خطبة الجمعة (49) 23 ذو الحجة 1422هـ – 8-3-2002 م

مواضيع الخطبة:

جهاد النفس – عيد الغدير

يحرم في ظل الانتماء إلى خط الإمامة تثقيف الأمة بثقافة غربية أو أي ثقافة أرضية أخرى بديلة، ولذلك جرى ويجري التركيز دائماً على إمامة الإمام القائم (عج).

الخطبة الأولى

الحمد لله الذي دلّ على معرفته بفضله وقدرته ، وهدى العقول إلى وجوب طاعته ، وأذاق القلوب حلاوة ذكره ومناجاته . أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ،تنـزه عن مجانسة المخلوقات ، وجلّ عن مشابهة الممكنات ، وتعالى عن أن تدركه الأفكار والخطرات . وأشهد أن محمداً عبده ورسوله أرسله بالهدى للنّاس كافّة ؛ فرسالته باقية ما بقيت السماوات والأرض ، وطاعته ثابتةٌ على كل أحد . اللهم صلِّ وسلّم عليه وآله الأخيار الأطهار .
عباد الله اتقوا الله ، واذكروا وزنه لأنفسكم الوزن الحق ، بكل ما انضمت عليه النفس من فكرٍ حقٍ أو باطل ، وشعور سليم أو سقيم ، ونيّات صحيحة أو فاسدة ، وخير أو شر ، وعلم أو جهل ، وحكمة أو سفه ، وإخلاصٍ أو رياء ، وقويم خلقٍ أو ذميمة (فأما من ثقلت موازينه فهو في عيشة راضية . وأما من خفت موزاينه فأمه هاوية . وما أدراك ما هيه . نارٌ حامية) فابنوا أنفسكم ولا تهدموها ، وأصلحوها
ولا تفسدوها ، وعالجوا عوجها وقوِّموها ؛ فنفس بناها صاحبها وقوَّمها ؛ ليس لها مأوىً إلا الجنة ، وفيها كرامة الله ، ونفسٌ هدمها صاحبها وانحرف بها ؛ ليس لها دون النار مقرّ ، وفيها عذابُ الله وهوانه ، وليس يُطمع كما يطمع في نعيم الله وكرامته، ولا يّحذر كما يحذر من عذاب الله ومهانته .
اللهم صل على محمد وآل محمد وأعنّا على أنفسنا ما أحييتنا واهدنا سواء السبيل .

جهاد النفس المعركة المصيرية الأولى:

أما بعد فإنّ ميداننا الأول أنفسنا ، وإنه و إن كانت لنا معارك كثيرة في الحياة ، فإن معركتنا الأولى مع النفس هي المعركة الأولى والمصيرية ، والتي لا صمود إلا من الصمود فيها ، ولا نصر إلا من الانتصار في ميدانها . والنفس ليست كلها شراً ؛ يطلب الانتصار عليه ، وإنما فيها الخير الذي ينتصر به . والنصر في أم المعارك – المعركة مع النفس – بدايته أن نعرف أنفسنا ونتوفر على التشخيص
الدقيق لها ، والتقييم الحق لخيرها وشرها. والمعرفة لا تعني صورة في الذهن حتى مع الاعتقاد ، وإنما تتمثل في نور في القلب يهتدي به إلى الصواب ، ومعرفة النفس موضوع هذا الحديث، ويكون تناوله تحت عنوانين ثلاثة بنحو الاقتضاب بما يفرضه المقام :

