خطبة الجمعة (164) 5 جمادى الثاني 1425هـ – 23 يوليو 2004م

مواضيع الخطبة:

 

حضارة الإسلام (16) +أمريكا وإدارة الأزمات +  تصريحات وزير العمل +  أحكمٌ جائرٌ يا صحافة ؟ + المعهد الوطني الديمقراطي للشؤون الدولية (NDI)

..الشباب لا بد أن يفعل دوره ويعطي الفرص الكافية لإبداء رأيه ونقده وإقتراحاته ولكن لابد أن تترشد خطواته في ظل الإشراف من جيل يفوقه خبرة ، وحكمةً وحنكة، وقد أمدته التجارب بما لم يتهيأ لجيل الشباب، وما من أمة، وما من بلد تقوم أمور السياسة المتشابكة والصعبة فيها على خبرات الشباب فحسب..


الخطبة الأولى

الحمد لله الذي أنشأ الكون بلا سابق مثالٍ له بقدرته وتقديره، وأفاض الحياة ابتداء بفضله وتدبيره، وأدام الأشياء محكومة لتصرفه وتسييره، وأنزل كل شيء منزله، وأوقعه موقعه، وألزمه طريق غايته، وبلغ به مبلغه. أشهد أن لا اله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله صلى الله عليه وآله وبارك عليهم جميعا.
أوصيكم عباد الله ونفسي الغافلة بتقوى الله والأخذ بدينه بجد، وطلب رضوانه باجتهاد، وليكن همنا للآخرة أكبر من همنا للدنيا، والسعي لها منا أشد، والحرص عليها عندنا أبلغ؛ فآمال الدنيا إلى ذبول، وما كان من مالها وملكها فان، وأيامها متسارعة، وآجالها متقضية، وأعمارها ذاهبة، والموت آت، والإثم ما لم تغسله التوبة والمغفرة باق، وما أشد يوم التلاق، ففرارا إخوة الإيمان من النار، وإلى الجنة السباق.
اللهم صل على محمد وآل محمد وأعذنا وإخواننا المؤمنين والمؤمنات أجمعين من هوى مرد، وأمل منس، ورجاء مضل يكبُ بصاحبه على الدنيا، ويصرف عن الآخرة، واغفر لنا ولهم يا رحيم يا كريم.
أما بعد فقد وصل بنا الحديث في موضوع حضارتان: حضارة الطين وحضارة الإنسان إلى عنوان: الإنسان دوراً. وقد تم الحديث تحت هذا العنوان عن دور الإنسان في التصوّر القراني وحضارته الإنسانية الرائعة.
والآن مع دور الإنسان في حضارة الطين المدبرة عن الله، المنكبة على الأرض… مع هذا التصور
ب – في تصوير حضارة الطين
هذه مجموعة من خطابات الرسل لأقوام الحضارة المادية المنصرفين للنشاط المادي، المستغرقين فيه، المستهلكين لهمه، المبهورين بعطائه، المتقوقعين في دائرته، الذين يأكلهم الزمن من أجله، ويستوون هم والحيوانات التي يستخدمونها على طريقه، فيأكلون كما تأكل، ويشربون كما تشرب، ويتمتعون كما تتمتع لينتهوا نهايتها ولكن ليس كحسابهم حساب، وليس كعقابهم عقاب.
هذه الخطابات التي ترسم واقعهم المادي المتطرف تضعنا أمام تصورٍ منحرفٍ عن دور الإنسان كان يملك عليهم تفكيرهم، وشعورهم، ويحركهم على طريق الانحراف والزيغ عن الصراط.
تقرؤون في سورة الشعراء، خطابات لعدد من أنبياء الله ورسله صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين، لأقوامهم المكذبين للرسل..
