خطبة الجمعة (47) 9 ذو الحجة 1422هـ – 22-2-2002م

مواضيع الخطبة:

مردّ المشكلات المستعصية – والمنهج العبادي الإسلامي-
الحج -الإسلام والديموقراطية

إذا أراد أبناء الإسلام الديموقراطية التي يحلمون بها، ويعلقون عليها الآمال في هذه الظروف،فليتخلوا أولاً عن الإسلام قولاً وعملاً، وعندئذٍ لهم أن يفكروا أن الغرب الجاثم على صدر البلادالإسلامية يتيح لهم ذلك.

الخطبة الأولى

الحمد لله الذي لا معوّل إلا عليه، ولا ثقة إلا به، ولا ضار إذا أيّد، ولا نافع إذا خذل. أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له. الطاعة له لا لغيره، والخوف منه لا من سواه، والرجاء فيه، لا في من عداه، المهدي من هداه، والفائز من حباه. وأشهد أن محمداً عبده ورسوله أرسله بالدين الرضي، والنهج السوي، والرسالة المنقذه، والحجة المفحمه. صلى الله عليه وآله الكرام البررة.
عباد الله اتقوا الله، واتخذوا من دينه دينا، ومن منهجه منهجاً، ومن أوليائه أولياء، ومن أعدائه أعداء، فخذوا الرأي من دين الله، والهدى من كتابه، وسنة رسوله صلى الله عليه وآله، وامضوا راشدين على صراطه، ولا تتبعوا الهوى، فتفرّقَ بكم السبل عن سبيله.
الفرعونية والاستضعاف أصل لمعاناة الإنسان.
أما بعد فإن مردّ المشكلات المستعصية، والمتاعب الكبرى التي تعاني منها الحياة الإنسانية في بعدها السياسي والاجتماعي والاقتصادي وغيرها مشكلتان: مشكلة الفرعونية أمام الله سبحانه، ومشكلة الحقارة أمام الإنسان … حالة الكبرياء والجبروت الموهوم عند نفرٍ من الناس، وحالة الإنسحاق أمام هذا الشعور عند آخرين. والمنهج الرباني يستهدف إستئصال هذين الشذوذين في النفس البشرية، أما المنهج الطاغوتي فيعمل على تغذيتهما وتركيزهما معاً. فالمنهجان في مواجهة دائمةٍ لا تتوقف، والطغاة أبداً لا يرضون بمنهج الله، ولا يسمحون له أن ينطلق في الحياة، يصنع الإنسان موحّداً لله، وعندئذٍ تنتهي طاغوتيتهم عملاً وفعلاً في الخارج .
في ذكره جلّ وعلا تصغيرٌ لكل مذكور.
والمنهج العبادي الإسلامي كله لتوحيد الله وتعبيد الإنسان، حتى لا يعبد أحَدٌ أحداً من دون الله، ولا يجلّه إلا له، و لا يُكبرُه إلا من أجله، ولسبقه في العبادة له، ومزيدِ إخلاصه و تذللـه لعظمته، كرسولٍ أو وصي رسول ممن أخلصهم الله لعبادته، وأستخلصهم من خلقه لصادق توحيده .
فقصد العبادة الرئيسي أن يذكر القلب، جلال الله، وجماله، كماله .. عظمته وقدسه وجبروته وكبرياءه، وإنعامه وكرمه، وأخذه وبطشه، ثوابه وعقابه، وأزليته وأبديته وسلطانه، وعندئذ تأخذ الممكنات وزنها المحدود، ومنزلتها الصغيرة، وحجمها الضئيل في مقابل عظمة الله التي لا تقاس، وكماله الذي لا تبلغه العقول في قلب العابد فلا يرى له معبوداً غير الله، ولا مرجوّاً من دونه، ولا كبيراً سواه، فلا يَذّل إلا له، ولا يستكين إلا أمامه، ثم لا يستكبر لينصبّ نفسه ربّاً، ولا يتعالى زوراً حتى يرى نفسه إلاهاً، وبذلك تنقطع عبادة الطغاة، وينسد منبع المشاكل .
