(محاضرات وندوات) كيف نبني وطناً قويا

 

أعوذ بالله السميع العليم من الغوي الرجيم

بسم الله ا لرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا وحبيب قلوبنا النبي الكريم وآله الطيبين الطاهرين

ما هو الوطن الحقيقي :

وطن الولادة والإقامة في الحدود الجغرافية المتناولة في القرار السياسي ، وطنٌ صغير ، ووطن الفكرة ة والمبدأ وطنٌ كريم ، والمسلم تمتد مواطنته إلى كل البلاد الإسلامية ، ويحمل هم الوطن الكبير ويرى أن كل الأرض وطنه، لأن كل الأرض لله سبحانه وتعالى والإنسان المسلم مسئول أن يصل بهدى الإسلام ورؤيته وطرحه إلى كل شبرٍ من الأرض لا ليستعمر – الاستعمار بالمعنى الاصطلاحي – وإنما ليرقى به وليحيى ويخرج به من الظلمات إلى النور .

لكن هذا لا ينعكس سلباً على علاقة الإنسان المسلم بوطنه وطن الولادة والإقامة والحدود الجغرافية الخاضعة لقرار دولة معينة، إنما ونحن ينطلق منا الهمّ ليتحمل مسئولية الأرض كل الأرض يبدأ أولاً من هذه البقعة التي نتعايش معها على ظهرها، ونتفاعل يومياً عن قرب مع أحداثها ،وتحتضننا مع أهلينا الأقربين والأرحام بإطارها ، إن الهمّ الإسلامي الكبير ، همُّ الوطن الإسلامي الكبير لابد أن ينعكس إيجابيا على علاقتنا بهذا الجزء العزيز من الوطن الإسلامي الذي نتحدث عنه .

مسئولية المواطنة :

فالإسلام في الحقيقة يعزز الشعور بالوطنية من منطلقه الخاص حيث يحمّلنا الإسلام أن نعمر الأرض، أن نكون خلفاء الله في الأرض ،أن نحييها ونحيي الأفئدة الإنسانية التي عليها ، خلافة الإنسان عن الله عز وجل تفرض عليه أن يأخذ مسألة بناء الوطن وتقدمه وتوفير أمنه واستقراره مسألةً إسلاميةً، تدخل في التكليف ، يمكن لعلاقة الولادة على أرض معنية ، والإقامة على أرض معينة أن تخلق حنيناً نفسياً لهذه البقعة ، وأن تعطي شعوراً بالاعتزاز بها ، والإندغام بها ، ولكن ليس لهذه العلاقة المكانية الصرفة – أن تحيل مسألة بناء الوطن وأعماره ،والتقدم به إلى مسألة مسئولية وواجب، يدخل بتأثيره على الضمير ويتغلغل في الوجدان ويقف بقوة وبدفع – وراء الخطى العملية لهذا الإنسان . فالإسلام لا يعزلنا عن وطننا وهو يمتلك الرؤية الفسيحة للوطن ويتجاوز الحدود الضيقة لبقعةٍ جغرافيةٍ معينة يحملنا همّ هذه البقعة أعمارها ، صناعتها ، التقدم بها ، وضعها على طريقٍ إيجابي فاعلٍ .

أهداف البناء :

فمن منطلق الإسلام نحن نحمل إخلاصا للوطن ، ونتحمل بجدٍ مسئولية تفعيل الحركة الإيجابية ، والحضارة التي تلتقي مع خط السماء بالنسبة لأرض الوطن مسألة بناء – أي بناء – تعتمد نوعيتها على تحديد نوع البناء .

أنا مرةً أبني من أجل أن أسكن ،مرةٍ أبني من أجل أن أعرض فنّ البناء ، قدرتي على فنّ البناء ، مرةً يبني شخصٌ متجراً ، مرة يبني مسكناً ، وما إلى ذلك . نحن نريد أن نبني وطناً . ما هي أهداف هذا البناء ؟ هل أهداف هذا البناء تتركز في أن يتقدم المسار الاقتصادي فقط ؟ في أن نحصل على أمنٍ واستقرارٍ اجتماعيٍ فقط ؟ في أن نسابق الدنيا كلها في منجزاتنا المادية فقط ؟هذا اللّون من الأهداف يحدد نوع البناء ، وحين يأتي لونٌ آخر من الهدف ، سيأتي لونٌ آخر من البناء ، وكلما ذكرت من المسار السياسي ، من المسار الاقتصادي ، من المسار الاجتماعي ، من المسار الصناعي ، ومن كل المسارات ، يجب أن يدخل في الهمّ ، وأن يدخل في تشكيل الهدف، ولكن من منطلقٍ إسلامي . أول ما يكون هنا ، هو ماذا ؟ هو صناعة الإنسان ، هو تخريج إنسانٍ متكاملٍ ،نريد اقتصادا متقدما ، نريد اجتماعاً مستقراً ، نريد وعياً سياسياً ، نريد مشاركةً سياسيةً ، نريد فاعليةً سياسيةً ، نريد تقدماً على المستوى الزراعي الصناعي وما إلى ذلك . نريد تقدماً في فن الإدارة ونظافةً في الإدارة ، هذا كله نريده ، وهل ما نريده من هذا وذاك منفصل عن صناعة الإنسان أو ملتقٍ مع صناعة الإنسان في النظر الإسلامي ؟ لا ، كل ذلك ملتقٍ مع هدف أن نصنع الإنسان سوياً ، أن نصنعه متكاملاً ، أن يتخرج هذا الإنسان أنساناً لا حيواناً .

