لأحكام الشرعية بين الاستبدال وعدمه (حول الاحوال الشخصية)

هناك محاولة لعملية استبدال عن الأحكام الشرعية
في مجال الأسرة وما يسمى بالأحوال الشخصية عن طريق إخضاع هذه الأحكام لنظر المجلس
الوطني وتقديره، وقد اعترض العلماء على هذه المحاولة لما فيها من انتهاك لحرمة
الدين، وخطر على الأعراض والأنساب.

لأحكام الشرعية بين الاستبدال وعدمه
هناك محاولة لعملية استبدال عن الأحكام الشرعية في مجال الأسرة وما يسمى بالأحوال الشخصية عن طريق إخضاع هذه الأحكام لنظر المجلس الوطني وتقديره، وقد اعترض العلماء على هذه المحاولة لما فيها من انتهاك لحرمة الدين، وخطر على الأعراض والأنساب.

والاعتراض من العلماء – وهو واجب كل مسلم – واجهته أسئلة وإشكالات من الأسئلة. وفيما يلي عدد من الإشكالات والتساؤلات المتعلقة بالموضوع والردّ عليها:

الإشكال الأول:

التقنين يوجد في أكثر من بلد إسلامي ومن هذه البلاد مصر وإيران.

الجواب:-

1) الوقوع دليل الإمكان فقد يكون هناك موضوع للنقاش في الوصول إلى القمر ممكن أو غير ممكن، وذلك قبل تحقق الوصول فعلاً، أما بعد تحققه فإن الإمكان يكون واضحاً ولا موضوع للنقاش فيه، وهذا الوقوع لكي يثبت الإمكان لا يسأل عنه كيف تم وممن حصل فهو كيفما حصل، وممن حصل يثبت الإمكان بلا كلام.

2) لكن الوقوع ليس دليل الحجية والحليّة دائماً، فوقوع شرب الخمر لا يدل على إباحته وإن وقع من أيّ مسلم، نعم ما يدل على إباحة الشيء هو أن يقع ممن فعله حجة كقوله وتقريره كالرسول صلَّى الله عليه وآله وسلم.

3) والتقنين في الجمهورية الإسلامية بما أنّه خاضع لجهة شرعية ويتم تحت رعاية المجتهد فهو شرعيٌّ ولا خلاف عليه، ويوجد هناك مجلس صيانة الدستور لمراقبة مطابقة القوانين للشريعة. ومجلسنا الوطني ليس مجلس مجتهدين، ولا تقوم عملية التقنين عنده على أساس الإجتهاد في مصادر الشريعة، والأخذ بالأحكام الشرعية المستقاة من هذه المصادر إجتهاداً إنما يجوز إذا كانت ممن يصح له الإجتهاد، ويمتلك مستواه وأدواته. وحتى ترجح فتوى على فتوى يحتاج إلى مستوى إجتهادي وإلا كان تشهّياً لا يُعوّل عليه.

ولو تعدّت عملية التقنين في الجمهورية الإسلامية المصادر الشرعية وأخذت منحى المجالس الوضعية في التشريع لما كان بها اعتبار، وكانت تمثل اختراقاً لمقررات الشريعة.

الإشكال الثاني:

إن عدداً من علماء المسلمين السُّنَّة قد قالوا بجواز التقنين.

الجواب:-

1) بمراجعة كلمات العلماء المحترمين المشار إليهم يتبين أنهم موافقون على صياغة الأحكام الشرعية التي يتوصل إليها المجتهدون باجتهادهم أو الثابتة بنص إسلامي صريح صياغة قانونية، ولا تقول هذه الكلمات بجواز التشريع، ووضع الأحكام من قبل المؤسسات الوضعية، ومشاركة الله سبحانه في حق التشريع والمعارضة منصبّة على الأمر الثاني لا الأول.

2) مع الاحترام للعلماء المشار إليهم من علماء المسلمين سنّة وشيعة، لو اختار بعضهم أن يُعطي حقَّ التشريع لغير الله، فأحسنُ الظن فيه أنه واقع في شبهة، وموقفه لا يمثل حجة أبداً.

الإشكال الثالث:

إنّ الخليفة عمر بن الخطاب (رض) قد مارس تقييد القضاء بالقياس ثم المصلحة، فهو لم يعطِ للقضاة الحق المطلق في القضاء كيف شاؤا، إذاً فمن حق المجلس الوطني أن يقيّد قضاء القضاة بما يضعه من قانون للأحوال الشخصية.