معرفةٌ تتقدّم المعارف :
كما تدل كلماتهم صلوات وسلامه عليهم أجمعين ..لا معرفة كمعرفتك بنفسك )) عن الإمام الباقر عليه السلام .قد تعرف الأشياء من حولك ، قد تسبر داء نفسك، وتبحث عن دوائه ، قد تغور العقول
في كائنات الأرض والسماء ، وفي الدقائق والجسيمات وفيما يكبر من الأجسام والمجرات ، قد تتوفر على معرفة كبيرة في هذا الكون ثم تبقى هذه المعرفة شيئاً خارج الروح ، خارج قلبك ، ويبقى أحدنا مع هذه المعرفة جاهلاً بنفسه .. ماذا توفّر له المعرفة الرياضية والمعرفة الكيماوية ، ومعرفة الأحياء ، والمعرفة الطبية والمعارف الأخرى ؟؟إن هذه المعارف توفر له أن يُصلح الأشياء من حوله وأن يستفيد منها بعض استفادة ، وأن يتوّقى شر ما يكون منها، ويحاول أن يتوصل بمعرفته إلى ما هو خيرٌ تعطيه ،
ولكن و مع جهله بنفسه ستبقى عمارة نفسه خراباً وستبقى ذاته دونيه ، و ستنخر الأمراض في داخل ذاته الإنسانية المعنوية ، من دون أن يهتدي إلى دائه سبيلاً ، و من دون أن يفكر في داوئه أي تفكير ، إذن سيخرج هذا الإنسان بذاتٍ هزيلة أو هالكة ، وإن عمّر ما عمّر في هذه الحياة. فأي المعرفة أولى ؟؟.. المعرفة بالنفس أفضل المعرفتين .
أما ما يذهب إليه تفسير الميزان في معنى مثل هذه الكلمة ، من المقارنة بين المعرفة الآفاقية والمعرفة عن طريق الأنفس فهو يكاد يكون أجنبياً عن هذه الكلمة والكلمات التالية.
( المعرفة بالنفس أفضل المعرفيتين )) الإمام علي عليه السلام .
( لا معرفة كمعرفتك بنفسك )) الإمام علي عليه السلام .الكلمتان تصبان في مصبّ واحد .
( أفضل العقل معرفة الإنسان بنفسه )) الإمام الرضا عليه السلام .
1- نعم إنّ معرفتنا بالأشياء نصلح بها الأشياء، وأنفسنا أولى بأن نصلحها ، والسبيل إلى إصلاحها معرفتها .
2- وقد نطلب بصلاح الأشياء صلاح أنفسنا وفسادها إذا لم نعرفها .
فمعرفتُنا للأشياء يمكن أن نستفيد منها فائدةً تعود على بدنٍ، أو على روح ولكن بعد اكتشاف الذات ، ويمكن في فرضٍ أن نجمع من المعرفة بما حولنا ، بما قرب منا ، وبما بعد عنا الكثير .. الكثير ، ولكن هذه المعرفة نحوّلها في ظل الجهل بالنفس ، أو في ظل الفهم الخطأ للنفس ، إلى ما يضر الذات ويحطًم الذات ويبعثرها

… معرفة النفس ومعرفة الربّ :
) من عرف نفسه فقد عرف ربّه ( ماذا ستعرف من نفسك ؟ ستعرف شيئين : لا بد أن تعثر في ذاتك على نقص أصليٍّ من منشأ فقر الذات ، ولا بد أن تعثر في ذاتك على كمال . ذلك النقص تجد أنك لا
تستطيع أن تسدّه ، فتكتشف بذلك فقرك وإمكانك ، والكمال الذي تجده في ذاتك تبحث فتجد انه ليس من ذاتك. كمال ذاتك لم تعطه ذاتك ، كمال ذاتك لم ينبع من ذاتك ، إنما كمال ذاتك من ذاتٍ فوق ذاتك ، وكل الذوات بذلك تعرف الله. فأنت حين تعرف نقصك وإمكانك، تعرف كمال الله ووجوبُه .
(( أكثر الناس معرفة بنفسه أخوفهم لربه ))وإذا ما عرفنا أنفسنا عرفناها فقيرة ، عرفناها محدودة ، عرفناها مقطوعةً إلا من رحمةٍ من الله ، عرفناها لا تملك لنفسها نفعاً ولا ضرّا ، عرفناها معلّقةً
بعطاء الله ، وإن ينقطع عطاء الله عنها تتحول إلى عدم ، وبذلك يخاف من عرف نفسه
ربــه . معرفة الله سبحانه أعلى المعارف ))نعم ، معرفتنا بالنفس مهمةٌ جداً جداً ، ولكن تعلوها معرفة الله ، ومعرفتك نفسك كما نقدّم في كلمته عليه السلام – مقدّمة موصلة إلى معرفة الله سبحانه .
1- فمن عرف نفسه انكشف له نقصه، وعرف فقره وعبوديته .
2-ومن عرف نفسه عرف كثير الخير منها، ودقة الصنع منها، وعدم ملكه لشيء مما لها فعرف ربّه .
3-ومن عرف نفسه عرف منها التقلب والتحول ، وأمرها بالسوء ، وعرف أن
عصمتها بالله ، وخيرها بيده ، وسلامتها بتسديده فخاف من مالك أمره ومن بيده خيره وشره.