همّ أن يتخرج الإنسان إنسانا ، وأن تنطبع حياته وحضارته بطابع إنسانيته وبطابع انشد اده إلى السماء ، كل ذلك يلتقي معه التقدم على المسار الاقتصادي والمسار الاجتماعي ، المسار السياسي ، المسار الصناعي ، كل المسارات الأخرى . فالعلاقة علاقة تكاملٍ وليست علاقة تهافتٍ بينما يتطلب الإنسان من أجل تخريج الإنسان الكامل ، من صناعة الإنسان الكامل ، من صناعة الإنسان المتوجه إلى الله عز وجل ، الذائب في حب الله عز وجل الساعي لمرضاته ، موجودٌ تكامل لا تهافت بين هذا الهدف وبين أي لونٍ من التقدم ، إذا كان هذا التقدم إيجابيا في منفعة الإنسان . فنحن نبتغي بناء وطنٍ قويٍ ، قوي على أي مستوى ؟ على مستوى واقع الأرض ، وواقع الإنسان . لا نريد أن نصنع أن نبني أرضا تحمل العمارات الشامخة وناطحات السحاب وصناعةً قوية ، وزراعةً خضراء لكن بيد إنسان خاوٍ ، بيد إنسان ضائع، بيد إنسان حائر ، بيد إنسان يبحث عن الثقة والاطمئنان فلا يتوفر عليه ، بيد إنسان هو أصغر الأشياء على الأرض ، نحن نريد أن نصنع حضارةً عملاقةً ، لكنّ اكبر ما في هذه الحضارة هو الإنسان ، وليس ناطحات السحاب ، وليست المصانع ، وليست الزراعة ، كل شئ من هذا نريده أن يكون كبيراً ، وان يكون عملاقاً ، لكن مع ذلك بشرط أن يكون إنسانا هو اكبر شئٍ من بين كل الأشياء التي تصنعها يداه ، ويبذل عمره الكبير في سبيل تقدمها وفي سبيل تطورها .


وسائل البناء 
:

من أوضح وسائل البناء أن يطلب العلم بجميع تخصصاته النافعة ، لنستبعد مثل السحر الهدام والشعوذات وما إلى ذلك . كل التخصصات النافعة الإيجابية في إطار العلم ، مطلوب للمجتمع أن يتوفر عليها مع إخضاع المسألة لقضية الأولويات ، هناك علوم كثيرة ، هذه البلد تحتاج من هذه العلوم ، عدداَ من التخصصات ، أكثر ما تحتاجه تلك البلاد .
المهم ، مسألة التقدم العلمي ، وتنشئة الناشئة ، وارتباط الشباب بالمسار العلمي وبكدّ العقول والسعي الحثيث من أجل تولّد وانتعاش حركةٍ علميةٍ على كل المستويات ، وفي كل الأصعدة . مطلوبٌ لأي شعبٍ يريد أن يتقدم ويبني وطناً قوياً ، وهذا واضحٌ كل الوضوح ، مع أن العلم والتخصصات العلمية . مطلوب عقلياً أن لا نكون حملة علمٍ فقط وإنما مع حملنا العلم علينا أن نمتلك التفكير العلمي . الذي يجعلنا أن نتعامل مع الأحداث ، مع الأمور الصغيرة ، مع الأمور الكبيرة ،مع أمور الدنيا ،مع أمور الآخرة ، مع أمور العائلة ، مع أمور المجتمع ،مع أمور السياسة ، أن يكون هذا التعامل تعاملاً علمياً .