الجواب:-

1) المسلمون الذين لا يُخطّئون رسول الله صلَّى الله عليه وآله في قول أو فعل أو تقرير كليّاً، أو في مساحة التبليغ يجمعون على حجية قوله وفعله وتقريره في موقع التشريع، والإمامية ولأنهم يرون عصمة الأئمة الإثنى عشر وفاطمة الزهراء عليهم السلام جميعاً يحكمون بحجية قولهم وفعلهم وتقريرهم على حد ما يرونه لرسول الله صلَّى الله عليه وآله، حيث لا يحتمل فيهم الكذب أو الجهل أو النسيان أو الإشتباه. والسنة يرون حجية قول الصحابي.

2) وتقييد القضاء بأيّ قيد ممن قوله أو فعله أو تقريره حجة حقّاً لا شبهة فيه، لأنه تقييد شرعي عند من يرى هذه الحجيَّة.

وقول عالم الآن أو عدد من العلماء لا يمثّل مصدراً تشريعياً وإنما يمثل حالة إجتهادية إذا كان القائل مجتهداً، وقولُه حجّة عليه، وعلى من يقلّده لا غير.

والمجلس الوطني ليس هو رسول الله (ص)، ولا واحداً من المعصومين عليهم السلام بعده، ولا صحابياً من صحابة الرسول (ص)، ولا مجتهداً من المجتهدين ليصح له تقييد قضاء القضاة.

الإشكال الرابع:

أن قانون الأحوال الشخصية موضوع من نخبة من المختصين.

الجواب:-

1) إما وضعه المختصون هو مشروع قانون، ولا يكتسب شرعيته الوضعية، والزامية القانون من قبل التصويت على موادّه من قبل المجلس الوطنى الذي قد يحذف منه، ويزيد عليه، ويغير من الوضع الحالي لموادّه، فالمشرّع هو المجلس وليس هؤلاء المختصين.

2) لا تشريع لا لمختص ولا غير مختص وحتى المجتهد، نعم للمجتهد أن يجتهد في مساحة من الأحكام الشرعية طبقاً للقواعد الثابتة للإجتهاد، وليس الإجتهاد من كل مختص كما هو واضح مما لا يوجد نصُ صريحٌ في موردها وليست من الضروريات ولا المجمع عليه إجماعاً حجة.

وهذه هي مجموعة الإشكالات التي نشرتها الأيام عن أحد المشايخ المحترمين من إخواننا أهل السنة.

الإشكال الخامس:

المعروف بين أهل العلم أن الآراء الإجتهادية محترمة، وقد مثلت هذه الكلمة القائلة مضموناً بأن “عدم التوقيع على العريضة الرافضة لتقنين الأحوال الشخصية من قبل المؤسسة الوضعية – المجلس الوطني- يعني خيانة المرء لدينه، خروجاً صارخاً على هذا المتسالم، ومبالغة شديدة في الإدانة.

الجواب:

الآراء الإجتهادية في ما يصلح الإجتهاد فيه وبأدوات علمية تخصصية، آراء محترمة، ولا خلاف على ذلك، ولكنَّ انتقال حق التشريع من الله سبحانه إلى المجلس الوطني أو أيّ مؤسسة أخرى ليس مورداً للإجتهاد.

وأمَّا عن الكلمة التي وصفت بالشدة والتجاوز فالأمر فيها ليس كذلك، وإليك التوضيح:_

1) الكلمة على إطلاقها اللفظي مقيَّدة عقلاً وعرفاً بقيود تُخرج الجاهل بالحكم، والجاهل بالموضوع، والمشتبه، ومن أنكر المنكر بوسيلة أخرى مساوية أو أبلغ أثراً من حكم هذه الكلمة.

2) والإطلاق في الأحكام مع الاعتماد على القرائن العقلية والعرفية تجده في الكتاب الكريم والسنة المطهَّرة، وكلمات الفقهاء، والاستعمالات العرفية العامة فمن قال:”من شرب المسكر كان آثماً” فإن قوله لا يشمل المجنون ولا من لم يعرف حرمة المسكر، ولا يشمل من اعتقد بأن هذا المسكر هو شراب آخر من الحلال، ولا من كان له اجتهادٌ آخر فيه لو كان المورد قابلاً للإجتهاد، وكان المجتهد أهلاً لذلك، ومن قال:”من لم يسعف أخاه بدرهمه عند جوعه فهو مقصر” لا يفهم العرف أن الذي أسعف هذا الجائع بما يزيد على الدرهم والعشرة من طعام طيب وشراب لذيذ داخل في الحكم بالتقصير.

3) والعرف وإن لم يتعمق في دراسة هذه القرائن، ويفلسف تقييد الكلام بها إلا أنّه يعيش الإحساس الإرتكازي بها، ويفهم دلالتها، ويرتب الأثر عليها، ويستنكر فصل المعنى عن مؤدّاها.