وإنّ الآيات لتؤكد أن لبّ العبادة وغرضها الأسمى ذكر الله وتقواه، وإنه مع ذكره سبحانه يصغر كل مذكور، وبمعرفته تنزل قيمة كل من عرف أو يُعرف، فعن الصلاة تقرأ(إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر ولذكر الله أكبر )، وعن الصوم(يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون )، وقد جاءت الآيات الكريمة مركزةً على ذكر الله في مختلف مناسك الحج، وعلى ثمرة التقوى المترتبة عليه، فبشأن تلك الثمرة يقول سبحانه :(الحج أشهر معلومات .. إلى أن تقول الآية الكريمة .. وتزوّدوا فإن خير الزاد التقوى واتقون يا أولي الألباب ). وهذه بعض موارد من موارد كثيرة جاء فيها التركيز على ذكر الله في هذه الفريضة وما يدخل فيها من شعائر(فإذا افضتم من عرفات فاذكروا الله عند المشعر الحرام وأذكروه كما هداكم )، هذه الحركة من عرفات إلى المزدلفة لا بد أن ترتبط بذكر الله أن تكون من أجل الله، المهم أن تمثل استجابة لأمر الله العظيم، المهم أن يتحرك القلب في الاتجاه الذي أمر الله سبحانه وتعالى، المطلوب أن تكون كل حركة وكل سكون استجابة خاضعة لله وحده.
شعائر الحج تجسيد لمسلك إيماني
( والبدن جعلناها لكم من شعائر الله لكم فيها خير فاذكرو اسم الله عليها صوافّ ..)، البدن وهي من الإبل، ما قيمتها أمام الإنسان ؟ أين موقعها من الإنسان ؟ تكتسب حرمة، تكتسب وزناً كبيراً ما دام الله عز وجل قد ربطها بطاعته وجعل سوقها ونحرها معلماً من معالم عبادته، ما قيمة ناقة صالح التي تعذب من أجلها أمة ؟ إن المقتول هي الناقة، ولكن المتعدى عليه كبرياء الله وجبروته وعظمته.
(ثم أفيضوا من حيث أفاض الناس واستغفروا الله ..) كل الحركات مربوطة بالذكر بالاستغفار بالتقوى..
( واذكرو الله في أيام معدودات فمن تعجّل في يومين فلا إثم عليه ..)
والذكر الدائم في الحج، والمتصل في كل مشاعره وشعائره ليس مفصولاً عن حركة الحياة خارج الحج، الحركة المربوطة بذكر الله ليست حركة الحج فقط، وإنما يراد لكل حركة الحياة أن ترتبط بذكر الله أن تكون كل خلجات القلب، كل نبرات الصوت، كل لحظات العيون، كل الخطى، فيها استجابة لله، تعبّر عن الإستجابة لله، عن طاعته والخضوع لأمره.
والذكر الدائم في الحج، والمتصل في مشاعره وشعائره، من أجل الذكر الموصول في ساحات الحياة، والموجّه في كل مواقفها فالآية الكريمة توجّه الحاج إلى هذه الغاية وهي تقول(فإذا قضيتم مناسككم فاذكروا الله كذكركم آباءكم أو اشد ذكرا ..). الآية الكريمة تذكرنا أنكم الآن تفرغون من حركة الحج، تدخلون في ساحات الحياة الاعتيادية، الذكر .. الزاد في الحج يجب أن يبقى معكم لكل هذه الساحات، وفي كل هذه الساحات .
والبيت الحرام والكعبة المشرفة وأجواء الحج لا بدّ أن تكون أجواء لا مظهر فيها للإستكبار، ولا لملوكية غير الملك الجبار، ولا لشيء من العبودية لمختلف الأصنام، وألوان الأوثان، فلا ربوبية إلا للرب الحق، ولا ألوهية إلا للإله الصدق. (.. وعهدنا إلى إبراهيم وإسماعيل أن طهرا بيتي للطائفين والعاكفين والركع السجود ). وأول ما يؤمر به إبراهيم عليه السلام من تطهير البيت هو تطهيره من كل مظاهر الشرك .
