خطبة الجمعة (200) 11 ربيع الثاني 1426هـ – 20 مايو 2005م
مواضيع الخطبة:
الرياء + تدنيس المصحف الشريف + درسان من العراق + بيان المجلس الأعلى والشؤون الإسلامية
البيان المنسوب إلى المجلس والوزارة لاندري عن خلفيته ولكن مهما كانت خلفيته فهو بيان خطير جدّاً، ويرسم صورة جديدة مرعبة للمجلس الأعلى للشؤون الإسلامية.
الخطبة الأولى
الحمدلله الذي بصَّر وهدى، وأغنى وأقنى، ودفع ومنع، ووقى وكفى، وأنقذ وشفى. أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له. لايحتاج، ويُحتاج إليه، يجير ولايُجار عليه. وأشهد أن محمداً عبده ورسوله الذي بارك له في حياته ومماته، ورفع درجته وأعلى منزلته صلى الله عليه وآله وسلم تسليما كثيرا كثيراً.
أوصيكم عباد الله ونفسي الأمارة بالسوء بتقوى الله، وما اتقى اللهَ عبدٌ اشترى مرضاة المخلوق بمرضاة الخالق، وهان عليه سخط ربه اتقاء لسخط العبيد.
وكم من مسخط لله عز وجل ليرضى عنه قريب أو بعيد، صديق أو عدو، أو يُسرّ زوج أو ولد، أو يتقي عاراً في نظر الجهال وسفلة النّاس ومن لا دين له؟!
وإن القلوب ليصطرع فيها الإيمان والشرك حتى يجد الكثير منها أن إيمانها قليل وشركها كثير، وأنها تُغلب للشرك في العديد من مواقف اليوم والساعة على أن أصحابها ممن يصلي ويصوم.
أعاذنا الله وإخواننا المؤمنين والمؤمنات أجمعين من الشرك ما ظهر منه وما خفي، ومن غفلة النفس، وغلبة الهوى، واستحواذ الشيطان الرجيم. وغفر الله لنا ولهم أحياء وأمواتا وتاب علينا إنه التواب الرحيم.
أما بعد فالحديث عن الرياء:-
والرياء أن يُرى الإنسانُ الناس من نفسه الطاعة لله، والإخلاص له، والتفاني في عبادته، وهمّه أن ينال الإعجاب منهم، والمنزلة عندهم، والثقة بينهم. وفي ذلك تعظيم للمخلوق وتصغير للخالق، وثقة بالناس أكثر من الثقة بالله، واستغناء بهم عنه، وركون إليهم لا إليه، واعتمادٌ عليهم لا عليه.
وللمرائي ظاهر من الخشية لله بينما قلبه فاجر كما تفيد الكلمة عن لقمان الحكيم “يابنيّ لاتُرِ الناس أنك تخشى الله وقلبك فاجر”(1).
ولن يكون الإنسان يوم القيامة بوزنه في أعين الناس، وبما ظهر من عمله، وإنما منازل الناس غداً على قدر ذواتهم(2)، ووزنها الحق، وماهو واقعها في الباطن. تقول الكلمة عن الباقر عليه السلام “من كان ظاهره أرجح من باطنه خف ميزانه”(3).
فما به الاعتبار، وما عليه الجزاء هو الذات، فإذا كانت خفيفة خفّ الميزان، وكبرت الخسارة، وإن ثقلت ثقل الميزان، وعظم الربح، وحسن الجزاء.
والذات الإنسانية بمعرفتها بربها وصدق نيتها، وإخلاص عملها لوجهه الكريم.
ولاينفع نفساً أن يراها الناس جميلة وهي تعلم من نفسها القُبح، فهذه لايمكن أن تعيش روعة الجمال ولذة الحسن، ومِتعة الصفاء، وإنما قبحها يزهِّدها فيها، ويقلل من شأنها في نظرها، وينفّرها منها، ويجعلها مسكونة للوحشة والاحتقار للذات. ولايغنيها وهي القبيحة البائسة المظلمة أن يتراءى للنّاس وهماً منها غنى وجمال، والرياء لايصنع غير ذلك.