إذاً، الكلمة المذكورة إنّما تتحدث عمن علم بأن المحاولة المتعلقة بالأحوال الشخصية تعني نقل حق التشريع لغير الله، وكان ملتفتاً إلى ذلك؛ غير مشتبه ولا غافل ورأى في ذلك منكراً كبيراً، وخطراً جسيماً على الإسلام وأعراض المسلمين وأنسابهم، وهو يعرف وجوب إنكار المنكر ولم يكن يملك لدفعه غير هذه الوسيلة، ومع ذلك لم يأبه بحرمة الإسلام وانتهاكها، وحرف المسلمين عن إسلامهم، ومنعَ كلمته عن نصرة الإسلام، ودفع التحريف عنه.

ومثل هذا الشخص إما أن نعتبره وفيّاً لإسلامه بهذا الموقف أو خاذلاً له، مخلاً بأمانة الحفاظ عليه، وأنا لا أستطيع أن أغالط ديني وعقلي ووجداني فأختار الإجابة الأولى.

وهل هذه الخيانة تمثل الكفر الاصطلاحي، وتخرج صاحبها عن الإسلام بمعناه العام؟

الجواب: لا، فإن الخيانة بالتقصير في حق الدِّين كما في التقاعس عن الجهاد تمثِّل نقصاً في الإيمان، وثلمةً في الدين، وليس كفراً كليّاً، وخروجاً على الإسلام بالمعنى الأعم.

ويقول سبحانه:}يا أيها الذين آمنوا لا تخونوا الله والرسول وتخونوا أماناتكم وأنتم تعلمون{ وهل تريد الآية الكريمة أن كل خيانة لكل أمانة تمثل كفراً كليّاً، وخروجاً نهائياً عن الإسلام، وأن خيانة أيّ عهدٍ للمؤمن مع الله والرسول كعهد الجهاد يحوله نصرانياً أو يهودياً أو ملحداً؟!

هذا وأنا من أشد من يسجّل الاعتراض بأشد صور التأكيد على أيّ لغة تكفيرية من غير موازين شرعيَّة دقيقة وتحقيق موضوعي كامل، ولو تساهل المسلمون فيما بينهم في مسألة التكفير لانتشرت الفوضى، وعمّ بلاد المسلمين فساد كبير.

الإشكال السادس:

تعطل القضاء في المحاكم الشرعية.

الجواب:

هذا التعطل له أسبابه الموضوعية الآتية:

1) ضعف بعض القضاة الذي يمنعهم من هضم المادة الفقهية، والتوفر عليها بالقدر الكافي، والقضاء يحتاج في الصحيح إلى مستويات عالية.

2) قد يكون وراء ذلك قلة اهتمام بأمور النَّاس من البعض، وعدم إحساس بثقل المسؤولية، والقاضي يحتاج دائماً إلى التقوى.

3) سوء الإدارة وغياب الرقابة الإدارية.

4) التعقيد الإداري الذي يشل حركة المعاملات في كل الدوائر.

ثم إن صعوبة المادة الفقهية لا تُبرِّر أن ينقل حق التشريع من المولى الأصل الحق وهو الله سبحانه وتعالى إلى المجلس الوطني، ويمكن أن تعالج هذه الصعوبة عن طريق الصياغة القانونية الميسرة للأحكام الشرعية تحت الإشراف الفقهي الدقيق بما لا يفتح باب التشريع لغير الله سبحانه في هذا الإطار الخاص من حياة المسلمين المتصف بحساسية بآلغة بعد أن اقتحم التشريع الوضعي كل المساحة الأخرى من حياتهم.

والمعروف أن القضاء الشرعي المتوفر على الشروط البعيد عن التعقيدات المثقلة من أسرع القضاء إنجازاً لحكم القضايا وبدقة وعدل.

الإشكال السابع:

إن عسر اللغة الفقهية، وعدم وجود مرجع محدد يرجع إليه القاضي والمحامي والخصمان في فهم الأحكام الشرعية المتصلة بالقضية المعيّنة، والاحتكام إليها دفاعاً وقضاء ليخلق حالة ضبابية وصعوبة عملية في مرحلة الدفاع، ويتيح للقاضي أن يتحكم في مصير القضية ونوع الحكم.

الجواب:

1) المرجع في هذا القصور إلى بُعد التربية والتعليم بالمسلمين عن فقههم، والاستعاضة في دراسة الحقوقيين عن معرفة الفقه المتصل بالقضاء وبموضوعاته المختلفة بدراسة القوانين الوضعية فحسب أو إعطائها جلَّ الاهتمام والتركيز.