الإحرام والطواف تمثيل لعظمة الخالق وذل المخلوق
وقد اتخذت أفعال الحج في حقيقتها وصورتها الخارجية واقعاً موّحداً لله سبحانه، مجرداً للإنسان من مظاهر عزهِ وفخرهِ الدنيوي، وما تضفيه عليه أشياء الأرض وامتيازات أعرافها من أبّهةٍ كاذبة، وعلوّ زائف يقع في خداعه الكثير وحتى صاحب الأبهة المزعومة .
الإحرامُ وتجريدُه الرؤساء والملوك والأمراء والوجهاء وكل ذي منزلة دنيوية من لباس الفخر والامتياز سحبٌ للعظمة غير الحقيقية، وتعرية لواقع العبودية الذي هو الصعيد الحقيقي المشترك بين الناس .
وقوف الناس بمن فيهم من ذوات ملحوظة بالمقياس الدنيوي على صعيد واحد من عرفة وبهيئة من الذل والمسكنة، وفي حال من الضراعة والانقطاع إلى الله قتل للشعور بالكبرياء في ذات المستكبر، واستئصال للشعور بالتمسكن وبالحقارة أمام البشر في ذات المستضعف، وهم في المزدلفة كذلك، وعندما يرمون الأحجار، وعندما يذبحون وبنحرون، كما تفرضه الصورة الأكمل للحج. لأن من الصورة الأكمل للحج أن رئيس الجمهورية يمارس بنفسه الذبح .
وأنظرهم وهم يطوفون حول الكعبة المطهرة من كل الطبقات، الوضيع منهم والشريف في لغة الأرض شاهدين على أنفسهم بأن لا محورية لأحد منهم، و إنما المحورية في كل الحياة وفي كل مساحتها لربّ البيت الذي يطوف حوله الصغير والكبير، الذكر والأنثى، الأسود والأبيض، الشاب والكهل والشيخ بوصفه بيَت العبادة ورمزَ التوحيد العبادي له .
كل أصحاب السيادة والزعامة والجلالة والفخامة والسمو والعظمة والفضيلة والسماحة يوّقعون وثيقة عبوديتهم أمام الملايين من خلال موقفٍ عملي صارخٍ ذليلٍ مستكين يشهده اليوم الداني والقاصي وهم يطوفون حول الكعبة المشرفة عبيداً لله قد خلعوا التيجان وكل مظهر للعز والكبرياء وخرجوا للناس بهيئة الكفن، وإن كانت مظاهر الإجراءات الرسمية تشوّش على واقع الصورة بمقدار .
إن هذا الطواف ليقول للرؤساء والأمراء والملوك وأصحاب السماحة والفضيلة: إرادتك ليست هي المحور لحركة الأمة، رأيك ليس هو النهائي لمسارها، تصوراتك وقناعاتك الشخصية لا تمثل قرآنها .. هذا كلامٌ يخاطب به الطواف هذه الفئة فضلاً عن بقية الفئات من أبناء الأمة .. وحتى الأمة كلها وهي تطوف حول الكعبة المشرفة متمثلة في شرائحها المختلفة يتوجه إليها الخطاب: بأنك مربوبة لا رب، فإرادة التشريع لله لا لك أيتها الأمة، ورسم المسار من الله لا منك أيتها الأمة، وتحديد الهدف من عنده لا من عندك أيتها الأمة، على الناس كل الناس ملوكاً وغير ملوك أن ينصاعوا لأمر الله وأن يعملوا على تجسيد شريعته في الأرض .
اللهم إنا نستغفرك فأغفر لنا، ونتوب عليك فتب علينا، وأغفر وتب على جميع المؤمنون والمؤمنات أجمعين، ومن كان له حق خاص علينا، وذد عنا كل شر وادفع عنا كل سوء، ولقنا منك الخير من عندك يا كريم يا رحيم .
بسم الله الرحمن الرحيم
( قل هو الله أحد، الله الصمد، لم يلد ولم يولد، ولم يكن له كفواً أحد).

الخطبة الثانية

الحمد لله الولي الحميد، العزيز المجيد، الفعّال لما يريد. أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له. إليه مرجع العباد، ولا حول ولا قوة إلا به، وبه العياذ، وإليه اللواذ، ومنه الرشاد والسداد. وأشهد أن محمداً عبده ورسولُهُ أرسله مبلغاً وهادياً وقائداً ودليلا؛ لا يدل إلا على هدى، ولا يذود إلا عن ردى، صلى الله عليه وآله الشرفاء السعداء.
