خطبة الجمعة (198) 27 ربيع الأول 1426هـ – 6 مايو 2005م

مواضيع الخطبة:


 الزهد +  وحدة الوطن والأمة + تلوث بيئة وتخريب أخرى + النيابي وتحريك الملف الدستوري

 يوم وحدة الأمة الإسلامية هو يوم وحدة العالم لأنها لو توحَّدت على أساس الإسلام لتمّ سبب توحيد العالم على هدى الله ودينه القويم.

الخطبة الأولى

الحمدلله الذي ذكره شرف للذاكرين، وشكره فوز للشاكرين، وطاعته نجاة للمطيعين، لايضرُّ مع رضاه سخط ساخط، ولاينفع مع سخطه رضا راض، إليه مرجع كل شيء، وهو على كلّ شيء قدير.
أشهد أن لا إله إلا الله وحده لاشريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وآله وسلم تسليما كثيرا كثيراً.
أوصيكم عباد الله ونفسي الخاطئة بتقوى الله فإنه لا باب لخير الدّنيا والآخرة إلا بابُ التقوى، ولا مخرج من كيد الشيطان إلا بها، ومن أراد الستر فليتدرع بالتقوى، ومن رغب في تفريج همّه وغمِّه فليأخذ بها، ومن طلب النجاة من النار، والفوز بالجنة فلا عدول له عنها.
ارغبوا رحمكم الله فيما رغَّب لكم ربّكم، وازهدوا في ما زهّدكم عنه، فإنه لم يرغبْكم إلا في ما يُصلحُ أمر أولاكم وأخراكم، ولم يزهدْكم إلا في ما فيه ضرُّهما، ولن تجدوا من لاتتهمونه في أمر أو نهي كالله العلي العظيم، فلا تقدّموا على الله أحدا، ولاتعدلوا به مَنْ دونه أبداً.
اللهم صل على محمد وآل محمد، واغفر لنا ولإخواننا المؤمنين والمؤمنات أجمعين، وهب لنا ولهم من لدنك رحمة وقنا عذاب النار. اللهم اجعلنا لانقبل عنك بدلاً، ولانعدل بك أحداً، ولا نرضى عن دينك متحوّلاً ياأرحم الراحمين، وياأكرم الأكرمين.
أما بعد أيها الأعزاء من المؤمنين والمؤمنات فهذه عودة للحديث عن الزهد الذي هو خلق من خلق القوة، وقوة من قوة الإرادة والعزيمة والصمود، ومستوى رفيعٌ من مستويات النفس العالية، وغنى كبيرٌ من غنى الذات. ولتكن هذه المتابعة للموضوع تحت أكثر من عنوان مما يتسع إله الوقت:-
رؤية مبصرة:-
تقف وراء أخلاقية الزهد رؤية مبصرة، ونظر صائب دقيق لأمهات من القضايا تُمثل الأساس في صوغ النفس وحركة الحياة.
يقرر هذا النظر أن الغنى بالصلة بالله أكبر من الغنى بالمال، ومن أهل المال وأي شيء آخر، وأن للبدن حاجات، وللروح حاجات، وحاجاتُ البدن لبنائه، وحاجات الروح لحياتها والأخيرة هي التي بها سمو الإنسان، ومايزيد على حاجات البدن مفسد له وللروح معاً، وحاجات الروح لاتنقضي ومتطلباتها ليس من بينها في القاعدة هدم البدن، وأن الإنسان في روحه ومعناه لا في جسمه ومادته، والبقاء للآخرة لا للدنيا، وللرح لا للبدن، وفي التزيد من الدنيا مشغلة للنفس مرهقة مشقية، وفي التبذّخ في طعامها وشرابها مقتلة قاضية. وفي التراكم المادي حساب، وفي نمو الروح وسمو المعنى نجاة وحسن مآب.
وخلفية هذا النظر معرفة مطمئنة بالله تنبثق منها بصيرة مهتدية بالأمور والأشياء والقضايا تجعل الهدف جليّاً، والطريق واضحاً، والمقاييس دقيقة، والمواقف منضبطة.