2) كان يمكن تحديد المرجعيات الفقهية التي يلتزم بها القضاة في المحاكم الشرعية لتُعين على حل هذا الإشكال، وإن تطلب ذلك مستوى من الإلمام الفقهي للمحامين والمتخاصمين.

3) يُحلُّ هذا الإشكال نهائياً بالصياغة القانونية للأحكام الشرعية التي يستند إليها القضاء من غير تعريض هذه الأحكام للتغيير بخضوعها للتصويت والتشريع في المؤسسات الوضعية، ومن غير إلغاء لعملية الإجتهاد، وما يستجد بالإجتهاد لا تضر مراعاته بقانونية القانون الشرعي ولا بشرعيته كما هي الحال في التعديلات القانونية بين وقت وآخر.

الإشكال الثامن:

توسُّع ظاهرة الطلاق.

الجواب:

الأحوال الشخصية ومنها الزواج والطلاق كانت محكومة للإسلام عدة قرون، وما بدأت ظاهرة الطلاق تأخذ في التوسع إلا مع انتشار قيم الحضارة المادية، والثقافة الأجنبية، والانفتاح على حياة المجتمعات المتحللة، الواقع شاهد على أنه كلما ابتعدت حياة المجتمع عن أحكام الشريعة، وأخلاق الإسلام، وتربيته وأجوائه كلما توسَّعت ظواهر الانحلال الاجتماعي، والتفكك الأُسري، وتفاقمت مشكلة الطلاق.

والبلدان التي تحكمها القوانين الوضعية في أحوالها الشخصية مثل أمريكا وأوربا، وتسودها فوضى الجنس بسبب البعد عن قيم الدين وآدابه هي أكثر البلاد وأشدها حدّة في ظاهرة الطلاق والتفكك الأسري.

وقد يكون سوء القضاء، وليس الحكم الشرعي له دخالة في توسع الظاهرة محليّاً، ولكن السبب الأكبر بلا أدنى شك إنما هو نوع التربية الاجتماعية السائدة، والإعلام المهيمن سواء أتى من الخارج، أو كان من منشأ الداخل، والسياحة الرخيصة المتّبعة، وتعطيل كلمة الدين في كثر من مرافق الحياة.

الإشكال التاسع:

هل لا تقنين أصلاً؟

الجواب:

1) تركَّز اعتراضنا من الأول على أمرين:

‌أ- تعطيل العملية الإجتهادية وغلق بابها.

‌ب- التقنين بمعنى إعطاء حق التشريع للناس للمجلس الوطني في الأحوال الشخصية، ومنها مسألة الزواج والطلاق وغيرهما، وليس على صياغة الأحكام الشرعية صياغة قانونية مع عدم تعريض هذه الأحكام بأيّ صورة من الصور للأهواء البشرية، وإجتهاد من لا إجتهاد له.

2) إعطاء حق النظر في الأحكام الشرعية والتصويت عليها في المجلس الوطني يعني تماماً أنه مصدر التشريع وليس الله سبحانه، ولو خضعت الأحكام الشرعية لتصويت المجلس ولم يغيرها اليوم، فإنها ستتغير على يده غداً، وكون (الإسلام دين الدولة)، (والشريعة الإسلامية مصدراً رئيساً للتشريع) بحسب نص الدستور لم يمنعا عملاً لا في ظل المجلس الوطني الأول، ولا في ظل مجلس الشورى السابق ولا المجلس الوطني القائم، ولا في زمن التشريع من السلطة التنفيذية، ولا في كل المجالس النيابية في الوطن العربي من امتلاء الساحة التشريعية بتشريعات وأحكام قانونية مخالفة لكتاب الله وسنة رسوله (ص)، وهو أمرٌ تنكره كل المذاهب، وتناقضه بديهيات الإسلام.

الإشكال العاشر:

أليس توحيد القانون يوحِّد بين الطائفتين؟ وتعدده تركيز للطائفية؟

الجواب:-

1) إذا أخذنا القانون بمذهب واحد وأهمل الآخر مثل هذا جبرية طائفية وإلغاء كليّاً للآخر.

2) إذا أُخذ من هذا المذهب شيئاً، ومن الآخر شيئاً فهذا إلغاء جزئي للآخر، والأحكام الشرعية لا تقبل بمثل هذه التسويات التي توقع الطرفين في المخالفات الشرعية.

3) القانونان الشرعيان البعيدان عن تدخل التشريع الوضعي، فيهما عدل مذهبي يساعد جدّاً على الإخاء العملي بين الطائفتين، وإشاعة الاحترام والمحبة بينهما، وهذه التعددية في القانون نابعة من التعدد في المذهب، فحديثنا عن قانون شرعي واحد في مسائل مختلفة عليها هو حديث عن مذهب واحد لا مذهبين.

