هدف ثورة الحسين وسر اختيار الأنصار – محرم 1405هـ

هدف ثورة الحسين وسر اختيار الأنصار[1]

 

 

أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الغوي الرجيم، بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين محمد وآله الطيبين الطاهرين واللعن الدائم على أعدائهم أجمعين إلى قيام يوم الدين.

 

يقول لنا تاريخ الطف أن الإمام الحسين عليه أفضل الصلاة والسلام كاتب أهل البصرة للنصرة ولا شك أنه حين كان يخطب في مكة وكان يخاطب الضمير المسلم آنذاك ويستحث المؤمنين على اللاحق به ثم أنه كتب لمن تبقى من بني هاشم بالمدينة يستحثهم على نصره وإدراك الفتح وإن كان يعدهم بالاستشهاد وحينما أرسل مسلم بن عقيل إلى الكوفة ليأخذ له البيعة كان ذلك خطوة في محاولة استقطاب المسلمين حول حركته المباركة ثم يقول لنا هذا التاريخ من جهة أخرى لأن الإمام الحسين عليه السلام بيّن المرة بعد المرة بأنه يرخص للذين التحقوا به بالتخلي عنه فكيف جميع بين هذين الموقفين؟!

 

فمن جهة يستحث الناس على على الالحاق به ومن جهة أخرى يتصرف مع الأنصار الذين لحقوا به تصرفا آخر فيه إذانا لهم بالتخلي عنه وحينما يقال أن الذين أذن لهم بالتخلي عنه مستويات بسيطة لا تعيش وعي الرسالة لا تحمل روح المبدئية ولا تفكر بوعي في مسألة الدين إنما هم طلاب فرص دنيوية فإن هذا الجواب فيما يظهر من مواقفه الأخرى عليه السلام ومن مواقف جده صلى الله عليه وآله وسلم لا يقول لنا التعارض ولا نستطيع أن نفهم أن الإمام الحسين عليه السلام يحاول أن يكسب المعركة كسبا ماديا على مستوى النصر العاجل من خلال عناصر رسالية واعية متقدمة في فهم الإسلام تحمل البصيرة إسلامية بصدق والضمير الإسلامي الخالص.

 

إنك لو جهدت نفسك وتتبعت هذه النوعية أفرادومصاديق في كل مجتمع وفي ك عصر من العصور لوجدتهم قلة لا يمكن أن يعتمد عليهم في مواجهة الكثرة الكاثرة ممن لا يعوون مسألة الرسالة الوعي الكافي، فلو قصد الإمام الحسين عليه السلام أن يجمع حبيب بن مظاهر وأضاربه وأراد أن لا يتحرك إلا به ومن ماثله وهو يطلب النصر العاجل فهل كان هذا شيئا معقولا من الإمام الحسين عليه السلام وهل من المعقول أن يفكر عليه السلام بكسب المعركة وحسمها في صالحه ثم يشترط أن لا يكون له نتصر إلا من مثل حبيب بن مظاهر وكم هم من يرتفعون إلى مستوى حبيب عند الإمام الحسين عليه السلام؟ ثم أن الثمانية عشر ألفا من أهل الكوفة الذين بايعوا مسلما عليه السلام هل كانوا بالمستوى المطلوب، وهل النبي صلى الله عليه وآله أنتصر في معارك بهذه النوعية الخاصة فقط؟ وهل كل من سقطوا شهاداء بين يدي رسول الله صلى الله عليه وآله هم شهداء حقا؟ وينقل لنا التاريخ أن بعضهم لمن يكن كذلك فقد سقط في معركة قائدها رسول الله صلى الله عليه وآله شهيد العصبية والقومية وليس شهيد قضية الإيمان والوعي.

 

هل نأخذ بفرض أن الإمام الحسين عليه السلام إنما رخّص لهؤلاء وحاول أن ينقي الأنصار من العناصر ذات المستويات المتدنية إنما فعل هذا لأنه يشترط هذا الشرط في كل الأحول فكلا وهذا ليس صحيح.