وهذه طائفة من النصوص الواردة عن المعصومين عليهم السلام في الربط بين الزهد بمعناه الإيجابي الكبير وقد تقدّم شيء من معناه في الأسبوع السابق، وبين الرؤية الإيمانية التي تعطي للأمور والقضايا أوزانها الحقيقية لا تتزيد فيها ولاتبخسها من حقِّها شيئاً:
عن الصادق عليه السلام:”فيما ناجى الله تعالى موسى عليه السلام “إن عبادي الصالحين زهدوا فيها بقدر علمهم بي، وسائرهم من خلقي رغبوا فيها بقدر جهلهم بي وما من أحد خلقي عظّمها فقرّت عينه…”.
كلما رأى الإنسان جمالاً أروع، وقدرة أكبر، ووجوداً أعظم، وحياة أشد وأسمى كلما أنساه ما رآه من ذلك ما هو دونه؛ فالدُّنيا عظيمة في قلبٍ لم ير الآخرة، وكل من عدا الله وما عدا الله كبير حتى يعرف القلب الله فلا يعظُم عنده شيء مثلَه، ولايشتغل بذكر كذكره. فتفاوت الجمال يجعل الجميل منسيّاً عند معرفة ما هو أجمل، وكم شغل علم عن قصر، وعبادة عن معاش، وصرف شعور بلذة الإحسان عن طلب الحِسان؟!
والدنيا تشقي محبّيها، وتهبط بنفسيتهم، وتغلبهم على أنفسهم، وتهوي بمستوى إرادتهم، وتثير فيهم روح جشع لاتملك أن تستجيب له، فينقلبُ ذلك حسرة قاتلة، وندامة مهلكة، وهي سراب يجد الراكضون وراءه من الواهمين في الأخير أنفسهم أنهم قد خسروا الحياة التي بذلوها سعياً إليه وتعباً ورهقاً من أجله.
وعن علي عليه السلام:”أصل الزهد اليقين، وثمرته السعادة”.
فاليقين يشدّ النفس إلى الله، ويملأ القلب بجماله، ويجعل تطلّعه إليه، وتقديسه له، وشغفه به، فلا تقوم لشيء عظمةٌ فيه كما لله، ولايدخل فيه حب بسعة وعمق وصدق كحبه لله، ولايلفت نظره شيء كما هو جمال الله وجلال الله. وصاحب اليقين يرى الآخرة ونعيمها وعذابها، وليس كنعيم الآخرة نعيم، فلا ينال نعيمٌ آخر رغبة في نفسه كذلك النعيم، وليس كعذابها عذاب فلا يرهب من عذاب رهبته من ذلك العذاب.
ومن وصايا أمير المؤمنين عليه السلام لابنه الحسن كما في الخبر عنه “أكثِر ذكر الآخرة، وما فيها من النعيم والعذاب الأليم فإن ذلك يزهدك في الدنيا ويصغّرها عندك، وقد نبأك عنها(1)، ونعت لك نفسها” والنبأ عنها أنها دار الغرور، ودار الفناء، وإنها لتنعى نفسها بما يفنى ومن يفنى فيها، وبصحة تتحول إلى مرض، وقوة تنتهي إلى ضعف، وعزٍّ إلى ذل، وحياة تؤول إلى ممات.
وعن العسكري عليه السلام “لو عقل أهل الدُّنيا خرِبت”.
لو عقِل أهل الدنيا قيمة دنياهم، وما عليه شأن الآخرة، وغفلوا عن التكليف بعمارة هذه الحياة وحدود الزهد الذي خطط له الإسلام ورضيه لخربت الدنيا. والزهد في الإسلام زهدٌ لايشل حركة الحياة، ولايعطّل دور الإبداع، ولا ينصرف بالنفس عن طيبات الرزق التي تنفعها، ولايمنع النفس استيفاءها لما يبنيها، وييسّر حركة نموها وكمالها. هو زهد يجعل الكبير مما في اليد أو خارجها من أشياء الدنيا أصغر من قيمة النفس، وأقل شأناً من أن يأسرها.
زهد لاتصغر به الحياة، وإنما تكبر به النفس. كلما كبرت الحياة وعظم الإنتاج فيها، وازّيّنت، وازدهرت، وتقدمت كلما كانت النفس التي بنتها أكبر، وكلما كان المستقطب لهذه النفس هو ربّها تبارك وتعالى لا ما بنته يد الإنسان وأبدعه فكره.
من نتائج الزهد:
1) زيادة في البصيرة:
“يا أبا ذر ما زهد عبد في الدنيا إلا أنبت الله الحكمة في قلبه، وأنطق بها لسانه، ويبصّره عيوب الدنيا وداءها ودواءها وأخرجه منها سالما إلى دار السلام”.