ماذا بعد معرفة النفس :
النفس أمارة بالسوء ، النفس متقلبة ، لا تبقى على خط الحق إلا بعصمة من الله ..ينبغي لمن عرف نفسه أن لا يفارقه الحذر والندم خوفاً أن تزل به بعد العلم القدم )) في كل لحظةٍ ونحن محاصرون من الشيطان، ومن النفس الأمارة بالسوء ، ومن إغراء الإعلام الضال المضلل ، ومن خطط التدمير الروحي والعقلي ، ومن مؤامرات الاستكبار العالمي على قلب الإنسان وروحه الإنسانية الصافية… نحن محاصرون بجيوش كبرى من الشيطان ، يتهددنا الشرك ، يتهددنا الانحراف ، الزيغ .. فلا بد
من الاعتصام بالله ، وللاعتصام بالله علامات ومظاهر ومنها هذه المظاهر : أن نتأمل ، أن نتقي ، أن نتعلم ديننا ، أن نحاول تقوى الله في الصغير والكبير من الأمور) .من عرف نفسه جاهدها(
نفسك ليست صديقة لك دائماً ، في نفسك ما هو عدوٌ لك فلا بد أن تجاهد هذا العدو الداخلي ، ولن نتنصر على أي عدوٍ في الخارج إلا من خلال أن تصرع عدوك الداخلي .
(( من عرف نفسه جاهدها )) ومن جهل نفسه أهملها .

كلمتان في السياق نفسه:
) ينبغي لمن عرف شرف نفسه أن ينزهها من دناءة الدنيا (تقدّم أننا لسنا شراً فقط ، إنما نحن شرٌ وخير ، ذواتنا تستبطن شراً، وتستبطن خيرا ، فيها الضمير الإنساني الحي ، فيها الفطرة الصافية ، فيها العقل ، فيها القلب المنفتح على الله عز وجل. هذه منابع خير ، منابع ترفد الذات بالتقويم ،
ترفده بالإشارة إلى الهدى ، تقوده على طريق الله سبحانه وتعالى. هذه مكانة سامية ، وعجباً للإنسان الذي يبيع من نفسه قلبه الكبير المنفتح على الله ، عقله الهادي ، فطرته الصافية ، مستواه الضخم المؤهل إلى أن يعيش مع رسول الله صلى الله عليه وآله بقلامة ظفر من قلامات الدنيا ، بقطعة أرض ، بمنصب ، بشهرة ، يستقيها من دولة ، أو يستقيها من الرأي العام. وثنان يجب أن لا يُعبدا ويلخصهما وثن القوة ، القوة في دولة ، أو القوة في رأي عامٍ .
ينبغي لمن عرف شرف نفسه أن ينزهها من دناءة الدنيا ،الدنيا كلها لا تساويك ، أنت أكبر من الدنيا بكاملها، دنياك هذه لا تساوي كلها من ملك المؤمن يوم القيامة شيئاً ، فضلاً عن أن تساويك أنت أيها المؤمن الكريم من عرف ( قدر ) نفسه لم يُهنها بالفانيات لا تهن نفسك ، لا تذل نفسك إلى شيء ، لمنصبٍ ، لقوةٍ ، لأي مطلبٍ من مطالب الدنيا .
(من عرف نفسه جلّ أمره ) إذا عرفت نفسك ستجد الدنيا كلها عاجزة ، أمام أن تثلم عزتك ، أمام أن تشتري منها شيئاً .اللهم صل و سلم على حبيبك المصطفى ، وآله الهداة الشرفاء ، واغفر
لنا ولإخواننا المؤمنين والمؤمنات أجمعين ولوالدينا وأرحامنا ولكل ذي حقٍ خاصٍ علينا من مؤمن ومؤمنة ، ومسلم ومسلمة ، واجعلنا ممن عرف نفسه فأكرمها بطاعتك ، ونزهها عن معصيتك ، وافني أيامه جهاداً في سبيلك ، وسعياً في خدمة دينك فغفرت ذنبه ، وسترت عيبه ، وقبلت سعيه ، وحفظته ووقيته ، وأكرمت مثواه ، ورفعت درجته يا أكرم الأكرمين ، وأجود الأجودين .
بسم الله الرحمن الرحيم
والعصر إن الإنسان لفي خسر إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر.

