خطبة الجمعة (141) 22 ذو الحجة 1424هـ – 13 فبراير 2004م

مواضيع الخطبة:

 

الحبّ والبغض (1) – ذكرى الغدير – الثورة الإسلامية في إيران.

 


ثورة ركّعت أمريكا في إيران، وقطعت يدها الجانية عن العبث بمقدّرات الإسلام وقيمه الغالية في ذلك البلد وعن نهب خيرات الشعب الإيراني المسلم الكريم وثرواته الهائلة بصورة استنزافية بشعة.

الخطبة الأولى

الحمد لله بارئ النّسم، المتفضِّل بالنّعم، خَلَق الخلائق وهو غنيٌ عنها، قائم بأمرها، متكفِّلٌ بِرَفدِها، واهبٌ لها بقاءها. أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أنَّ محمَّداً عبده ورسوله صلَّى الله عليه وآله الكرامِ البررة وسلَّم تسليماً كثيراً.

أوصيكم عباد الله ونفسي الأمَّارة بالسوء بتقوى الله الذي أوصى من لطفه ورحمته بتقواه، ونهى عن أن يُشرك به في التقوى غيرُه، وأن تكونَ الطاعة في الأصل لسواه، فبالتقوى جاءت الرسل قال سبحانه:” يُنَزِّلُ الْمَلآئِكَةَ بِالْرُّوحِ مِنْ أَمْرِهِ عَلَى مَن يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ أَنْ أَنذِرُواْ أَنَّهُ لاَ إِلَـهَ إِلاَّ أَنَاْ فَاتَّقُونِ (2) خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ بِالْحَقِّ تَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ” (3) / النحل، وقال عزَّ من قائل:” وَقَالَ اللّهُ لاَ تَتَّخِذُواْ إِلـهَيْنِ اثْنَيْنِ إِنَّمَا هُوَ إِلهٌ وَاحِدٌ فَإيَّايَ فَارْهَبُونِ (51) وَلَهُ مَا فِي الْسَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَلَهُ الدِّينُ وَاصِباً أَفَغَيْرَ اللّهِ تَتَّقُونَ (52)” / النحل.

فالتقوى لله وحده، لأنه الخالق المالك لكل شيء، وأمرُ كل شيء بيده، ولا أساس لألوهيةٍ غير ألوهيته، ولا لتقوى أحد من دونه. وما أكثر ما نضلُّ نحن الناس في أمر الطاعة والتقوى، فتجد أن تكون منا التقوى والطاعة بغير إذن الله لمن لا يملك نفعاً ولا ضرّاً، ويكونَ منا الاستخفاف بأمر الله ونهيه، والتفريط في شريعته، وهو من لا ضرَّ ولا شرَّ إلا بإرادته.

اللهم صلّ على محمد وآل محمد، واغفر لنا ولإخواننا المؤمنين والمؤمنات أجمعين، وأرنا الحق حقّاً فنتبعه، والباطل باطلاً فنجتنبه، واجعلنا لا نشركُ بك أحداً أبداً؛ فأنت الإله الحق، والربُّ الذي لا ربَّ سواه.

أمَّا بعد أيها المؤمنون والمؤمنات الكرام فالحديث مقتضبٌ في موضوع الحبِّ والبغض واقتضابه ليتسع الوقت للحديث في الخطبة الثانية أكثر:-

1- الحب دافع من دوافع السلوك البشري. فمن أحب المال أو العلم مثلاً أفنى عمره فيه، وبذل من أجله ما في وسعه.
والمحبوب يجتذب أكثر من كونه يستهوي فحسب، ويستقطب كلّما ازداد حبه في النفس، وقالوا عن الحبّ أنه يُعمي ويُصمّ، ولا يرى الحبيب من حبيبه إلا ما حسُن، أما القبيح فعينه عنه عمياء.
الحبّ ربما تجاوز الخوف أو غيره من الدوافع في درجته التي تدفع في اتجاه السلوك، فالأم من منطلق حبها لطفلها الوحيد قد ترمي بنفسها في النار من دونه وقاية له، والحبّ عامل من العوامل التي تهتمّ التربية الإلهية وكذلك التربية الوضعية باستثماره في مجال التوجيه وفي مجال بناء السلوك.