ولنسمع إلى علي أمير المؤمنين عليه السلام في الكلمة عنه “ما أقبح بالإنسان باطناً عليلاً وظاهراً جميلاً”(4). فمن اعتل وقبح باطنه فهو قبيح، وليكن ظاهره ما يكون جمالاً، وليملأ الدنيا عملا صالحاً في ظاهر العيون. فهذا الجمال الظاهري كله لايغسل قبحه، ولا يأتي على شيء من ظلمة نفسه، ولا يعالج سُقمها، بل وهو يصدر في ما هو في ظاهره حسنٌ عن قصد سيء، وغرض دنيء، يزيد حالهُ سوء النفس سوءا، وقبحها قبحا، ودناءتها دناءة، ويضاعف ظلمتها ظلمة.
ولنقف عند بعض العناوين تتمة للحديث:
نفوس مكشوفة:-
ما من نفس إلا وهي معلومة وما انطوت عليه لبارئها، وإن يخفَ من العبد شيء على غير الله، فإنه لايخفى منه على الله شيء. فكل شيء مكشوف لعلم الله، وإنه تبارك وتعالى {يَعْلَمُ خَائِنَةَ الْأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ}، وفي الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وآله “إن الملك ليصعد بعمل العبد مبتهجاً – الملك فرح بهذا العبد لأنه عمل عملا صالحاً – به فإذا صعد بحسناته يقول عز وجل اجعلوها في سجِّين إنه ليس إياي أراد به(5)”(6).
من الرياء ما يدقُّ ويغمض لا على الناس فحسب، بل حتى على الحفظة من الملائكة، ولكن لاشيء يمكن أن يخفى على الله إذ كيف يخفى عليه سبحانه ما لايقوم إلا به، ولايكون إلا بقدرته؟ فالوزن الحقُّ لكل نفس والذي لايغادر صغيرة ولاكبيرة، ولا ظاهرة ولا خافية إلا أحصاها إنما هو عند الله خالق النفس ومدبرها والمحيط بأمرها كلّه.
فالحذر الحذر من توهم الهروب من علم الله، ومن تخيّل جدوى محاولة الهروب من علم النّاس لولا ستر الله. كل المحاولات التي يبذلها المرء للتستر على نفسه أمام أعين الناس لاتنجح لو لا ستر الله عليه، ومن هان عليه علم الله بقبيحه عرّض نفسه إلى سخطه، وكشف الستر عنه، والله لايعجزه معاجز.
وما أكبر المصيبة على عبد علم الله بقبح سريرته، وتعظيمه للناس وتصغيره لأمر خالقه، بأن يريد بطاعته غيره، ويكون تقربه بما ظاهره الحسن لمن سواه.
عن الرسول صلى الله عليه وآله وسلم “… وتصعد الحفظة بعمل العبد مبتهجاً به… فيطأوون الحجب كلها حتى يقوموا بين يدي الله فيشهدوا له بعمل صالح ودعاء، فيقول الله تعالى أنتم حفظة عمل عبدي وأنا رقيب على ما في نفسه. إنه لم يردني بهذا العمل. عليه لعنتي…”(7) ذلك المصلي الحاج الباذل ظاهراً في سبيل الله.
فكم من حج وصلاة، وخمس وزكاة، وجهاد وأمر بمعروف ونهي عن منكر أراد به أهله غير الله فاستتبع لعنته عليهم، وطردهم من رحمته وحرمانهم جنته؟! فلا نفعلْ، ولا نغفلْ، ولانقعْ فريسة لفتنة الدنيا. ولا عاصم إلا الله، ولا نجاة إلا بعصمته، ولا خير إلا برحمته، وهلك من كان اتكاله على نفسه وعزيمته.
عن الصادق عليه السلام “يجاء بعبد يوم القيامة قد صلّى، فيقول ياربّ صليت ابتغاء وجهك فيقال له: بل صليت ليقال ما أحسن صلاة فلان، اذهبوا به إلى النار…”(8). هذا عبد في ظاهره ممن صلى، ولكنه في واقعه ممن لم يصلى فهو في النار، بل هو أشد من تارك للصلاة لأنه قد اتخذ من دون الله إلاهاً، وعبد غير الله عندما طلب إعجاب ذلك الغير واستحسانه عمله مهملا لشأن الله وعظمته.