4) وإذا كان توحيد القانون في المسائل المختلفة يخلّصنا من الطائفية فلنتجاوز الاختلافات الفقهية في صلاتنا وصومنا وحجنا وكل عباداتنا، أو لِنُصلِّ جميعاً مرة بصلاة هذا المذهب، وأخرى بصلاة ذلك المذهب، وليتوقف الإمامي عن فريضة الخمس في الأرباح لأنّ الأخوة السنة لا يقولون بها، وعن طواف النساء الذي لا يوجبونه، ولتغلق كل الحسينيات، وتتوقف المواكب العزائية توصُّلاً إلى الوحدة المطلوبة.

أترى هذا هو الموضوع؟!! أو ترى صحيحاً لنا أن نقول للأخوة السنة لستم منا، ولا نحن منكم في شيء، ولا لقاء بيننا وبينكم على مصلحة أبداً إلا بأن تقولوا ببطلان نكاح من حجّ منكم ولم يطف طواف النساء؟!

الإشكال الحادي عشر:

أليس القانون أحفظ لكرامة المرأة وحقوقها؟

الجواب:

إذا كان المعنى هو الصياغة القانونية للأحكام الشرعية فهذه الصياغة حينما تكون دقيقة وأمينة ستحمل عدل الأحكام الشرعية نفسها.

وإذا كان المعنى قانوناً يتضمن التشريعات البشرية فأنت لا تقول بأن أعلم الناس وأتقاهم أعدل من الله، فضلاً عن أن يكون عندك النواب والمعيّنون في المجلس الوطني بمختلف مستوياتهم علماً وتديّناً أعدل منه سبحانه وتعالى عن ذلك عن علواً كبيراً.

والحقُّ أن إنصاف المرأة يحتاج إلى دعوة جادة إلى منهج الله وتشريعه لا على الهروب من ذلك، وكل الإنصاف والعدل محتاج إلى هذه العودة والأوبة والتوبة.

الإشكال الثاني عشر:

ما هو الموقف من الجهاز القضائي؟

الجواب:

1) كل الدوائر ومنها دائرة القضاء تحتاج أجهزتها إلى تنقية وتجديد وتطوير.

2) ويُحتاج إلى فصل السياسة وعدم تدخلها فيما تتطلبه استحقاقات الإدارة والقضاء.

3) جهاز القضاء كسائر الأجهزة قد يكون فيه الصالح وغير الصالح.

وهو من الأجهزة الحساسة جدّاً في حسابات الإسلام، وقد اشترط فيه الكفاءة العالية والنزاهة الشديدة، وحذر كثيراً من التساهل فيه، والإخلال ولو يسيراً بأمانته.

الإشكال الثالث عشر:

هل أُخذ رأيكم في مشروع القانون؟

الجواب:

لا شيء من ذلك رسميّاً. وأخذُ رأيي، أو رأي غيري لا يصحح أبداً دخول هذا المشروع تحت سقف المجلس الوطني، وإخضاعه لتشريعه، ولو بارك مشروع القانون كل العلماء، ودخل في المؤسسة التشريعية الوضعية على أثر ذلك لكانت هذه المباركة فاتحة شر كبير لما سيحدث من تغييرات حالية، أو مستقبلية على الأقل على هذا المشروع تنأى به عن خط الشريعة يوماً بعد يوم.

الإشكال الرابع عشر:

أينكم من قضايا التجنيس والبطالة؟

الجواب:

1) حديث العلماء عن هذه الأمور ليس كله سرّاً فمنه ما هو جاهر لا يحتاج إلى أكثر من حضور مسجد أو مراجعة شريط.

2) العلماء وهم يتحدثون عن الإسلام يتحدثون كثيراً عن قضايا الحياة وهمومها ومشاكلها وظلمها وعدلها من منطلق الرؤية الإسلامية، ويحاسبون الأوضاع على أسس أولها الإسلام. ومرة يسمون هذه المشكلة المعيّنة أو تلك المشكلة باسمها الذي يخصها، ومرة يتحدثون بما يشمل كل المشاكل والانحراف.

3) إن الحديث عن البطالة والظلم في التجنيس والخلل السياسي والحقوق المادية واجب، ولكن هذا لا يعني أن لا نتحدث عن الانحراف في التشريع، والتغريب والتذويب الحضاري والتمييع الخلقي.

وإذا كانت القضايا السياسية والمادية يلتفت إليها الكثير، ويشترك في المطالبة بالحقوق المتعلقة بها أطراف متعددة، وجمهور عريض فإن الأضرار المتعلقة بالجانب الروحي من حياة الناس والبعد المعنوي لا يلتفت إليها الكثيرون، وتحتاج إلى عملية إنذار صارخ من علماء الدين للتنبيه على الخطر.