كيف نفكر تفكيراً علميا :

أن نفكر تفكيراً علمياً . حمل العلم شئٌ . كيف أفكر ؟كيف أتعامل مع القضايا تعاملاً عاطفياً ارتجالياً ساذجاً أو تعاملاً علمياً ؟ أنا أتعامل مع القضايا تعاملاً علمياً دقيقاً ، استعمل علمي في المواقف المختلفة . هذه مسألتان. ونحن كما نحتاج إلى التخصصات العلمية ، نحتاج إلى أن نتوفر على العقلية العلمية ، التي تعطي، التي تتيح للإنسان أن يحاكم الأمور وأن يتعامل مع القضايا التعامل المدروس العلمي الموضوعي ، بعيداً عن التشنّجات، وبعيداً عن الانفعالات العاطفية أيضاً ، مع العلم ومع العقلية العلمية ، علينا أن نتوفر على العقلية العملية ، أن نكون قادرين على إبداع المشاريع في كل المجالات . على الطرح الجديد ، هذه عقلية عملية أن لا نكون نظريين ، أن لا يكون علمنا نظرياً فقط ، وإنما يكون علمنا له تواجد وحضور قوي في مجال التطبيق وفي مجال التغيير ، التغيير الاجتماعي ، التغيير السياسي ، التغيير العمراني ، التغيير الصناعي ، التغيير في مختلف الحقول ، هنا مثلث العلم والعقلية العلمية والعقلية العملية .

مثلث البناء والتطوير :

هذا المثلث بأضلاعه الثلاثة مطلوب جداً في أي عملية تطوير، وأي عملية بناء ، وفي أي وطنٍ من الأوطان ، مطلوب أن نثوّر الداخل الإنساني الإيجابي . داخل كل إنسان صالحٌ وإنسان طالح ، مطلوب لأن نجد وطناً قوياً أو أن نزيد من قوته ، أن تحدث عندنا عملية تثوير لداخل الإنساني النظيف ، لجانب الخير ، لذلك الإنسان الذي قد يكون راقداً قد يكون في سبات عميقٍ ، قد يكون خاملاً ، الإنسان الصالح في داخلي يكون خاملاً في سبات عميق ، قد يكون واصلاً إلى درجةٍ تكاد أن تصل إلى درجة الموت . أي شعبٍ يمكن أن يتعرض لمثل هذا الواقع . والشعب الذي يريد أن يكون جديداً ، والأمة التي تريد أن تكون جديدةً إيجابية ، صنّاعةً في الأرض الصُّنعة التي تصنع إنسانا ويرضي الله سبحانه وتعالى ،على هذه الأمة أن تمتلك تربية ، أن تمتلك توجيهاً ، أن تمتلك إعلاما ، أن تمتلك مشا ريعا اجتماعيةً . همها أن تستثير قوى الإنسان الخيّرة الدفينة . القوى العقلية ، القوى الروحية ، قوة الإرادة الخيرة . فعملية تطوير عملية دفع ، عملية الإنسان الصالح داخل هذه الذات التي تحمل مع هذا الإنسان عديلاً آخر هو الإنسان الصالح .

فيّ وفيك ودٌ وبغض ، حبٌ وحقد ، إخلاص وخيانة ، قوة إرادة وفشل إرادة ، إرادة خيرٍ وإرادة شرٍ ، خمولٌ ونشاط ، أملٌ ويأسٌ ، تفاؤلٌ وتشاؤم ، حبٌ للخير حبٌ للشر ،هذا في داخلي وداخلك ، على العملية التربوية ، على العملية الإعلامية ، على المشاريع التثقيفية والاجتماعية، أن تثوّر الجانب الإيجابي من هذه المتقابلات .

طريق البناء :

نقطة أخرى تأتي هنا هي طريق البناء ، وتدخل في دائرة وسائل البناء ،هي العمل المؤسسي المتكامل ، وليس المكرر بما يفيض عن حاجةٍ ، ويخلق نوعاً من التنافس اللاشريف .

نأخذ من ذلك من الأعمال ، العمل الفردي ، المشاريع العملية الفردية الصغيرة ، إلى دائرة المشاريع المؤسسية الكبيرة ، وبشكل تتكامل هذه المشاريع ولا تتصارع ، توجد المؤسسة التي تملأ فراغاً من هذه الناحية ، من الناحية الثقافية ، وتنشأ مؤسسة أخرى تملأ من الناحية الاجتماعية ، مؤسسة أخرى تملأ فراغاً من الناحية الاقتصادية ، مؤسسة أخرى تملأ فراغاً من ناحية أخرى ، فتتكامل المؤسسات وينشط كل إنسان ، إما أن تكون متاجرنا واحدة ، بنمطٍ واحد ، معروضاتها واحدة دائماً ، فهذا يخلق حالةً من التنافس اللاشريف ، وتجزئة القوى وبعثرتها . فمطلوب هذا اللّون من النشاط الجديد ، وهو النشاط المؤسسي ، ولكن مع وضع شخصٍ عليه ، وهو أن تكون هذه المؤسسات متكاملةً لا متكررةً و لا متطابقة .

الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر : 

الرقابة الاجتماعية ، التي تستهدف البناء لا التشويه ، والرقابة الاجتماعية تدخل في مفهوم أوسع أو في مفهوم أدق اصطلاحاً ، وأغنى مضموناً ، وهو الاصطلاح الإسلامي( الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ) . الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر مصطلح أغنى من مصطلح الرقابة الاجتماعية ،وأوسع إطارا أيضاً لو تأملنا فيه ، وأعطيناه نظرةً حق النظرة .
الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر هذا مصطلحٌ قرآنيٌ غني كبير جداً وفاعل ، حافظ على الأمة الإسلامية بوجودها وهي مستهدفة على مدى تاريخٍ طويلٍ من قوى كبرى خارجية في داخل جسم الأمة ، مع ذلك استطاع هذا التشريع ، هذا الأدب الإسلامي الكبير ،هذا اللون من هذه الممارسة ، أن يحافظ على وجود أجيالٍ إسلامية متواصلة ، وتحمل الهمّ الإسلامي ، وتصر على الخط الإسلامي .

والرقابة الاجتماعية لا تحدد أنا أراقب ماذا ؟ من أجل ماذا ؟ أريد أي مسار ؟ أراقب من مصلحة أي مسار ؟ بينما الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، يقول أنا أراقب ، أراقب من مصلحة ماذا ؟ تركيز المعروف ، طرد المنكر، والمنكر يعني المستقبح عقلاً ، المستقبح عند الله، منكرٌ ما يستقبحه كمال الله عز وجل . المنكر ما يستقبحه عقل الإنسان ، فطرة الإنسان ، وصفاء هذه الفطرة ونقاؤها .

المعروف ما هو ؟ ما هو ذلك المعروف ؟ المعروف الذي يلتقي مع فطرة الإنسان ، مع عقل الإنسان ، مع رضوان الله ،مع كمال الله ،مايرضاه الله، يحبه الله ، فالرقابة الاجتماعية تكون ماذا ؟ تكون في هذا الإطار ، ومن أجل هذا الهدف ، من أجل ربط المجتمع بمسار الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر . يعني بمسار الفطرة ، بمسار العقل ، بمسار الصاعد إلى الله سبحانه وتعالى . معنى إنكار المنكر ماذا ؟ يعني تجنيد المجتمع ،عن أن يهوي ، أن ينحط ، أن يتسافل ، أن يقل ، أن ينحدر ، أن ينحرف عن خط فطرته ،عن خط عقله ، عن خط الله سبحانه وتعالى.المصطلح مصطلحٌ كبير جداً ، ولا يمكن أن يحلّ محله مصطلح الرقابة الاجتماعية ، توفير أجواء النمو والبناء على مستوى الحكومات توفير أجواء الحريات الكريمة الشريفة . وكررت هذا الاصطلاح كثيراً في هذه الفترة القصيرة ، و أصر عليه ، وهو اصطلاح الحريات الشريفة اصطلاح الحريات الكريمة اصطلاح الحريات الإنسانية ، هنا نوع من الحرية قتّال ، سمٌ للشعوب ، حرية الجنس ، أن تكون هناك ألعوبة جنسية ،حرية الكلمة البذيئة من غير أن تتعرض لأحد ، لا تصطدم مع حق الآخرين كما يقولون حرية الكلمة البذيئة . هذه حريات ماذا تفعل ؟ حرية المشاريع المتهتكة . هذه حريات تقتل الشعوب ، تمتصها مالياً ، تقتل طاقاتها الشبابية ، تصرف عن الإبداع ، تنحدر بالمجتمع انحداراً سحيقاً عن خط الله ، تحوّل هذا الإنسان إلى إنسان يلهث وراء المادة ، وراء الشهوة .