والجهاد وهو بر ليس فوقه بر، والقتل في الصف المؤمن، وتحت راية الحق المبين حين يأتي رياءً إنما ينتهي بصاحبه إلى النار فما عن الرسول صلى الله عليه وآله “إن أولى الناس أن يُقضى يوم القيامة عليه رجل استُشهد فأتي به فعرَّفه نعمه فعرفها. قال فما عملت فيها؟ قال قاتلت فيك حتى استُشهدت. قال: كذبت، – الله عز وجل يقول للعبد كذبت – ولكنك قاتلت ليقال جري، فقد قيل ذلك ثم أُمر به فسُحب على وجهه حتى أُلقي في النار”(9).
الضمير المستتر في عرّفه عائد على الله سبحانه. قاتلت فيك: في سبيلك ومن أجلك قتالا خالصا لوجهك. فقد قيل ذلك معناه وبذلك تم جزاؤك الذي كان من أجله عملك. وسحبه على وجهه وإلقاؤه في النار في صورة ازدرائية فيها سحقه ومهانته لأنه عَبَدَ إلاهاً غير الإله الحق، ورأى العظمة لغير الله، وقدَّم جزاءه على جزاء الله.
اللهم صل على محمد وآل محمد، واغفر لنا ولإخواننا المؤمنين والمؤمنات أجمعين، وتب علينا إنك أنت التواب الرحيم.
اللهم اجعل خوفنا منك، وأملنا بك، ورجاءنا فيك، وحبنا لك، وعبادتنا خالصة لوجهك الكريم. اللهم ارحمنا في الدارين وأجزل ثوابنا عندك ولا تجعل لنا تطلعاً لسواك، ولا طمعاً في ثواب من دونك يا أكرم الأكرمين ويا أرحم الراحمين.
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
{أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ (1) حَتَّى زُرْتُمُ الْمَقَابِرَ (2) كَلَّا سَوْفَ تَعْلَمُونَ (3) ثُمَّ كَلَّا سَوْفَ تَعْلَمُونَ (4) كَلَّا لَوْ تَعْلَمُونَ عِلْمَ الْيَقِينِ (5) لَتَرَوُنَّ الْجَحِيمَ (6) ثُمَّ لَتَرَوُنَّهَا عَيْنَ الْيَقِينِ (7) ثُمَّ لَتُسْأَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ (8)}
الخطبة الثانية
الحمدلله خالق كلِّ شيء ولم يخلقه شيء، ورازق كل شيء ولايرزقه شيء، الظاهر على كل شيء، المنقاد إليه كلُّ شيء، المسبَّح من كلِّ شيء، القائم به كلُّ شيء.
أشهد أن لا إله إلا الله وحده لاشريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله صلى الله عليه وآله وسلم تسليما كثيراً كثيراً.
أوصيكم عباد الله ونفسي الخطّاءة بتقوى الله، والاهتداء بهديه، واستقاء الوعي والشعور الزكي من دينه، والاجتهاد في تأديب النفس وتقويمها، والنأي بها عن سفاسف الأمور إلى معاليها؛ فليس من عمارة صالحة يجد الإنسان فيها راحته ونعيمه وسعادته دون عمارة النفس إذا صلحت وزانت وطهرت. وليس من سبيل لهدى النفس ورشدها وصلاحها غيرُ سبيل الله التي لم يخرِّج سبيلٌ غيرها قمم الإنسانية الشامخة.
ومن لم يسابق الزمن فاتته الفرص، وباغتته النهاية، وأُورث الندم.
اللهم اغفر لنا ولإخواننا المؤمنين والمؤمنات أجمعين وتب علينا وعليهم إنك أنت التواب الرحيم. الله لاتبتلنا بالسَّأَم، ولاتجعل نشاطنا في ما لايرضيك، ولاتنته بنا إلى الندم.
اللهم صل وسلم وزد وبارك على حبيبك المصطفى محمد بن عبدالله الصادق الأمين، خاتم الأنبياء والمرسلين، وعلى علي أمير المؤمنين وإمام المتقين، وعلى فاطمة الزهراء الصدّيقة المعصومة الطاهرة.