4) هناك مطالب سياسية تاريخية، والاشتغال بها قائم دائماً بمستوى وآخر، وقد تتطلب وقتاً للتوصّل لتخفيفها والاتفاق على حلول بشأنها، أما مشروع قانون الأحوال الشخصية الذي كاد أن يدخل عالم المناقشة في المجلس الوطني، وارتفعت درجة التحضيرات من أجله بما لا سابق له فمسألة معارضته تتطلب فورية عاجلة ووقتها محدود جدّاً، وإلا كان رفع المنكر أصعب بكثير من دفعه.

5) علينا أن نتفق أن قضايا الدين والأعراض قضايا أساس، وانحفاظ القيم حافظ للمصالح.

الإشكال الخامس عشر:

هل يمكن ذكر بعض الأمثلة على المخالفات المرتقبة للأحكام الشرعية من قانون الأحوال الشخصية الوضعي أو الموحَّد؟

الجواب:

أذكر بعض الأمثلة تاركاً الاستقصاء:-

بالنسبة للقانون الموحد:

  1. في المذهب السني يشترط الإشهاد في الزواج، وهو ليس بشرط عند الإماميّة، وعليه فالمتزوجة بلا شهادة من شاهدين عادلين هي زوجة شرعية في مذهب، وغير شرعية في آخر.
  2. يكفي العقد الكتابي في الزواج عند السنة ولو مع حضور طرفي العقد مطلقاً ولا يكفي كذلك عند الإمامية، والنتيجة تشبه الأولى.
  3. الطلاق محتاج عندنا للإشهاد وغير محتاج له عند الأخوة السُّنة، فمن طلق بلا شاهدين عادلين لم يتم طلاق عندنا وهو تام عندهم.

بالنسبة للقانون الوضعي:

إذا قلنا أن هذا القانون وضعي فلا حاجة لذكر أمثلة للخلاف لأن المقنّن عندئذ لا تهمه مراعاة الشريعة إلا بلحاظ الظروف الموضوعية أحياناً.

وقد جاء في كراس “المرأة والقانون” : تحديات الواقع وآفاق المستقبل” الصادر في 28 – 29 أبريل 2001 – البحرين – إعداد اللجنة العلمية للمنتدى القانوني ص4: يمكن أن ينعقد الزواج بأيّ طريقة كانت سواء شفوياً أو كتابياً أو بإرسال رسول … إلخ.

ولا أحد من الفقهاء يقول بانعقاد الزواج بإرسال رسول من الرجل إلى المرأة أو العكس يبلغ المرسل إليه بأن الآخر يوجب زواجه أو يقبله.

وفي ص5 من الكراس المشار إليه طرح هذا السؤال: هل يباح التعدد طبقاً لهوى الزوج؟ – أي رغبته -؟ فكانت الإجابة عليه: “لا حيث إنه لابد من ضرورة تدعو إليه” ولا تتوقف صحة الزواج الثاني شرعاً على الضرورة كما هو معروف.

والمسودات المقترحة بهذا الشأن من أفراد وجمعيات مدفوعة بهوى التجديد في الأحكام مليئة بالمخالفات الشرعية الواضحة لا لمذهب واحد، وإنما لكل المذاهب، وحين يُتعشَّقُ القانون التونسي في الأحوال الشخصية، ويطرح نموذجاً يقتدى به من البعض فهذا كاف لبيان ما سيؤول إليه الأمر من خروج صريح على الشريعة المقدَّسة.

وهل كل هذه الضجَّة من أجل أن تبقى الأحكام الشرعيَّة كما هي، ولا تتغير إلا لغة التعبير عنها ولا يجدُّ عليها إلا الشكل والترتيب؟!

الإشكال السادس عشر:

إصلاح القضاء ألا يحتاج إلى كفاءات مفقودة؟

الجواب:

1) توجد كفاءات مناسبة بمقدار، وينبغي كما سبق عدم ربط القضاء كغيره من الوظائف بالناحية السياسية لا ابتداءً ولا استمراراً على أن الكفاءات لا يلزم أن تنخرط كلها في القضاء.

2) توفير الكفاءات العلمية في الحقل الفقهي والديني عامة مسؤولية كل مسلم قادر.

3) المطروح عمليّاً عند بعض المتحمِّسين للتشريع الوضعي للأحوال الشخصيَّة هو الاستغناء عن المستويات العلمية المتقدمة على المسار الفقهي بخريجي الكليات الحقوقية، وهو مستوى عادي جدّاً، وخريجه ليس معدَّاً إعداداً فقهيّاً؛ فكما يطالب هذا البعض بقانون وضعي، يطالب بقضاة بعيدين عن علوم الشريعة كذلك.