عباد الله اتقوا الله الذي لا نجاة إلا بتقواه، واطلبوا من دينه لا من غيره الهدى، ومن منهجه لا من سواه التقدم والعلا، واتخذوه وهو الغنيُّ في كل أحوالكم ربّاً ولا ترضوا عنه بدلا.
فكل ربٍّ اتخذه متخذٌ من دون الله مربوب، وكل مسترفدٍ سواه مرفود. والوجه الساجد للعبيد كالح، واليد الممدودة للمحاويج خاسرة، ومن توكّل على الله فهو حسبه، وقد فاز من كان إليه قصده.
اللهم صل وسلم وزد وبارك على عبدك المصطفى، سيد أهل الوفاء محمد وآله الشرفاء.
اللهم صل وسلم على عبدك المرتضى، الذي نصبته علماً للهدى، وإماماً للأولياء علي أبي الحسن المجتبى.
اللهم صل وسلم على الصديقة النوراء، المعصومة الزهراء.
اللهم صل وسلم على إمامي الأمة، وسراجي الظلمة الحسن الزكي، والحسين الشهيد بكربلاء.
اللهم صل وسلم على أئمة المسلمين، وقرة عين المؤمنين، والهداة الميامين علي بن الحسين زين العابدين، ومحمد بن علي الباقر، وجعفر بن محمد الصادق، وموسى بن جعفر الكاظم وعلي بن موسى الرضا ومحمد بن علي الجواد وعلي بن محمد الهادي والحسن بن علي العسكري الأصفياء المرضيين.
اللهم صل وسلم على قائد الناس إلى شاطئ الأمان، الداعي إلى الجنة والرضوان، إمامنا ومقتدانا صاحب العصر والزمان. اللهم أظهره على الأعداء، وأقرّبه به عيون الأولياء واقهر به أهل النفاق والرياء. وانصره نصراً عزيزا، وافتح له فتحاً قريباً يا كريم. اللهم السالك طريقه، المحامي عن طريقته، الممهد لدولته انصره وأيده وسدد خطاه، وانصر وأيد وسدّد حماة الإسلام من الفقهاء والعلماء العاملين، والمجاهدين المضحين يا عليّ يا عظيم.
أما بعد،،
1. عودة الشعوب لإسلامها ناقوس خطر لأعداءها
فإن شعوب الأمة الإسلامية قد تفاقم في داخلها الشعور بأنها لا تتبوأ مكانتها اللائقة، وأن الفارق بن حجمها الحضاري وحجمها الواقعي كبيرًٌ جداً، وقد دخلها الشعور بضرورة الانتفاض على واقعها المهين، الذي فقدت من خلاله الأمة كلها وزنها وكرامتها. وهذه الشعوب لا زالت تتلمس الطرق، وتجرّب الواحد تلو الآخر بحثاً عن الوزن المفقود والكرامة الضائعة، وأكبر ما صعب على العالم الغربي المستفيد من تخلف الأمة أن تفكر بعض شرائحها في العودة للإسلام لا عن طريق الارهاب للأبرياء الذي ينفيه الإسلام نفسه، وإنما حتى عن طريق الديموقراطية التي يؤمن بها الغرب نفسه والتي لم يصبر على نتيجتها في الجزائر عندما جاءت ورقةً موجبةً لصالح الإسلام. وأيُّ ديموقراطية يُتوقع لها بحسب المعادلات الخارجية، والظروف الموضوعية أن تحقق نتيجة كالتي حقّقتها في الجزائر فهي ممنوعة بقرار غربي متغطرس، فضلاً عما يدعو إليه واقع المصالح التقليدية داخل الأمة من رفض لديموقراطية تؤدي إلى هذه النتيجة.