الخطبة الثانية

الحمد لله الذي لا يطلب الهدى إلا من عنده، ولا ينال السداد إلا بتوفيقه، ولا طريق للرشاد إلا بطاعته. أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له؛ لا شريك له ذاتاً، ولا خَلقاً ولا تدبيراً، ولا حكماً وتشريعاً، ولا عبادة وطاعة. تنزّه عن التركيب والحاجة إلى الأجزاء والأبعاض، وتعالى عن الأمثال والأنداد، وعن الحلول
والحدود والأبعاد. فلا مدرك لكنهه إلا هو، ولا عالم بسره سواه. وأشهد أن محمداً عبده ورسوله. المؤمن به لا يأخذ بشرع غير شريعته التي جاءته من ربه، ولا يعطي لنفسه حق الرأي في قبال الثابت عنه، ويسلّم لقوله تسليما، ويتلقى حكمه راضياً، ولا يرى سوى منصوبه حاكماً وقاضياً. صلّى الله عليه وآله وسلّم تسليماً كثيراً.
عباد الله أوصيكم ونفسي من قبلكم بتقوى الله وتوحيده، وليس موحّداً من اختار لنفسه أو غيره خلاف ما يختاره الله، أو قدّم أو أخّر في أمره أو أمر الناس بما لم يأذن الله، وان لله حدوداً فلا تتعدّوها، وأحكاماً فلا تتجاوزوها، فمن تعدّى حدّأً من حدود الله عليه اعتدى، ومن تجاوز حكماً من أحكامه فبه استخف، وويل لمن كان اعتداؤه على الله القوي العزيز، واستخفافه بحرماته التي عقابه عليها شديد.
اللهم صل وسلم على عبدك الذي وفّقته لاخلاص العبودية، وعرّفته حقوق الربوبية، محمد المصطفى وآله الأصفياء
. اللهم صل وسلم على عبدك الذي أهّلته للأمانة، وشرفته بالإمامة، وفرضت له الولاية، وجعلت فيه الكفاية، مختارك الصفي، أبي الحسنين علي
. اللهم صل وسلم على أمتك المظلومة، فاطمة المعصومة. اللهم صل وسلم على الإمامين الزاكيين، والولييّن الهاديين، أبي محمد الحسن، وأبي عبدا لله الحسين
. اللهم صل وسلم على أئمة الورى، وزين الدين والدنيا، وقادة الهدى: علي بن الحسين زين العابدين ومحمد بن علي الباقر وجعفر بن محمد الصادق وموسى بن جعفر الكاظم وعلي بن موسى الرضا ومحمد بن علي الجواد وعلي بن محمد الهادي والحسن بن علي العسكري الراضين بالقدر والقضاء
.اللهم صلّ وسلّم على من جعلته غوثاً للعالمين، وهدى للضالين، ومفزعاً للمتحيرين، وإماماً للمتقين محمد بن الحسن المنتظر الأمين. اللهم انصره نصراً عزيزاً، وافتح له فتحاً مبيناًً، وزدنا به إيماناً ويقينا. اللهم اكشف كربه، وفرّج همه، وأقرّ بظهور دينك عينه. اللهم الموالي له، السائر على طريقه، المتبع لمنهجه، المعد ليومه أظهره على الأعداء، وثبته في السراء والضراء، واحرسه من البلوى، وزده هدًى بعد هدى. اللهم أيّد وسدّد وأعزّ فقهاء الإسلام من حراس الدين، الرؤوفين بالمؤمنين، والدالين على الطريق القويم، وأنصر المجاهدين في سبيله، الذائدين عن حرماتك، الراغبين في ثوابك، الطامعين في مرضاتك، وشرّد بأعداء دينك من اليهود ومن والاهم، وأمدّهم بأسباب البطش والعدوان، وأسندهم تشريداً، وبدّدهم تبديدا، وأذقهم من عقوبة الدنيا قبل الآخرة عذاباً وهواناً يا شديد العقاب على الجبّارين والمتكبرين.