الشيء الذي نأخذه من هذا الحديث الشريف هو أن ارتباط القلب بالدنيا، وانشدادها إليه يحدث فيه أثرا سيئا، يحدث فيه عمى، يصم السمع، يعمي البصر، يُطفئ نور البصيرة، وأن التقليل من الارتباط بالدنيا، وعدم الارتماء في أحضانها، والإنتاج فيها ولكن بقصد الآخرة، والنشاط فيها لكن بروح متعلّقة بالله، منشدّة إلى جماله وجلاله، يُنجي من عمى البصيرة، يفتح نوافذ القلب وأبواب القلب على الحقيقة، يثير في القلب روحاً عالية من روح الإنسانية الرفيعة تجعل لذة المعنى في ذائقة الإنسان أكبر من لذة المادة، وتجعل في الشعور بسموّ الذات من خلال سموّ الانتماء، ومن خلال قلب موصول بربّه سبحانه عوضاً أكبر وأكبر عما عليه متع الحياة.
2) في الزهد تيسير الأمور:
قال الحواريون لعيسى عليه السلام” ما لك تمشي على الماء ونحن لانقدر على ذلك؟ فقال لهم وما منزلة الدينار والدرهم عندكم؟ قالوا حسن، قال لكنهما عندي والمدر سواء”.
حين يكون الاتكال على الدينار والدرهم والثقة بهما، وكل رصيد النفس متمثّلاً فيهما ربما أوكل الله العبد إلى ما عليه قوة الدينار والدرهم ودورهما في الحياة، وقدرة الدينار والدرهم مهما كانت فهي محدودة، وقدرة المادة مهما استطالت فهي قاصرة، أما قدرة الله فلا حد لها.
من اتّكل على الله تكفّل الله به، ومن أوكل نفسه إلى ما في جيبه أو في جيوب الآخرين من دينار ودرهم حق لله عز وجل أن يكله إلى ما اتكل عليه.
اللهم صل وسلم على محمد وآل محمد، واغفر لنا ولإخواننا المؤمنين والمؤمنات أجمعين، ولوالدينا وأرحامنا وقراباتنا وجيراننا وأصدقائنا ومن أحسن إلينا إحسانا خاصا من مؤمن ومؤمنة، ومسلم ومسلمة. ربنا أرنا الدنيا كما أريتها أنبياءك ورسلك وأولياءك، وسلمنا فيها، وسلمنا منها، واجعلنا من أحسن من انتفع بها، وأربح من تاجر فيها فكتبت له جنتك، وأنلته رضوانك ياكريم يارحيم.
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
{وَيْلٌ لِّكُلِّ هُمَزَةٍ لُّمَزَةٍ (1) الَّذِي جَمَعَ مَالاً وَعَدَّدَهُ (2) يَحْسَبُ أَنَّ مَالَهُ أَخْلَدَهُ (3) كَلَّا لَيُنبَذَنَّ فِي الْحُطَمَةِ (4) وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْحُطَمَةُ (5) نَارُ اللَّهِ الْمُوقَدَةُ (6) الَّتِي تَطَّلِعُ عَلَى الْأَفْئِدَةِ (7) إِنَّهَا عَلَيْهِم مُّؤْصَدَةٌ (8) فِي عَمَدٍ مُّمَدَّدَةٍ (9)}

الخطبة الثانية

الحمدلله الذي لايفي بحقّ حمده الحامدون، ولايبلغ حقيقة شكره الشاكرون، ولايُحصي آلاؤه العادُّون، إليه يفزع الخائفون، ومن سطوته يخاف الظالمون، وعند كرمه ينتهي طمع الطامعين، ويقف رجاء الراجين، وأمل الآملين.
أشهد أن لا إله إلا الله وحده لاشريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله صلى الله عليه وآله وزادهم تحية وبركة وسلاما.
أوصيكم عباد الله ونفسي الأمَّارة بالسوء بتقوى الله الذي بشّر من اتقى قائلا سبحانه {وَاتَّقُواْ اللّهَ وَاعْلَمُواْ أَنَّكُم مُّلاَقُوهُ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ}(2)، وحذّر من أدبر وتولَّى في قوله عزّ من قائل {وَاتَّقُواْ اللّهَ وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ}(3).
