقهاء العدول، والعلماء الصلحاء، والمجاهدين الغيارى وفقهم لمراضيك، وسدد خطاهم على طريقك.
أما بعد أيها الأعزاء فهذه عناوين هذا الحديث:-
1. المرحلة القائمة وقوانينها.
2. التعليم الديني.
3. من الطائفية، وليس من الطائفية.
4. الانتخابات
وقبل ذلك وبمناسبة ذكرى رحيل السيد الإمام الخميني (أعلى الله مقامه) هذه بعض أسطر بالمناسبة.
غادر السيد الإمام الخميني (أعلى الله مقامه) هذه الحياة بعد أن سجَّل بمواقفه الصادقة وبطولاته الكبيرة، وإخلاصه العظيم، ووعيه الواسع، ورؤيته الدقيقة، وإرادته الخيّرة الصلبة، ونزاهته وتعفّفه وتقواه، وتمردّه على جواذب الأرض ومغريات المادة شهادة حق ناطقةً بيّنة على عظمة الإسلام، وتربيته العالية، وعلى العطاء الثّر للانتماء الصادق لمدرسة أهل البيت عليهم السلام.
فنعم التلميذُ لمدرسة أهل البيت عليهم السلام والذي استطاع من خلال حياته العامرة بالكفاح والتقوى والنزاهة أن يبرهن من بين عظماء كثيرين وأدلة غفيرة على عظمة مدرسة أهل البيت صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين مدرسة القرآن والسنة المطهّرة.
المرحلة القائمة وقوانينها:
1. نحن نعيش مرحلة يُفرض أنها مرحلةُ إصلاح سياسي وتنموي عام متواصل بعد أن ودَّعْنا مرحلة أخرى لها سماتها التي نتفق على أنها ضارة ومتخلِّفة وتشكل أزمة حقيقية خانقة.
ولقد آمن كل من الشعب والحكم بضرورة التخلص من سجن المرحلة السابقة وموابقها، وإلا حُكِم على الوطن بالخراب والدمار، وعلى إنسانه بالشقاء والعذاب.
2. وإن الإصلاح ليُقاس بنوع القوانين التي تسنُّ، والمشاريع التي تُنفّذ، والممارسة العملية على الأرض، والأزمات التي حُلّت والملفات التي تخلِّص منها، فعلينا أن نقيس مدى الإصلاح بكل هذا، أما دعاوى الإعلام فلا قيمة لها بتاتاً إذا كذّبها الواقع. كان الإعلام إعلاما حكوميا أو إعلام معارضة.
وليس من قوانين مرحلة الإصلاح قانون الجمعيات، وقانون التجمعات، وقانون الإرهاب.
ولا من مشاريع الإصلاح هذه المشاريع المتلاحقة المناهضة للأخلاق باسم السياحة النظيفة زوراً بدل المشاريع السياحية النظيفة فعلاً، وبدل المشاريع الإنمائية الجدّية الأخرى.
وعن الأزمات والملفات الحرجة نسأل: ماذا عن الملف الدستوري وتجميده؟ وملف الإسكان وعدم الوفاء باستحقاقاته؟! وملف التجنيس ومخالفاته؟! وملف البطالة ومآسيه؟! وملف التمييز الطائفي والقبلي وفضائحه؟! وماذا عن قصور الضمان الاجتماعي والتأمين في مورد التعطّل، وتسيّب العمالة الأجنبية، والاستملاك الاعتباطي الواسع للأراضي التي تحتاج عامة الناس إلى الشبر الواحد منها؟!
دعونا نعترف بأننا لازلنا بعيدين بمسافة هائلة عن استحقاقات المرحلة القائمة، وأن الإصلاح المشهود لايبشِّر كثيراً بالإصلاح الموعود، وأن الإرادة السياسية عند الحكم بحاجة إلى ثورة جديدة قوية جدّية من داخلها لتكون أقرب إلى حقيقة الإصلاح وجدّيته.
