خطبة الجمعة(1) 12 محرم 1422هـ – 6-4-2001م

مواضيع الخطبة:

ثورة كربلاء-
وَقُلِ اعْمَلُواْ فَسَيَرَى اللّهُ عَمَلَكُمْ
وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ

لا معنى للرقابة إذا لم يترتب
عليها التوجيه والمحاسبة والتقويم والتأديب ، والرد إلى الصواب وذلك حسب المناسبات
والمقتضيات.

خطبة الجمعة العبادية التي ألقاها سماحة العلامة الشيخ عيسى احمد قاسم
على جمهور غفير من المؤمنين وحشد من الشخصيات الاجتماعية المختلفة في جامع
الإمام الصادق بالدراز في يوم الجمعة الموافق 6-4-2001 م –12 محرم 1422 هـ .

الخطبة الأولى

الحمد لله حمدا لا يعدله حمد ، وليس له حد ، حمدا ينال رضاه ، ويستوجب مغفرته ، . اشهد أن لا اله إلا الله وحده لا شريك له ، خلق الخلق ، وبسط الرزق ، وجعل لكل شيء قدرا ، ولكل مخلوق وزنا وحدا ، حي قيوم لا تأخذه سنة ولا نوم . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله ، أرسله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون ، اللهم صلي وسلم على خاتم أنبيائك ورسلك الذي أكرمته بالمنزلة الرفيعة ، والمقام المحمود ، وصل وسلم على آله الأخيار الأطهار خلفائك في عبادك وأمنائك على نهجك وشريعتك .

أما بعد فأوصيكم عباد الله ونفسي بتقوى الله والأخذ بأسباب طاعته ونيل رضوانه ، والنأي عن مضائق معصيته وطريق نيرانه ، فليس كطاعته ربح ، ولا من دونها نجح . ولا كمعصيته خسارة ، ولا مثل لما تستتبعه من بوار ، ثم ليس من عبد إلا وهو ملاق ربه ليجزيه بما كسب ، ويجد عنده ما قدم ، ولا يفوت أحدً بإثمه ، ولا مفر لأحد عن تبعة جرمه إلا أن يرجع إلى الله تائباً ، ويتعلق بغفرانه آئبا ، وأن تشمله رحمة الله من ربه وعفو من عفوه . عباد الله ما هي إلا أيام معدودة ، وأنفاس محدودة ويلاقي كل أمرىء ما قدم ، وتوافى كل يد جناها ، فقدموا خيراً ، واجتنوا جميلاً .

أيها الناس لا تنزلوا بأقدامكم عما أراد الله لكم من الكرامة ، وما بوأكم من المنزلة الرفيعة . فلقد سخر الله لكم الأرض وما عليها دون أن يرضاها ، وحتى السماوات لأنفسكم ثمناً ، و إنما ثمن أنفسكم جنة الخلد وحبور الأبد ، ورضوان من الله أكبر ، وأين هذا ممـن يبيع نفسه بحطام زهيد من الدنيا أو بمتعة عابرة من متعها مما تذهب لذته وتبقى تبعته ؟ وإنه لأشنع من التصارع على الدنيا بعنوانها ، أن يتصارع عليها باسم الدين والدفاع عن قيمة ومقدسا ته والله بكل ما برأ وذرا عليهم .

أيها المؤمنين لا تقاطعوا ولا تدابروا فتفشلـوا وتذهب ريحكم ،لا أن يكون منكر فتنكروه ، وانحراف عن الهدى فتحذروا منه ، وتقوى الغافلين من الوقوع في مهاويه ألا فكونوا كالبنيان المرصوص فيعز شأنكم وتعلو كلمتكم ، ويظهر دينكم وهو رحمة للناس وهدى للضالين ، وأمان للخائفين وغنى للمحرومين وهو الخير كله ،اللهم أغفر لنا وتب علينا وكد لنا ولا تكد علينا و اهدنا لما اختلف فيه من الحق ، واجعلنا من أقرب الخلق إليك وأكرمهم عندك ، وأرضاهم لديك يا أكرم الأكرمين وأرحم الراحمين .

