عاشوراء – كلمة ليلة العاشر من محرم 1410 هـ

سنبقى نعطي الإسلام ولكن على طريق الإسلام،
ونسخو بكل شيء إن شاء الله، ولا نملك أن نعد إلا بتوفيق الله سبحانه وتعالى. وكل
ذلك بعد معرفة الحق اليقين، وعل الطريق الذي أذن به أهل البيت (ع)

أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الغوي الرجيم
بسم الله الرحمن الرحيم

… الحمد لله وإن أدمى القلوب شجى الخطوب، الحمد لله وإن عظم الخطب وجل المصاب بفقد أبي عبد الله الحسين والصلاة والسلام على سيدنا محمد وآله الهداة …

السلام عليك يا أبا عبد الله … السلام عليك يا ريحانة رسول الله (ص) … السلام على الجسد المضرج بالدماء … السلام على الرأس المرفوع على رأس الرمح في السماء … السلام على كل قطرة من دمك الفائر الثائر الزكي الذي ينبض بحياة الإسلام، ويقدّمُ للأجيال الوعي واليقظة … وينادي الأجيال كل الأجيال نداءً عل حد نداء إبراهيم عليه السلام أن حجوا لبيت الله، وكونوا دائماً لله، وأعطوا من أنفسكم كل شيء لله سبحانه وتعالى، السلام عليك يا أبا عبد الله يا ذخيرة الله في أرضه، السلام عليك يا سفير الله في أرضه، السلام عليك وعلى سفارتك الحقة، التي أعطت للأمة أن الدين أكبر من كل القيادات . . . وأن قيادة الدين الكفؤة بالأصل هي قيادة واحدة، هي قيادة المعصوم حامل ميراث الأنبياء …خازن علوم الأنبياء، المعصوم الذي يعطي صورة حقة مطابقة للقرآن والسنة، هذه هي القيادة الإسلامية بالأصل ولا قيادة باسم الإسلام إلا هذه القيادة، وقيادة أذنت بها هذه القيادة .

لقد اسقط الإمام الحسين (ع) بدمه الطاهر أي تمثيل كاذب للإسلام ، و حصر تمثيله الحق في المعصوم، ومن أذن له المعصوم (ع).
يا يوم الطف يا يوم الفتح، يا يوماً أسقطت كل دعاوى المدعين ، وكل زيف الزائفين… أنت الذي حفظت للإسلام أصالته، بعد أن أعطى للإسلام أصالته القرآن، وتجذره الرسول الأعظم (ص). أنت يا سيدي يا أبا عبد الله حافظ دين الله، أنت الذي حفظت الأصالة، وأسقطت كل الشعارات الكاذبة وكل التمثيل الناقص للإسلام، أنت أسقطت مؤامرة الخط الأموي التي لا زالت تتعامل مع الإسلام تعامل الخداع والغش، وقد كشفت للأولين والآخرين أن كل الشعارات وأن كل الدعايات الخارجية التي لا تزرع في الأرض العدل، التي لا تعطي للإسلام الوعي، التي لا تقدم للإنسان الكرامة، التي لا تبلغ بالإنسان شأنه القرآني، التي لا تأخذ بالإنسان إلى كماله، التي لا تشعر الإنسان بأنه إنسان ، ومخلوق كريم ، وإنسان قادر على الفعل، وصاحب دور خلافي عن الله…

 أن كلَّ هذه الدعاوى وكل هذه الشعارات، شعارات لا تصمد أمام وعي المسلمين الذين يستقون وعيهم من ثورة كربلاء، ومن كلمات الإمام الحسين (ع). لقد قلتها صريحة يا سيدي، قلتها صريحة أن من لم يلحق بك لن يبلغ الفتح، أما من لحق بك فقد تحققت له الشهادة. وربطت بين الانتكاسة العسكرية وبين الفتح الكبير الإسلامي، حيث الحفاظ على أصالة الإسلام، وحيث الحفاظ على الوعي الإسلامي، وتبقى الإنتصارات العسكرية في حسابك، وفي حسابات كل وعي إسلامي حسابات ثانوية، والمقصود بالذات، والهدف الأول بقاء الإسلام، ومعنوية الإسلام… أن يبقي الإسلام محافظاً على أصالته، محافظاً على صفائه .