3. وعلى كل القوى السياسية الأهلية من مؤسسات وأفراد أن تبذل أقصى جهدٍ ممكن في تنسيق وتكامل وضمن الأطر القانونية من أجل مواجهة شبكة القوانين الجائرة المتخلّفة التي يراد تمريرها، والوقوف ضد هذه المحاولة إخلاصاً للوطن والمواطن وحفاظاً على الأمن والاستقرار وكرامة الإنسان.
وأن تتحرك جاهدة على المسار نفسه وبالصورة القانونية للتخلص من الأزمات المعوِّقة بتحريك الملفات الساخنة والضرورية مما ذكرنا وغيره طلباً للحل، وتحقيقاً للإصلاح، ونهوضاً بمستوى الوطن.
التعليم الديني:
المستشفى الحكومي عامٌّ لكل مواطن أن يستفيد منه، والشارع عام والاستفادة منه يجب أن تكون عامة، والمدرسة والجامعة عامتان وميزانيتهما من الميزانية العامة ولكل طالب حق الاستفادة منهما، والوطن للجميع، والإسلام محترَمٌ بكل مذاهبه، والتعبُّد أمر حدّيٌ لاتصرف فيه، والعقائد محل اعتزاز لاتفريط فيها، وتدريس مذهب معين لأهل المذاهب الأخرى وإكراههم عليه مع كونه لايلبي الحاجة الفعلية للطلاب ويشغلهم بما لايرونه محل التكليف مشوش لذهنيات الكثير منهم ومربك لها بلحاظ عدم تلقيهم لمعلومات مذهبهم الخاص، وهو بالإضافة إلى ذلك يمثّل نوعاً من الإكراه في الدين.
إن تعلّم الطلاب من أهل المذاهب الإسلامية لأسس مذهبهم والحد الأدنى من الفقه اللازم عمليّاً حسب ذلك المذهب في المدارس الرسمية التي تمثل مرفقاً تعليمياً عاماً لكل المواطنين في بلد دينه الإسلام حق ثابت في ذمة الحكومة بلا مراء، وقد عُطِّل هذا الحق طويلاً، وحُرِم أهله الكثيرون من التمتع به ولاينبغي التمادي أكثر مما كان في حرمانهم من هذا الحق.
ومن هذا المنطلق نُطالب بكامل الجدّية والتصميم بتدريس التربية الإسلامية في المدارس والجامعات الرسمية لأتباع المذهب الإمامي الإثني عشري طبقاً لمذهبهم.
وليست هذه المرة الأولى التي يُفتح فيها هذا الملف في تاريخ البحرين ولكن آن الأوان لأن يبقى مفتوحاً ومحل التأكيد والمطالبة والإصرارعليه منذ اليوم. وهو حق من حقوق المواطنة الكاملة ولا ينبغي السكوت عنه والتستر عليه، وحين يُطرح إنما يطرح بعيداً عن كل الإثارات الطائفية، وما يتبعها من ردود فعل مجانسة.
أما الكلام الإنشائي الذي يُواجه به البعض المطالبة بهذا الحق فلا يُصغى إليه، ولايمكن أن يردّ أهله عن المطالبة به. ولا مشكلة أبداً في العدل وإعطاء الحق، وإنما المشكلة في الظلم وسلب الحق.
وإنما تنمو العصبيّات، أو تكون الفتن، وتنفصم عرى المجتمع إذا تُنكِّر للحقوق، لا إذا اعترف بها، وإعطاؤك فئة حقّها لايعني أبداً سلب الحق عن فئة أخرى.
وكما وجدت الحكومة كما تقول أن فتح معهد ديني جعفري إلى جنب المعهد الديني السني أقربُ إلى العدل، والأخذ بالروح الديموقراطية، وإلى الاعتراف بالخصوصية المذهبية وأن ليس في ذلك ما يُغذِّي الطائفية، بل يسد بابها فكذلك هو الأمر بالنسبة لتدريس المذهب الجعفري لطلاب المدارس الرسمية الأخرى.