أما بعد.. فتأخذ بنا مناسبة عيد الغدير الأغر إلى قوله عزّ من قائل

(اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي، ورضيت لكم الإسلام دينا)

بمناسبة الآية الكريمة أذكر النقاط التالية:

أولاً: التبليغ بالإمامة شرط لإتمام الرسالة:

كمال الدين بالإمامة التي أرادها الإسلام ورضيها، وبإلغاء الإمامة يدخل النقص على الدين، فان كان الإلغاء نظرياً وجد الدين ناقصاً على المستوى النظري ويتبعه النقص في مقام العمل، وان كان الإلغاء عمليّاً لم يغن الكمال النظري في المقام العملي، وعمّ الدين النقص من الناحية العملية في بنيته كلّها، وحتى الأساسِِ العقيدي منه، وقاعدته التي يقوم عليها. إن علاقة الإمامة بعناصر الدين الأخرى أصولاً وفروعاً ليست علاقة عددية محضة كعلاقة تسعة وواحد مضاف إلى التسعة بحيث
إذا سقط الواحد سقط بنفسه، وبقيت التسعة يؤدي كل واحد منها دوره الكامل، ويكون الفراغ الذي يتركه الواحد المضاف بسقوطه فراغاً جزئياً. إنّ علاقة الإمامة ببقية العناصر في الدين من أصول وفروع هي علاقة العنصر المعيّن بسائر عناصر المركب الكيميائي، الذي يفقده غياب ذلك العنصر كثيراً من أثره، والنتائج المرجوة منه، ويلحقه نتائج متعبة كذلك، ويظهره غير متناسق ومتوافق. وإلا فقل
لي كيف توفّق بين قاعدة التوحيد الحق، وبين أن تنبت عليها ولاية معاوية ويزيد أو ولاية مرشح الأغلبية إذا جاء شخصية لا توافق شرع الله ولا تلتقي معه على خط؟! أدين منسجم هذا، أو دين متهافت؟ أتوحيد يؤسّس للطاغوتية ويحتضنها؟!! إنّ النقص الداخل على الدين بانحراف خط الإمامة عن مطروحها الإلهي، يمكن لنا أن نأخذ صورة عن عمقه وسعته وتأثيره الكبير من قوله تعالى ( يا أيها الرسول بلّغ ما أنزل إليك من ربّك وان لم تفعل فما بلّغت رسالته، والله يعصمك من الناس إنّ الله لا يهدي القوم الكافرين) قد يصل الأثر إلى حد أن عدم تبليغ أمر الإمامة منزّل منزلة عدم تبليغ الرسالة الإلهية أصلاً، فالأثر على هذا عميق وشامل ودائم ومضر بالإسلام كله، فانظروا إلى ذيل (إنّ الله لا يهدي القوم الكافرين) وهو ذيل
جاء في طول ما يقرّر إبلاغ الإمامة بالتفسير الذي تذهب إليه مدرسة أهل البيت عليهم السلام، فمن كابرها وقع في درجة من الكفر العملي، وانثلم إيمانه وان بقي إسلامه.