1-
 هود لعاد: 
“أَتَبْنُونَ بِكُلِّ رِيعٍ آيَةً تَعْبَثُونَ * وَتَتَّخِذُونَ مَصَانِعَ لَعَلَّكُمْ تَخْلُدُونَ * وَإِذَا بَطَشْتُم بَطَشْتُمْ جَبَّارِينَ ” (1)
الريع: المكان المرتفع. والمصانع: من معانيها في اللغة الحصون.
تقدم الآيات ثلاث صور من دور الإنسان في تقدير حضارة الطين:
أ‌- إنّه لحضارة تقيم عمارة عابثة، غير هادفة، متجاوزة للدور المطلوب منها، مستنزفة لهمّ الإنسان وفكره وجهده… عمارةً تأخذ به بعيداً عن هدفه، وبناء روحه، والإعداد لمستقبله، وتلهيه عن الارتفاع بمستوى ما يبقى، وما هو الأهم، وما هو الأسمى من ذاته.
ب‌- ركونٌ بالكاملِ إلى المادة واحتماءٌ بها إلى حد الوهم، وفوق ما تطيق حتى ليطلبوا الخلود من عطائها، على أن تَقَّدَم المادة على مسار بعيد عن القيم يربك الحياة ويقلقها ويتهددها، بل ويزرع الرعب، ويعصف بوجود الإنسان، وما أقامته يداه من وسائل الاحتماء والراحةِ والسعادة التي يتوهمها. فهذا التقدمُ بلا دينٍ قويم وبلا رشد إنساني يبنيه منهج الإيمان الحق فوق أنه لا يحمي، يهدم..يشقي ..ويحطم.
ج‌- عدوانيةٌ وإظهار لغطرسة القوة المجردة عن القيم، والمشبعة بروح الغرور والجبروت الموهوم. ولا تأخذ القوة والشجاعة دورهما البناء على يد التربية المادية، وما تقيمه في النفس من تصور خاطئ لدور الإنسان في الحياة أبدا، وهما على يد التربية الروحية وفي التصور الصائب لرد الظلم عن الذات وعن الغير، ونشر العدل، وإقامة الحق، وسد أبواب الشر، وسعادة الإنسانِ فرده ومجتمعه.
2- صالح لثمود:
” أَتُتْرَكُونَ فِي مَا هَاهُنَا آمِنِينَ * فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ * وَزُرُوعٍ وَنَخْلٍ طَلْعُهَا هَضِيمٌ * وَتَنْحِتُونَ مِنَ الْجِبَالِ بُيُوتاً فَارِهِينَ * فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ * وَلَا تُطِيعُوا أَمْرَ الْمُسْرِفِينَ * الَّذِينَ يُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ وَلَا يُصْلِحُونَ “(2)
تتحدث الآيات الكريمة عن:
1- واقع زراعي مزدهر وجناتٍ وراءها جهدٌ كبير، ومثابرةٌ في العمل، وخبرة. ينضاف إلى ذلك تقدمٌ عمراني وفنٌ بما يستتبعه ذلك من أشر وبطر ومفاخرة حيث لا تقوى تهذب النفوس، وحيث الغياب الكامل للمنهج السماوي الذي يقود حركة الحياة على الأرض، ويصنع الإنسان السوي العادل الذي لا تستخفه الأوضاع المادية المتقدمة.
2- قيادةٍ مسرفةٍ كثيرة التعدي والتجاوز لحدود لله، ومقتضى الفطرة، وهدايات السماء، وإرشادات العقل. وهي قيادة تنقلب على يدها وظيفة الإنسان في الحياة، فتخرج من حد الإصلاح إلى الإفساد والتخريب وتشويه النفوس والأوضاع والعلاقات، وتشذ عن الخط الكوني العام وهو خط الاستجابة للإرادة الإلهية الحكيمة.
وأبشع الجرائم التي تتم على يد سياسة الإفساد: استهداف الإنسان بحرفه وتخريبه، لما يسببه ذلك من انهيار لكل وضع إنساني صالح، وتحويل لكل الآليات المتوفرة إلى آليات شقاء وعذاب، ولأنه بعد أن يفسد الإنسان مركز الغرض من الكون المسخرَّ له لا قيمة لأي إصلاح آخر.