يضيع هدفه ، يسهل اصطياده ، يتحول ألعوبة بيد السياسات العالمية ، والى مستهلكٍ رخيص ، تفرض عليه الموضات نفسها،ويكون محل تسويق البضائع التي تخدم الفحشاء والعري ، والتسافل ،هذه حريات . أنا أنادي بهذه الحريات ؟ أنادي بما يقتلني ، يقتل شعبي ، بما يقتل أمتي ؟ أنادي بحريات شريفة .حرية الصحافة ، الكلمة البناءة ، الكلمة التي تقترح مشاريع إيجابية ، التي توجه العقول والفطرة إلى الله سبحانه وتعالى ، تقود الإنسان إلى هداه ، حرية الشعائر اعتادتها البلد، وعاشتها زمناً طويلاً وبنت هذه الشعائر ، وأثرت وخلقت أجيالاً ومحبة بين المسلمين في هذا الوطن الكريم ، الشعائر أعطت تعقلاً ، أعطت عواطف كريمة ، الشعائر أعطت نماذج إنسانية ، الشعائر أعطت تلاحماً ، الشعائر هدت ، وولّدت إرادة خيرة ، الشعائر تدعو إلى الإرادة الخيرة الفاعلة . وتدعو إلى الحب وتدعو إلى الإخلاص والتعاون على الخير ، هذه الشعائر حريتها قتالة ؟ أو حريتها بنّاءة ؟ هدامة أم بناءة ؟ هذا نوع من الحريات ، الحريات التي يمكن أن تبني وطناً قوياً ، النمط الأول من الحريات أم النمط الثاني من الحريات ؟أنا لما أدعو إلى الحرية ، أدعو إلى الحرية على إطلاقها ؟ أدعو إلى الحرية إلى أن تتعرى الفتاة ويتعرى الفتى ؟ أدعو إلى حرية الحمير والبقر ؟ أو أدعو إلى حرية الإنسان . الحرية التي تبني إنسانية الإنسان وتستثير في الإنسان إنسانيته . واضحٌ جداً أن الأوطان لا تبنى قويةً وصلبةً وقادرةً على الإبداع ومسابقة العالم إلاّ من خلال هذا اللون من الحريات ، وهي حريات راقية ممارستها تحتاج إلى جهدٍ وإلى رقيٍ ذاتيٍ. وتلك الحريات رخيصةً في الحقيقة إلى جانب ثاني من الحريات ، جانب رخيص ، وكل يستطيع ممارسته ولكنه يسلب من هذا الإنسان وجوده الكبير وإنسانيته الضخمة.

الظرف الأمني لحرية المؤسسات :

حرية المؤسسات الثقافية ، الحرية الفكرية يعني حرية المؤسسات الثقافية والمؤسسات الاجتماعية التي تخدم هذا المجتمع ، والمؤسسات الاقتصادية ، والشعبية أيضا، ،كل هذا مطلوب أن يتمتع بالحرية من أجل أن يتقدم هذا الوطن .

أيضا حرية المسكن ، أنا ما أخطط للناس بشكل قهري وقسري أن يسكنوا في هذا المكان ، هذا خلاف حرية ا لمسكن . ويضاف إلى ذلك حرية التنقل . ولابد من أمنٍ شاملٍ أيضاً ، في ظلّ الخوف لا يمكن أن يكون هناك إنتاج ، لا يمكن أن تنبني ثقة ، لا يمكن أن يكون هناك تعاون ، لا يمكن أن تمتدّ الجسور . في ظلّ أمنٍ وافرٍ طبعاً ، يمكن أن تترعرع علاقات الثقة وعلاقات الجسور المتينة الواصلة بين القلوب والعقول والحركات والمشاريع . لا بدّ من تأسيس الاقتصاد المتقدم ، وطبعاً طموحنا لا يكبر جداً من خلال النظر إلى واقع البلد وثرواته المحدودة ، ومساحته الجغرافية المحدودة . طبعاً هذا الوطن لا يستطيع أن يناطح الأوطان الكبيرة . فيما يستدله كل الأوطان الصالحة من تأسيس بنيةٍ اقتصادية قوية عملاقة . ولكن يبقى وطنا من الأوطان وله منجزاته وله قدراته وله كفاءاته وله مخزونه ، الطبيعي وله مخزونه البشري ، والإنسان الصالح يمكن أن يولد الكثير ، يمكن أن يبدع بقدرة الله عزّ وجل الكثير .

فلا بدّ من تأسيس اقتصادٍ مستقر غير متعرض للهزات العنيفة ، المعتمد على عاملٍ واحد ، على ثروة موروثة في الأرض وننفق منها يومياً . بحيث ننتهي إلى الصفر . وهذا لابد أن يكون تأسيس الاقتصاد والبنية الاقتصادية لابد أن نضعه في ماذا؟ سابقاً قلت نحن نستهدف بناء وطنٍ قوي ، قوي على أي مستوى ؟ على مستوى البعد المادي ، على مستوى البعد الحضاري الإسلامي ؟ إذا كنت استهدف أن أبني وطناً قوياً على البعد المادي وعلى البعد الحضاري الإسلامي ، وفي الحقيقة عندما نقول على البعد الحضاري الإسلامي ، الحضارة الإسلامية ماذا تعني ؟ تعني خدمة الإنسان على مستوى الدين والدنيا ، وتقدم الإنسان على مستوى الروح والبدن .

أقول عندما يكون هدفنا أن نبني وطناً قوياً على مستوى البعدين ، البعد المادي والبعد الروحي . وأن نبقى على الهوية ، هوية الحضارة الإسلامية العملاقة التي يؤمل فيها أن تنقذ الأرض ،والتي لا منقذ للأرض لمشكلاتها إلا هذه الحضارة .