ولن يُكفَرَ أحد عملا حسناً، ولايفوتُ علمَ الله من أحد تقوى ففي الكتاب الحكيم {وَمَا يَفْعَلُواْ مِنْ خَيْرٍ فَلَن يُكْفَرُوْهُ وَاللّهُ عَلِيمٌ بِالْمُتَّقِينَ}(4).
ربنا اغفر لنا ولإخواننا المؤمنين والمؤمنات أجمعين، وتب علينا إنك أنت التواب الرحيم. ربنا هب لنا تقوى ثابتة لاننساها، وألزمنا الطاعة الحسنة لانتخلى عنها، والعمل الصالح لانفارقه، وبُعداً دائماً عن السيئات، ورغبة عارمة صادقة في الحسنات يامعطي يامحسن يامتفضل ياجواد ياكريم.
اللهم صل على عبدك المصطفى محمد بن عبدالله الصادق الأمين، وعلى علي أمير المؤمنين وإمام المتقين، وعلى فاطمة الزهراء الصديقة الطاهرة المعصومة.
وعلى الأئمة الهادين المعصومين الحسن بن علي الزكي، والحسين بن علي الشهيد، وعلي بن الحسين زين العابدين، ومحمد بن علي الباقر، وجعفر بن محمد الصادق، وموسى بن جعفر الكاظم، وعلي بن موسى الرضا، ومحمد بن علي الجواد، وعلي بن محمد الهادي، والحسن بن علي العسكري، ومحمد بن الحسن المنتظر المهدي القائم.
اللهم عجل فرج ولي أمرنا القائم المنتظر، وحفه بملائكتك المقربين، وأيده بروح القدس يارب العالمين. اللهم انصره نصرا عزيزا، وافتح له فتحا مبينا.
عبدك الموالي له، الممهد لدولته، والفقهاء العدول، والعلماء الصلحاء، والمجاهدين الغيارى، والمؤمنين والمؤمنات أجمعين وفقهم لمراضيك، وسدد خطاهم على طريقك.
أما بعد أيها الملأ الطيّب فإلى هذه الكلمات:-
وحدة الوطن والأمة:-
يوم وحدة الأمة الإسلامية هو يوم وحدة العالم لأنها لو توحَّدت على أساس الإسلام لتمّ سبب توحيد العالم على هدى الله ودينه القويم. وليس من بعد التوحّد على دين الله مطلب يُطلب لوحدة هذا العالم. ولن تتوحَّد هذه الأمة بحقٍّ بلا عودة جادة للإسلام تكون بها الكلمة له في كل أوضاعها وقضاياها.
أما اليوم والأمة تفارق الإسلام في كثير من دروب الحياة فوحدتها الحقيقية ضربٌ من ضروب الخيال، ولكن وقد أصبحت وحدتها بتضييع دينها، وتحكيم أعدائها في أمرها، وتبعية الكثير الكثير من أنظمتها لإرادة العدو مستحيلة فلا أقل من أن تدرك ضرورة التعايش السلمي في داخلها، والحفاظ على الحدّ الأدنى من مقوِّمات وجودها.
وإذا نسيَ الإرهاب الهمجي من بعض فئاتها حرمة الدماء والأعراض والأموال، وحلَّ الاستخفافُ والجرأة على هذه المقدّرات محل الحرمة فلا أقل من ذوق إنساني وحضاري يُخفِّف من هذا الإسراف والولوغ في انتهاك الحرمات، ولا أقل من إدراك موضوعي لما سينجرّ إليه الوضع إذا عمَّت العدوانية الهمجيَّة، وتحوّلت إلى سياسة عملية عند كل الأطراف من طوائف وقوميات وأحزاب وقبائل وطبقات وفئات مختلفة.
وإن علماء الدين الواعين لحريصون كل الحرص على وحدة الأمة، وطلب الأسباب المؤدية لها، ورفع العوائق التي تحول دونها، ومن هذا المنطلق لايمكن لهم أن يجاروا أي سياسة في ماقد ترغبه مما يمزّق شمل الأمة، ويقطّع أوصالها دينيّاً وثقافيّاً، ويخلق الغربة بين أقطارها، ويؤصّل حالة القطيعة القائمة فعلاً بينها.