الإشكال السابع عشر:

أليس الاعتراض على التقنين للأحوال الشخصية من الطائفية؟

الجواب:

  1. المطروح عند الآخرين كما تقدم ليس التقنين للأحكام الشرعية، وإنما المطروح إخضاع التشريعات الدينية لنظر المجلس الوطني ليقر ما ينال أغلبية الأصوات قانوناً يعمل به، ويُسقط من أحكام الشريعة ما لا ينال الأغلبية، ويُحلّ محلها ما يريد.

وهذا كما يؤدي إلى مخالفة الحكم الشرعي في المذهب الشيعي، يخالفه في المذهب السُّني فمعارضتنا من أجل الحفاظ على الإسلام وليس على مذهب واحد وانتصارنا لكل المتدينين من كل المذاهب.

  1. كيف نسمي من يسعون للحفاظ على سلامة أعراضهم، ونقاء أنسابهم، واحترام أحكام دينهم ومذهبهم طائفيين؟! وهل الأُخوَّة الإسلامية تعني أن أسحق أحكام مذهبي، أو أن يَسحق أخي الآخر أحكام مذهبه؟!

الإشكال الثامن عشر:

ما هو التقييم للتفاعل مع الموقف العلمائي الرافض للتقنين؟

الجواب:

1) أن تؤدي إلى ذلك، أو تغلق باب الاجتهاد، وتجمِّد الأمة عند رأي اجتهادي واحد دائماً. وهذا الالتزام يعلنون عنه بياناً للحق، وتنبيهاً للأمة على الخطر الذي تُستدرج إليه، ومن مسؤولية الأمة أن تقوم بواجبها في إنكار المنكر، ودفع الخطر.

2) وإتماماً لأداء الواجب من قبل العلماء عليهم أن لا يألوا جهداً في تفعيل دور الأمة على طريق التصحيح، ودفع المنكر وليس عليهم أن يضمنوا تحرك الأمة، ولا يُنقصُ من جزائهم تأخرها عن أداء وظيفتها بعد بذل جهدهم وحسن أدائهم.

3) إذا وعى الشعب الخطر على الشريعة، ولم تنجح معه حملات التشويش والتضليل فلن يتأخر عن نصرة دينه الكريم أبداً، فنحن لم نتعود من هذا الشعب الكريم خذلان دينه؛ ولا التقاعس عن الحفاظ على شرفه وقيمه.

الإشكال التاسع عشر:

المرفوض قانون بآلية غير شرعية، أم أصل تقنين الأحوال الشخصية؟

الجواب:

المادة الفقهية التي يجوز للقاضي أن يحكم على أساسها، وتمثِّل رأياً وذا حجية ثابتة في حقه تقنينها لا يمثّل إشكالاً. والرأي الحجة هو رأي وافقه اجتهاد القاضي، أو تقليده، أو كان هو الأحوط.

وبعد التقنين للأحكام الشرعية، وعلى أساس شرعي يتحمل القاضي المواءمة بين وظيفته الشرعية والعملية في ممارسته القضاء.

الإشكال العشرون:

كيف تم القطع لكم بأن قانون الأحوال الشخصية في البحرين لن يكون وفق الشريعة الإسلامية؟

الجواب:

1) يكفي لوجوب الرفض الخوف الجدي من وقوع المخالفة، بل حتى لو كانت محتملة احتمالاً ملحوظاً لخطورة الموضوع.

2) المخالفة تدل عليها:

‌أ- المخالفات الشرعية الواضحة في عدد من المقترحات بشأن الأحوال الشخصية.

‌ب- التجارب السابقة في البلدان الأخرى في هذا المجال.

‌ج- وجود عدد ممن لا يرون بأساً مطلقاً في مخالفة القانون لأحكام الشريعة.

‌د- النداءات العلنية قبل الآن وحتى الآن، التي تطالب بالاقتداء بالعلاقات الأسرية في الحضارة المادية الغربية، والتحرر من الأحكام الشرعية التي يسمونها بالأحكام البالية والمتخلفة والرجعية.

الإشكال الحادي والعشرون:

أين يقف المشايخ في البحرين من هذه القضية؟

الجواب:

لا أرى ملتفتاً من المشايخ المحترمين إلى خطورة الموضوع لا يكون معارضاً.

وكيف يمكن لعالم يفهم الدين ويحترمه أن يوافق على تعريض أحكام الشريعة إلى التغيير والعبث والتلاعب؟!