هذا الوضع المادي المنفلت بطرفيه من مسرفين مفسدين يقودون حركة المجتمع على غير خط الله، ويجسدون دورا محرَّفا في الحياة، ومن أتباع مستسلمين لهذه القيادة استوجب بعث رسالة ورسول من الله العزيز الحكيم للتصحيح والتقويم والتغيير، وعقاباً عاجلاً للاستكبارعلى الرسالة والرسول.
3- لوطٌ لقومه:
” أَتَأْتُونَ الذُّكْرَانَ مِنَ الْعَالَمِينَ * وَتَذَرُونَ مَا خَلَقَ لَكُمْ رَبُّكُمْ مِنْ أَزْوَاجِكُم بَلْ أَنتُمْ قَوْمٌ عَادُونَ “.(3)
وهذا تجسيد ومظهر آخر من مظاهر المادية المنحرفة التي تصبغ دور الإنسان في حضارة الطين، وتتجاوز به الخطوط الفطرية الأصيلة في جانبها المعنوي والقيمي، وتَسِمُه بالتعَّدي والانحراف عن الضوابط الإلهية في تكوين النفس، ورسالات السماء التي تصون قيمة الحياة، وترتفع بمستوى الإنسان ودوره فيها، وتحميه من الانحدار.
4- شعيبُ لأصحاب الأيكة:
” أَوْفُوا الْكَيْلَ وَلَا تَكُونُوا مِنَ الْمُخْسِرِينَ * وَزِنُوا بِالْقِسْطَاسِ الْمُسْتَقِيمِ * وَلَا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْيَاءهُمْ وَلَا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ “.(4)
وخطاب شعيب عليه السلام يعالج نظاما اقتصاديا جائرا لا يقيم وزنا لانسانٍ ولا دين كان يستحوذ على حياة المخاطبين، ويستنفذ جهدهم، ويمثل لونا من ألوان الفساد القذر، ويستبيح جهود الآخرين الكادحة، وثمار أتعابهم ونصبهم وعرقهم لبذخ القلة المسترخية، وحرمان القاعدة العريضة في مجتمع الإنسان.
ووراء هذا النظام الجائر تصورٌ خاطئٌ عن دور الإنسان في الحياة يتمثل في تكديس المادة، والانصراف إليها، والاستسلام لشهوات البدن والانغماس فيها إلى حد الذوبان، وهو تصورٌ أجنبي عن أجواء الايمان ورؤاه ومشاعره وطموحاته.
وهكذا توقفنا الآيات الكريمة أمام تصورٍ أرضيٍ منحدر لدور الإنسان في هذه الحياة، وهو أن يكب على الأرض، أن يتمرغ فيها، أن تذوب كل مشاعره، وأفكاره، وطموحاته في ذراتِ ترابها.
اللهم صل على محمد وآل محمد واغفر لنا ولإخواننا المؤمنين والمؤمنات، ولوالدينا وأرحامنا ومن أحسن إلينا من مؤمن ومؤمنة ومسلم ومسلمة. اللهم أكرمنا وإياهم بكرامة الايمان، وزينا بزينة العقل، وجمّلنا بالهدى، وكمّلنا بالتقوى، وارزقنا حياة السعداء، وخاتمة الشهداء، والمنزلة الرفيعة في جنة المأوى.
بسم الله الرحمن الرحيم
قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ (1) لَا أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ (2) وَلَا أَنتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ (3) وَلَا أَنَا عَابِدٌ مَّا عَبَدتُّمْ (4) وَلَا أَنتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ (5) لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ (6)

الخطبة الثانية

الحمد لله ذي المنّ الجميل، والطولِ العظيم، والإحسان القديم، والإنعام الجسيم، لا يُنال حمده، ولا يوصف مجده، ولا يبلغ شكره، ولا تحصى نعماؤه، ولا تعد آلاؤه، ولا ينتهي كرمه، ولا ينقضي إحسانه.
أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وآله وسلّم تسليماً كثيراً.
أوصيكم عباد الله ونفسي بتقوى الله التي لا غني عنها لصلاح دنيا، وسلامة دين.ولا عقل ولا حكمة لمن ليس له تقوى، فمن أين العقل لمن ضيع حق الله؟! ومن أين الحكمة لمن أقدم على غضب الله؟ وما حالف التوفيق من لم يكن له تقوىً من الله. وما خان التوفيق من كان على تقوى من الرب العظيم. فأي ربح لغير المتقي ومصيره النار؟! وماذا فات المتقي بعد أن نال رضا الله، وبعد أن كان مأواه الجنة؟!
اللهم ذدنا وإخواننا المؤمنين والمؤمنات أجمعين عن موارد معصيتك، واسلك بنا طرق الوصول إليك، ونيل الكرامة لديك، واغفر لنا ولهم يا كريم يا رحيم .
اللهم صل وسلم وزد وبارك على محمد وآل محمد، اللهم صل وسلم وزد وبارك على رسولك المصطفي محمد بن عبدالله، وعلى عليٍِ أميرالمؤمنين، وفاطمة الزهراء بنت رسولك، وعلى الحسنين الزكيين والإمامين الوليين، وعلى علي بن الحسين زين العابدين، ومحمد بن علي الباقر، وجعفر بن محمد الصادق، وموسى بن جعفر الكاظم، وعلي بن موسى الرضا، ومحمد بن عليٍ الجواد، وعليٍ بن محمد الهادي، والحسن بن علي العسكري، والقائم المهدي أئمة الهدى، وتراجمة القرآن.
اللهم عجل فرج وليك القائم المنتظر، وانصره نصراً عزيزاً، وافتح له فتحاً مبيناً، وانشر به عدلك، وأظهر به دينك، وأعز به أولياءك يا قوي يا عزيز يا رؤوف يا رحيم.
عبدك الموالي له الممهد لدولته، والفقهاء العدول والعلماء الصلحاء، والمجاهدين الغيارى والعاملين من المؤمنين والمؤمنات وسائر المؤمنين والمؤمنات وفقهم لمراضيك وبلغهم آمالهم في الدين والدينا مما يسعدهم ويرضيك.
والآن أيها الإخوة المؤمنون والمؤمنات مع هذه الوقفات:
1– أمريكا وإدارة الأزمات:
تعرف أمريكا وتمتهن إدارة الأزمات في البلد الواحد، وبين البلدين والأكثر، وفيما بين الطوائف، وكذلك القوميات والأحزاب والفئات، وهي تُعقِّد هذه الأزمة، وتحول جاهدةً دون حل تلك الأزمة، وتخفف أزمة أخرى. تقف مع هذا الطرف أو ذاك، تقدم أقلية على أكثرية، وتستثير أكثرية ضد أقلية، تمدّ هذا الطرف بالسلاح، وتقف مع الآخر بالكلام، تقدم السلاح للطرفين زيادة في إستعار الحرب، واستثمار حالة الإقتتال. تفتعل أزمة هنا، وأزمة هناك، وتحاول التحكم والتصرف في مفاتيح كل الأزمات ومغالقها، لتحوج الأطراف كلها إلى اللجأ إليها، والتوسل للخلاص بها، حتى يمكن لها الإبتزاز وفرض الشروط والإستعباد المذل، والإستغلال البشع.
تفعل كل ذلك ضمن حسابات خاصة، وتخطيط شيطاني مرسوم، ومن منطلق الأغراض المادية والإستكبارية الدنيئة.