ثانياً: تغييب الإمامة بسط للطاغوت:
إنّ نعمة الوجود والحياة نعمة كبرى ولكن لها غاية، وغايتها أن يبلغ الموجود حدّ كماله، وكمال الإنسان في كمال روحه الذي يتم على طريق عبوديته وعبادته لله سبحانه في كل مساحات حياته، الشيء الذي لا يتم للناس في ظل أوضاع طاغوتية تصرف عن الله. والطاغوتية البديل العملي الضروري، عندما يغيب خط الإمامة الذي يركز الولاء لله، فنعمة الوجود والحياة والدين يحتاج تمامها إلى إمامة من تصميم يد الإبداع الإلهي، وقد أتمّت هذه النعمة بذلك التصميم، وبما بلّغ به رسول الله
صلى الله عليه وآله في شأن الولاية. ومن بعد ذلك تبقى المسئولية مسئولية العباد أنفسهم .

ثالثاً: الإسلام المرتضى:
الإسلام الذي ارتضاه الله ديناً لعباده ممثلاً لصورة صادقة من عطاء علمه وحكمته وعدله، هو إسلام تكون الإمامة في تصميمها الإلهي أصلاً من أصوله، وركيزة من ركائزه، وهو الموازي في مصطلح الإمامية للإيمان. وهذا التفريق بين مصطلحي الإيمان والإسلام واقع موقعه حتى لا يتوهم خروج من أدّى الشهادتين عن الدائرة العامة للإسلام، والتي تكفل بها عدة حقوق للمسلم، وتحقن بها الدماء والأموال والأعراض، ويكون على أساسها التناكح والتوارث، هذا من جهة، وحتى لا يضيع معنى
الإسلام الأكمل، والصورة الأصل التي تحتفظ بالإشعاع التام لما كان عليه وحي الرسالة.
وعليه لو جاءت النتائج قاصرة ومضطربة، وحصلت فجوات بل انتكاسات وكوارث وارباكات في غياب أصل الإمامة، فذلك كله شئ مرتقب، ولا يحمّل مسئوليته الإسلام.

رابعاً: عند التعارض يقل الديّانون:
كان الناس ولا زالوا يقبلون بشيء من الدين لا يمس مصالحهم ومواقعهم، فإذا ما اقترب من ملامسة هذه الدائرة أنكروه، أو تأولوه وزوّروه وتحايلوا عليه احتفاظاً بالمصالح، وهي موهومة مذمومة، وحرصاً على المواقع وهي ذاهبة مشؤمة.

خامساً: ولاءهم ولاء لله ومنهجه:
الولاء لأئمة أهل البيت (ع) هو ولاء لله أولاً، ورضى بحكمه العادل، وولاء للمنهج الإسلامي كاملاً بكل مفرداته وتركيبته وتكاليفه ومقتضياته. وهو ولاء لا يعدل بهم عليهم السلام أحداً ممن يزاحمهم من الناس، ولا يتعدى بهم موقع العبودية المحضة والعبادة الخالصة الصادقة لله سبحانه. والإفراط والتفريط في هذا الأمر معاً مردودان من كتاب الله وسنة رسوله (ص) على صاحبهما.

سادساً: سكوتهم رأفة لا خيانة:
نتعلم من آية (بلّغ ما أنزل إليك) أنّ الرأي السديد قد يُخفى على الناس تآمراً على الحق، وخيانة للحق، وقد يخفى هذا الرأي شفقة على الخلق، وابقاء على شئ من الحق، ولقد سكت أئمة الهدى من أهل بيت العصمة عليهم السلام عن بعض الحق من المنطلق الثاني، وكان تدرج الأحكام في الإسلام من هذا المنطلق نفسه، وهذا داخل في مخاطبة الناس بقدر عقولهم.