وعلى الأئمة الهادين المعصومين الحسن بن علي الزكي، والحسين بن علي الشهيد، وعلي بن الحسين زين العابدين، ومحمد بن علي الباقر، وجعفر بن محمد الصادق، وموسى بن جعفر الكاظم، وعلي بن موسى الرضا، ومحمد بن علي الجواد، وعلي بن محمد الهادي، والحسن بن علي العسكري، ومحمد بن الحسن المهدي المنتظر القائم.
اللهم عجل فرج ولي أمرنا القائم المنتظر، وحفه بملائكتك المقربين، وأيده بروح القدس يارب العالمين، اللهم انصره نصراً عزيزا، وافتح له فتحاً مبيناً.
عبدك الموالي له، الممهد لدولته، والفقهاء العدول، والعلماء الصلحاء، والمجاهدين الغيارى، والمؤمنين والمؤمنات أجمعين وفقهم لمراضيك، وسدد خطاهم على طريقك ياكريم.
أما بعد أيها الأعزاء الأكارم من المؤمنين والمؤمنات فإلى بعض الشؤون من شؤون المسلمين:
تدنيس المصحف الشريف:-
1. جريمة قذرة بشعة يرتكبها الوجود الرسمي الأمريكي في معتقل جوانتنامو الرهيب الظالم. والتقصِّى من الجريمة بعد انكشافها محاولة يائسة لتضليل المسلمين.
2. الجريمة تعني سقوطا دينيا ذريعا، وتعني عدوانا على الدين كلّه، فما سُبّ دين إلا وكاد يسبّ الدين الآخر، وما أُهينت مقدسات دين إلا وكادت مقدسات الدين الآخر أن تُهان. وهو سقوط أخلاقي فإنه ليس منسجماً مع الأخلاق الإنسانية أن تُشتم مقدّسات الأديان، وسقوط حضاري فإنه ليس من المنسجم مع حضارة راقية أن تستعمل لغة السب والشتم والإهانة للمقدسات، وسقوط إنساني لأن في هذا اللون من إهانة المقدسات تمرّداً واضحاً على الإنسانية، وفيه دليل واضح على تحوّل النفس المرتكبة لمثل هذه البشاعات إلى شيطان رجيم، وهو سقوط لديموقراطية الغرب التي لم تعد تقبل الآخر لاوجودا ولا عقيدة ولا مقدسات ولا مصلحة ولا رأياً.
3. على الأمة أن تثبت وجودها وتحترم نفسها ليعترف بها الآخرون، ويعطوها ما تستحقه من الاحترام، وما لم تحترم الأمة نفسها بالوقوف أمام هذه المحاولات الشيطانية فإنها ستُهان أكثر، وستُداس كرامتها، وسيستأسد الشياطين في وجهها.
4. ومثل هذه الأحداث والتحديات فيها اختبار لإرادة الأمة. وحتى تسريب أخبار هذه الجرائم التي تنتهك حرمة الأمة ومقدَّساتها وتجرح كرامتها قد يكون من ضمن التخطيط للاختبار؛ فلعل الأمة تستعسل المهانة.
نعم نشر الخبر قد يكون من ضمن المخطط، الذي يريد أن يختبر إرادة الأمة، وهل أن الأمة قد استسلمت للمهانة تمام الاستسلام أم أن روح الكرامة لازالت تنبض في داخلها.
درسان من العراق:-
1) سماحة آية الله العظمى السيد السيستاني يؤكد على مشاركة مكونات الشعب العراقي في العملية السياسية وصياغة الدستور، والحكومةُ العراقية بأطرافها المنتصرة انتخابياً تسعى بكل جد إلى ذلك.
2) والطريق عندهم ليس هو الدعوة الفارغة وإنما الحوار الجدي والعروض السياسية المعقولة.
3) وفي المشاركة في العملية السياسية وفي صياغة الدستور من كل مكونات الشعب العراقي قوة العراق ووحدة العراق، وتقدم العراق، وأخوة العراق واستقرار أمنه، وهيبته وتقديره.
4) والحكومة عندنا في البحرين تدعو للمشاركة السياسية كذلك، ولكن الدعوة هنا فارغة وفوقية بلا إرادة حوار، وبلا أي تنازلات. ينبغي للحكومة هنا أن تأخذ درساً من الواقع العراقي.