 

الإمام الحسين عليه السلام وهو يواجه يزيد ويزيد يملك دولة ويملك كل المقومات من الناحية المادية للدولة القوية فلابد أن الإمام الحسين عليه السلام يتطلب ظروفا موضوعية مناسبة ولذلك كاتب أهل الكوفة ووصل لها وخرج من المدينة يشعر وذهب لمكة ومكث فيها عدة أشهر وحاول أن يشهر قضية وهذا كله من أجل أن يستقطب العدد الكافي ويحسن وضعيته العسكرية وكان بهذا يصنع مقدمات ناجحة توصله لمرحلة الحسم العسكريالذي كان مطلوبه الأول من أجل الإسلام[2] فالإمام الحسين عليه السلام عندما يحاول أن يحسم المسألة في صالحه فكان لأجل أن يذيع وجوده في سبيل الله بصورة ثانية فمرة بصورة استشهاد ومرة أن يذوب تدريجيا ويحرق وجوده كله كما حرقه أبوه صلوات الله وسلامه عليه وهو يقود الأمة إلى خيرها وسعادتها.

 

فما حال الإمام الحسين عليه السلام لو تبؤا كرسي الحكم من ناحية دنيوية بأحسن كم حاله يوم استشهد وقد كانت حياته معاناة مرة ولكن حين يطلب النصر العسكري فلابد عليه أن يسلك الطريق ويبحث عن مقدماته المناسبة وكان ذلك يتمثل في محاولة استقطاب وتجميع جمهورا كبيرا وقاعدة شعبية عريضة ومحاربين كثرة في سبيل تحقيق ذلك النصر.

 

فهل كان الإمام الحسين عليه السلام  من السابق لا يريد إلا الاستشهاد؟ لا ولكن هذا فرض بدل وهدف بدل فقد كان هذا تقديره صلوات الله وسلامه عليه فمسألة توالي البيعة من الإمام الحسن عليه السلام  فمعروف أنه بايع تحت ظروف الشدة وتحت ظرف المصلحة الإسلامية ونعلل هذا البيعة بان الأمة بعد لم تتكشف لها سواءة الحكم الأموي ولم تكن تهيئت بعدُ للتصديق بأن معاوية ملك وليس خليفة من خلفاء المسلمين فكان على الإمام الحسن عليه السلام فرصة ويعطي معاوية فرصة لأن يظهر على المسرح العملي بصورته الحقيقة العارية قتالا للمؤمنين معاديا للإسلام وحيئذ يمكن للأمة أن تصدق بأن معاوية وما أسسه معاوية من دولة إنما هو دولة وضعية ولسيت دولة شرعية.

 

أما الإمام الحسين عليه السلام وهو المعصوم الآخر كما كان أخوه صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين فتقديره الموضوعي للمسالة وهو تقدير يلتقي في نتائجه مع تقدير الإمام الحسن عليه السلام وهذا التقدير كان أن البيعة ليزيد تعني قطع خط الرجعة للإسلام وأنه سيتمتع البيت الأموي بطابع شرعي للحكم وسيصعب على الأمة بعد فقد ضميرها بالكامل أن تسترد أنفاسها وأن تعود لأصالتها فكان لابد أن يسقط الحكم الأموي إما إسقاطا نهائيا أو إسقاطا تدريجيا.

 

فلقد كان هذا هو الهدف الأصل الأول هو تحقيق النصر العسكري الحاسم وكان يفتش عن مقدماته بكل ما يستطيع فإذا امتنع ذلك عليه صلوات الله وسلامه عليه فمعنى ذلك لم تنفد كل سهامه ولم تتعطل خططه وإنما وضع خطة بدلا وهي الاقدام ععلى الاستشهاد هو ومن معه ليسجلوا الموقف الإسلامي الأصيل وتتضح من خلال شهادتهم الاطروحة الإسلامية الصادقة في قبال الطرح الأموي للإسلام المشوّه.