2- الحب حسيٌّ ومعنوي.

فامرأة يحبها رجل قد تأخذ لبّ حياته كله، وقد تستنزف كل طاقاته من أجل أن تنبني بينهما علاقة من حلال أو حرام. وهذا من الحب الحسي. ومثله حب المال الذي قد يستغرق دنيا الإنسان ويستنزف كل حياته ليجمع منه ما يستطيع جمعه.

وهناك الحب المعنوي، فمنهم من يحب العلم، ومنهم من يحب الإحسان، وأكبر حبّ معنوي، و هو منبع لكل حبّ شريف، ولكل حبّ بنّاء هو الحب لله سبحانه وتعالى. فالحب لله منطلق كل خير. وقُدِّمت الطاعة لله من منطلق الحب على طاعته من منطلق الخوف أو الرجاء.

ويبلغ الحبّ أن لا يرى الحبيب نفسه إلا من خلال محبوبه؛ حتى ليكون أنسه من أنسه، فلا يكون له أنس من غير أنس ذلك المحبوب، فهناك حبٌّ يقوم على العطاء، بينما حبّ آخر يقوم على الأخذ، قد يكون حب الرجل لزوجه من الحب الذي يأخذ وكثيرا ما يكون حب الزوجة لزوجها من هذا النوع، إنها ترى فيه شيئاً يسرّها فتريد أن تتملكه لنفسها، وتستحوذ عليه فلا يكون منه شيء حتى لصديق أو أم. والرجل يذهب هذا المذهب في الحب في كثير من الأوقات.
أما الحب الكبير فذلك الذي فيه تضحية وفيه إيثار، وفيه نسيان للذات من أجل المحبوب. وحب أنبياء الله ورسله وأوليائه هو من ذلك الحب الأسمى.

ونحن قد نحب الله أحيانا لأنه يعطينا، لأنه يقينا، هذا لون من الحب لا بأس به، لكنه دون ذلك الحب الذي يعرفه مثل قلب الرسول صلى الله عليه وآله والأئمة الطاهرين عليهم السلام.

3- منشأ الحب تصور نفع أو كمال.

ومنشأ الحب دائما هو تصور نفع أو كمال في المحبوب، وقد يكون هذا النفع موهوماً، وقد يكون ذلك الكمال مجرد تصور وتخيّل. أما إذا أردت أن يكون حبّك من منطلق النفع التام والكمال المطلق الصادق فليكن حبك لله سبحانه وتعالى.

الحب لله حبّ من منطلق الكمال الصادق الحقيقي، وإذا أردت أن تتنزل فتستطيع أن تحب الله سبحانه وتعالى من منطلق نفعك الذي لا تعجز عنه قدرة الله، ولا يضيق عنه كرمه.
وكثير من الحب في الأرض وبين أهل الأرض يكون منطلقه موهوما، فليس هناك نفع في المحبوب، ولا شيء من كمال، وهذا تستطيع أن تستقرئه من حبك في نفسك لمحبوبيك، فتدرس دائما أن هذا الحب وراءه منشأ معقول صحيح أو ليس وراءه ذلك المنشأ.

4- الإيمان والحب.

وقالت النصوص الكثر، وصارت القضية ضرورية في الإسلام بأن الإيمان حب، والحب إيمان. أشرف إيمان، وأعمق إيمان، وأركز إيمان هو إيمان يتمثل في الحب لله سبحانه وتعالى. والقلب المحب لله قلب مؤمن بإيمان هو من أروع صور الإيمان.

