كلمة في (أثر العبادة في الذات الإنسانية )

ما من أحد منا من مخلوق إنسان كافر أو مسلم الا
وهو عابد ، البعض يعبد الله عز وجل والبعض يعبد رموزاً شيطانية وإلا فالكل عابد هذا
يسترضي نفسه وذاك يسترضى أباه وذاك يسترضى زوجته وذاك يسترضى حاكمه وذاك يسترضى
محكومه وما إلى ذلك

 

 

سماحة العلامة الشيخ عيسى احمد قاسم (أثر العبادة في الذات الإنسانية )

كان لشخص يخرج من بيته بعد منتصف الليل إلى مسجد يتهجد فيه ويصلي نافلة الليل في ليلة من الليال في ابتداء صلاته أحس بداخل دخل المسجد فانصرف همه إلى ذلك الداخل إلى إرضائه فصار يركع ويسجد يطيل ركوعه وسجوده ويحسن صلاته وهو يتوقع ان الداخل سيحمل سمعه طيبة ينشرها في الناس وهو مكسب رابح في نظر هذا العبد ،حتى إذا ما أطل الصبح عليه وفرغ من صلاته التفت و إذا الداخل إلى المسجد في الليل والذي صرف من أجله ليلة كاملة هو كلب أسود . هكذا نحن قد يعبد بعضنا بعضاً ونعبد أتفه الاشياء .

أأكد لنفسي وأأكد لكم أنه ما من أحد منا من مخلوق إنسان كافر أو مسلم الا وهو عابد ، البعض يعبد الله عز وجل والبعض يعبد رموزاً شيطانية وإلا فالكل عابد هذا يسترضي نفسه وذاك يسترضى أباه وذاك يسترضى زوجته وذاك يسترضى حاكمه وذاك يسترضى محكومه وما إلى ذلك .

كل ما يريده الاسلام هو ماذا ؟ هو أن نبني نية راقية والعبادة الخارجية هذه إنما هي شكل مساعد ليست القصد وإنما عملية ممارسة خارجية ، عملية من أجل إعطاء تركيزا أكثر وكأن الإنسان يحتاج لممارسة عملية من أجل بناء الذات وإلا فالمقصود الطبيعي بناء الذات ، بناء الذات أين ؟ في العزم و الخير و النبة الرشيدة و الارادة القوية المتينة على طريق الله سبحانه وتعالى .

هذا مثال شخص يعبد ويصلي ويحسن صلاته ويلتفت إلى ربه الذي عبده فإذا هو أعمى لم يجد حركاته وسكناته .
أحيانا يجيد أحدنا الصلاة ويدخله الشيطان ويفرغ من صلاته فيلتفت إلى ربه الذي عبده أصم لا يسمع وهذا هو يقرأ ويجّود ويعّدل قرائته ويلتفت فإذا الذيىكان معه هو إنسان أصم لا يسمع في الحقيقة . نحن نعبد أربابا من الصم ومن العمي ومن البكم وأربابا كلابا وحشرات ونترك عبادة الله سبحانه وتعالى ، ليس من متكبر منا على عبادة الله إلا وهو واقع في عبادة غيره سبحانه وتعالى أترى كيف ننحط ؟! ليس بين أحدنا وبين أن تنحط إنسانيتة وتنسحق الا أن يزيغ قلبه عن الله سبحانه وتعالى ، وحينئذ يصمت الانسان ويتحجم إلى حد كبير ، فأبقى أحب كلماتك وأراقب سكناتك وأقرأ قسمات وجهك وتكون شغلي الشاغل وهمي القاتل أركض وراء رضاك ثم لا أمّل ، بينما واحدنا يتعلق قلبه لله سبحانه وتعالى ثم يملك مشاعراً تمتد بلا حدود ويملك ثقة تغنيه على كل شيئ وشعوراً بالعزة والكرامة ، يكفي لو أن إنساناً نحت لنفسه ولو أن الله سبحانه وتعالى وهو الحق ليس حقاً وهو الحق الذي لاحق دونه. نتصور إن هذا الكون مملوك لله تبارك وتعالى وانه كامنا وراء هذا الوجود ، هذا التصور وحده بلا واقع وراءه ايجابي بما لا نقدر فإنه يخلق شخصية متينة وعالية جداً على مستوى الفرد وعلى مسوى المجتمع ، كيف و الله تبارك وتعالى الحق الذي لا حق دونه ولا حق إلا به وكلما صعب علينا أن نتصور ذلك فلأطرحك إلـهاً ولتطرحني إلـهاً فلأطرح الوجود كله إلـهاً أتذكر ما في الوجود فقط تذكر الوجود

 هذه القدرة الهائلة هذا الوجود ينطق بحكمة وبعلم وبإرادة ، لكنك اسحب القدرة الخارجية عن كل هذه الأشياء واسحب العلم الخارجي عن كل هذه الأشياء ، ستتحول عدما ستراها عدما ، بمعنى أنظر إلى هذا الوجود تجده عظيماً ولكن انظره في نفسه تجده لا شيئ ، انظر بلا الله ، انظره بلا قوة معطية بلا قوة مرشدة بلا مدبر ستجد سماوات لا تملك لنفسها أمراً ، تجد أرضاً تجد بشراً هذا يكفي أن تسقط كل العباد من حسابك ، إنها رؤية نتعب في الحصول عليها ، أما حين نحصلها فقد حصلنا على كل شيئ ولم يفت منا شيئ ، لو حصلنا على الرؤية التي تسقط العباد والأشياء كلها من الحساب ويبقى الله سبحانه وتعالى هو المتطور الوحيد للذات وهذا قد نحصله من ناحية فكرية ونحصله من ناحية نفسية ولكن نخسره من خلال واقعنا العلمي الذي يتعرض كثيراً إلى النسيان ويتعرض كثيراً إلى الغفلة ، المهم كل المهم ليس أن أعيش لحظة اتذكر الله سبحانه وتعالى ، أتذكر أن لا مالك لشيء من الامر إلا الله ، المهم تبقى هذه الفكرة حية ونابضة وفاعلة ومتحكمة في المشاعر ومتحكمة في المواقف ومتحكمة في العلاقات في كل لحظاتي حينئذ فقط أكون موجودا وبدون هذا لا أكون موجود على مستوى الروح ، لا أكون حيا على مستوى الروح ، فاتحول الى شيئى تافه ولو راجعت يومي لوجدت نفسي في كل ساعات يومي تافها لأني أنسى الله سبحانه وتعالى ، أنساه في مشاعري فأخافك وأرجوك ، ويدخل في نفسي أن مستقبلي بيدك وأن وزني من عندك وأنا في هذه اللحظات تافه حشرة حقير لا أتميز بعقل ولا بروح وأكثر ساعات يومي هي هكذا تمر ، أما اللحظة التي تصحو فيها النفس وتلتفت إلى الله تبارك وتعالى كبيرا كما هو كبير ، ومتعاليا كما هو متعال ، فانها اللحظة الوحيدة التي نفوز بها في وجودنا .

والحمد لله رب العالمين .

 

زر الذهاب إلى الأعلى