والحاجة إلى تدريس المذهب في المدارس الرسمية هو الأمر الضروري بالنسبة لنا، والذي لاينبغي الكفّ عن المطالبة به حتى تحقيقه.
وكل ما يذكر في المقابل لايمكن أن يلغي هذا الحق.
من الطائفية وليس من الطائفية:
من الطائفية أن تسعى سعياً يضرُّ بإخوانك من الطوائف الإسلامية الأخرى. أو أن تنال من دمائهم أو أموالهم أو أعراضهم بغير حق.
ومن الطائفية أن تسكت على ظلم مظلوم لأنه من الطائفة الأخرى.
ومن الطائفية أن تثير البغض لأهل الطائفة الأخرى، وأن تحقِّرهم، وترتكب الكذب والزور والبهتان لأذاهم.
ومن الطائفية أن تقبض يدك عن المحتاج والضعيف من الطائفة الأخرى.
ومن الطائفية أن تنشر الجهل والفساد وسقوط الخلق في أبناء الطائفة الأخرى.
وليس من الطائفية أن تطلب صلاح نفسك وصلاح طائفتك ورقيّها إصلاحاً للوطن ورقيّاً به.
وليس من الطائفية أن تطالب بحقوقك وحقوقها وأن تقف على قدم المساواة مع بقية إخوانها من المواطنين في الحقوق كما هو الأمر كذلك في الواجبات.
وليس من الطائفية أن تنشر معارف مذهبك بلغة تتسم بالعلم والأدب من غير أن تنبو الكلمة على لسانك أو قلمك لتسفّه الآخرين وتنال من كرامتهم.
وليس من الطائفية أن تنشدّ إلى مراكز العلم والإشعاع العقيدي والفقهي تستنير بها وتسترفد منها.
الانتخابات:
بعيداً كلّ البعد عن مسألة الانتخابات النيابية القادمة التي لها خصوصيتها المعيَّنة، وظروفها الخاصَّة، وموانعها المعروفة فإن أي انتخابات طلابية أو عمالية أو تجارية أو انتخابات معلمين مما يُتوقع لنتائجه أن تؤثر بسلب أو إيجاب على المصلحة الإسلامية والوطنية، ويمكن أن تنقذ شيئاً من الحق، وتعطي بعض التصحيح يتحمل المؤمنون مسؤولية المشاركة فيها بكل جدية ونشاط وإخلاص بروح الحفاظ على الإسلام، وتحقيق المصلحة الوطنية وبعيدا عن التفكير الفئوي، وشعوره الضيّق.
وإنّه كلما سنحت فرصة من هذا النوع لزم عدم التفريط بها لأنها إنما تأتي نتيجة لطريق طويل من العطاء والتضحية والمجاهدة، ولأنه لابديل يفضُلها أو يغني عنها.
والانتخابات تحتاج دائماً إلى وعيٍ وحسٍّ نابه، وخبرة سياسيّة وموضوعية، وحنكة وتدبير، ومرجعية رشيدة في مجالها الخاص ترشد وتحدد المسار، وتعين على حسن الاختيار، بما تملك من دقة التشخيص، والإخلاص وبُعْدِ النظر، والمعرفة بكثير من التشابكات المرتبطة بهذه الساحة بخصوصها أو تلك الساحة.
اللهم صل على محمد وآل محمد، واغفر لنا ولإخواننا المؤمنين والمؤمنات أجمعين، وتب علينا إنك أنت التواب الرحيم. اللهم بصّرنا في أمرديننا ودنيانا، واجمع لنا خيرهما، وادرأ عنا الشر، واكفنا الضر، واحمنا من السوء، وأحسن عاقبتنا، ولاتخرجنا من الدنيا حتى ترضى عنا ياكريم يارحيم.
{إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاء ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ}
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 – 6/ التحريم.