شمولية اطروحة السماء لكل مقوم نهضة
الشعور بضرورة الخروج من أسر الواقع المتردي.. واقع التخلف والتبعية للأجنبي المعادي، يمثل بداية نهضة داخلية مباركة على مستوى الشعور، وهو أمرٌ وراءه خلفيّة حضارية ثرّة، وميراث حضاري كبير، ورموز مشعة على طول الطريق، وتحضيرات تربوية متصلة بمستوى وآخر، وضغط فائق من واقعٍ مأساويٍ مناف لكرامة الإنسان القادر على إدراك ذاته، والشعور بقيمة إنسانيته. وهذا مجرد بداية تحتاج إلى وعي نظري لقيمة الاطروحات المختلفة، وما تمتاز به الأطروحة السماوية عن غيرها في كل المقارنات، وإلى وعي عملي يستوعب عطاء كل التجارب التاريخية التي عاشتها الأمة على مستوى المناهج الأرضية المختلفة، إلى جانب ما تحتاجه كلُّ نهضة من مقومات أخرى ضرورية.
فالمناهج الأرضّية بكل مقاساتها ضيقة وخانقة بالنسبة لحجم الإنسان: ابعاد ذاته، ومواهبة وطاقاته، وأمانيه وطموحاته. والمنهج الذي يتقدم قامة الإنسان في طريقه لكماله، ويعرف كيف يقوده على الطريق لأنه يدرك وزنه وظروفه وفعليّة طاقته هو الإسلام، والإسلام وحده. والتجارب البشرية وإن كان بعضها أقل سوءاً من بعض، إلا أنها كلها متسمة بالقصور، والعيوب الواضحة، ولا يصح تعليق الآمال عليها بصورة مطلقة، ومن يفعّل ذلك لابد أن يصطدم بنتائجها الوخيمة المريرة.
نعم علينا أن نطلب الأقل سوءاً، ولكن ليس لنا أن نثق بغير منهج الله الذي اختاره بعلمه ولطفه وحكمته للعدل في عباده وتربيتهم وتكميلهم، وهو العليم الخبير.
2. الدساتير الأرضية قصورٌ وعجز
الدساتير والقوانين الأرضيّة لا ريب في أنها تمثل بما لها من صوابية وخطأ، وبما تنطوي عليه من عدل وظلم واقعاً مضادّاً أو مساعداً بصورةٍ ما على تغيير الواقع المتخلف في المجتمعات، أو تكريسه إلا أنها لا يمكن لتخلفها أن يقاوم شعور النهضة في النفوس ليعطله، وإرادة التغيير الصالح ليشلها، والتطوير النافع ليوقفه.
3. فقهاؤنا.. علماؤنا تصدروا كل نهضة
كون الإسلام هو الطموح، والحياة الإسلامية هي مطلب الإسلاميين، لا يعني أبداً العنف، وفتح باب المواجهة الحادة والمصادمات الشرسة ولكنه يفرض بالضرورة لمواصلة المطالبة لتحقيق العدالة، وفتح الفُرص للتعبير عن الحق، كما لا ينافي معايشة الواقع التي تختلف عند التجمد عن مقتضاه معايشة تنطلق من منطلق الإسلام، وبتوجيهه، وبالطريقة التي يحددها لا التي يحددها الخلق، ويفرض الدفع بهذا الواقع للأمام، وبغرض الدفع لهذا الواقع للأمام، بدل الوقوف معه حيث يقف، أو التراجع في المستوى حيث يريد، وفي ضوء الحفاظ على وحدة الأمة، وصيانة مكاسبها، وبناء الأوطان.. التي تتنافى والاستسلام للواقع وتقديسه.
وطموح التغيير طموحٍ مشروع لا غبار عليه… التغيير إلى الأفضل… إلى الأكثر عطاءاً واحتراماً للإنسان وتقديراً لمستواه… إلى الأقرب إلى القيم الثابتة والمفاهيم المتجذرة في وجود الأمة وضميرها وتاريخها المجيد… إلى الصيغة الأقدر على توفير درجة من العدالة.
وهذا الطموح الذي يعنى به الشباب المسلم لم يكن زرعه ونماؤه بعيداً عن جهود الفقهاء المخلصين والعلماء العاملين في مختلف الأقطار الإسلامية في يوم من الأيام وستبقى المسيرة الإسلامية، أول من يتزعمها بصبر وجلد، وقوة إيمان، وصدق إخلاص وعقلانية وتدبرٍ وتأملٍ وتقوىً من الله هم فئة الفقهاء والعلماء الذي هم ورثة الأنبياء، والذين يعملون جهدهم وما استطاعوا وبتوفيقٍ من الله أن لا يتعدوا حدوده.