الخطة الحضارية :

هنا حينما أنا أضع الخطة الاقتصادية ، وأنا أضع الخطة السياسية ، وأنا أضع الخطة الاجتماعية ، وأنا أضع الخطة الثقافية ، لابدّ من منظور الإطار ، الإطار العام لهذه الخطة ، والإطار العام ، أن أفي لهذا الإنسان من ناحية مادية ومن ناحية روحية ، أن لا أبيعه مادياً على حساب روحه ، أن أحطم روحه أن أبنيه روحياً لماذا؟ لأشلّه من ناحية مادية ؟ لا ، مسئولية الخطة الإسلامية ، أي وطن إسلامي ، مسئولية الخطط فيه والمشاريع أن ترعى بعد الروح وبعد البدن ، أن تتمشى مع الإطار الحضاري الإسلامي ، الذي استطاع في يومٍ من الأيام _ واضح جداً _ على الأرض وعاشته الأرض واقعاً مشهوداً حياً ملموساً ، أنا ماذا ؟ الإسلام قدم حضارةً روحيةً من أرقى الحضارات لأرض الحضارات وأسماها ، في حين أنتعش الوضع الاقتصادي في ظل رسول الله (ص) .

في ظل التجربة الإسلامية بعد رسول الله (ص) برغم كل تعثراتها ، وبرغم الانحرافات التي قد تكبر وقد تصغر ، إلاّ أن إقامة حضارة إنسانية أرفع الحضارات الإنسانية بلا منازع من جهة ، ومن جهة أخرى أثرت الإنسان من ناحية مادية، وعمرت الأرض ، وسبقت كل الدنيا في الإنتاج العملي ، وفي الإنتاج الصناعي ، وفي الإنتاج في جميع الحقول . لمّا أضع خطةً اقتصادية خطةً سياسية ، مطلوبٌ لأن أستحضر من أنا ؟ ما هويتي ؟ ما خطي ؟ ما حضارتي ؟ .

الآن الغربي لم يضع خطة اقتصادية وهو يستحضر رأسماليته ، ويستحضر ديمقراطيته ويستحضر إطاره الحضاري ؟روسيا إذا بقت على خطها الشيوعي ، لمّا تضع خطةً اقتصادية ، أو ثقافيةً أو سياسيةً ، تضعها في إطار توجهها الشيوعي ، أو في إطار التوجه الإسلامي ؟ طبيعي تضع الخطة في إطار التوجه الشيوعي .المسلمون يضعون خطتهم في إطار التوجه الإسلامي ، والفهم الإسلامي للحياة والكون والإنسان والدنيا والآخرة .

ملاحظة سريعة :

لابد أيضاً وبكل المواد المتاحة لمسألة الحرمان والبطالة ، وهنا لابد من تكافؤ فرص وظيفية وعلمية وسياسية واجتماعية ، وعلى كل المستويات،من أجل القضاء على حالة الحرمان ، وحالة البطالة . وأي درجة من درجات الاهتزاز في الثقة بين الوجودات على وجه هذه الأرض . محتاجون لكي نبني وطناً قوياً أن نفرغ من مشاكلنا الآنية التي تعرقل المسيرة التي تقيّد الرجل عن الحركة الصاعدة والإيجابية والمعطاءة لبناء الوطن . الإنسان الذي لا يجد لقمة العيش إلاّ بصعوبة جداً . أو الإنسان الذي لا يجد فرصة عمل ، هذا الإنسان لا يستطيع أن يشارك مشاركةً إيجابية في بناء وطنه هذا يحمل همّ ، همّ حياته الشخصية ، وربما عاش نقمةً على المجتمع . وعاش حالةً عصبية ، وما إلى ذلك . فواضح جداً أنه لا يمكن أن نخطو خطوةً متقدمة على طريق بناء الوطن القوي إلاّ من خلال معالجة هذه المشكلات الآنية، مشكلات الحرمان والبطالة ، واستحداث مشاريع لتستقطب الشغيلة العاطلة ، وإحلال الشغيلة محل الشغيلة الخارجية كلما أمكن في كل الموارد التي لا تكون هناك خبرة خارجية يتطلبها الوضع الحاضر بشكلٍ ضروري على مستوى شعبي ، لابدّ من التعاطي الإيجابي مع مشاريع البناء والتصحيح من الدولة .

أي مشروعٍ يأتي من الدولة له إيجابية ، وبعد النظر والدراسة يظهر أنه مشروع من مشاريع البناء الإيجابي ، يجب أن يكون هناك تعاطي إيجابي مع هذا المشروع ، وتفاعل معه ، بحيث بأخذ الجميع به إلى أقصى درجات نجاحه وتقدمه .