نعم سيدي يا أبا عبد الله الحسين لك أرواح الأجيال كلها فداء، لك أرواح الأمم كلها فداء، يا صانع الأمم يا صانع الأجيال، يا صانع التاريخ، يا باعث الإنسانية، يا حياة الدين يا قوامه، يا نظام الدين، يا من لا ينتظم الدين إلا به، السلام عليك يا أبا عبد الله، لقد قلتها صريحة؛رضا الله رضانا أهل البيت، وكنت تريد لهذه الكلمة أن تربط الأمة التي تنشد الحق بقيادتكم. أردت أن تشير إلى الأجيال أنها إذا تلهفت للإسلام واشتاقت للأصالة، وتاقت إلى إنسانيتها، فليس لها من مأوى، وليس لها من قيادة، وليس لها من خط يحفظ هويتها الإسلامية، ويحفظ أصالتها الإنسانية، ويضعها على الدرب الموصل إلى الله، إلاّ خطكم. المنقذ دنيا وآخرة، ليس لكل الأجيال ، ليس لكل الأمم قيادة أخرى غير قيادتكم أهل البيت،لأنّ رضا الله رضاكم، وموقفكم دائماً كاشفٌ عن رضا الله، موقفكم كاشف عن الشرعية. أنت تريد أن تقول أن ليس هناك بيت واحد على الأرض رضا الله رضاه، والحق يدور مدار موقفه، ومدار كلمته إلا هذا البيت. كلمة أهل البيت عليهم السلام تحدد الموقف دائماً،تحدد القرار، قرار الإنسان المسلم، المتشوق للإسلام، التواق إلى الحقيقة.

سيدي يا أبا عبد الله وقد قلتها لنا؛ أن لا خروج ولا حركة ولا سكون ولا قيام ولا قعود ولا تقدم ولا تأخر إلا للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. ونحن دائماً وأبداً قبل أن نتحرك على طريق الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، محتاجون إلى أن نتعرف المعروف والمنكر عن طريقكم سيدي، عن طريق كلماتكم الثابتة، أحاديثكم المحققة التي بدل فيها تلامذتكم من فقهاء الأمة الذين أوجدتم،جهوداً ضخمة تحقيقاً وتدقيقاً وصيانةً للحرف والمعنى من العبث والضياع… سيدي يا أبا عبد الله أنت تقول لنا اعرفوا أولاً المعروف، واعرفوا المنكر، ولن تعرفوا معروفاً ولن تعرفوا منكراً حتى تعرفوا أهل البيت عليهم السلام وتأخذوا منهم علم دينكم القويم، وتقبلوا عملاً على ما هو معروف عندهم، وتنأون وتتنزّهون عما هو منكر في فهمهم.

أجيال الأمة الإسلامية تحتاج دائماً إلى هذه البصيرة، بصيرة أهل الحق والدَّالين عليه، والطريق الوحيد إلى الله سبحانه وتعالى، ومعرفة ما هو معروف عندكم وما هو منكر في الثابت عنكم ليكون الطلب من بعد ذلك طلباً صحيحاً للمعروف حقّاً، والإنكار إنكاراً صحيحاً على ما هو منكر حقّاً.
وتبقى الأجيال يا أبا عبد الله تستمد من دمك الفائر، وتستمد من كلماتك الساخنات، وتستمد من آهاتك الحارة، وتستمد من تمتمات شفتيك المقدسة لله، المسبحة باسمه … تبقى الأجيال تستمد من كل خاطرة من خواطرك، من كل نبرة من نبرات صوتك، من كل موقف من مواقفك وعيها وحركتها واندفاعها وصمودها وإرادتها وصلابتها وإصرارها على الهدف، واتجاهها لله سبحانه وتعالى.
أعطوا أيديكم أيها الأخوة بصدق وبقوة ليد الإمام الحسين (ع)، لتستصغروا من بعد ذلك كل يد كاذبة، وكل يد زائفة، وكل يد خؤونة، وكل يد هزيلة لا تضع يدها بقوة، وتشدّ قبضتها بقوة بيد الإمام الحسين (ع).

السلام عليك يا أبا عبد الله، يا ثائراً من أجل الله، يا شهيداً من أجل الله، السلام على دمك الفوار الذي تفور في القلوب لوعة بفورانه، السلام على أشلائك المبددة التي بددت من شعور الأمة مالا يعيد إليها استقامته واجتماعه إلا أن تجتمع وراء رايتك وتأخذ برأيك، وتنتمي إلى صفك، وصفك سيدي صف الفقهاء، وهم الدليل عليك، وأنت دليل الكل على الله عز وجل.
سيدي يا أبا عبد الله الحسين ما كنت تتخذ سفير باطل، وما يصح في وعيكم، وما يصح في دينكم أن يَتخذ مذخورُ آل محمد، ومذخور رحمة الله، والموهبةُ العظمى في خلق الله، والمخلص لعباد الله إمامنا المنتظر القائم عجل الله فرجه، و ما كان يدخل في مذهبكم جميعاً، وما كان يدخل في طريقتكم أن تعتمدوا الهزل وأن تعتمدوا المتساهلين في الدين، وأن تعتمدوا المتقولين على الله سبحانه وتعالى.