وما جاء في التاريخ الإسلامي الطويل، أنه قد انحفظت مصالح الأمة وكيانها في أي مرحلة من مراحل الصراع المرير في أي قطرٍ من البلاد الإسلامية، ولم يكن لأولئك الفقهاء والعلماء يدٌ طولى في ذلك – أبداً يخلو تاريخ الإسلام من هذا، يخلو تاريخ الصراع في داخل الأمة الإسلامية وفي خارجها من أن فقهاء الأمة وعلماءها قد تقدمتهم قوافل من الأمة في جهاد الأعداء أو الأوضاع غير الصالحة. وهي منّة منّها الله سبحانه وتعالى عليهم فيمن منّ عليه من عباده الصالحين من شرائح هذه الأمة ومن قوافلها المجاهدة شباباً وكهولاً رجالاً ونساءً.
4. أساليب متنوعة بهدف واحد
إن الدفاع عن الحقوق أمرٌ واجب، وطلب العدل، وحماية القيم فريضة، ولكن ذلك كله لا تغني عنه الحالة الانفعالية شيئا، وإن كانت قد تفرض نفسها في بعض الحالات فرضا، بوحي من ضغط الظروف، ومرارة الواقع. وللدفاع عن الحقوق وحماية المصالح والقيم أكثر من أسلوب، والأساليب دائماً يخضع اختيارها لخلفية القيم ومقتضيات الواقع، والإسلاميون في كل مكان لا يختلفون على القيمة المتميزة لسلمية الوسائل.
5. ديموقراطية الغرب كيلٌ بمكيالين
بعيداً كل البعد عن مناقشة القيمة الذاتية للديموقراطية؛ أقول لكل الذي يؤملون الوصول إلى ديموقراطية حقيقية من أبناء عالمنا الإسلامي الكبير من إسلاميين وغيرهم أن الغرب ما دام هو القابض على القرار الرسمي في أكثر البلاد الإسلامية، والمهيمن على مواقعه لن يسمح لكم بديموقراطية يتحسن من خلالها موقع الإسلام، أو تستطيعون بها أن تتحروا من قبضة الغرب بمقدار. إن الديموقراطية التي لا تحافظ بالكامل على مصالح الغرب في العالم الخارجي في مفهومه حكمٌ متسلط، والحكم الفردي المتسلط الذي يضمن تلك المصالح وبقاءها حكمٌ ديموقراطي منفتح. الديموقراطية المسموح بها من الغرب في البلاد الإسلامية هي الديموقراطية التي تبقى سيادته على بلاد الغير. وفيما عدا هذا اللون من الديموقراطية الباب دونه مسدود، كما يشهد بذلك تعامل فرنسا أم الديموقراطية مع التجربة الديمواقراطية في الجزائر، والواقع الأفغاني، والمستقبل العراقي الذي تحضر له الولايات المتحدة.
وإذا أراد أبناء الإسلام الديموقراطية التي يحلمون بها، ويعلقون عليها الآمال في هذه الظروف، فليتخلوا أولاً عن الإسلام قولاً وعملاً، وعندئذٍ لهم أن يفكروا أن الغرب الجاثم على صدر البلاد الإسلامية يتيح لهم ذلك، فالشرط لشيء من هذا، أن يضمن الغرب أن صوت المرشح والناخب في البلاد الإسلامية ليس مع الإسلام ولا المصالح الوطنية.
اللهم زدنا هدى، وثبّت أقدامنا يوم تزل فيه الأقدام، واغفر لنا ولجميع أهل الإيمان والإسلام، ولوالدينا، ولكل ذي حق خاصٍ علينا، ولا تجعل في قلوبنا غلاً للذين آمنوا ربنا إنك رؤوف رحيم.

بسم الله الرحمن الرحيم
{إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاء ذِي الْقُرْبَىوَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُون} 9/النحل

زر الذهاب إلى الأعلى