5) وفي المشاركة العامة في العملية الانتخابية المقبلة علامة إجماع، وقوة للنظام، وحسن سمعة سياسية عالمية، وراحة بال، وانتعاش اقتصادي، واستفادة من كفاءات عالية مهمّشة، وإخصاب للتجربة الديموقراطية في المجلس المنتخب، وتهدئة للشارع بل في ذلك التفافه بالقضية الإصلاحية واطمئنانه لها.
6) والشعب يُقدِّر قيمة المشاركة وجدواها الوطنية ويحرص عليها، ولكن المشاركة التي يحرص الشعب عليها ويؤمن بها هي المشاركة التي تعطي مردوداً إيجابياً، وهذه المشاركة تحتاج إلى تعديلات دستورية، وإلى صلاحيات جدية للمجلس المنتخب، وإلى قانون عادل لتوزيع الدوائر الانتخابية.
وإلا فمجرد المشاركة، والمشاركة في حدّ ذاتها قد لاتعني شيئاً، ولاتعني إلا الشيء السلبي. فالمشاركة مطلوبة، ولكن ليس كل مشاركة، وإنما المشاركة المطلوبة مشاركة في طول التعديلات الدستورية، وفي طول تعديل الدوائر الانتخابية، وفي طول إعطاء المجلس المنتخب صلاحيات جدية.
الدرس النافع هنا هو أن تحرص الحكومة عندنا حرصا جدياً على مشاركة كل أبناء الوطن من أصحاب حق الترشيح والانتخاب في العملية الانتخابية ترشيحاً وانتخاباً مدعّمة هذا الحرص بقانون انتخابي عادل وصلاحيات جدية للمجلس المنتخب ومجلس شورى يقتصر دوره على إبداء الرأي والمشورة غير الملزمة، وتعديلات دستورية مجزية.
أمّا الدرس الآخر من العراق فيتعلق بمستنقع الطائفية ومحرقتها التي تكاد تشتعل فيه وهو بلد التآخي الإسلامي المعروف لأعمال لم يهُبّ في وجهها الجميع، ولكلمات وفتاوى تقوم على الفتنة لاقت تساهلاً وتغافلاً حتى نمّت شعوراً، وخلقت فتنة وقى الله المسلمين شرّها.
وكيف يتعامل السنة والشيعة مع بدايات من هذا النوع الخطير في البحرين؟ وهل تتحمل الحكومة وهي المسؤولة الأولى واجبها؟ أو تقدم من بعض المدن الحديثة مثالاً صارخاً للطائفية يؤدي إلى تباعد الأخوة.
كلمة من هنا، وكلمة من هناك مع شاهد حي تقيمه الحكومة على الأرض كل ذلك يؤدي إلى الفتنة.
وأنا أطالب الشيعة الكرام، والسنة الكرام أن لايدخلوا في مأزق الطائفية، وأقول للشيعة وإن أوجعهم الجرح إلا أن عليهم أن لاتصدر منهم كلمات تثير الفتنة أو تساعد عليها. لابد من ضبط اللسان، وضبط القلم، وإذا كان نقاش، وإذا كان احتجاج فهو احتجاج من باب حق المواطنية، وينبغي أن يأتي بعيدا عن اللغة الطائفية.
وهل يترك للعصبية أن تحرق بلداً بكامله، وأن تحوّل الجو إلى عاصفة، والأرض الآمنة إلى غابة من أجل قطعة أرض لمسجد أو حسينية هنا أو هناك وبيد الحكومة أن تحلّ المشكلة، وتقطع على الفتنة طريقها وتحول دون اشتعال الحريق؟!
بيان المجلس الأعلى والشؤون الإسلامية:- (المصدر جريدة الأيام 14/5/2005م.
صدر بيان من المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية ووزارة الشؤون الإسلامية في الرابع عشر من الشهر الخامس لهذا العام.
جاء فيه:
أ. “وحيث إن أمر الفتوى والتصدي لها شأن عظيم لاينبغي إلا لمختص في العلوم الشرعية وله باع طويل ودراية بما يُصلح المجتمع”.
والتصدي للفتوى على مستويين:-
التصدي بالنقل، والتصدي بالاجتهاد.