 

الهدف الأول كان يتسع للأنصار من مختلف المستويات فتحقيق النصر العسكري لو شارك فيه الرسالي الوعي جدا ونصف الرسالي وربع الرسالي وصاحب الوضع الاقليمي وصاحب التصور العشائري فإن هذا لن يضر فإن تربية المة ستكون بيد الإمام الحسين عليه السلام وسيعدل من هذه المستويات وسيدفع بها للأمام وسيبلور لها إسلامها ويعطيها النضج في الإيمان.

 

وأما الهدف الثاني وهو أن يقابل الإمام الحسين عليه السلام صورة الإسلام المهلهل الذي دخله هوى الإنسان وقصوره وطبعته شهوات الإنسان، فإن يقابل هذه الصورة بصورة إسلامية نقية مشرقة ليس فيها شوب الأرض فهذا الهدف الأسمى كان يتطلب نوعية خاصة من الأنصار ومستو خاص من العقليات ونوعية خاصة من النضج الإيمان فكان هنا عليه أن يبحث عن العناصر الممتازة في المجتمع أما أصحاب المستويات المتدنية الذين سيكون ضررهم على القضية أكبر من نفعهم[3] فعندما تحدث المعركة الحاسمة فإن أصحاب التصورات القاصرة وأصحاب الرؤى القصيرة وأصحاب المطامع الدنيوية فكلهم ينسحبون في اللحظة الحاسمة ويبقى الإمام الحسين عليه السلام بالعدد اليسير فهنا تحدث انتكاسة ويسجل على هذا الموقف نقطة ضعف تضر به ضررا كبيرا جدا.

 

وأما الإمام الحسين عليه السلام يرخص للأصحابه الخلص المرة بعد المرة وكانوا يقولون له كما قال له زهير بن القين: “لو كانت الدنيا باقية وكنا فيها مخلدين لآثرنا النهوض معك على الإقامة فيها” فكلام يريك إلى أين وصل الوعي عندهم أمام فرض أن يحيى طول الأبد هنا وأن يتمع طول الأبد على الأرض ومع ذلك يختار قضيته المبدئية ويختار أن يدفن في اللحظة تحت الأرض على أن يعيش الأبد من أجل مبدئه ولهذا يريد أن يسجل موقف يعبر كل فيافي التاريخ وموقف يقدر أن يتجاوز كل الحدود والسدود ليرن في مسمع الدهر ويوقظ ضمير الأجيال. وأما شخص تافه بتصورات قاصرة ويقف مرتعا ويتراجع عن الزحف في اللحظة الحاسمة فإنه يشوّه القضية.

 

وهدف الإمام الحسين عليه السلام تحقق بتلك العناصر التي باعت نفسها من أجل االله سبحانه وتعالى فهذا برير يقول: “الحمد الذي هدانا بك نقاتل بين يديك ونقتل فيك وتقطعك اعضائنا فيك [4] ويكون جدك شفيعنا يوم القيامة” فهو يعتبره موقفا امتنان بالرغم من المتاعب هو يشكر الإمام الحسين عليه السلام ويقدم له التحيات العريضة وهو الذي سيتقل بين يديه.

 

والحمد لله رب العالمين

 

[1]  ألقيت المحاضرة في محرم 1405هـ، الموافق 10/ 1984.

[2]  لم يكن هدفا في حد ذاته فالمعارك التي قادها الرسول صلى الله عليه وآله والإمام أمير المؤمين عليه السلام والإمامين الحسن والحسين عليهما السلام أنها تقع وسائل وليست أهداف.

[3] النصر العسكري ميؤوس منه فزيادة مائتين أو ثلاثمائة لا تغير شيء.

[4] لست لما أنت من لحم ودم وإنما بما أنت إمام شرعي.

زر الذهاب إلى الأعلى