انعكاسات الالتزام بخط الإمامة:
1) الإيمان بأن انبعاث الأمة الانبعاثة الشاملة وعودة الإسلام إلى موقع الريادة العملية في الأرض وتطبيقه التطبيق التام العادل، لا ينفصل عن عودة الإمامة الراشدة، على يد المعصوم وهو المنتظر من آل محمد (ص)، فليست تصلح الدنيا في آخرها إلا بما صلحت به في أولها. صلحت دنيا الإسلام برسول الله (ص) ومنهجه الكامل، وتصلح الدنيا في آخرها بمنهج الإسلام والمعصومين (ع) والقائم عجل الله فرجه… قل صلحت وتصلح بالمعصومين من المنهج والقيادة . والمطروح هنا لا يسقط عن المسلمين واجب التحرك في إصلاح شئونهم أبداً، بل يفرض علينا الأمل في ظهور الإمام القائم (ع) والتمهيد له أن ننشط أكثر فأكثر، في محاولة إقامة العدل في الأرض.
2) عدم إمكان الإيمان فكرياً ونفسياً بالنظم الأرضية. أنت مؤمن بيوم الولاية يوم الغدير، بإمامة علي (ع)، بضرورة الإمامة المعصومة، بالإسلام الكامل، ويترتب على هذا عدم إمكان الإيمان فكرياً ونفسياً بالنظم الأرضية قاطبة، بالنظم الأرضية التي لا تمثل امتداداً طبيعياً لخط الإمامة، ولكن هذا لا يعني بالضرورة المواجهة العملية. بل يمكن التعايش العملي والتعامل السلمي الواقعي مع هذه
الأنظمة إذا لم تعلن حربها على الإسلام، والمسلمين في دينهم ودنياهم، والتعاون معها في أمور الخير، وبناء مصالح البلاد الإسلامية، وتحسين وضع المسلمين،
والدفاع عن حقوقهم وموقعيتهم واقرار الأمن والسلام بالقدر الميسور، وكل ذلك بما يوافق حدود الشريعة وأحكامها العادلة، ولقد ضربت سيرة الأئمة عليهم السلام المثل الحي في الحفاظ على مصالح الإسلام والمسلمين، والتعايش السلمي وإسداء النصيحة العملية لحكومات لا يرون شرعيتها من ناحية دينية، من دون أن يشاركوا في ظلم، أو يعينوا على باطل، أو يقصروا في واجب، أو تجري على يدهم مداهنة لا يأذن بها الله سبحانه وتعالى.
فاعتقاد أن الشرعية الدينية مقصورة على خط الإمامة أصلاً وامتداداً لا يعني سياسة المواجهة العملية، أو الخروج من جسم الأمة، أو تكفيرها وشهر السيف في وجهها، وعدم التعاون على الخير مع أي فئة من فئاتها.ولابد أن نفرّق بين الشرعية التي تحاول الأنظمة الأرضية أن تكتسبها، تقوية
لكياناتها، وبين الشرعية الإسلامية المعنية، في لسان الفقه الإسلامي، فالأولى شرعية بحسب القانون الوضعي، ونظر المؤسسات السياسية العالمية اليوم، والدول الوضعية، وهيئة الأمم المتحدة مثلاً، والثانية مقياسها تمشي النظام والمنظور الشرعي الإسلامي في تكوينه وبنيته.
3) يحرم في ظل الانتماء إلى خط الإمامة تثقيف الأمة بثقافة غربية أو أي ثقافة أرضية أخرى بديلة، ولذلك جرى ويجري التركيز دائماً على إمامة الإمام القائم (عج)
اللهم صل على محمد وآل محمد واهدنا بهدي محمد وآل محمد وثبتنا على ولاية محمد وآل محمد ولا تفرق بيننا وبينهم لحظة عين في دنيا أو آخرة يا كريم. ربنا اغفر لنا وتب علينا، واغفر وتب على والدينا وأرحامنا وإخواننا المؤمنين والمؤمنات أجمعين وكل ذي حق خاص علينا انك أنت التواب الكريم

إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي
الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنْ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُم لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ

زر الذهاب إلى الأعلى