وتحذيرها رعاياها في بلد، والإشارة إليهم بالترحيل من آخر، اسلوبٌ من أساليب الضغط الذي تمارسه على البلدان المختلفة، وعلى طريق تهديدها بإدراجها في قائمة البلاد التي ترعى الإرهاب، أو تتهاون معه لإعطاء مزيد من التنازل، ومزيد من الإستسلام.
وأمريكا لا تريد لأي بلدٍ أن يحل مشاكله الداخلية من دون تدخلها الشيطاني، لإحكام القبضة بدرجة أشد على الآخر، ومن أجل ارتماء الأطراف في أحضانها، توصلاً لتنفيذ مخططاتها الخبيثة، وتكريساً للقيمومة والوصاية الشاملة، وإقناعأً بالحاجة الدائمة لتواجدها العسكري المكثف في مياه وأجواء البلاد المختلفة، وعلى أراضيها.
ومن مسئولية كل الأقطار في الدنيا ومصلحتها اللازمة، أن تعمل على التفلُّت من حبائل هذه السياسية الطاغوتية الأنانية الخبيثة المدمرة.
2- تصريحات وزير العمل:
التصريحات الأخيرة بشأن التفاوض القائم بين الجمعيات الأربع ووزارة العمل، تصريحات تبقي التفاوض بلا موضوع، وتنفي التفاوض صراحة، وتحصره في أن تسمع الوزارة، وفي أن تقنع محدثيها بما تريد.
فتح النظام باب الحوار والتطلع الشعبي، والسعي العلمائي كله على خلاف ذلك، فكان الغرض منصبّاً على أن يحل المشكل الدستوري، وأن يكون هناك توزيع عادل للدوائر الانتخابية، وأن تحل مسائل سياسية أخرى.
والنظام حين فتح باب الحوار لم يفتحه -في ما يقدَّر- هازلاً، وإنما فتحه جاداً، وبتقدير وجود حاجة موضوعية لغلق هذه الملفات على توافق بين الشعب والحكومة.
والتصريحاتُ- ومع الأسف الشديد- قد ذهبت إلى ما هو أبعدُ من الغرض السياسي، حيث لم تخلو من رائحة إستعلاء من طرف وإستخفافٍ بطرف وذلك لم يكن متوقعاً، ولم يكن مناسباً على الإطلاق.
وهل هذا تراجعٌ عن مسألة الحوار والتفاوض توصلاً للحل؟!
وهل صار مرغوباً عن المشاركة الكاملة للشعب في الانتخابات القادمة؟ وهل يدري الوزير أن عدم التعديل لهذه التصريحات والاستقرار عليها ينهي عملية الحوار و ينسفها، ويضر بالمسار الإصلاحي، ويقلِّص من المشاركة ويزهد فيها، ويوسع دائرة المقاطعة عمَّا كانت عليه، ويمحور حولها المتردد وعدداً كبيراً ممن كان مقتنعاً بالمشاركة؟
وفي صالح من هذا ، وهل تخدم هذه النتائج وما يتسبب فيها وطن الوحدة والانسجام والإصلاح والتقدم؟!
إن ما ينبغي أن نحرص عليه جميعاً هو أن تتم عملية التقاوض بنجاح، وأن يتقدم مسار الإصلاح، وتكون نتيجة التفاوض تغييرات إيجابية مشجعةً على مستوى الواقع الدستوري، وقانون الداوئر الإنتخابية وحرية العمل السياسي، ويندفع الجميع في اتجاه المشاركة السياسية على طريق الإصلاح والبناء الخيّر الفاعل، والتقدم المثمر النافع.
3- أحكمٌ جائرٌ يا صحافة ؟ 
والكلام بمناسبة اعتقال الستة المعروفين.
أي حكمٍ وإن طابق الواقع بلا علم ولا شهود عدول فهو جائر.
وكم تحدث من تهم وتمر من دعاوى قد يكون فيها شيء من صدق، وكثير من كذب، قليل من صحيح وكثير من اشتباه؟! وإذا كان القاضي ليس له أن يجرم المتهم إلا بعد محاكمة عادلة وأدلة ملزمة، فمن أين للصحافة الحق في التبرع بالتجريم والتشهير من دون محاكمة ولا سماع دفاع ولا بينة ؟!