العمل التطوعي :

مبادرات العمل التطوعي على مستوى التثقيفي والاقتصادي والاجتماعي وما إلى ذلك . التطوع مرةً نأخذ عنوان التطوع مقابل العمل بأجرٍ دنيوي ، ومرةً نأخذ التطوع بمعنى ما هو فوق الواجب ،حتى هذا المستعمل مصطلح شعبي _هذا مطوع يعني يقوم بنوافل ومستحبات وما إلى ذلك _ العمل التطوعي الذي هو عمل بلا أجر . هذا يمكن ( بلا أجر من ؟ ) طبعاً ليس عندنا نحن عمل تطوعي بمعنى بلا أجر مطلق ” فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ (7)-الزلزلة ” فحين نقيس أي عمل إلى وعد الله سبحانه وتعالى من الثواب الكريم لعباده المحسنين،لا يكون عندنا عمل تطوعي أصلاً ،كله عمل بأجر .

حين تبقى على مستوى دنيوي ، ومستوى راتب وما إلى ذلك ، تأتي عندنا أعمال تطوعية ، هذا الاحتفال الذي أقيم الآن لم يقم بأجرٍ دنيوي . حضورك المأتم ليس فيه أجر ، هذا عمل تطوعي ، مشاركتك في بناء المأتم ، في بناء المسجد ، في مشروع اقتصادي …. جمع تبرعات مثلاً في مشروع اقتصادي تجاري ربحه للفقراء والمساكين ، لأعمال الخير ، للجهة الثقافية ، هذا كله – ماذا ؟ تعد أعمال تطوعية بالمفهوم المدني العادل . وبالمفهوم الدنيوي . أما بالمفهوم الإسلامي ، هذه كلها الإنسان المسلم مأجور عليها بما يستطيع تصوره ، أي عمل من هذه الأعمال النافعة لعباد الله مما يرضي الله سبحانه وتعالى ، يمكن أنت في يوم القيامة تستحق حياةً أبديةً سعيدةً لا انقطاع لها ولا كدر فيها على أساس مشاركةٍ صغيرةٍ ما كنت تنظرها شيئاً ، مشاركة صغيرة من غير أجرٍ دنيوي ما كنت تنظرها شيئاً ، يمكن بهذه تتجاوز كل العقبات في الآخرة وتجتاز السراط بسرعة ، وتبوئك موقعاً عند الله سبحانه وتعالى في جنة الرضوان .

فهل هناك عمل تطوعي بهذا المفهوم ؟ . عندما نقول أعمال تطوعية ، يعني ماذا ؟ أنه لا أجر دنيوياً عليها ولكنها أعمال مثاب عليها بالثواب الذي ماذا ؟ يحتاج إنسان ويكبر مليون دينار وخمسة ملايين دينار ويكبر الدنيا كلها لو أعطيتها أجراً على ذلك .

لو أعطيت الدنيا كلها أجراً على حل مشكلة فقراء لحل مشكلة اجتماعية لرفع ظلم وما إلى ذلك ، لو أعطيت الدنيا كلها ستستفيد منها بمقدار طاقتك وحاجاتك الضرورية ثم تفارقها ، صدقني بأن الأجر على هذه الممارسة ، إذا كانت جنة الخلد ، هذا الثواب أكبر من الدنيا ؟ أو ليس أكبر من الدنيا ؟ يمكن عمل صغير أقول من أعمال البر والإحسان . من الأعمال الصالحة من الصالحات الطيبات . مما هو طيب عند الله ، ومسح دمعة اليتيم ، وتفريج كربة المكروب ، ورفع الظلامة عن المظلوم ، وإنعاش الملهوف ، وتعليم الجاهل ، وهداية الضال ، وأعمال من هذا النوع . هذه الأعمال الطيبات الصالحات ، ستجد نفسك في يومٍ من الأيام وقد خلت يداك من كل شيئٍ أنت أحوج ما تكون إلى واحد من هذه الأعمال . فضلاًَ عن عددٍ منها .

إذا كان الآخرون يحتاجون في الحقيقة ، في الأوطان الكافرة إذا كانت الجهات الكافرة ،عليها أن تفتعل إعلاما مغرياً بأساليب فنية ، يحاول أن يدخل في نفسية الإنسان يزين له المشاركة الوطنية ويقول له،أنت ستكون جندياً مجهولاً . وستكون مقدراً بعد موتك ، وستكون بطلاً ، يعطيه زخماً من التشجيع والدفع الكاذب . من أجل أن يقوم بعمل ومشاركة إيجابية من غير أجر دنيوي. المسلم ما يحتاج إلى هذا كله . ذاك يقول له أننا سوف تصير بطلاً ، وبعد موتك سوف نخلدك إنسانا كبيراً جداً في أكبر ساحة . وسنخلد اسمك في الكتب وفي القاعات الكبيرة للدولة وما إلى ذلك ، اذكروا فلاناً المجاهد المضحي وما إلى ذلك . ماذا يفيد هذا معه ؟