الإسلام يطالبنا بحبّ الله، وعلينا أن نتفحص قلوبنا دائما لنجد حبها هل هو لله أو لغيره، فإن وجدنا حبّنا لغير الله فهي كارثة، وإن وجدنا حبّنا لله فلنحمده سبحانه وتعالى
(قُلْ إِن كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَآؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا – هل هناك من شيء ترتبط به أكثر من هذه الأشخاص والأشياء؟! هل يجتذبك شيء في الدنيا أكثر ما ذُكر؟ هل من شيء يشدك إليه بدرجة أكبر مما يشدك إليه مما ذُكر في الآية الكريمة؟ أتستهونه أمام الله؟! أم تستعظمه؟! ارتباطك النفسي به، انجذابك القلبي إليه، ذوبانك فيه، أكبر أم ذوبانك في الله أكبر؟ لئن كان الأول لقد استصغرت الله، وما أكثر ما نكون من الأول لو فتّشنا الصدور، صدري وصدر الآخرين، وهذا نعرفه في المواقف الحرجة، في مواقف الضيق، إما أن يموت الولد أو أعصي الله، الولد يكاد يموت إن لم أرتكب من أجله المعصية، هل أرتكب المعصية أو أسمح بروح الولد ومفارقته؟ – أَحَبَّ إِلَيْكُم مِّنَ اللّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُواْ – ترقّبوا، انتظروا انتظار الخائف، انتظار المترقب الفزع، انتظار من لا يشك في مواجهة الخطر والعقاب – حَتَّى يَأْتِيَ اللّهُ بِأَمْرِهِ وَاللّهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ) 24/ التوبة.

هذا المُقدِّم لأعز شيء في الأرض على الله سبحانه وتعالى معدود في ذيل الآية الكريمة من الفاسقين.
أقرأ بسرعة هذه النصوص:

(وَمِنَ النَّاسِ مَن يَتَّخِذُ مِن دُونِ اللّهِ أَندَاداً يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللّهِ وَالَّذِينَ آمَنُواْ أَشَدُّ حُبّاً لِّلّهِ….) 165/ البقرة.

المؤمن بالطاغوت يحبّه، لكن المؤمن بالله أشد حبا لله. وقد يكون الندّ في النفس الشخص ولداً، زوجاً أو زوجة، وقد لا يتخذ انسان فرعون وأمثاله أنداداً، لكن قد كثيراً ما نتخذ الولد العزيز والزوجة المحبوبة أو الزوج المحبوب ندّاً لله في أمورنا اليومية، لكن الذين آمنوا أشدّ حبّاً لله.
عن الصادق (ع):(لا يمحض رجلٌ الإيمان بالله حتى يكون الله أحبّ إليه من نفسه وأبيه وأمه وولده وأهله وماله ومن الناس كلهم).

هذه درجة من الإيمان لا نكاد نبلغها لكن علينا أن نسعى جاهدين في الاقتراب منها.
في الدعاء عن زين العابدين (ع):(إلهي لو قرنتني بالأصفاد، ومنعتني سيبك – عطاءك، رفدك – من بين الأشهاد…. ما قطعتُ رجائي منك، ولا صرفت تأميلي للعفو عنك – عنك متعلّقة بصرفت، أي ولا صرفت عنك تأميلي للعفو عني -، ولا خرج حبك من قلبي).

اسلبني ما تسلبني، أنزل بي من البلاء ما تنزل بي، لكن قلبي لا يتحول عنك أبداً.
وفي الدعاء عن الصادق (ع):(سيدي أنا من حبك جائع لا أشبع، أنا من حبك ظمآن لا أروى، واشوقاه إلى من يراني ولا أراه….).
لا أرى عظمته المطلقة، لا أرى لطفه المطلق، لا أرى علمه المطلق، لا أرى أسماءه الحسنى على حقيقتها.

اللهم صل على محمد وآل محمد، واغفر لنا ولإخواننا المؤمنين والمؤمنات أجمعين، ولوالدينا وأرحامنا ومن كان له حق خاص علينا من مؤمن ومؤمنة، ومسلم ومسلمة. ربَّنا شرِّفنا جميعاً والمؤمنين والمؤمنات بحبك وذكرك، وأنلنا طاعتك وقربك، وارفع درجتنا عندك، وآونا إلى رحمتك وظلك يوم لا ظل إلا ظلك، ربنا أحينا خير حياة، وأمتنا خير ممات، وابعثنا خير مبعث، وانتهِ بنا إلى أكرم المنازل في جنة الخلد يا رحيم يا كريم.