أهو اللعب بكرامة الناس، واسترخاص لقيمة البشر، وتجاوز لشروط العدالة؟! ليس هو غير ذلك.
الصحفيون الذين يشهدون في مقالاتهم الصحفية لأول ما يتهم متهمٌ بتجريمه،أيملكون أن يشهدوا شهادة حق بما قالوا وكتبوا في محاكمة عادلة ؟!
إنه لحكم جائر من غير حاكم، وقضاء ظالم من غير قاض. هذا ما يجري على يد الصحافة .
4- المعهد الوطني الديمقراطي للشؤون الدولية (NDI) :
* ما هو ؟
– معهد يجمع النخب، الجمعيات السياسية، الشباب .. الشابات ، يدير نقاشات ساخنة في موضوعات سياسية حساسة ، يموّل اللقاءات ويتحمل تكاليفها وكلفتها بكل سخاء ومن غير انتظار شكر من أحد، اهتمام بالغٌ بشأننا الثقافي والسياسي خاصة، وبحاضر البلد ومستقبل أبنائه وبناته – على طريقة هذا المعهد – واهتمام بإعداد قادة المستقبل وزعماء الحركات الشعبية، وأصحاب المواقع المتقدمة، بالكيفية التي يخطط لها هذا المعهد ومن وراءه.
* المعهد بحريني ؟
– لا ولكنه معهد أمريكي في البحرين .
* من يديره ؟
– فوزي جوليد ، ومن هو فوزي جوليد ؟ أمريكي الجنسية ، يدير هذا المعهد لحساب السياسية الأمريكية.
* من يخدم؟
– يخدم ممونه ومموله، ومخطط إستراتيجيته ، يخدم السياسية الأمريكية والمصالح الأمريكية .
* ماذا يريد؟
– يريد أن يستقطب النخب، أن يصوغ الجيل القادم ، أن يمتلك عقول رجالاتنا، وشبابنا وشابتنا، أن يحدث ولاء لأمريكا بطريقة سلسة ومخطط لها تخطيطاً بارعاً.
* اسأل الإخوة الكرام من رجال سياسة ومثقفين ومن شباب وشابات، لم هذا التفاعل الحار مع هذا المعهد؟!
* أنكبر أنعظم إذا أشرف على عملنا الـ NDI ؟ أنصغر، أنتفه حين نستقل بالعمل؟
نحن ننادي بأننا غير قاصرين ولا نحتاج إلى فقيه، ولا نحتاج إلى فيلسوف من داخلنا ولا نحتاج إلى حكيم ولا إلى رجل سياسي كبير، ولكننا نحكم على أنفسنا بالقصور وبالدونية وأن السيد الأمريكي والعقلية الأمريكية لا بد أن ترعى لقاءاتنا وندواتنا وحوارتنا، ولا بد أن يكون كل ذلك تحت مظلة هذا السيد.
* هل افتقدنا القدرة على تنظيم اللقاءات التي نحتاجها؟! وهل افتقدنا المكان الذي يمكن أن ننتدي فيه ونتحاور ونتناقش؟! وهل لا يصح التفكير والحوار وتقريب الأمور إلا في قاعات فنادق الدرجة الأولى؟ وتحت إشراف السيد الأمين المشفق النزيه؟!
أسئلة نطرحها على أنفسنا ونحن وجود واحد ..
هذا والإخوة المؤمنون في الأوقاف عندهم معارك مسجدية آخرها في مقابة والنعيم ومطاردة لإحتفال ديني، أو درس عقائدي أو فقهي أو أخلاقي بعيد عن السياسية ومشكلاتها وشئون الدنيا وصراعاتها، في الوقت الذي يحتضن فيه معهد NDI الشباب والشابات وكل الرجالات .