ب. “فإن المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية ووزارة الشؤون الإسلامية باعتبارهما جهة الاختصاص يؤكدان منوهين في الوقت ذاته على أهمية التنسيق مع المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية ووزارة الشؤون الإسلامية قبل إصدار ونشر الفتاوى المخالفة لما استقرت عليه المذاهب الإسلامية”.
وهنا ملاحظات:-
1. عبَّرت الفقرة بأن المؤسستين جهة الاختصاص وليس بأنهما جهة اختصاص. قالت الفقرة بأن الجهتين حهة الاختصاص ولم تعدهما جهة من جهات الاختصاص. والتعبير الثاني فيه اعتراف لغير الوزارة والمجلس بالدخول في دائرة الاختصاص الفقهي والفتوائي. أما التعبير الأول فينفي عن الآخرين في البلد هذا الوصف.
وكأن لامختص في الفقه إلا وزارة الشؤون الإسلامية والمجلس الأعلى.
ولايُدرى ما علاقة الوزارة وهي لاتشترط الاجتهاد في منتسبيها وحتى على مستوى الوزير بصلاحية الفتوى أساساً وكذلك هو المجلس الذي لم يؤخذ في عضويته ولا رئاسته شرط الاجتهاد.
ومن أين جاء حق هذا القصر لصلاحية الفتوى على كل منهما، ومصادرة هذه الصلاحية عن المتصفين بدرجة الاجتهاد فعلاً كلما وجدوا؟!
2. ومن منطلق المرجعية الفتوائية المطلقة للمجلس والوزارة أكّدت الفقرة على أهمية التنسيق معهما قبل إصدار أي فتوى مخالفة لما استقرت عليه المذاهب. هذا ولم يأت في نظام المجلس أنه يمثل المرجعية الفقهية في البلد.
3. ما خالف أي مذهب من الفتاوى منقسم إلى قسمين:
أ. الخارج على ضرورة المذهب. وهذا القسم لايصححه إمضاء أكبر المجتهدين فكيف بإمضاء الوزارة والمجلس؟!
ب. ما خالف فتوى المشهور في المذهب. وهذا القسم الاجتهاد فيه مفتوح لمن يتمتع بأهلية الاجتهاد، ولا حاجة لإمضاء المجتهدين الآخرين لفتوى مجتهد خرجت على المشهور.
فمن أين أعطى المجلس والوزارة لنفسهما حق الإشراف العلمي على حركة الاجتهاد، وحق التعقيب على الفتاوى، والمرجعية المطلقة لكل رأي فقهي وبما يخرج على قواعد وشروط الاجتهاد ومسلمات المذاهب؟!
البيان المنسوب إلى المجلس والوزارة لاندري عن خلفيته ولكن مهما كانت خلفيته فهو بيان خطير جدّاً، ويرسم صورة جديدة مرعبة للمجلس الأعلى للشؤون الإسلامية. ونحن نرفض هذا البيان بمحتوياته الخطيرة أساساً ولايمكن أن نستسلم له وإلا زوّرنا دين الله، وأحكمنا حبل المشنقة على عنق الشريعة.
اللهم صل وسلم على محمد وآل محمد، واغفر لنا ولإخوانن المؤمنين والمؤمنات أجمعين وتب علينا وعليهم إنك أنت التواب الرحيم. اللهم اجعل هوانا في ما أحببت، وكرهنا لما كرهت، وسعينا لما دعوت إليه، ورغبت فيه، وحياتنا هانئة، وآخرتنا رابحة مفلحة سعيدة مرضيَّة يا من إليه يرغب الراغبون، ولايرد عن بابه السائلون ياجواد ياكريم.
{إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاء ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ}
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 – ميزان الحكمة ج4 ص22.
2 – كم وزن الذات؟ أنه وزن الإنسان يوم القيامة، من كان صغير الذات كان صغيرا يوم القيامة، من كان حقير الذات كان حقيرا يوم القيامة، من كان نقي الذات، عظيم الذات كان عظيما يوم القيامة.
3 – المصدر السابق.
4 – إنسان هو في باطنه عليل سقيم ماأقبحه، وإن كان في ظاهره جميلا رائعا في أعين الناس.
5 – أي بالعمل الصالح. الذي ظاهره صالح.
6 – ميزان الحكمة ج4 ص24.
7 – المصدر السابق.
8 – المصدر السابق.
9 – المصدر ص30.