بسم الله الرحمن الرحيم
(قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ (1) لَا أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ (2) وَلَا أَنتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ (3) وَلَا أَنَا عَابِدٌ مَّا عَبَدتُّمْ (4) وَلَا أَنتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ (5) لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ (6))

الخطبة الثانية

الحمدلله الذي دعا إلى أقوم الأديان وأهدى السنن، وحذَّر من البدع ومضلات الفتن، وأقام الآيات، وبثَّ البيّنات، ورغَّب في الصالحات، وزهَّد في الطالحات. أشهد أن لا إله الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وآله وسلم تسليماً كثيراً.

أوصيكم عباد الله ونفسي الغافلة بتقوى الله، والنظر في أمر النّفس، والرب والناس، والدنيا والآخرة وأخذ الكبير كبيراَ، والصغير صغيراً، والعظيم عظيماً، والحقير حقيراً.

فللناس والنفس مقام، والكل فقير في ذاته، معوزٌ إلى ربه، ولا يملك أحدٌ لأحدٍ تقديماً ولا تأخيراً. ومقام الرب أنه الملك الحق المبين، الذي لا عديل له ولا مثيل، ولا ضدّ ولا ندّ فلا يُساوى بين الرب والعبد في عقل سليم، أو وجدان قويم.

والحياة ممر، والآخرة مقر، فالأولى للثانية، وليست الثانية للأولى. ألا فلنعمل لله لا للناس، ولنقدم الآخرة على الأولى.

اللهم اغفر لنا ولإخواننا المؤمنين والمؤمنات، ولا تجعلنا ممن يشتري الذي هو أدنى بالذي هو خير، ويعبد المربوبين ويعصي الرب. اللهم اجعلنا من أقرب من تقرّب إليك، ومن أرضى من طلب رضوانك.

اللهم صل على محمد وآل محمد. اللهم صل وسلم على السادة الأطهار عليٍّ أمير المؤمنين، والحسن بن علي الزكي، والحسين بن علي الشهيد، وعلي بن الحسين السجّاد، ومحمد بن علي الباقر، وجعفر بن محمد الصادق، وموسى بن جعفر الكاظم، وعلي بن موسى الرضا، ومحمد بن علي الجواد، وعلي بن محمد الهادي، والحسن بن علي العسكري.

اللهم صل وسلم على فاطمة الزهراء التقية النقية. اللهم صل وسلم على وليك القائم المنتظر.

اللهم عبدك الموالي له، والفقهاء العدول، والعلماء الصلحاء، والمؤمنين والمؤمنات أيدهم وسددهم ووفقهم لمراضيك.

أما بعد أيها المؤمنون فتعدل بنا مناسبتان كريمتان:
مناسبة الغدير الأغر، ومناسبة انتصار الثورة الإسلامية في إيران عن متابعة الحديث تحت عنوان الديموقراطية بين دعاتها والإسلاميين، مؤجلين هذا الموضوع الأخير إلى أسبوع قادم إن شاء الله.

ذكرى الغدير:

يوم الغدير الأغر يوم الولاية لله ورسوله والذين آمنوا الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم راكعون.
وإنه لا للدين فحسب وإنما للدين والدنيا مجتمعَين، وليس لسعادة أمة غير أمة، وإنما هو لسعادة الإنسانية كاملة.
إنه لاستقامة الدين، ونقائه وصفائه وصدقه، وحيويته وفاعليته وحاكميته.
وإنه لأمنِ الدنيا واستقرارها ونموها وتقدمها ورفاهها وهنائها، ولأخوَّة الناس فيها، وللعدل والمساواةِ والإنصاف، ولأن تُشرقَ الأرض بنور ربها فتكون من ذلك الهدايةُ والمحبةُ والأنسُ والسعادة للجميع ممن يحب الخير، ويستجيب له.

كان الغدير ليقوى ويتركّز ويتجذر به الإسلام، ولا يأتيَ عليه انحراف ولا تحريف، ولتُبنى هذه الأمة بناءً إيمانياً شامخاً فتهتدي بها كل الأُمم، وتستنير بضوئها كل المجتمعات فتذهب العداوة بين الناس من غرس الشيطان، وتتثبَّت الأخوَّة في الله ومن فيض هداه.