أما المخاوف السياسية التي قد تراود بعض الأنظمة الرسميَّة من بعضها الآخر، فالعلماء لايساعدون على تغذيتها، وينأون بأنفسهم عن مسبّباتها، والدخول في أجوائها.
وبالنسبة لهذا الوطن العزيز من أوطان الأمة – أعني البحرين – فالعلماء مع وحدة أبنائه، وأمنه واستقراره، وعدم التدخل الخارجي في شؤونه. وهم كذلك مع قضية العدل بين فئاته ومكوناته، وإنصاف المحرومين من أبنائه، ومع الحل الجاد العاجل لقضايا الدستور، والتجنيس والتمييز والبطالة، والضمان الاجتماعي، والفساد المالي والإداري، والانحدار الخلقي، والتخلص من شبكة القوانين الجائرة المعادية لروح الإصلاح، والمناهضة لمقوّمات الوحدة الوطنية والتقدم المطلوب.
كما أنهم مع استمرار المطالبة العادلة المتمشية مع أحكام الشريعة، والمقرَّرة دستورياً(5)، ومن منطلق تأكيد العدل والمصلحة الوطنية بتصحيح الأوضاع وتحسينها وتقدّمها ومن حيث كل المسارات. ومع وعي حقوقي شامل يحاصر محاولات الاسسغفال والاستغلال والنهب للشعوب.
وكلمة أخيرة في مجال علاقة الداخل والخارج في إطار الأمة وما هو الأعم نؤكد أننا لانوافق أحداً يريد سوءاً بهذا الوطن ووحدته ومصالحه، كما نؤكد أن أي كلام يطلب منّا عزلة تفصلنا عن الأمة، وتحدث القطيعة بيننا وبين سائر أبنائها وعلمائها وفقهائها، وتهدم جسور التواصل الديني والثقافي بين أقطارها فهو كلام غير مسموع عندنا بتاتاً، وفي الأخذ به تآمر صريح على دين الله ووحدة المسلمين.
تلوث بيئة وتخريب أخرى:
‌أ. التلوث البيئي:
– هناك معاناة متصلة على أرض الواقع بالنسبة للتلوث البيئي لمنطقة المعامير وما جاورها، وإنكار حكومي متصل، أو فيما يُقال أنّه تستر وإخفاء. ومع استمرار التساهل في المسألة ليس المهدد أهل المعامير والمجاورين للمعامير فحسب، وإنما المهدد كل هذه الرقعة الجغرافية الضيّقة (البحرين).
– وإذا كانت الجهات الحكومية متّهمة بدفن الحقائق فماذا يُجدي تشكيل لجنة تحقيق من نفس هذه الجهات؟ تشكيل اللجنة لإعطاء الطمأنينة للمواطنين.. للوقوف على الحقيقة.. لدرء الخطر.. لتحميل المقصر المسؤولية.. وكل ذلك لايتحقق من خلال لجنة متّهمة أصلاً.
– ولعل الحيادية تتحقق بمقدار مقبول إذا كان التحقيق من مؤسسات عالمية مهتمة بشؤون البيئة والتلوثات الضارة، أو من لجنة محلية مشتركة تدخلها عناصر شعبية تكون العين الثانية في القضية.
والمنشور صحافيّاً أن تقرير الهيئة العامة للبيئة والحياة الفطرية قد أكّد أن نسبة التلوث بالمعامير يصل إلى 90% الشيء الذي يفوق الأرقام والمعايير الدولية في هذا المجال… فكيف يحدث النفي الجازم لما يحدث في المعامير(6)؟
‌ب. التخريب البيئي: هناك تخريب لأخلاقٍ ودين وإنسانية وشرف وغيرة وكرامة، وإفساد لعقول وأرواح، وتحطيم لقيم، وهدم لأسوار الحياء والعفة.
عبارات سخيفة على الألبسة تُعرض في الأسواق – أوكار فساد في الحورة وغيرها – فنادق تتاجر بالجنس – عبث مكشوف ودعاية إعلامية للجنس الثالث ولعموم الجنس الحرام – فظائع مدرسة خاصة يستحي صاحب أقل حياء أن يذكرها – ماتعج به بعض المعاهد من فساد خلقي تُحرّكه إدارات هذه المعاهد، وتغذّيه وترعاه. رائحة الرذيلة تزكم الأنوف.
بلد مجيد من بلاد الإسلام، بلد إيمان، وعفة، وطهر، وخلق كريم قويم تشيع فيه الفاحشة وينتشر فيه الفساد؟؟!!