إذا ما كنت أعتقد الآخرة . ولا أعتقد ثوابه . هذا ماذا يحمل ؟ ماذا يفيده في بلاده ؟ لو أنهم كتبوا اسمي في قاعة كبيرة أو كتبوا اسمي في كتاب وأنا صرت عظاماً نخرة . ماذا يفيد ؟ أما الإنسان المسلم يعرف بأنه سيلتقي مع الله ، وأن لله عز وجل وعد وعداً صادقاً لهذا الإنسان بأن يعطيه الأجر الذي يحتفظه. هذا الإنسان لا يحتاج إلى إعلان كبير ، يحتاج فقط أن يلتفت إلى وعد الله عز وجل . والى صدق وعد الله سبحانه وتعالى . فهذا العمل الذي يسمى في المصطلح المدني عمل تطوعي . هذا العمل لابد من الحاجة إليه ، لكي يصلح المجتمع ، وترتفع كثير من مشكلاته وتمسح كثير من دموعه ، وترتفع كثير من آهاته وتوجعاته .

مبادرات العمل :

لابد أن أتحمل مسئولية مجتمع متمزق .أ حاول أن ألملم الشمل ، أن استعمل كل المواقف الممكنة من أجل تقريب العلاقات ،من أجل ربط الأفئدة ، من أجل عودة المياه إلى مجاريها بين كل المؤمنين .وبين كل وحدات المجتمع ما أمكن ، لكن في إطار البعد الإلهي في إطار حكم الشرع، رسول الله (ص) يقول اصلح بين هذين.
ولكن لا تصلح بينهما على باطل ، اصلح بينهما على الحق .

ماذا يقول رسول الله (ص) تعال واجلس مع يزيد تزّيد وآكل يزيد ، وضاحك يزيد وهو على يزيديته لا يتحرك لا يرضى أن يكون حسينيا ولو بنسبة 10% ، أن أكون معه و أضاحكه أجالسه ، أطايبه ، انفتح عليه بكاملي وأنا أيأس بأن يكون حسينياً ولو بمقدار 5% ، أعطني فتوى من أمير المؤمنين ( ع ) يقول هكذا من الحسين ( ع ).

تعليقا على سؤال : 

الحوار أساساً لا أيأس ، لابد أن أقرب وخاصة بين المؤمنين ، أما حين تصل المسألة إلى مسألة علاقات مستقرة . وتغري باتحاد وجهة النظر ، وتغري بصحة موقف الطرف الآخر ،مع كونه ضارا بالإسلام ، محاربا للإسلام ، يهد بناء الإسلام وكيان الإنسان ، هذه جريمة أو حسنة عند أمير المؤمنين (ع) أو الرسول الأعظم ( ص) أو في فتاوى الفقهاء ، في قرآننا ، في سنتنا ؟

حين تكون هذه العلاقات المتينة التي أبنيها ، أبنيها مع طرف يصر على عدوانيته بالنسبة للإسلام ، وعلى مواجهة الإسلام مثلا ، على يزيديته ، هذه العلاقات بما تقدمه من إغراء لجماعات الناس ، لجماهير الناس ، من صوابية الخط الآخر ، ومن موافقته على الخط الآخر . هذه العلاقات علاقات يفتي بها القرآن ، تفتي بها سنة رسول الله (ص) أو تحرمها ؟ دعنا نرجع للحكم الشرعي وليس أكثر ، فهناك دعوة جادة جدا لأن يتنازل كل فرد عن حقوقه الشخصية ، هذه كلمة مسيئة ، موقف مخجل ، أعتدي علي بكلمة ، قذفني بكلمة ، وما إلى ذلك ، الحقوق الشخصية من هذا النوع مستعد أن أتنازل عنها ؟

لكن رؤية غير دقيقة غير صائبة ، طرح لا ينفع الإسلام ، عداوة للإسلام ، أنا بعد أضع يدي مع اليد التي تعادي الإسلام ، وتخطط ضد الإسلام وأقول أهلا وسهلا . حاورت مليون مرة وانتهيت إلى طريق مسدود ، إلى ماذا ؟ ” لكم دينكم ولي دين ” ، فليذهب لا يحاور ، الحوار ماذا ؟ الحوار وسيلة له هدف ، إذا لم يوجد الهدف ، يقف الحوار ، الحوار ليس مسألة مفتوحة أبداً ، الحوار مفتوح مادام يرجى له أن ينتج ، ومادام يمكن أن يخدم الإسلام والقضية الإسلامية ، حوار فيه تحطيم الإسلام ، لا يمكن .

وغفر الله لي ولكم والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته .

 

زر الذهاب إلى الأعلى