بسم الله الرحمن الرحيم
وَالْعَصْرِ (1) إِنَّ الْإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ (2) إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ (3)

الخطبة الثانية

الحمد لله بمحامده كلهـا على نعمة كلها حمداً يليق بجماله ، ويستوجب كريـم عطائه . أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ولا عديل . لا معقب لأمره ، ولا راد لقضائه ، ولا يقوم شيء إلا بإذنه إليه مرجع كل مخلوق ، ومرد كل كائـن . واشهد أن محمداً عبده ورسوله ، اصطفاه لرسالته وبلغه العظيم من منازل العبودية له . عباد الله أوصيكم ونفسي بتقوى الله ، وأن تروضوا النفس بالمجاهدة ، لتستقيم على درب الله فلا تبتغي عنه بدلا ، فعلى دربه سبحانه تسمو النفوس ، وتكبر الهمم ، وتصبح العزائم ، وتذهب الوحشة ، ويتم الأنس ، ويبلغ الكمال .

اللهم صل وسلم على وزد وبارك وتحنن على محمد وآل محمد اللهم صل وسلم على محمد نبيك وصفيك الذي مننت به على الأمم ، وهديت به العقول ، وقومت به المناهج ، ودللت به على المراشد ، وصل وسلم على أمير المؤمنين على بن أبي طالب ، وعلى الصديقة الطاهرة فاطمة الزهراء وعلى أمامي الرحمة الحسن والحسين سبطي رسول الله ، وفلذتي كبد ولي الله ، وعلى علي بن الحسين زين العابدين ، ومحمد بن علي الباقر ، وجعفر بن محمد الصادق ، وعلي بن موسى الرضا ، ومحمد بن علي الجواد ، وعلي بن محمد الهادي ، والحسن بن علي العسكري ، الأمناء الراضين المرضيين ،
وصل وسلم على بقية الله في الأرض إمام العصر والقائم بالحق بأذنك محمد بن الحسن المهدي المنتظر ، وعجل فرجه ، وسهل مخرجه وانصره وانتصر به لدينك والمظلومين من عبادك . اللهم انصر وسدد وأيد حماة دينك والمنتصر لشريعتك ، والداعي إلى طريقك في زماننا وفي كل زمان .

إما بعد أيها المؤمنون فإنكم تعلمون أن ثورة كربلاء كانت إيمانا كلها ، واستقامة كلها ، وجداً كلها ، وإخلاصا ووفاء لله . ولن يفي المؤمنون لتك الثورة المباركة المعطاء ، ولن يؤدوا من حقها شيئاً حتى يكون إحياؤهم لذكراها من نفس المنطلقات والقيم التي فجرتها بعيداً عن الرياء وعبادة الذات ، والأماكن والعشائر ومصالح الدنيا الفانية بما يضر دين الله ، ويعكر صفو الرسالة ، ويسئ إلى سمعة الدين ، ويفتت كيان المؤمنين . ولترق الكلمة وتعبر عن وعي الأمام الحسين عليه السلام ، ودروس ثورته في وضوح ونقاء ، وليخاطب العقل والقلب بالخطاب الإسلامي الأصيل بلا أن يعتوره الغبش والضباب مع ملامة مشكلات الناس الموضوعية واهتماماتهم ، بما يفتح الطريق أمام الدين لقبول الناس ولا يغلقه ، وبما يتيح له أن يتحرك على أرض الواقع ولا يحاصره . ولا تكن أيام عاشوراء على أيدينا أيام تفرج وزينة ومراتع للشيطان ، فإنما هي موسم وعي وإيمان وتعاون على الخير وأمر بالمعروف ونهي عن المنكر وعرض للفكر الإسلامي ، وتجل للأخوة الإيمانية والخلق القرآني الكريم ، وحس الأمة الإسلامية الكبرى ، والأمل الإسلامي البهيج
.

ولنقف مع تأشيرات من تأشيرات قوله تعالى ” وقل أعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون وستردون إلى عالم الغيب والشهادة فينبئكم بما كنتم تعملون ” فظاهر الآية الشريفة يقدم أكثر من تأشير يتصل بصناعة الحياة الاجتماعية والرقابة الإيمانية لحركة الحياة وواقع المجتمعات والتجمعات فما نلتقيه في إطار هذه الأجواء من الآية الكريمة :

أولاً : أن هناك عملاً وحركة في حياة الإنسان لابد منها ، وان عملية التطور والتبدل والتحول عملية متوقعة دائماً ومستمرة ومتدفقة .