كان الغدير -كما هو الإسلام أصلاً- لتكون الأمم جميعاً أمة واحدة – كما هو الإسلام – تجتمع على مائدة الإيمان الصادق، والعلم الثابت، والعمل الصالح، وتعيش حقيقة العدل والتقوى والمحبة والإحسان… أمةً تصنع الدنيا جنةً في ضوء منهج الله، وتكتسب جدارتها فيها لجنة الآخرة.
وإننا لنرى أن الأمةَ تظلِم نفسها، وتظلِم كلّ الأمم حين تتخلى عن سفينة النجاة، وأمناء الله في الأرض، وخزنةِ علم الكتاب، وورثة علم النبيين، ومصابيح الدجى، وأئمة الهدى من آل محمد صلى الله عليه وعليهم أجمعين.

وستبقى الأمة تُعاني من خطئها الكبير، وتتلقى الهزيمة بعد الهزيمة، وتحلُّ بدارها الكارثةُ تلو الكارثة، وستبقى البشرية معها معذّبة يدير أمرها الجاهلون، ويستبدُّ بمقدُراتها، ويعبث بكرامتها الطغاة الجبابرة المستكبرون في الأرض حتى تفيء إلى أمر الله، وترجع في أمرها إلى آل الله وهم عبيده المقربون منه تعالى من قربى رسول الله (ص).

ولن تقترب هذه الأمة من هداها ورشدها وأمانها وعزتها وكرامتها إلا بمقدار ما تقترب في رضىً وتسليمٍ من حملة علم الكتاب، وورثةِ النبيين في هداهم وخطهم وطرحهم ومدرستهم.

ولانشك أن كل ما عند الصحابة الأخيار وغيرهم من التابعين بإحسان من صحيح الحديث، وسديد الرأي هو عند أهل البيت (ع). ثم إنه ليس كلُّ ما عند أهلُ البيت صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين من العلم والحق قد وصل سائر المسلمين. وما اختلف مختلفٌ مع أهل بيت النبوة إلا وكان الحقُ في الجانب الذي جاء فيه (إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيراً).

ولقد جاء “عليٌّ مع الحق والحق مع علي يدور معه حيثما دار”.
وتأمَّلوا في قوله تعالى مخاطباً نبيه الكريم (ص):(والذي أوحينا إليك من الكتاب هو الحق مصدقاً لما بين يديه، إن الله بعباده لخبير بصير. ثم أورثنا الكتاب الذين اصطفينا من عبادنا فمنهم ظالمٌ لنفسه ومنهم مقتصد ومنهم سابق بالخيرات بإذن الله ذلك هو الفضل الكبير) 31 – 32/ فاطر.

فمن هم المصطفَون بعد خاتم الرسل (ص) الذين أُورثوا الكتاب وكانوا أهلاً لتحمُّل ثِقل أمانته علماً وعملاً وتبليغاً وتبياناً دقيقاً وتطبيقاً صائباً على صعيد الأمة مهما اتسعت رقعتها وامتدت في الناس؟ وأين تضع الأمة علياً وبنيه (ع) أفي الظالمي أنفسهم، أم في المقتصدين الذين هم على استقامة وفي سواء الطريق لكنهم مسبوقون من فئة أخرى من المؤمنين بصورة واضحة تفرض عليهم أن يكونوا مقتدين بتلك الفئة، لا أن يقدِّموا أنفسهم للأمة بكل مستوياتها أئمةً وقدوة؟ الأئمة نضعهم في الفئة الأولى أو الفئة الثانية ليكون غيرهم في الفئة الثالثة فئة السابقين بالخيرات؟ إذا كان كذلك – يعني إذا وضعنا الأئمة عليهم السلام في الفئة الأولى أو في الفئة الثانية، وجعلنا الفئة الثالثة السابقة للخيرات غيرهم – فمن هم السابقون بالخيرات في الأمة والذين كان على علي والحسنين والسجاد والباقر والصادق وباقي الأئمة الإثنى عشر عليهم السلام أن يقتدوا بهم، ويأخذوا منهم علم الكتاب ويقدِّموهم ولا يتقدموهم؟.