نحن نطرد الشباب والشابات من المساجد لنفتح لهم الطريق إلى مثل الـ NDI، أهكذا أيها الإخوة المؤمنون في الأوقاف؟ لا اراكم يسهل عليكم الدين إلى هذه الدرجة ولكن أهي الغفلة؟ أهو شئ آخر؟ وكل عذر في هذا المجال غير مقبول.
وفي النهاية إشارة سريعة للشباب والشابات عن مثل هذه اللقاءات والموضوع يستحق محاضرة كاملة طويلة : أمريكا لم تبعد العقول المجربة التي امتحنها الزمن عن مواقع القرار فيها، ولم تطرد اصحاب الخبرة عن مواقع السياسة في أجوائها. والشباب لا بد أن يُفَّعلَ دوره، ويعطي الفرص الكافية لإبداء رأيه ونقده وإقتراحاته ولكن لابد أن تترشد خطواته في ظل الإشراف من جيل يفوقه خبرة، وحكمةً وحنكة، وقد أمدته التجارب بما لم يتهيأ لجيل الشباب. وما من أمة، وما من بلد تقوم أمور السياسة المتشابكة والصعبة فيها على خبرات الشباب فحسب..
دعوات.. شعارات كاذبة ، منهاأن الشباب يجب أن يعطوا الحرية في النقاش والحوار، وهذه كلمة حق إلا أنها بهدف باطل.
المطلوب هو أن تنفصل القواعد الشبابية عن مرتكزاتها وعن أجوائها الإيمانية، وعن قدواتها من أجل أن تصاغ صياغة اجنبية في ظل نقاشات يتراءى للشباب والشابات أنها مطلقة وأنها حرة؛ بينما هي موجة توجيهاً غير مباشر.
أقول: والشباب اليوم يتعلم وغداً يتعلم منه وعلى يديه وهكذا سنة الحياة ، وما تربَّى الشيب من حكماء الأمة وقادتها وسياسيها وفقهائها إلا على يد جيل سابق، ولو اكتفى جيل الشيب الآن بنفسه يوم شبابه ما كان له أن يصل إلى الحكمة التي وصلها، وإلى الدرجات الفقهية والعلمية التي تحققت له.
وهل يتصور الشباب أن حوارهم تحت رعاية NDI يتم بلا توجيه وإن كان غير مباشر؟! ومن غير أهداف محددة من فوق، يراد الوصول بهم إليها بعيداًَ عن مرتكزاتهم الفكرية واصولهم المبدئية وبلا قصد أن يحدث عندهم تمرد فكري على كل الأسس والمرتكزات والمؤسسات المخلصة؟!
من بين الكلمات التي دارت هناك أن مطروحات عدد من الشباب مطروحات مأسورة لمؤسساتهم، أن مطروحاتهم تدور في فلك أفكار مسبقة من مؤسسات ينتمون إليها، وهذه دعوة أن انفصلوا عن فكر مؤسساتكم ، إنفصلوا عن فكر بلدكم، إنفصلوا عن فكر دينكم.
وفي آخر كلمة أقترح على الدولة أمراً يسيراً جداً وهو إنشاء قاعات للزواج الجماعي وللحفلات الخيرة في كل محافظة من المحافظات، بعد أن صارت الحاجة ماسة جداً لمثل هذه القاعات خاصة للطبقة العامة المحتاجة.
اللهم صل وسلم على محمد وآل محمد واغفر لنا ولإخواننا المؤمنين والمؤمنات أجمعين، وأعذنا من شر أعدائك، ولاتذلنا لأهل معصيك، وأعزنا بعزك، وزدنا من فضلك، وأكرم مثوانا يا رحيم يا كريم.
{إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاء ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ}
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1
 – 128- 130/ الشعراء.
2 – 146-152/الشعراء.
3 – 165-166/الشعراء.
4 – 181-183/الشعراء.

زر الذهاب إلى الأعلى