أين البداية؟ هذا التخريب الخلقي أو ذلك التلوث البيئي؟ البداية هنا البداية من التخريب الخلقي. إذا ذهبت القيم وغاب الدين ساغ كل شيء من الفساد والتهتّك والعدوانية والظلم والاستغلال على الأرض. إذا تلوّثت النفس جاء تلوث البيئة الخارجية بكل ألوان الفساد، التخريب البيئي، والنهب والسلب والعدوانية والقتل آثار وانعكاسات لازمة إذا أُصيبت النفس بالفساد {ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ}(7).
النيابي وتحريك الملف الدستوري:
– النيابي إذا حرّك الملف الدستوري تحريكه جديّ أوغيري جدّي؟ هل تحريكه جديّ لسحب البساط فعلاً من تحت قدم الجمعيات المعارضة المهتمة بالملف بحيث يؤدي تحريك الملف في داخل المجلس النيابي إلى الحل؟ أو هو صوري لتمرير الوقت وتفويت المطلب لأن الفصل الثالث من الدور التشريعي الأول ينتهي مع نهاية يوليو تموز القادم؟
لو حدث الأول فإنه لن يحدث فيما يقدّر بالحجم المطلوب، وليس المهم عندنا أن تكون التعديلات الدستورية باسم هذه الجهة أو باسم تلك الجهة، المهم أن يتعدّل الوضع، المهم أن نكون أقرب إلى الوضع الصحي، المهم أن يتحقق المطلب الشعبي المحق.
أما الفرض الثاني وهو أن يكون طرح المسألة في النيابي صورياً ولتمرير الوقت فهو مما يجب الحذر منه.
وكم عوّدنا المجلس أن نسمع منه أكثر من ضجة إعلامية موقتة ضخمة تتمخض بعد حين عن لاشيء إلا ععن التخدير والتغرير الذي يمثل أساس الغرض من كل الضجّة.
– يمكن للجمعيات وللشعب أن يستثمر هذا التحريك للملف من جهة النيابي باعتبار أن ذلك يصب في تكوين حالة إجماع أو توافق واسع على ضرورة التعديلات الدستورية مما يعزز المطالبة بها وإن كانت المسألة لاتحتاج إلى مزيد برهنة على الإجماع الواسع على ضرورة هذه التعديلات بعد توقيع سبعين ألف شخص من المواطنين على هذه المطالبة ولم تستكمل القوائم شوطها.
– والمسألة في نظرنا ليست مسألة مغالبة ومقاتلة مع الحكومة، ونحن لانريد الوضع أن يدخل باب المغالبة والمقاتلة، وإنما المسألة مسألة إصلاح ومصلحة وطنية لابد منها، ومسألة دعم لخط الإصلاح وهما يقتضيان التسريع بالتعديلات الدستورية ومعالجة الخطأ الفادح في توزيع الدوائر الانتخابية، وهو توزيع شديد الضغط على نفسية المواطنين إلى حدِّ الضيق الخانق لأنه قزّم فئة كبيرة من المواطنين واعتبر أن واحدهم واحد على ثلاثة وثلاثين من مواطن آخر.
اللهم صل على محمد وآل محمد، واغفر لنا ولإخواننا المؤمنين والمؤمنات أجمعين، وتب علينا إنك أنت التواب الرحيم. اللهم ارحمنا برحمتك، وقنا عذابك، وأكرمنا بكرامتك، وتولنا برعايتك، وكفايتك، واجعل جائزتنا منك الجنَّة، وكرامتنا عندك الرضوان ياحنان يامنان ياحميد يامجيد.
{إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاء ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ}

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 – ربما هناك سقطة، والمنبىء الله.
2 – 223/ البقرة.
3 – 196/ البقرة.
4 – 115/ آل عمران.
5 – علينا أن نعتمد في الأصل على الشريعة في التصرّف والمطالبة، وما وافق الشريعة من موضوعات الدنيا –جمع موضوعة –والمقررات التشريعية الدنيوية فهو، وإلا فإن التعبّد به غير جائز. والتعبُّد غير التقيُّد الخارجي الذي قد يجوز بعنوان ثانوي.
6 – أو يفسَّر تفسيرات بعيدة عن قضية التلوّث؟
7 – 41/ الروم.

 

زر الذهاب إلى الأعلى