أيدخل في تلك الفئة السابقة بالخيرات الوارثة للكتاب التي على أهل البيت (ع) أن يُذعنوا لها في تلقي علم الكتاب وأسراره معاويةُ في قبال علي والحسن عليهما السلام؟ ويزيد في قبال الحسين (ع)؟ ثم الخلفاء من بني أمية وبني العباس الذين عاصروا الباقر والصادق وبقية أهل بيت الرسالة عليهم السلام؟ (1). وهل دخل الخلفاء الثلاثة في منافسةٍ مع علي (ع) في علم القرآن وقضائه وأحكام الشريعة وغوامضها؟ المعروف من الخلفاء أنهم يسألون عليّاً عليه السلام، ولا ينافسونه في علم الكتاب. وهل قدّم أحد نفسه للأمة من دون أهل البيت عليهم السلام – ولو على مستوى الدعوى – باعتباره مرجعية نهائية بعد رسول الله في علم القرآن، وحجة على غيره بلا منازع؟ عبد الله بن عباس مفسر كبير، وأكبر المفسرين، كان يعارض الأئمة عليهم السلام أو يتتلمذ علىأيديهم؟! وهل قدّم أحدٌ أحداً من الأمة جمعاء باعتباره صاحب هذا الموقع، وبما هو وارث للكتاب وراثة كفاءةٍ علمية وعملية وأمانة والتزام؟ لا نعرف أحداً من الأمة كلها قديمها وحديثها بمن فيها من خلفاء وعلماء ومفسرين لهم شأنٌ معروف ومنزلةٌ علمية من غير أهل البيت عليهم السلام الذين صرّحوا بهذه المنزلة لأنفسهم وتم النقل المتواتر عنهم بذلك، وشهدت مواقفهم العلمية والعملية بصدقه وواقعيته قد ادّعى منزلة الوراثة والاصطفاء الإلهي التي نصت عليها الآية الكريمة.

وبعد خلو الأمة من دعوى الاصطفاء والوراثة لعلم الكتاب لأشخاص بعينهم تكون الآية الكريمة لا مصداق لها كل هذه المدة الطويلة من التاريخ لو لم يأتِ ما يُثبت أن أهل البيت (ع) هم أولئك النفر.
ولا يتصور أن لا يأتي ورثةُ الكتاب إلا بعد القرون المتطاولة إذاً أين حاجة كل هذه القرون إلى علم الكتاب وحراسته؟

ولا يصح أن يُقال بأن الأمةَ بمجموعها هي وارثة الكتاب على مستوى فهم مراميه وأسراره وحفظ أحكامه وإقامتها وإن لم يكن نفرٌبعينه منها متوافراً على هذا الوصف لأن ضمّ الجاهل إلى الجاهل وإن بلغ العدد بذلك الملايين لا ينتج أمةً عالمة.

ولا يصح كذلك بأن الأمة بكل واحدٍ من أفرادها أو من علمائها على الأقل وارثةٌ للكتاب بحق، إذ أن هذا أمرٌ يكذبه الوجدان، ويرده التهافت في أقوال العلماء والمفسرين.

ولنتذكر أن محمداً وآله صلوات الله عليهم أجمعين من آل إبراهيم (ع) وقال قال الله سبحانه: (إِنَّ اللّهَ اصْطَفَى آدَمَ وَنُوحاً وَآلَ إِبْرَاهِيمَ وَآلَ عِمْرَانَ عَلَى الْعَالَمِينَ) 33/ آل عمران، ومن المقطوع به أن الرسول صلى الله عليه وآله من هذه الذرية المباركة المصطفاه مما يلقي ضوءاً على المعنيّ بالمصطفين في هذه الأمة بعد رسوله الكريم (ص) خاصةً وأن هذا الاصطفاء لم يثبت لذريةٍ أخرى بعد نبي الإسلام العظيم.