الإشكال الثاني والعشرون:

أليس هناك تعارض بين التزام الصمت من قبل العلماء حول المشاركة وعدمها في الانتخابات النيابية وبين المواجهة للتصويت على قانون الأحوال الشخصيَّة في المجلس النيابي؟

الجواب:-

المشاركة والمقاطعة للانتخابات موضوع كانت له تعقيداته، وكان محل خلاف على مستوى المؤسسات والشارع، وقد تناول العلماء الموضوع بالدراسة المركّزة، وسمعوا وقرأوا كثيراً من الآراء، وأمعنوا فيها النظر جيّداً، فما كان موقفهم موقف التفرج واللامبالاة، وأما ما اتخذوه من موقف الصمت فهو ما أدّت إليه قناعتهم الشرعيَّة بلحاظ كل تداخلات المسألة وتشابكاتها، وانعكاساتها، وكان الإسلام ومصلحة الشعب منظورين بدقة في اتخاذ الموقف.

وأما بالنسبة لقضية تعريض الأحكام الشرعية في مساحة ما يسمى بالأحوال الشخصية، وفي دائرة الأسرة إلى الإهمال والتحريف والاستبدال فهي قضية لا يمكن أن يختلف المتشرعة على وجوب إنكارها ولا تسبب مواجهتها تصدعات وشروخات في صفوف المتدينين بصورة تضرُّ بمصلحة الإسلام وأهله، وهي مسألة سكت عنها الشارع، فكان لابد من تنبيهه على خطورتها، ودعوة الناس إلى مواجهتها.

الإشكال الثالث والعشرون:

لعلّ التعارض يكون أوضح عندما نتذكر موقف العلماء الداعم للميثاق رغم كونه البوابة للدخول في الحياة النيابية المزعومة آنذاك؟

الجواب:

شخصياً لم أشارك في الموقف الجماعي المتخذ من الميثاق يومذاك، والذين شاركوا في ذلك هم علماء ومثقفون آخرون ورموز الانتفاضة الشعبية الرابحة إن شاء الله. ولا شك أن القرار انطلق في أعلى المستويات من الحرص على المصلحة الشعبية، مع عدم إغفال الناحية الشرعية بحسب ما أدى غليه تشخيص الأخوة ونظرهم الديني. وفيهم أهل النظر السياسي وأهل الإطلاع الفقهي، وأهل الورع والتقوى.

الإشكال الرابع والعشرون:

إن رفض تقنين الأحوال الشخصية يعدّ انتهاكاً صارخاً لحقوق المرأة في المحاكم الشرعية. ما هو التعليق؟

الجواب:

  1. إذا كان القاضي ممن يحكم بهواه، فكما يكون ذلك انتهاكاً لحق المرأة فهو كذلك انتهاك لحق الرجل؛ لأن الهوى متقلب، وكما يدعو لظلم المرأة لحساب الرجل، فهو يدعو كذلك لظلم الرجل لحساب المرأة.

أما إذا كان القاضي لا يحكم إلا بما أذن الله فلا ظلم لرجل ولا امرأة ، ولا يبيح مسلم لنفسه أن يتهم شريعة الله بالظلم.

  1. وهل ترى أن التقنين يقضي على ما يسبّبه الهوى من فساد وهل تظنّ أن المحاكم المدنية أقل من المحاكم الشرعية في الاختراقات ، وهل يحول القانون الحكم النهائي بيد المحامين؟ وهل كل محام أتقى وأنزه من كل قاض؟

وإذا كنا نقول بأن الحكام غير الشرعيين بعيدون عن التحيز والمحاباة والخروج على القوانين فإذاً كل ما صدر ويصدر من أحكام سياسية في عالمنا الغربي والإسلامي عادلة ولو بحكم القانون وإن لم تكن عادلة بحكم الشريعة. فهل ترون ذلك؟

  1. إن الخلل الذي يمكن أن يدخل على القضاء الشرعي في غياب الكفاءة والتقوى قد يعالج جزئياً بالتقنين. وهذه المعالجة إنما تتطلب صياغة الأحكام الشرعية بلغة القانون وصورته.

ولا تتطلب أن تغيّر أحكام الشريعة العادلة، ونحكِّم فيها الآراء والأهواء البشرية، وأن ننكر على الله حق التشريع، ونعترف به عن رضى وتسليم للمجلس الوطني، والحقُّ أن الرضى بإخضاع الأحكام الشرعية في دائرة الأسرة وما يسمى بالأحوال الشخصية لنظر المجلس هو اتهام للشريعة وعدم رضى بالله ورسوله، وثقة ورضى بتشريع غير الله.

زر الذهاب إلى الأعلى