ثانياً : أن الإنسان فرداً ومجتمعاً ليس سيد نفسه على الإطلاق ، وأنه يتمتع بحرية مفتوحة تجعله خارجاً عن المراقبة والمساءلة والمحاسبة ، لأنه مملوك لله وكل تصرفاته وما يملكه من أدوات الصنع و أسباب الحركة راجع إلى فيض الله وقيمومته على الكون كله ، فليس له أن يخرج على الإرادة التشريعية للمالك الحق فيما يفعل ويتصرف .

ثالثاً : لا معنى للرقابة إذا لم يترتب عليها التوجيه والمحاسبة والتقويم والتأديب ، والرد إلى الصواب وذلك حسب المناسبات والمقتضيات .

رابعاً : تثبت الآية الكريمة تشريعاً للرسول ( ص ) والمؤمنين في الرقابة الثابتة لله على المخاطبين فرداً ومجتمعاً . وفي هذا إكرام عظيم جليل لكل من الرسول صلى الله عليه وآله والمؤمنين ، وبيان واضح لنوع الرقابة التي يمارسها المؤمنون وأن مقياسها منهج الله وأحكام شرعه وموافقة رضاه . ولكون هذه الرقابة من سنخ رقابة الله عز وجل ، ومن نفس طبيعتها فالمجسد لها بحق هم المعصومون الذين لا يحيدون في تقييمهم وتصرفاتهم عن خط الله ، ولا يملك الهوى أي سلطان على قراراتهم ولا يدخلها الخطأ .ولذا جاء القول بأن المعنى بالمؤمنين في الآية الكريمة هم خاصة عليهم السلام لا غير .

خامساً : يواجه المؤمنون مسؤولية الرقابة الاجتماعية على المجتمع وأفراده في المساحة المكشوفة من سلوك الفرد ، وفي مجال التحولات والتوجهات الاجتماعية الثابتة والمتغيرة ، وما ينشأ في إطار حركة الاجتماع والسياسة من خطوط وطروحات وتكتلات . وتستفاد هذه المسؤولية من المنطوق الذي يقدمه ظاهر الآية مباشرة ، أو من خلال القيمومة البدلية الثابتة للشريحة الرسالية وفي مقدمتها فقهاء الأمة وعلماؤها الربانيون في حال غياب المعصوم عليه السلام ، ومن خلال ما يتطلبه واجب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر

سادساً : يفرض واجب الرقابة الاجتماعية معرفة المجتمع وتحركاته وتوجهاته ومستجداته ومتابعة أخباره وبدايات تحولاته ومساراتها ، لقياس الأوضاع القائمة والمترقبة بمقياس الرأي الشرعي والخط الإلهي وذلك للتقويم والتسديد والرفض أو الإشادة والدعم ، أو تقديم البديل . هذا إلى واجب إثراء حركة المجتمع بالجديد من الموضوعات والقضايا العلمية في إطار الطرح الشرعي وقيمة الثابتة و أحكامه الأصيلة من الجانب المؤمن ابتداء .

سابعاً : الرقابة الإيمانية للأمة والمجتمع البشري في أي عصر تتطلب امتلاك قراءة صحيحة دقيقة لأوضاع العصر وطروحاته وتحركاته وأساليبه ، وقواه العاملة في الساحة ، وعوامل القوة والضعف عند هذه القوى ، وما هي عليه من خطأ أو صحة في أهدافها وطروحاته ووسائلها مثلاً .

ثامناً : هذه الرقابة تعنى إن المؤمنين لا يصح لهم بأي حال من الأحوال أن يختاروا لأنفسهم موقفاً هامشياً في حركة التاريخ وصناعة المجتمعات ، بل يتحملون دوراً فاعلاً ، ومهمة طليعية تستهدف سعادة الإنسان وتقدمه وهداه ، مقدمة لرضوان الله تبارك وتعالى .

اللهم اهدنا سواء السبيل ووفقنا لخير العمل وسلامة القصد ، وحسن النية ، وصواب القول والفعل واغفر لنا ولإخواننا المؤمنين والمؤمنات والمسلمين والمسلمات الأحياء منهم والأموات إنك الرب الرحيم الجواد الكريم

بسم الله الرحمن الرحيم

إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاء ذِي الْقُرْبَى

وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُون

زر الذهاب إلى الأعلى