أضف إلى آية الاصطفاء آية التطهير منضمةً إلى مورد نزولها وتطبيقها المتكرر من المصطفى (ص)، وأمثال آية المباهلة والمودة، ثم حديث الثقلين والأحاديث الكثر أمثال حديث المنزلة وحديث الدار وحيث الكتف والدواة؛ وهي أحاديث تزخر بها المصادر الأولى عند المسلمين في الحديث والتاريخ، وكلها تقود المسلم إلى تعيين المصطفين بعد رسول الله وهم الصفوة من أئمة الهدى من آله عليه وعليهم أفضل الصلاة والتسليم.

وإذا عرفتَ المصطفَين فتمسّك بحبلهم فلن ينتهوا بك إلى نار، ولن ينتهوا بك إلا إلى الجنة.

الثورة الإسلامية في إيران:

كلمات سريعة في مناسبة انتصار الثورة الإسلامية في إيران.
ثورة فجّرها بطلٌ من أبطال الإيمان والعلم والعزيمة والصمود، وعاشقٌ من عشَّاق خط أجداده الكرام محمدٍ وعليٍ وأبنائه الهداة عليهم السلام.

ثورة مباركةٌ أطاحت بواحدٍ من أشدِّ طواغيت عالمنا الإسلامي، وأكثرهم دعماً من الشيطان الأكبر أمريكا كما سمّاها السيد الإمام الخميني العظيم.

ثورةٌ ركّعت أمريكا في إيران، وقطعت يدها الجانية عن العبث بمقدّرات الإسلام وقيمه الغالية في ذلك البلد وعن نهب خيرات الشعب الإيراني المسلم الكريم وثرواته الهائلة بصورةٍ استفزازية بشعة.
لقد كانت أمريكا تسحق كرامة الإنسان المسلم في إيران – كما هو حالها الآن في كثير من بلدان الإسلام – وتستخف بدينه ودمه وعرقه في صورةٍ متغطرسة حتى جاءت الثورة العملاقة لترد على الغطرسة الأمريكية رداً كافياً بليغاً مُهيناً للاستكبار، ومؤكداً على عزة الإسلام والمسلمين.

ولقد صدق الإمام الخميني مع الدين الإسلامي الذي آمن به والقيم العالية التي تشرّب بها، وخط الغدير الذي ربّته مدرسته فكان المقدام الذي لم تهزم نفسيته الجاهليةُ وإن كانت عمت الأرض كلها برؤاها ومفاهيمها المتردية، فقد وقف ابن عليٍ والحسين عليهما السلام موقف القرآن والسنة لا يبالي بمن قال وما يقال.
وقد صدق مع إسلامه ومدرسته في احترامه لإنسانية شعبه وأمته حيث أخذ بمبدأ التصويت في مهمات الأمور كلها ابتداءاً من التصويت على النظام وثوقاً في أصالة شعبه وعطاءات تربيته الإيمانية القويمة التي تلقّاها طويلاً على يد الحوزات العلمية والمساجد والحسينيات والمواكب العزائية الفاعلة، وإيماناً بقدرة ذلك الشعب على الاختيار الصحيح الذي لا يقدم على الإسلام شيئاً، ولا يعدل به شيئاً على الإطلاق.

وقد كان صورةً من عليٍ عليه السلام في انفتاحه على مصلحة الأمة كلها، وحمله لهمِّ المستضعفين في الأرض جميعاً.
رفع الله في الخالدين درجته، وجزاه جزاءَ الصالحين عن أمته.

اللهم صل على محمد وآل محمد، واغفر لنا ولإخواننا المؤمنين والمؤمنات أجمعين.
“ربنا إنا راغبون إليك فاهدنا، مشتاقون إليك فقرِّبنا، مشفقون من ذنوبنا فاغفر لنا، خائفون من نارك وغضبك فنجِّنا يا أرحم من استُرحم ويا أكرم من سُئل وأجود من أعطى.

{إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاء ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ}النحل/90

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 – تقرؤون كتيبات كثيرة فيها شبهات، ارجعوا إلى الأصل، أصل المسألة، انظروا من هم المصطفون، فإذا عرفتم من هم المصطفون كفى، وسهل عليكم أن ترموا بكل الكتيبات المشككة

زر الذهاب إلى الأعلى