أيا أبناء الحسين، يا أبناء علي، يا أبناء محمد، يا بنات رسول الله (ص) يا بنات كربلاء، هنا وفي كل مكان من أرض الإسلام الواسعة، أنتم حملة إسلام الحسين، أنتم حملة راية الحسين ووعي الحسين، فعضّوا بنواجذكم على كل كلمة صدرت من الإمام الحسين(ع)، واتخذوها مدرسة كبرى في الحياة. اعرفوا تماماً أن الحسين (ع) كانت ثورته ضد الشرعية الكاذبة، ضد مدعي الشرعية وهم بعيدون عنها، ضد يزيد الذي كان يرفع راية الإسلام كذباً. ونحن علينا اليوم بوعي رشيد، وبعزم أكيد، وتصميم ثابت، أن نفضح كل دعوة ترفع راية الإسلام، وهي بعيدة عن الإسلام تخسأ أن ترتقي إلى مستوى الإسلام. علينا أن نسقط كل دعوى، وكل نيابة كاذبة تحاول أن تنتسب زوراً للإسلام، ولا ندري أكانت تخدم الصهيونية أم غيرها من أعداء الإسلام عن خبث أو سذاجة.

نحن نبرأ إلى الله سبحانه وتعالى من مثل هذه النيابة السفيهة، وأهل البيت (ع) منها براء وعلى الأمة أن تصر على وعي أهل البيت عليهم السلام، وألا تنسف بفقهائها في البحر لحساب دعوة هزيلة، من واحد هو يعرف نفسه، وأن موقعه من الفقه والتقوى.
السلام عليك يا أبا عبد الله الحسين، نريد أن نستمدّ منك وعياً يجابه الصهيونية، ويجابه تآمر الغرب، ويجابه تآمر الشرق، ويجابه كل المؤامرات من صغيرها إلى كبيرها، ونريد أن نستمد منك عزماً يصبرنا على طريقنا الصعب، ويجعلنا نسترخص نفوسنا حين يتجلى لنا الحق، ويستجلى الطريق، ونعرف أنكم أنتم القيادة.

نريد سيدي يا أبا عبد الله ألا نعطي قطرة من دمائنا لغير حقكم، ألا نعطي لحظة من لحظات عمرنا لغيركم وغير رايتكم. سيدي أبا عبد الله أفيضوا علينا من علمكم علمِ الله، أفيضوا علينا من بصيرتكم بصيرة الدين، فإننا لأحوج ما نكون إلى البصيرة، وأحوج ما نكون إلى الوعي، ودعوات السفهاء، ودعوات الضالين والمضلين، ودعوات الانحراف تترى من الشرق والغرب.

دعوة سلمان رشدي وهي دعوة ضلال وكفر وإلحاد، ودعوة النيابة الخاصة التي تنتمي إليها ولا تخرج عن إطارها، ودعوات أخرى ستأتي وستأتي، نريد حماية من هذا وذاك من وعيكم، نريد حماية من بصيرتكم، نريد شفقة من شفقتكم يا رأفة الله يا رحمة الله بهذه الأمة، التي يستهدف أعداؤها أن يمزقوها كل ممزق. مرة ترفع راية الطائفية لتفرق بين صفوف المسلمين، ومرة تختلق الفتن الداخلية لتفرق صفوف المسلمين، ومرة تأتي الدعوات الضالة التي تأتمر على الإسلام، و ُأكد أنها تأتمر على رجالات الإسلام، وأنها تنوي التصفية لكل مخلص في بلاد المسلمين ممن تستطيع أن تطالها يدهم.

وهذا لا يعني أنه كل من انضمّ تحت دعوة ضالة يحمل هذا الهدف، فقد يكون مغرَّراً به، مستغفلاً، واقعاً في الشبهة، ولكن ……….هذه الدعايات سيء ويحمل نية سوء بالنسبة للإسلام ورجالات الإسلام. ولا فصل أبداً بين سلامة الإسلام وسلامة رجالات الإسلام، وبين الاعتداء على الإسلام والاعتداء على رجالات الإسلام. حين عرف يزيد أن الإسلام يبقى ببقاء الحسين لم يسعه إلا أن يقتل الحسين (ع)، نعم فأعداء الله يعرفون أن بقاء الإسلام دائماً يحتاج إلى فقهاء، دائماً يحتاج إلى علماء، لذا تراهم يعملون على إسقاط شخصية الفقهاء، وعلى تعليق دورهم وعلى تصفية العلماء. هكذا هو ديدنهم.

نريد من شبابنا المسلم من شاباتنا المسلمات، من كبارنا، من شيوخنا، من نسائنا، من كل الفئات، أن يبرهنوا على وعي رشيد وأن يحبطوا كل هذه البدع وكل هذه الانحرافات. وسنبقى نعطي الإسلام ولكن على طريق الإسلام، ونسخو بكل شيء إن شاء الله، ولا نملك أن نعد إلا بتوفيق الله سبحانه وتعالى. وكل ذلك بعد معرفة الحق اليقين، وعل الطريق الذي أذن به أهل البيت (ع). وسنبقى أكثر الناس طلباً للصلح والإصلاح ولم شمل المسلمين، وعدم إيقاعهم في الفتن ولكن لا على حساب دين الله، ودائماً يبقى المنظور الأول والأخير لنا هو الرسالة والحفاظ على الدين .. وسلامة ديننا القويم .

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

 

زر الذهاب إلى الأعلى